يحسب الإعلام، عميل الاتّحاد العام التونسي للشغل الخائن وعميل "الوطنيين" الفاسدين واليسار الحاقد، أنّه قد نجح في تسويق أنّ الترويكا وخاصّة رأسها (عندهم) النّهضة، كانت السبب في عدم الاستقرار وفي كثرة الهزّات الاجتماعيّة!... ثمّ يغطّي على ذلك ويعمّي عليه بإبراز صورة المجتمع الهانئ المكتفي الذي ما تأخّر في الظهور بمجرّد مجيء حكومة التوافق "الوطني" التي أرساها المجتمع المدني والقوى المراقِبة ل"فساد" النّهضة وتغوّلها: فرح سائد في المجتمع، بورصا منتشية، مؤشّرات اقتصاديّة إيجابيّة، قروض لا تخشى عدم القدرة على السداد ولا يخشى "الوطنيّ" منها إغراق البلاد في المديونيّة كما كان منذ حين يخشى!... يفعل الإعلام المجرم (وقد نعتّه من قبل بالإجرام) ذلك، حتّى إذا ظنّ أنّ النّاس قد صدّقوه بدأ يمرّر بجرعات خفيفة سهلة القبول ما من أجله حوربت الترويكا وما من أجله قام "الحوار الوطني" المضلِّل، فيتحدّثون عن ظروف أمنيّة في البلاد لا يمكن معها إذا استمرّت - وسوف تستمرّ - إجراء الانتخابات في مواعيدها التشريعيّة نهاية 2014، يتحدّثون عنها على لسان محلّل سياسي نبيه، أو عن طريق رئيس حزب أراد تغيير توجّه حزبه بتغيير جزء من اسمه محافظا على نفس تشكيلته، أو عن طريق زائر غيور جمع مشاكل البلاد وأوعاها ووعاها فترجم عن حبّ لها لا يتحقّق إلّا بمحاربة أهلها!...
يقعون بذلك في التضارب الضارب لثقة مغشوشة يريدون اكتسابها، إذ كيف يشوب الاستقرار المهدي المحدَّثُ به عدمُ أمان وقلّة أمن واطمئنان يمنعان قيام الانتخابات في موعدها، إلّا إذا حسبوا أنّ الترويكا لم تكن عالمة بكلّ مخطّطاتهم حين تمسّكت بعدم تسليم أمانة الحكم قبل التحوّط لها بالنصّ، أو إذا حسبوا أنّ التلاعب سيظلّ قائما بعد الثورة كما كان قبلها بالنصّ!... تراهم يخطّطون على المدى البعيد دون اكتراث. فراعي الحوار، خائن البلاد دائسها وحاطمها بما جيّش من مضربين استمرأوا أكل الحرام، يتحدّث عن اتّفاق مع المهدي يقضي بالجلوس كلّ شهرين لتدارس الأوضاع ومراجعة خارطة الطريق كما لو كانوا سيعمّرون في تونس كما عمّر نوح عليه السلام في قومه. وخارطة طريق ماضية تدوس كلّ من اعترضها في الطريق غير مبالية بما ينجم عن ذلك ممّا قد يسدّ على التونسيين جميعا الطريق. وانحطاط أخلاقي حاطم جارف نحو الهاوية يُمرَّرُ بالدّينار الحرام القذر عبر هدم الأسرة وضرب الحياء وشيوع الفاحشة في الحياة، فقد صدمت وأنا أتابع هذا البرنامج الهابط جدّا (وما أمكن الملاحظة لولا المتابعة) المعنون بشريك العمر، فقد كان من أسئلته "المهمّة جدّا" البارحة: كيف يكون ردّ فعلك إذا ما ذهب زوجك إلى التمسيد عند الممسّدة، وكيف يكون ردّ فعلك إذا نشبت في النّادي الليلي خصومة بين زوجك وآخرين!... أسئلة مدروسة بخبث استثنائي جرّأها على التونسيين أكلهم المشبوه والحرام، تُمتَحن بها الغيرة ويوضع بها القبول للفاحشة!... فليس عيبا أن تمسّد من طرف الممسّدة ولكنّه مزعج للمجتمع "التنويري المتقدّم" أن ترفض التمسيد أو لا تستطيب أنامل متقنة التمسيد. وليس منكرا أو خطيرا أن ترتاد النوادي الليليّة ونوادي العراة "الحضاريّة" ولكنّه مخيف أن ترابط بالمسجد تصدّر منه إرهابا أو تصنع به عدم حياد سياسي سوف يؤثّر حتما على قارعة الطريق!...
أحسب أنّنا مدعوون جميعا إلى الوقوف ضدّ هذه الجرائم الإعلاميّة و"التنويريّة"!... أحسب أنّنا مدعوون إلى مناصرة الفضيلة ورفض الرّذيلة ومحاربتها بشدّة!... أحسب أنّنا بحاجة ماسّة إلى تحرّي الحلال نستغني به عن الحرام البغيض الذي هتك أستار البعض منّا وجعل مذيعا تافها كهذا المذيع في البرنامج الذي ذكرت أعلاه يشبّب بنساء التونسيين على الهواء مباشرة دون حياء أو حدود أو خوف من ردّة فعل ذكر أو أنثى!... أحسب أنّه علينا أن نتّقن التوجّه بعد اختيار الوجهة والهدف، وأنّ الوجهة لن تكون صائبة إلّا إذا كانت باتّجاه الله تعالى!... أحسب أنّ كرهي لألفاظ استعملتها الصهيونيّة ثمّ ردّدها قومنا بغباء لن يبطل ما نحن فيه لمّا ارتضينا غصبا عنّا اتّباع "خارطة طريق"، غير أنّ ذلك لا يبطل أيضا حقيقة أنّ اتّباع خارطة طريق يستوجب معرفة التوجّه واستعمال وسائله بإتقان، والعسكريون - وأنا منهم - قد عرفوا خارطة الطريق، واستنتجوا ميدانيّا أنّها لو استعصت على متّبعها جعلته يدور على خطاه لا يدرك كيف يهتدي إلى الطريق!... وإنّي والله لا أحسب أنّ "خارطة طريق" رسمها اليسار المتعفّن وخائن تونس الكبير حسين العبّاسي - عليه من الله ما يستحقّ - قد توصلنا إلى طريق غير طريق الخسران المبين عياذا بالله تعالى!... فهل للطريق من خارطة واضحة توصل حقّا إلى الطريق: ذاك الطريق المستقيم الذي ما جاز لغيره أبدا أن يسمّى طريق!...