الحماية المدنية : 559 تدخلا منها 115 لاطفاء الحرائق خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية    تونس تسجّل زيادة ب16.9% في الاستثمارات المصرح بها خلال النصف الأول من 2025    قابس: التعريف بفرص الاستثمار في القطاع الفلاحي المتاحة لأبناء الجهة في الخارج    عاجل: هذه الدولة تستعد لموجة حرراة جديدة تبدأ السبت.. والسخانة قد تصل إلى 45 درجة    عاجل/ ايقاف "تيكتوكور" معروف من أجل نشر فيديوات فاضحة وخادشة للحياء..    بطل العالم للسباحة أحمد الجوادي في حوار خاص مع "وات": استقبالي من قبل رئيس الجمهورية رسالة تحفيز على مزيد التألق    عاجل - ليلة رُعب في سكرة: معركة عنيفة بين فناني راب ...القضاء يتدخل    بعد انصافه وتوجيهه لكلية الطب بالمنستير: التلميذ محمد العبيدي يوجه هذه الرسالة لوزير التعليم العالي وكل من سانده..#خبر_عاجل    فظيع/ مقتل زوجين في حادث مرور مروع بهذه الطريق..#خبر_عاجل    بطولة فرنسا: الأمريكي تيموثي وياه ينضم لمارسيليا على سبيل الاعارة    كرة اليد: حمدة بن قاسم مدربا لشبان الريان القطري    فتح باب الترشح للمشاركة ضمن المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة لأيام قرطاج السينمائية    برنامج الأغذية العالمي: نصف مليون شخص في غزة على شفا المجاعة    هاو وين تمشي فلوسك... 26٪ من شهريّة التونسي تمشي للمواد هذه    النادي الصفاقسي يُعلن ضمّ ترافيس موتيابا    عاجل : فرصة عمل للتونسيين في السفارة الألمانية: شهرية محترمة وظروف عمل مميزة    كرة اليد: منتخب الشاطئية يفوز على الصين    منى نور الدين: مصدومة من جمهور سوسة... المسرح كان شبه خالٍ رغم تعبنا    وفاة والدة براد بيت عن عمر 84 عامًا    تاكل برشة من الغلة هذي؟ راك تعرّض في صحتك للخطر    عاجل: هذه الدولة تسحب شوكلاطة ''دبي'' من السوق بسبب شبهة تلوّث بالسالمونيلا!    عاجل : الحاضر يعلم الغايب ...الصولد يبدا ليوما يا توانسة    52% من مكاتب التشغيل تستعمل المنصة الإلكترونية.. تعرف كيفاش تسجل من دارك!    عاجل: قرار صارم ضد الحكم حسام بولعراس بعد مباراة الترجي والملعب    تحب البطاطا المقلية؟'' هذا علاش ممكن تجيبلك مرض السكري!''    ترامب يعلن دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ    عاجل/ تواصل البحث عن الشاب الذي غرق في الهورية منذ يومين..والغواص ختام ناصر يكشف تفاصيل جديدة..    "عربون" لعماد جمعة على ركح مهرجان الحمامات: عرض كوريغرافي يرقص على جراح الفنان التونسي في ظل الوجع والتهميش    اليوم.. طقس صاف والحرارة في ارتفاع طفيف    وزارة الداخلية: صفحات تعمدت ترويج مغالطات ضد المؤسسة الامنية و يجري تتبعها قضائيا    تونس وجهة صحية إقليمية: اجتماع وزاري لدعم السياحة العلاجية وتصدير الخدمات الصحية    الجزائر.. مقتل 4 أشخاص في سقوط طائرة بمطار جيجل    5 دول إفريقية تدفع ثمن سياسات ترامب بشأن "وسائل منع الحمل"    رئيس الجمهورية يقلد بطل السباحة العالمي أحمد الجوادي بالصنف الأول من الوسام الوطني للاستحقاق في قطاع الرياضة    رئيس الجمهورية يستقبل رئيسة الحكومة في جلسة خصصت للتداول حول عدد من المواضيع التي تتعلق بسير عدد من المرافق العمومية    استشهاد 41 فلسطينيا بنيران جيش الاحتلال    الخطوط الجوية الفرنسية تعلن عن اختراق أمني لبيانات المسافرين... وتحذر من رسائل مشبوهة    قيس سعيّد: الشعب التونسي سيُحبط محاولات التنكيل به وتأجيج الأوضاع    رئيس الجمهورية يستقبل البطل التونسي أحمد الجوادي    تعرض لأزمة صحية شديدة.. نقل الفنّان المصري محمد منير الى المستشفى    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة..    سياحة: تونس تسجل أرقاما قياسية في عدد الوافدين والإيرادات خلال النصف الأول من عام 2025    المهرجان الصيفي «مرايا الفنون» بالقلعة الكبرى .. عبد الرحمان العيادي في الإفتتاح وسنيا بن عبد الله في الإختتام    تاريخ الخيانات السياسية (38): قتل باغر التركي    20 ألف هكتار مهددة: سليانة تتحرك لمواجهة آفة 'الهندي'    في دورتها الثلاثين... تتويج مبدعات تونسيات بجائزة زبيدة بشير... التفاصيل    مكانة الوطن في الإسلام    مدنين: فتح تحقيق في ملابسات وفاة شاب أثناء شجار مع عدد من الأشخاص    توننداكس يسجل تطورا ايجابيا قارب 31ر16 بالمائة خلال النصف الأول من سنة 2025    فتح باب الترشح للطلبة التونسيين للتمتّع بمنح دراسية بمؤسّسات جامعية بالمغرب وبالجزائر    ما هي التطورات المتوقعة في قطاع الاستهلاك الصيني؟    عاجل/ رئيس قسم طب الأعصاب بمستشفى الرازي يحذر من ضربة الشمس ويكشف..    ماء الليمون مش ديما صحي! شكون يلزم يبعد عليه؟    بعد اقل من اسبوعين من تعيينه : مستقبل القصرين يفك علاقته التعاقدية مع المدرب ماهر القيزاني    مهرجان قرطاج الدولي 2025: الفنان "سانت ليفانت" يعتلي ركح قرطاج أمام شبابيك مغلقة    تاريخ الخيانات السياسية (37) تمرّد زعيم الطالبيين أبو الحسين    عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش    التراث والوعي التاريخيّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طفولة رمضان!
نشر في الحوار نت يوم 28 - 06 - 2014

تتشابه الأيام كأنها التوائم، وتمر أمام ناظريه كطابور يحمل ذات الملامح والشيات واللباس!
كما تتشابه مواسم القرية البسيطة دون تغيير يذكر؛ ما دامت تعيش عزلة عن العالم، ولم تتعرّف بعدْ على منجزاته الجديدة.
رمضان وحده يختلف!
قبل حضوره تسبق الهيبة والجلال والوجل، فإذا أقبل تراءاه الناس بحرص واهتمام.. الكبار يصعدون إلى (النفود) الغربي بعد صلاة العصر، ويتحدّثون باهتمام، ويختلفون، ثم يُنصتون لحديث الإمام؛ الذي يؤكد لهم مكان بزوغه.. ويُلقّنهم ماذا يقولون:
اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، هِلاَلُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، رَبِّى وَرَبُّكَ اللَّهُ.
لا مذياع لمعرفة الخبر.. المذياع نفسه غير مقبول الرواية، ولا يوجد إلا خفية، وعند الفسَّاق وحدهم!
الصغار يفرحون بطريقتهم الخاصة، ولأسبابهم الخاصة أيضاً!
صامه طفلاً، وأقنعته أمه منذ اليوم الأول أن صياماً (كصيام الدجاجة والديك!) يكفيه.. فليُمسك إذاً إلى نصف النهار، ثم يُفطر على وجبة الغداء المبارك!
يتسلل وقت السَّحُور وقد أيقظته الحركة غير المعتادة في المنزل، وينضم إلى ركب المُتَسَحِّرِين.. أما القهوة فلا تصلح له؛ لأنه لا يشربها إلا البالغون.. وبهذا تصبح أُمنية عزيزة ينتظر متى يتأهّل لها ويُصنَّف ضمن قائمة الكبار!
يود أنه كان أكبر من عمره، ويتساءل في سرِّه: متى يأتي اليوم الذي يصبح فيه كهؤلاء؟
لعل عالم الطفولة لا يحظى آنذاك بكثير من الخصوصية والاهتمام، ولا يجد ما يلائمه من المتعة واللهو واللعب، فليس أمامه إلا أن يحلم بالرجولة!
حتى الصوم نفسه أصبح محاطاً بشروط إضافية، فحين يغلبك النوم عن السَّحُور فلن يُسمح لك بالصيام.
لا فوانيس رمضانية.. فالفوانيس هي هي مصدر النور الوحيد في القرية، وخاصة الصغير الذي يسمونه ب(الفنر).
لا حلويات ولا أطعمة خاصة لرمضان.
التوت وحده كان مشروباً رمضانياً يسهل عليهم تحصيله، فهو في دكانهم، وهم يشربونه بكثير من الماء وبعض السكر.
التمر في القرية متوفر في الحقل وفي المنزل؛ الذي تتوسط فنائه نخلة سامقة، بدت وكأنها أحد أفراد الأسرة.
اللبن مشروب شعبي يتهاداه الجيران كتحفة ثمينة، ويتصرَّفون في صياغاته؛ ما بين مخيض، وزبد، وحليب، وبقل (أقط)..
وربما طبخوا التمر بالزُّبد، وحصلوا على طعم لذيذ يسمى (القشدة).
حين نستذكر الأشياء القديمة تبدو وكأنها كانت أكبر وأضخم وأجمل مما هي عليه في الواقع.. هل لأننا صغار كنا نراها كبيرة؟ أم لأننا لم نر غيرها؟
الغرفة الضيقة كانت كمجلس فسيح، والفناء كان كملعب كرة، والجدار القصير كان كَسَدٍّ شاهق.
وحتى البشر.. لا يتخيل أباه رجلاً في الخامسة والثلاثين، ولا أمه فتاة في الثامنة والعشرين.. رمضان كان يزيدهم قرباً والتصاقاً، ويمنح حركة متجددة لا تتوفر دائماً.
لم يعرف الأب (المرمضن)؛ الذي يغضب ويزمجر ويصرخ بحجة الصوم، لا يذكر إلا ذاك السمح السَّهل الطيب؛ الذي يتكلَّف الحزم ليُربِّي صغاره على الصدق، والمحافظة على الصلاة، ومكارم الأخلاق.
صلاة التراويح في المسجد الجامع يحضرونها في اليوم الأول، ثم يكتفون ببعضها، إذ لا طاقة لهم بمتابعة الإمام في تسليماته العشر التي يقرأ فيها جزءاً من القرآن.
التنافس في ختم المصحف على أشُدِّه.. والرغبة في السَّبق تحمل بعضهم على اللجوء لطرق ملتوية مثل (النط)، وتعني قفز بعض السّور أو بعض الصفحات أو الآيات؛ وهي تُهمٌ تشبه تُهم تزوير الانتخابات.. إذ كيف يمكن لفلان أن يصل إلى سورة يونس في وقت وجيز؟!
ويلجا آخر إلى الهَذِّ؛ وهو الإسراع في القراءة حتى لا يكاد يُبِين؛ ليتفاخر أمام نظرائه بأنه سبقهم.
وبعد أيام تبدأ أخبار الختمات تتوالى، ومعها الاتهامات والتشكيك والسخرية.. ودفاع الأب منقطع النظير عن ولده؛ الذي قرأ القرآن حرفاً حرفاً.
فضائح الإفطار السِّري همسٌ يتعالى ويطال بعض المتجرئين؛ ممن هم في بداية المراهقة، ليصبح مادة للحديث والاستنكار ثم العقوبة؛ التي تتراوح بين الضرب، والهجر، والتوبيخ والتحذير من كلام الناس؛ الذي يؤذي الأسرة جميعاً، وعادة ما يتحول إلى عَرْضٍ لتاريخها وسوابقها، وغمز لرقة دينها، وضعف أخلاقها.. ولا غرابة أن يربط بأصلها ثم يعمم الحكم على نظرائها.
أما حين يقع اللوم على ذاك المراهق المتمرِّد من تلك الأسرة العريقة، وذلك الأب الصالح الذي يوصف بهذه المناسبة بأنه (يطهر الأرض التي يطأ عليها)؛ فهنا يسكت الجميع عن التعليق مكتفين بترديد: الهداية بيد الله!
أهل القرية صادقون، ولا يشكّون في نزاهة أحكامهم، ولا في ازدواجية معاييرهم!
من ينسى فيأكل أو يشرب فإنما أطعمه الله وسقاه، ولذا يرون أن عليك ألا تنبهه إلى أنه صائم، فأنت بذلك تقطع رزق الله عنه.
الصغير ينسى، وإذا لم ينس فهو يتناسى؛ ليُقدِّم عذراً جاهزاً حينما يتم الظَّفر به مُتلبِّساً بما يقطع صومه!
روح البساطة والتواضع والعفوية كانت تطبع الحياة بميسمها الجميل.. وكثير من الجمال لا نراه إلا حين يدركه المغيب ويصبح شيئاً من الذكرى.
رحمة الله على تلك الأيام.. وسقى عظام أناسها صوب الغمام!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.