تمّ أوّل أمس صلب هياكل حركة النهضة اختيار الأستاذ عبد الفتّاح مورو رئيسا للقائمة الانتخابية تونس ..2 ولم يجد هذا الاختيار اي معارضة من الداخل نظرا لما تحظى به شخصيّة مورو من احترام من قبل الفرقاء السياسيين يمينا كانوا او يسارا لتميّزه بالانفتاح على جميع الحساسيات والعائلات السياسية ولقدرته على التواصل مع جميع الأطياف ولمرونة تفكيره. يجمع مورو بين صفة الشيخ المتضلّع في المسائل الفقهية والدعوية وصفة الأستاذ بحكم مهنته كمحام وهي المهنة التي تميّز في أدائها على مدى قرابة نصف قرن،ويعتبر مورو الشخصيّة الأكثر خطورة في تجربة الاتجاه الإسلامي سابقا وحركة النهضة لاحقا إذا اعتبرنا الذكاء والمرونة والقدرة على المناورة والخطابة والعمق الثقافي التي يتمتع بها وهي أدوات خطيرة لمقاومة الاستبداد. فلطالما ارتكز النظامان السابقان على توجيه تهمة التشدّد والتطرّف لرفاق مورو في الحركة باستثناء هذا الأخير الذي يمتلك القدرة على إنتاج خطاب متوازن معتدل لا تطاله التأويلات الأمنية والقانوينة حيث لم يترك للنظام السابق فرصة لينال منه ولم تنقطع علاقاته القويّة برموز التيارات العلمانية واليسارية منذ السبعينات.. وحتّى في اللحظات التي احتدم فيها الصراع بين اليساريين والإسلاميين حافظ مورو على صداقاته بخصومه وعلى تعامله معهم فيما يخصّ الأنشطة المشتركة والأهداف الجامعة من قبيل الدفاع عن المساجين السياسيين أو قضايا الحريّات أو مناهضة التعذيب. وعن علاقته براشد الغنوشي يعد مورو الشريك الأبرز في وضع أسس تجربة الاتجاه الإسلامي منذ العام 1973 وهي اللحظة التي بدأت فيها نواة الاتجاه الإسلامي تتشكّل في تونس ولينطلق تبعا لذلك الصراع مع سلطة الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، صراع تشكل حول تكتيكات لي الذراع ليتأرجح بين الصدّ والمحاصرة والليونة والتواصل أحيانا أخرى. وبالرغم من كونه اسلاميا فقد تعرّض مورو إلى حملات تشويه واعتداءات بالعنف من قبل المجموعات السلفية المتشدّدة التي تعتبره متحرّرا وتجاوزيّا ورافضا لشتّى أشكال الانغلاق الفكري والجمود العقائدي. وهنا تلتقي الديكتاتورية مع السلفيات المتطرّفة في رفضها للشخصيات المنفتحة والمتحرّرة وفي معاداتها لبروز الخطاب الإسلامي النابذ للفرقة والمدافع عن الاختلاف كحق وجب صونه. ولم تكن لعلامات الوقار على هذا الشيخ الذي يقترب من سنّ الثامنة والستّين تأثيرا على أنصار حركته والمتعاطفين مع النهضة فحسب بل امتدت لتكون مدخلا لمهنته التي لم يمسكها في الدافع عن اليساريين والقوميين والدستوريين وهو الإسلامي الذي يصرّح بمعاداته للتعصّب والتطرّف والتشدّد والفرقة والانقسام وهو الإسلامي الذي يعكس نموذجيّة الإسلام في صفاءه واعتداله ويترجم الانسجام التاريخي بين العقيدة الإسلامية والشخصيّة التونسية في رونق خاصّ جدّا. لا تبدو تجربة مورو السياسة حزبيّة بالمعنى التقليدي بل يغلب عليها الطابع الدعوي وعوضا عن معادلة الأمر والنهي يستعمل مورو منطق النّصح والتناصح ويستوعب مخالفيه في الرأي برحابة صدره وسلوكه الإنساني المرهف. يتمسّك مورو "البلدي" وتلميذ المدرسة الصادقية بارتداء اللباس التقليدي التونسي الذي جعله أكثر ملاءمة له من غيره من الألبسة ويستعمل هذا المحامي الشيخ الأمثلة الدارجة التونسية لتقريب وجهة نظره لمحاوريه ويتحرّك بأريحية نفسية وبتلقائية نادرة جدّا. سبق لعبد الفتّاح مورو أن ترشّح في انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 كرئيس لقائمة مستقلّة بدائرة تونس ولم يفز، ولكنّه عاد إلى هياكل حركة النهضة من جديد بعد أن تمكّنت هذه الحركة من معايشة وضعها الجديد ومراجعة الكثير من مواقفها وتغيير رؤيتها لطبيعة العمل السياسي الذي تتعايش فيه قيم الديمقراطية مع روح الإسلام المستنير. أول التعليقات التي صدرت عن بعض الملاحظين بخصوص ترشيح عبد الفتاح مورو لرئاسة قائمة حركة النهضة بدائرة تونس 2 رأت في مورو رئيسا مستقبليّا لمجلس النوّاب الذي سينبثق عن الانتخابات القادمة حتّى وإن لم تكن الأغلبية لحركة النهضة "ذلك أنّ هذا الرّجل قادر بشخصيته التونسية المرحة والمثقّفة والمتواضعة أن يقنع خصومه بأنّه الأكثر قدرة من بين المترشّحين والنوّاب المستقبلييّن على تسيير المجلس في إطار من الوحدة والانسجام الوطنيين وقادر على تجاوز بعض التقييمات الحزبيّة الضيّقة فضلا عن كونه رجل فقه قانوني بامتياز."