يهم التونسيين : الانطلاق في عملية تحيين السجل الانتخابي غدا    ارتفاع طفيف في عدد مخالفات السيارات الإدارية خلال الثلاثي الأول من 2024    المرصد الوطني للفلاحة: انخفاض أسعار الدجاج والبيض    ماجول في صالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    محلل مالي : البنوك اصبحت تفرض شروطا صعبة في اسناد مختلف أنواع القروض    طقس الاحد: امطار غزيرة وتساقط البرد بهذه المناطق    غدا.. هبوب رياح قوية وانخفاض مدى الرؤية الأفقية بالجنوب    عاجل : انقطاع التيار الكهربائي بهذه المناطق    روعة التليلي تحصد الذهب في اليابان    الأونروا: 800 ألف فروا من رفح يعيشون بالطرقات.. والمناطق الآمنة "ادعاء كاذب"    إطلاق نار واشتباكات قرب القصر الرئاسي في كينشاسا    صيف 2024: 50 درجة منتظرة و شبح الحرائق حاضر    علماء يكشفون : العالم مهدد بموجة أعاصير وكوارث طبيعية    اليوم : وقفة احتجاجية للتنديد بالتدخل الاجنبي و بتوطين أفارقة جنوب الصحراء    أخبار النادي الإفريقي .. البنزرتي «يثور» على اللاعبين واتّهامات للتحكيم    إضراب بالمركب الفلاحي وضيعة رأس العين ومركب الدواجن    نابل: تضرّر ما يقارب 1500 هكتار : «الترستيزا» مرض خفي يهدّد قطاع القوارص    طقس اليوم ...امطار مع تساقط البرد    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    بغداد بونجاح يحسم وجهته المقبلة    الجمعية التونسية "المعالم والمواقع" تختتم تظاهرة شهر التراث الفلسطيني    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة .. «عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    الحشاني يُشرف على اجتماع لجنة القيادة الاستراتيجية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    طقس اليوم: أمطار بالمناطق الغربية والشرقية وحرارة أربعينية بالجنوب    العثور على كلاشينكوف في غابة زيتون بهذه الجهة    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    داء الكلب في تونس بالأرقام    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسلام معلمن أم علمانية مؤسلمة؟
نشر في الحوار نت يوم 07 - 09 - 2014

يأخذ الإسلام الموزع ضمن نسخ دعوية إستدراكية شتى أشكالا غرائبية تجنح به إلى مشارف الإهلاك المتقصد من بعض حملة خطابه الدعوي المعلن،وبما هي مدارس توسلت ملمح الدين صبغة لنتاجاتها السياسية،لتصير هذه الدعوات مساهمة بشكل فج في تبني رؤى مفارقة نصا ومعنى لمرجعها الفكري الحاكم لها هي نفسها،بماهو شرعة ربانية متعالية،وبما يناقض إدعاء منتجي هذه الدعوات ورعاتها أنهم يحاربون رؤى مثل هاته،ولايقبلون بها توصيفا لكيان أمة تتمحور حياتها بشساعتها ورحابتها وفق صراط الله.فكل النسخ الدعوية-تغفل إن جاهلة أو متقصدة على السواء- عن مجادلة واقع الأمة ضمن مجاليته المتعددة-ثقافة وسياسة وإقتصادا وإجتماعا-لاتعمل في الحقيقة إلا على حصر الدين ومحاصرته في بوتقة الرؤى التجزيئية المسفة.وإن دينا يتحجر ضمن أطر تعبدية وطقوسية جافة وخالصة هو في حقيقة الأمر منافاة لمراد الله من الخلق ومن الدين على السواء.وإن هذا الميل عن شمولية الإسلام كمنهج رباني هو ماتحمل كبره بعض التيارات الدينية التي أشربت في قلوبها حب الحاكم حد الوله وأجزلت له الطاعة دونما حد من شرع أو ضمير وعملت على تقديم رقاب الجماعة المسلمة لهذا المتحكم ليسوسها وكأنها قطيع لاتملك من أمرها غير أن ترطب لسانها بذكره وليلهج ثناء بحمده،ونجد على رأس حاملي هذا اللواء قطاعا ليس باليسير من السلفية وممن يشايعونها.
فهذه المدارس الدعوية المسلفنة-إذ كل يدعي سلفيته المسجلة-في مخاصمتها للسياسي كمجال للفعل والإعتبار خضعت لمنطق علمانية فجة وأقصت شرعة الله من أن تكون حاكمة ومهيمنة على خلق الله إن كانوا بشرا أو أكوانا أو مما لانعلم. لقد تم نفي السياسة خارج مدارات الدرس الديني والحكم الإلهي ليغدو هذا المجال مستباحا لكل فكر وفلسفة ومنفلتا من أية أطر أرادها الله منهاجا،ومن ثم حرم الإنسان الأوبة والعودة إلى مستقره كفاعل سياسي من خلال تعطيل حركيته المستمرة وسيره المتدفق.فهجرة الفعل المقتدر على فهم ومحاورة الميدان السياسي أهي منهاج عقيدة جعلها الله سبحانه في شمولها مهيمنة أم هي دعوة أجلت حوارها مع هذا الميدان لأنها لا تملك من الإقتدار وسيلة تمكنها من تملك دفة التوجيه نحو الوجهات الأصوب؟
لقد قدمت هذه المدارس قراءة تجزيئية مبتسرة للمرجع الحاكم بماهو دين وعقيدة شاملة لكل مناحي ومناشط الإنسان وعلى إمتداد الحياة،وعملت على النقيض من ذلك على صب قراءتها الإجتهادية في قالب من النماذج فوق المعرفية،وكأنها تتوسل القداسة عنوانا لتلك القراءة والتي لاتعدو كونها قراءة يمكن تجاوزها أو نقضها حتى،مسقطة لنفسها فيما يعرف بالنسق المغلق الذي يدعي حيازة الحقيقة داخل بناه وأنه غير قابل للتجاوز.فالسياسة تم نفيها إلى خارج مدارات التداول المعرفي العام،لتحشره ضمن مجال فقهي سلطاني مؤمم،فجُعِلَت فضاءات السياسة حكرا على عقل هو في الأساس مؤدلج ومسيس ومجير لصالح بقاء حكام هم في الأول والأخير فعلة سياسيون لايمارسون شيئا غير السياسة،ولكن الكهنوت الديني تحالف مع الجبروت السياسي لكي يمد الأول الثاني بمشروعية مفتقدة فيما يرفد الثاني الأول بغنائم تسرق من رصيد الأمة جمعاء لترد على مزوري التاريخ والإرادة.يجري إذن التعامل مع السياسة وفق طهورية معيبة تريد تزيدا وادعاء حفظ القداسة للدين من أن يتمحل في وحل القذارة والبذاءة،وهذه القراءة المجروحة لتوصل حقا الى ذات المصائر المراد بلوغها من أجنحة فكرية مخاصمة وعلى النقيض،وتمتح رؤاها من منابع ليس للدين بها أي ارتباط.،فيتم حجز ميدان السياسة وتأميمه لثلة من الفعلة كمجال مايميزه في الأصل هو سنة التدافع والتشارك والتصارع المسالم البناء.بناء على ماتقدم ألا يمكن إعتبار هذه القراءة السلفية مساوقة في طرحها النشاز هذا للقراءة العلمانية المحاربة لحاكمية الدين وتغطيته العامة لميادين الفعل الإنساني في شموله؟كيف تتقاطع هذه الدعوات مع نقيضها المزعوم في إخلاء الساحة السياسية إلا من فعلة هم في الأول والأخير لايؤمنون بالدين منهاجا للحياة؟ألا ينبئ هذا التلاقي في الطرح وفي الوجهة وفي المراد عن تنكب هذه المدارس السلفية عن أسس مشروعها وخذلانها لمرجعها الذي تدعي إنطلاقها منه؟
دولة أم أمة؟
لايجرؤ من يحمل هذه الرؤية المتحجرة والمدجنة من السلفية أن يفصل بالحق وإن كان يعلمه في مأزق الإجتماع السياسي القائم اليوم على إمتداد خارطة الأمة،فيما هي كيانات وزعت واحدية الأمة ووحدتها ضمن مجالات جغرافية متصارعة ومتنازعة تحت مسمى الدولة ككيان قطري مستحدث مقتبس من نتاج حضاري مغاير الأسس والتوجهات.ألم ينص ربنا سبحانه في دستور الأمة الأول بقوله: {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} .فماهذه الحيدة عن منهاج الله في إقامة بناء الأمة ككيان سياسي ملزم والقبول المدخول بأن نصبح أمما شتى،إذ ماعلينا من بعد هذا إذن إلا أن نتخذ مع الله أو من دونه أربابا فنسقط بذلك وحدانية الله بعد أن نكون قد أسقطنا وحدة الأمة. هذه النسخ السلفية الرديئة قد عملت على مفارقة الأصل برحابته فعملت على قومنة ماهو قطري كاستعاضة ممسوخة عن تشهيد هذه المعادلة الربانية الفريدة التي ربطت وحدة الكيانات والمصائر بوحدانية الوجهة والمعبود،وإن أي إسقاط لطرفي هذه المعادلة يعد إخلالا بتحقق هذه الحياة الممتدة من أنفس العباد إلى آفاق الوجود كلحمة جدلت بظفيرة مباركة بين الأرض والسماء.
إن لكل بناء سياسي قوانينه الناظمة وتشريعاته الحاكمة إن كانت ثابتة تدور معه أينما دار كخطوط كبرى وقسمات تمنحه تشكل الهوية وفرادة الوجود،أو متغيرة تستقرئ الحياة والواقع في حركيتهما وتغيرهما المستمر الدائم،وعليه فإن أي استبدال لبعض مكونات ذاك البناء،أو إحلال لأبنية سياسية أخرى داخل مساحة الأمة يستتبع ضرورة وإلزاما إستبدال تلك القوانين والتشريعات،وعليه فإن مايحكم هذه الجغرافيات اللقيطة هو تراث فقهي تمت صياغته في غيبة الأمة عن نفسها وعن دورها ورسالتها،لذا فإن هذه الكيانات الهجينة لم ولن تكون عنوانا حقيقيا عن فاعلية الأمة ورشدها،فهي تعطيل لإنسياب عطائها التاريخي في الوجود،وإن كل محاولة للإبقاء على هذه المنتجات السياسية الفاسدة كمخلفات إستعمارية هو مناكفة لمراد الله،والعمل على إطالة عمر هذه الوثنيات السياسية هو الإفساد في الأرض وهو الإجتماع على غير ماأراد الله لعباده.فكل السلفيات والخلفيات وإن رامت تمسحا كاذبا ومهينا بمرحليات زمنية تحقق من خلالها المثال وتجسد في رحابها الأنموذج لن يكون في مكنتها أن تصوغ فقها سياسيا راشدا يكون الحاكم على الواقع وله فهي لن تستطيع إلا إنتاج فقه موتور لأنها إبنة الهزيمة الروحية أمام طاغوت سياسي عمل على مركزة وجوده داخل البنية الناظمة لهذا الإجتماع القائم وكأنه قدر رباني منزل بغيابه ينفرط عقد الأمة وبتحققه تتنزل بركات السماء.
لقد تمت صياغة فقه سياسي بعملية قص ولصق مفضوحة ولا تتناسب مع معطيات الواقع السياسي الراهن والذي تعمل الدولة القائمة على ذرى الأمة على حيازته قسرا،فمضامين التراث الفقهي السياسي المؤسس للخلافة كنظام للحكم والإدارة والتي يتوسل بها من أجل إضفاء المشروعية المفتقدة لهذه الطوائف الملية والعشائرية لم يكن تشريعا لأمصار موغلة في البداوة كالقائمة اليوم،فلا هي تمثيل لخلافةولا هي صورة لدولة،إنما كان تأطيرا دينيا وفكريا وسياسيا لكيان حكم مفارق لما هو قائم اليوم كجغرافيات مصنوعة شطرت الأمة إلى مزق متناثرة ومتنافرة.لذا يبدو مستهجنا كيف يتم القبول بالحيدة عن الأصل بما هو أمة ككيان حضاري جامع ولربما التآمر والتواطؤ على إزاحته عنوة من مساحة الفعل والتفاعل بينما يتم الرفض المطلق لكل التفريعات الملحقة،وهذا من أجل التمكين لهذه المسوخ السياسية الفاسدة والتجذير لها داخل الواقع وفي وعي الناس،وعلى الرغم من هذا فإن الأمة كنسق موحد تندغم فيه الجغرافيا والتاريخ والحضارة والعقيدة بسلاسة يبقى حيا في الوجدان يتم الإحتماء به من واقع سياسي فاسد وزع كيان الأمة،ويتم اللجوء إليه متى توافرت الشروط الموضوعية لتحققه كمرحلة تاريخية ممكنة ومرغوبة،فالطوبى تملك قدرة كبرى على الإلهام وخلق الدافعية النفسية لدى المؤمنين والأتباع إلى مستويات عليا من الفعل والرغبة في إحياء الحلم وإخراجه إلى الوجود وترجمته إلى واقع مشهود،وإن أخطر مايتم هو محاولات إماتة هذا الحلم داخل النفوس وهذا التوق إلى الإنفكاك من إسار هذه الكيانات القائمة.فحتى هذه الإرادة في المزاوجة بين نمطين في الحكم كنموذجين تتمايز منطلقاتهما أو قد تتضارب يجعلنا نعيش الفصام فلا نحن عقدنا لواء الخلافة ولا نحن أقمنا للدولة بنيانا،وإن صب مفهوم الخلافة ضمن قالب سياسي مدولن لن يعمل حقا إلا على إخراج مولود شائه،هذا النهج التلفيقي هو المسار المتبع الذي سارت عليه ولاتزال كل كيانات "الماقبل دولة"،إذ تتوخى من خلاله تأبيد وهم الإكتمال المعرفي للنموذج السياسي كلحظة فضلى لايجود التاريخ بأحسن منها فهي غير مكرورة.فهل يعقل أن ينظر لوجود وكيانية الأمة بتشريعات الدولة ذات الجذور الحداثية كمنتوج مغاير؟هل يبقى للأمة وتبعا لمفرداتها السياسية والقانونية من إعتبار ووجودها لايتعدى مستوى الطوبى؟كيف أمكن لحراس الصنم السياسي القائم اليوم كحدود وجغرافيا ونشيد وعلم أن يدلسوا على الناس وعيهم ويجملوا بمساحيق اجتهادية وافتائية ذمامة وبشاعة هذا المخلوق الكريه الذي لا هو بالدولة ولاهو بالأمة؟
لبوس الخليفة هل تليق بالحاكمين الجدد؟
يتبدى بؤس القائمين على أمر السلط ضمن وحدات الإقليم المسلم مفجعا،فالهوية المصاحبة لهذا التشكل السلطوي الشخصاني المفرد تبدو نزاعة إلى عدم التحدد والرسو على مقام وفق رغبة صميمة تسكن روح هذا الحاكم المتحكم الذي أراد للرقاب الإخضاع.فهل ياتراه يلبس لبوس الخليفة بمرجعية خلافة ذات القواعد والشروط الثابتة نصوصا وأحكاما؟أم يحاول إيجاد نموذج مستحدث لايرقى إلى مرتبة الخليفة ولكنه بديله الأوفى وفق منطق الحاجة والضرورة؟ألا يعكس الرفض المطلق لبدائل عما هو قائم محاولة للخروج عن القواعد الحاكمة لممارسة السلطة وتملصا من الوفاء بالتزامات عمل سياسي واستحقاقاته المتوجبة دفعها؟
لم يكن الحاكم العربي عبر وكالته السياسية في إدارة شؤون إقطاعيته ليقدر على أداء رساليته كخلافة بما هي نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا،فهو نتاج مرحلية عصيبة إستطاع العدو الحضاري للأمة فيها من إسقاط الخلافة كعنوان جامع يتأسس عليه الإجتماع السياسي الموحِّد والموحَّد.لقد تخلقت هويته داخل رحم التراجعات الحضارية الكبرى كنتاج فكر سياسي يعاني فقرا في المعرفة بالواقع وبمفرداته.فهوية هذا الحاكم تبقى متأرجحة بين لبوس تقليدانية تعوزها الشرعية والمشروعية،وصور ماهوية مستنسخة تبدو تفصيلاتها غير لائقة بشذوذ حالته عن أي خطاطة سياسية تصنيفية،هذه الحالة هي أصدق تعبير عن مأزق الساسة والسياسة،لذا نجد الفقيه السلطاني المتشح كساء السلف-وهو الرديف السياسي السلطوي المحلل لجنوح كل سلطة خائبة عن المقاصد الكبرى للأمة-قد ضرب صفحا عن هذه الحالة ولم يعمد إلى التطرق إليها لأنه لايملك من الأسانيد ولا من النصوصية الخائبة مايعضد رؤيته الفجة تلك.فبانتفاء تحقق نظرية الخلافة بصفتي الهنا والآن يبدو التسربل بلبوس الخليفة ممتنعا منطقا وعقلا،مايدفع كل متسيدي مشهدية الحكم في أقطار الأمة إلى زاوية محرجة تضيق معها القدرة على إجتراح مخارج تقرأ المشهد السياسي في واقعيته الآنية وإنفتاحاته الآتية.
لم يكن بمستطاع حاكم"نا" الفصل في بنية وشكل السلطة المتمنطق بها ولا في قوامه الذاتي المتلحف رداء الحكم،ولا في هويته بوضوح يجلي ضبابية المواقع السياسية في تعريفاتها المقررة،ووفق أي نموذج حكم هو يعلو الرقاب،فهو إذ يسلك نهج عدم التحدد يكون راغبا وإن بشعور نفسي غير مدرك في المماثلة والمشابهة مقاما وصفة بالله في منافاته للشبيه والقرين هذا من جهة،أما على محمل رغبوي آخر نجده يتغيى من وراء أسلوب كهذا ترك مجال المسميات عائما ليكون في مكنته تغيير المنازل التوصيفية حسب الحالة ومستدعياتها المفروضة،فهو في كل يوم في شأن،إنه منزع التأله على العباد وقد صرع هذا المفتون فأورده الهلاك.هذا القوام ذو الأسمال المهلهلة هو التركيب الشخصي اللائق بشخصية أدمنت تنكير أناها والهروب إلى المبهم فهي في سعة من الإختيار تستعير من متجر التجربة التاريخية لبوس الخليفة وإن كان قوامها في هزاله يبدو مضحكا ومبكيا في آن ولا يليق أو يتناسب مع مقاسات من في صياغتهم حاكوا هذه اللبوس لتليق بالعظام وليس بالأقزام،وهي في إختيارها البائس المقابل تلحق نفسها بنماذج جاهزة وفق طروحات حداثوية تسرق أشكالا ونصبا تتوهم من خلال حشرها داخل نسقنا الحضاري أنها تجعلها تنضوي تحت مساقات يجللها نور العصرنة والتحضر.
طاعة أم عبودية؟
كيف لإنسان وبالأحرى لمسلم أن يقبل باستعباد جاء الإسلام في نسخته الأصيلة حربا على إمتداداته وظلاله وداعيا إلى منابذته،كمسلك ونهج ليخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد فنقبل اليوم بنسخ فقهية رثة وقميئة تجافي مركوز الفطر السليمة المصنوعة على عين الله المجبولة خلقا وابتداء على النزوع إلى التحرر من كل العبوديات البشرية القائمة والمستحدثة.
حينما أعلنها الصحابي الجليل ربعي ابن عامر رضوان الله عليه: {نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد،ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة،ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام}،كان يرسم للإسلام ومن ثم للبشرية القسمات الكبرى للمشروع الإنساني الراشد الذي عليها أن تحيا به لتستحق الربانية،إنه مشروع التحرر من كل العبوديات الدينية والسياسية والإقتصادية،والتحرر من إسار الأوهام المنتجة في مخابر الكهنوت والجبروت،لذلك لم تكن نشأة الكيان السياسي المسلم إلا التجسد الفعلي للنزوع المكنون في فطر الخلق إلى الإنتظام والعمل على ضبط المسلكيات الغير قمينة براشدية المسيرة الإنسانية،وإن كل تنكب عن تحقق هذه الكينونة بماهي ارتباط للوجود بالغاية هو حرمان لها من العيش وفق الحقيق بالعيش من أجله.فالحرية كمعطى وجودي قبلي تلبس الذوات فجر انبثاقها الأول قد تفسده المواضعات الإجتماعية والسياسية والثقافية المتعاقبة،إذ ذاك يصير التحرر مسعى إنسانيا متوجبا في حق كل إنسان يريد إستعادة روح الله إلى هيكلية جسد باركه الله بنفخته المقدسة.إن الطاعة غير متوجبة إلا لله تحقيقا لشرط العبودية وتحققا بشرف العبدية،وكل مستحدث في واقع الناس من مؤسسات وأجهزة يستكره الناس على أن يكونوا عبادا لغير الله يؤدي إلى التمكين لمشهدية التوثين أن تسود،ولصنمية الشخوص والمؤسسات أن تمكن وتتجذر في العقل الجمعي للأمة وتلك هي الخيانة لعهد الله من ألا نعبد إلا الله وألا نمكن في أنفسنا إلا لشرعه أن يحكم.
لم تكن تجربة الخلافة بناء فوقيا تنزل من علياء الفكر على رؤوس الناس وأرواحهم تنزل الأقدار لايد لهم في رده أو محاولة ترشيده إلا أن يبسملوا ويحوقلوا،لأنها لم تكن نظرية سياسية خَلَقَت لها جماعة وأمة ليكيفوا أوضاعهم وفق منطوقاتها المسبقة وتنظيراتها المعدة قبل تَشَكُلِ منتسبيها المرتقبين،إنما كانت الخلافة انبثاقا للحظة في التاريخ البشري تأنسنت فيه التأطيرات الدينية الربانية لتصاغ شروطا وأحكاما تفصل مجمل القول في نظرية حكم ترعى توجهاته الكبرى رؤية متعالية يستهدي الإنسان بأنوارها.فهي لم تُرَسٍّم منتسبيها أرقاما صماء تدير حراكهم وحركيتهم،لينتظموا في إسار دواليبها دونما
رأي أو عمل.فمقولة الطاعة كأحد التعبيرات السياسية الرائجة والثاوية بين تلافيف التنظيرات والتقعيدات السلطانية تم العبث بمنطوقها،وشد أطرافها على خازوق مضمرات نفوس معتلة سكن الوهن أفقها.إن نشوء الطاعة ضمن المجال السياسي الإسلامي لم يكن يراد به غير إثبات الحالة التنظيمية وترسيخها كحالة مجتمعية معينة على الإنتظام،وحسن سير خطى الأنام،أما الإمعان في التطبيقات المشوهة لفكرة الطاعة فهي لاتجر حقا إلا إلى مستنقع العبودية المقنعة،فطاعة منفلتة من ضوابط الشرع لهي طقس مرهق للروح ومفقر للوجدان،إذ حينما تخيم طاعة مغشوشة مثل هاته على النفوس يتحول الإنسان إلى هيكل خرب.لذا فإن من يعلق الطاعة في أعناق العباد كان الأولى به أن يدفع أثمانها من رصيده إكراما وتحريرا وإسعادا للإنسان،فليست موضوعة الطاعة بميسمها الراهن غير قضية مكذوبة عملت الجماعة على نظم محكياتها التراثية وحقنها بنفس نصوصي وحديثي جمعت شواذ نصوصه إذ هي أشتات.فعلاقات الطاعة والإخضاع المعلقة في رقاب المشمولين بفعل التحكم والسلطة تجاه من يملكون ناصية الحكم لاتندرج ضمن إطار سياسي واضح المعالم،يمكن التعامل مع آلياته وضبط مخرجاته الفكرية المؤطرة نستطيع من خلالها إعمال الملكة النقدية آلية لتمحيص وتشذيب المفهوم من أية عوالق لاتليق بكائن ورث عن الله سر التكريم.
من أجل تمرحل ممكن
ضمن واقع سياسي تسكنه إرادة الديمومة تم إستنزاف النموذج السائد في طرحه المستهلك المحبط، وعليه تصير المرحليات التدرجية عبر تعاقباتها هي الأقدر على العبور بالأمة من واقعيات مؤلمة حضاريا،وإن هؤلاء الحاملين للبديل المرحلي الممكن،لَهُم أكثر صدقية من كل الذين لا يعملون حقا إلا على مد أطراف هذ الوهن السياسي إلى آخر الأمداء الممكنة. لكل ذلك تصبح ملحاحية صياغة نموذج تدبيري مفارق مهمة عسيرة ولكنها ممكنة من أجل إبطال هذه القراءة المتسلفة المحدثة والتي عملت على نصب الفخاخ أمام عقل الأمة وأفهام العاملين،وذلك من خلال تأبيها جعل ممارسة الفعل السياسي عمل جمهرة مواطنية،وحصرها لتكون حكرا على أوليغارشية قبلية وأسرية ناصبت العداء كل ذي صلة بفعل تغييري يستبطن عبق السياسة ضمن مشمولاته.فقد أسهمت هذه السلفية المدجنة في إشعال أوار الحرب على كل الأجنحة التي جعلت مشروعها الحضاري يستحضر البعد السياسي ضمن أدبياته المقررة كخط مائز،مما جعلها تلتقي في عدائها السافر ذاك مع كل القابضين على مصائر البلاد والعباد إن كانوا شيوخ عشيرة أو أمراء قبائل أو رؤساء مزق جغرافية اجتزت من رقعة الأمة في لحظة من ضعف وهوان أو مجاميع تنسب ذواتها إلى الفكر والثقافة.هذه المناكفة كانت العنوان الجامع الذي تلاقت عليه كل هذه الأطياف رغم تباين مرجعياتها.وإن كل هؤلاء وهم يبَغِّضون السياسة والإشتغال بأمورها إلى الناس تنفيرا لهم من دناءاتها وحفاظا عليهم من أن يفقدوا عذريتهم التدينية المرضي عنها،لتجدنهم أحرص الناس على نيل بركاتها والتنعم من أفضال أربابها المزيفين.فهم يرفضون الرجوع إلى صفاء التجربة السياسية النبوية المباركة ومايتبعها من خلافة صحابية مَهدِية،لأن هذا الرجوع يسقط بناءاتهم النظرية المزورة التي يتأسس عليها بناؤهم الهجين ذو التلاوين المتناقضة،ونجدهم كذلك بالمثل يأبون إقامة بنيان سياسي يستعير من نتاج الإنسانية آلياته التنظيمية والإجرائية الغير حاملة لأبعاد الأيديولوجيا أو لظلال العقيدة.فهذا المشروع أو اللامشروع إن شئنا الدقة والحقيقة هو يجافي الربانية والإنسانية على السواء ويريد لنفسه ولكل الكتل البشرية الواقعة تحت حيز جغرافيته التأبيد لهذا التعويم المفاهيمي من أجل إدامة الشلل الفكري الباعث على الإسترخاء،فالكسل الفكري هو مثلبة مصاحبة لهذه المدارس السلفية تجرها معها لتعبر بها فوق الأزمنة والأحداث والوقائع،هذا ماأصابها بعقم إجتهادي شنيع عطل الخلايا الفكرية من أن تصاحب الحياة في ديمومتها وتجددها الفوار بعدة فقهية مقتدرة على الفهم.
خلاصة
إن الحالة التي عليها التنظير السياسي الحامل لبوس الدين لبائسة حقا،إذ لم تعمل على مدى تاريخها الوظيفي في ركاب كل ذي سلطان سوى على إنتاج وإعادة إنتاج فكر سياسي دنياني تم تديينه،فقد أظهر هذا الفقيه السلطاني الذي أجهد ذهنه في إقامة بنيان سلطان سياسي متوهم ومغشوش مقدرة مدوخة على إعتصار النصوص والوقائع والتجارب إنه لاعب حبال لاتعوزه خفة الفكر المسارع في انتاج ركام من القراءات المجتثة من فوق أرض الشرع،فإن لم يسعفه التنزيل عمد إلى التأويل،وإن لم يظفر ببغيته في التاريخ وجد غنيته في الأسطورة والمخيال هو يدير الشرع مع المصلحة ولايخضع المصلحة لقواعد الشرع وملزماته.فميدان السياسة وفق منطوق هذه الدعويات إذن يراد له أن يكون منتظما داخل رسم الحدود المصطلحية لفقه سياسي مدجن دون أن تكون المنظومة الكلية التي تنبع المفردات السياسية من معينها حاكمة لأمصارها ومصائرها،فهي غير منتجة للواقع الماثل ولم تكن الأوضاع وليدة حكم هذه المنظومة أو إدارتها حتى.
الحلو عبد الحفيظ
طنجة 2014


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.