بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإنتخابات وأحكامها في الشريعة الإسلامية رؤية تأصيلية
نشر في الحوار نت يوم 18 - 06 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
إعداد :الشيخ شكري مجولي
إن الشريعة الإسلامية شريعة عامة ودائمة ، عامة في المرسل إليهم ، تخاطب كل أصناف البشر ، لا تخص فئة دون فئة ، عامة في المرسل به من أحكام ونظم ، بمعنى أنه روعي فيها حاجات الناس في جميع العصور والأحوال ، فوجب أن تكون هذه الحاجات وافية في كل عصر ومصر ، فإنها إن لم تكن كذلك لكان أحد أمرين :
إما أنها شذت عن الشرائع السماوية السابقة ، فلا تعنى بمصالح العباد ، ولا تراعي مطالبهم الدينية والدنيوية ، وإما أنها ليست خاتمة الشرائع السماوية ، وكلا الأمرين يتنافى مع نصوص القرآن والشريعة منزهة عن هذا
ومن هنا راعت الشريعة في تكاليفها التيسير والتخفيف على الناس ورفع الحرج ،وأنها جاءت لدرء الضرر ، وجلب النفع وتحصيله ، فأشارت بذلك إلى مبدإ استعمال المصالح المرسلة ، والإستحسان في استنباط الأحكام الشرعية ، كما أشارت إلى قاعدة سد الذرائع .
وتحكيم العرف أوقاعدة العادة محكمة وما تجري به عادة كل أمة
وللشريعة مبادئ وأصول لا يحل ولا يصح الإخلال بها مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة والأحوال، مثل العدل والحرية والمساواة و الشورى وغيرها مما لا تقبل التغيير بحال ، جاءت بها مبادئ عامة وتركت طريقة تنظيمها والأساليب التي تتحقق بها مصلحة الأمة .
تعتبر الإنتخابات من القضايا والنوازل الفقهية المستجدة ، التي تحتاج إلى حكم شرعي ، فهي وسيلة عصرية حديثة للوصول إلى مختلف الولايات من رئاسة وبرلمان ومجالس بلدية ، وجرى العمل بالإنتخابات في كل الدول . فكان لزاما علينا أن نتناول هذه الظاهرة بالدرس وأن نبحث نوازلها لمعرفة الحكم الشرعي في هذه الطريقة وفي المسائل و الأحكام المتعلقة بها .
وقبل الشروع في تأصيل مسألة الإنتخابات وأحكامها لابد أن نضع تعريفا لها، إذ الحكم عن الشيء فرع عن تصوره .
الإنتخابات لغة
انتخب الشيءَ: اختارَه. والنُّخْبَةُ: ما اختاره، منه.
ونُخْبةُ القَوم ونُخَبَتُهم: خِيارُهم. قال الأَصمعي: يقال هم نُخَبة القوم، بضم النون وفتح الخاءِ. قال أَبو منصور وغيره: يقال نُخْبة، بإِسكان الخاءِ، واللغة الجيدة ما اختاره الأَصمعي.
ويقال: جاءَ في نُخَبِ أَصحابه أَي في خيارهم.
ونَخَبْتُه أَنْخُبه إِذا نَزَعْتَه. والنَّخْبُ: النَّزْعُ.
والانْتِخابُ: الانتِزاع.
والانتخابُ: الاختيارُ والانتقاءُ؛ ومنه النُّخَبةُ، وهم الجماعة تُخْتارُ من الرجال، فتُنْتَزَعُ منهم.
وفي حديث عليّ، رضي الله عنه، وقيل عُمَر: وخَرَجْنا في النُّخْبةِ؛ النُّخْبة، بالضم: المُنْتَخَبُون من الناس، المُنْتَقَوْن.
وفي حديث ابن الأَكْوَع: انتخب من القوم مائةَ رجل.
ونُخْبةُ المَتاع: المختارُ يُنْتَزَعُ منه.
لسان العرب مادة نخب
الإنتخابات اصطلاحا :
يمكن تعريف الانتخابات بأنها تلك العملية التي بواسطتها يقوم المواطنون وبشكل دوري حسب القانون باختيار ممثليهم لاستلام مناصب السلطة التشريعية أو التنفيذية أو المؤسسات المحلية، وذلك من خلال التصويت والذي يعد وسيلة هامة وأساسية يمكن للأفراد من خلالها التأثير على القرارات التي تخصهم. والتصويت هو قيام الفرد باختيار أحد المرشحين لتمثيله في الهيئات المنتخبة التي تتولى إعداد القوانين أو في بعض مناصب اتخاذ القرارات.
وغالبًا ما يجري التصويت ضمن عملية انتخاب تتم على المستوى الوطنيأو المحلي .

الإنتخابات في التاريخ الإسلامي
استقر في أذهان كثير من الناس حتى أصبح من المعلوم من الثقافة السياسية بأن الإنتخابات مستقاة ومستوحاة من الأنظمة الغربية، أي الأنظمة غير الإسلامية ولمعرفة حقيقة الأمر – لأنه ليس من رأى كمن سمع لابد من من دراسة التاريخ الإسلامي لمعرفة الوقائع والشواهد .
أولا : في عهد النبوة :
- بيعة النقباء حين بايع الأنصار النبيء صلى الله عليه وسلم في العقبة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجوا منكم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم بما فيهم
عرفاء وفد هوازن ، ذلك أن وفد هوازنجاء إلى النبيء صلى الله عليه وسلم أن يرفع إليهم فستأذن النبيء صلى الله عليه وسلم الناس في ذلك ، فأشاروا بالرضا، فلم يكتف بذلك،
وقال : إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم.
ومن خلال هاتين الواقعتين تبين أن النبيء صلى الله عليه وسلم أمرهم بالرجوع إلى الناس لإختيار من ينوب عنهم .

والنقيب، العَريف، وهو شاهد القوم وضمينهم؛ والجمع النقباء.
وقد نَقَبَ على قومه يَنْقُبُ نِقابَةً. قال الفراء: إذا أردتَ أنَّه لم يكن نقيباً ففعل قلت: نَقُبَ بالضم، نَقابَةً بالفتح. قال سيبويه: النِقابَةُ بالكسر الاسم، وبالفتح المصدر، مثل الوِلاية والوَلاية.
والنَّقِيبُ: عَريفُ القوم، والجمعُ نُقَباءُ.
والنَّقيب العَريفُ، وهو شاهدُ القوم وضَمِينُهم؛ ونَقَبَ عليهم يَنْقُبُ نِقابةً: عَرَف.
وفي التنزيل العزيز: وبَعَثْنا منهم اثْنَيْ عَشر نَقِيباً. قال أَبو إِسحق: النَّقِيبُ في اللغةِ كالأَمِينِ والكَفِيلِ.
في عهد الخلفاء الراشدين
1 – البيعة العامة : حيث يبايع الناس الخليفة في المسجد .
2 مشورة عبد الرحمن رضي الله عنه للناس لإختيار الخليفة حيث مكث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ثلاثة أيام يشاور الناس حتى استقر الأمر على على عثمان رضي الله عنه وقال :)رأيت الناس لا يعدلون عن عثمان ( 1
3 اختيار علي رضي الله عنه،حيث رفض أن تكون بيعته بيعة خاصة ، وقام في المسجد فتسابق الناس لبيعته 2.
4 قول عمر رضي الله عنه لما بلغه أن بعض الناس قال إن مات عمر بايعت فلانا فنهاهم عن هذا وقال : من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي تابعه تغرة إلا أن يقتلا . 3

1 - صحيح البخاري كتاب الأحكام 6781
2 – تاريخ الطبري 790- 791
3 - البخاري 7830
ما بعد عصر الخلافة الراشدة
أن عمر بن هبيرة أوصى واليه على خرسان بأن يحرص على أن يكون تعيين عماله من قبل الناس ، وقال له : )عليك بعمال العذر ، قال وما عمال العذر ؟ قال : مر أهل كل بلد أن يختاروا لأنفسهم ، فإذا اختاروا رجلا فوله ، فإن كان خيرا كان لك ، وإن كان شرا كان لهم دونك، وكنت معذورا (. 1
وبعد سرد هذه الحقائق والوقائع التاريخية يمكن تحديد العلاقة بين الإنتخابات في عصرنا ،و بين تلك الوقائع التاريخية لنستخرج الجذور التاريخية للإنتخابات في التاريخ الإسلامي .
العلاقة بين الإنتخابات والبيعة
الناظر في الإنتخابات يجد أن بينها وبين البيعة أوجه اتفاق تتمثل في التالي:
الوجه الأول : أن البيعة والإنتخابات مبني على الإختيار الحر من غير إكراه .
الوجه الثاني : أن البيعة والإنتخابات كلاهما مبني على رأي الأغلبية.
الوجه الثالث : أن البيعة والإنتخابات كلاهما يصل من خلالهما إلى تعيين الرئيس أو غيره من الولايات .

1 - تاريخ الطبري 1031 – 1032

العلاقة بين الإنتخابات والشورة
تعريف الشورى
الشورى لغة:
يقول ابن فارس الشين والواو والراء أصلان مطردان , الأول منهما إبداء شي وإظهاره وعرضه والأخر :أخذ شي
شاورت فلاناً في أمري ، وهو مشتق من شور العسل ، شور شارَ العسلَ يشُوره شَوْراً وشِياراً وشِيَارَة ومَشَاراً ومَشَارة: استخرجه من الوَقْبَة واّحتَناه؛ قال ساعدة بن جؤية: فَقَضَى مَشارتَهُ، وحَطَّ كأَنه حَلَقٌ، ولم يَنْشَبْ بما يَتَسَبْسَبُ وأَشَاره واشْتاره: كَشَارَه. أَبو عبيد: شُرْت العسل واشْتَرْته اجْتَنَيْته وأَخذته من موضعه؛ قال الأَعشى: كأَن جَنِيّاً، من الزَّنْجبِي ل، باتَ لِفِيها، وأَرْياً مَشُورَا شمر: شُرْت العسل واشْتَرْتُه وأَشَرْتُه لغة. يقال: أَشِرْني على العسل أَي أَعِنِّي، فكان المستشير يأخذ الرأي من غيره.


لسان العرب مادة شار
الشورى اصطلاحا:
الرجوع إلى أهل الرأي والاختصاص في الأمور التي لا يوجد فيها نص شرعي واضح، للوصول إلى الأصلح للأمة والأنفع لها.
والمراد بهذا أن الشورى تكون بالرجوع إلى أهل الخبرة من أفراد الأمة ممن لهم معرفة وتجربة أو من أهل الاختصاص بالأمر موضوع الشورى، واستطلاعها من أهل الشورى، لهدف محدد هو الوصول للرأي الذي يحقق المصلحة والنفع للأمة .
العلاقة بين الإنتخابات والشورى
تعتمد الإنتخابات على الرجوع إلى قاعدة عريضة من الناس لمعرفة من يختارونه ، وبما أن الإنتخابات تقوم عاى معرفة أراء الناس ، فهذا يجعلها رديفة أو شبيهة بالشورى .
فما القاسم المشترك بين الإنتخابات والشورى؟ أو ما العلاقة بين الإنتخابات والشورى ؟
الشورى تجيز الأخذ بالإنتخابات وسيلة من وسائل الشورى، وهذا ما ذهب إليه محمد رشيد رضا المنار 4 / 203 وأبو الأعلى المودودي تدوين الدستور الإسلامي وكثير من المعاصرين واستدلوا على على قولهم هذا ، وعلى ما ذهبوا إليه :
الدليل الأول : قوله تعالى : )والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون). الشورى 38
الآية الثانية: (فبما رحمةٍ من الله لنت إليهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) آل عمران 159. فهذا خطاب للأمة جميعا ، فالشورى تكون لجميع الأمة .
الدليل الثاني : أن الشريعة جاءت بمطلق الأمر بالشورى ولم تقيدها بصفة ولا هيئة فكل من وضع لها صفة أو هيئة فهو متحكم .
الدليل الثالث : أن الشورى من الأمور الدنيوية المتعلقة بسياسة الناس ، والأصل فيها الإباحة إلا بدليل ، واختيار الطريقة تختلف باختلاف الزمان والمكان ، والإنتخابات المعاصرة من الطرق الجيدة التي يمكن الإستفادة منها في مشاورة الناس ومعرفة أرائهم مما يحقق مقاصد الشورى نظام الشورى في الإسلام عبد الرحمن عبد الخالق
قد يعترض معترض بأن الشورى محصورة في أهل الحل و العقد فقط ، فالشورى ليست محصورة ومقتصرة على أهل الحل والعقد وحدهم بل تشمل عامة الأمة ، بدليل أن النبيئ صلى الله عليه وسلم لم يحصر الشورى في بعض الصحابة فقط بل شملت مشورته صلى الله عليه وسلم في أحايين كثيرة كل الناس كما شاور الصحابة في معركة بدر ، وشاورهم في الخروج من أحد مما يدل على أن الشورى للإمة جميعا خاصتهم وعامتهم .
وقد يعترض معترض بأن الإنتخابات من شريعة الديمقراطية ، والشورى من مبادئ الإسلام ، ويمكن أن يرد على هذا الإعتراض بإن الإنتخابات ليست ملازمة للديمقراطية ، بل هو أسلوب ووسيلة يمكن أن تطبق في غير الديمقراطية .
المقارنة بين الشورى والإنتخابات
هناك فروق بين الإنتخابات والشورى :
1 الإنتخابات وسيلة من وسائل الوصول إلى الولاية ، وأما الشورى فهي وسيلة لمعرفة الرأي والصواب وليست وسيلة ولا طيقة في الحكم .
2 الإنتخابات تكون بالإختيار بين الأشخاص أو مسائل ، فدور الناخب لا يتعدى اختيار شخص من المرشحين ، أو الموافقة على قرار معين ، أما الشورى فهي نقاش وحوار وعرض كامل للموضوع ولجزئياته يتم من خلاله قبول الموضوع أو تعديله.
3 الإنتخابات قاصرة على ما يتعلق بالولايات فقط ، وأما الشورى فهي شاملة لكل شؤون الحياة.
التكييف الفقهي أو التخريج الفقهي للإنتخابات
إن الناظر في نازلة من النوازل متى أراد دراستها والتوصل إلى حكمها كان عليه أن يسلك المنهج الآتي: التصور، ثم التكييف، ثم التطبيق.
قال ابن سعدي: «جميع المسائل التي تحدث في كل وقت، وسواء حدثت أجناسها أو أفرادها يجب أن تتصور قبل كل شيء.
فإذا عُرفت حقيقتها، وشُخصت صفاتها، وتصورها الإنسان تصورًا تامًا بذاتها ومقدماتها ونتائجها طُبقت على نصوص الشرع وأصوله الكليه؛ فإن الشرع يحل جميع المشكلات: مشكلات الجماعات والأفراد، ويحل المسائل الكلية والجزئية؛ يحلها حلاً مرضيًا للعقول الصحيحة، والفطر السليمة.
المدرك الأول: التصور:
إن تصور الشيء تصورًا صحيحًا أمر لا بدّ منه لمن أراد أن يحكم عليه، وكما يقال: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فتصور النازلة مقدمة لا مناص عنها ولا مفر منها لمن أراد الاجتهاد في استخراج حكمها.
إن الإقدام على الحكم في النوازل دون تصورها يعد قاصمة من القواصم، وهذا باب واضح لا إشكال فيه، والباب الذي يأتي من جهته الخلل والزلل إنما هو القصور والتقصير في فهم النازلة وتصورها، وليس في تحصيل أصل التصور .
تعريف التكييف الفقهي ومشروعيته:
يعرف التكييف الفقهي بأنه تحديد لحقيقة الواقعة المستجدة لإلحاقها بأصل فقهي، خصه الفقه الإسلامي بأوصاف فقهية، بقصد إعطاء تلك الأوصاف للواقعة المستجدة عند التحقق من المجانسة والمشابهة بين الأصل والواقعة المستجدة في الحقيقة[1].
من التعريف السابق يتضح أن عناصر التكييف الفقهي تتكون من: الواقعة المستجدة، والأصل، وأوصاف الأصل الفقهية، والحقيقة، والإلحاق[2].
وهناك الكثير من الأدلة والوقائع التي تثبت مشروعية التكييف الفقهي، وهي كما يلي:
1 – قول الله تعالى في محكم كتابه "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعو به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً"[3]، والاستنباط في الآية الكريمة يعني الإستخراج للأحكام الشرعية، وهو يدل على الإجتهاد إذا عدم النص والإجماع[4].
2 – قوله صلى الله عليه وسلم "لايجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة"[5], وقد وضع الإمام البخاري هذا الحديث تحت عنوان لايجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع[6] ليدلل على أنها قاعدة عامة، أي إذا اجتمعت الفروع الفقهية في طبيعتها وحقيقتها أعطيت الحكم نفسه، ولا يفرق في الأحكام إلا عند الإختلاف في الحقيقة والطبيعة، وهذا هو بحد ذاته جوهر عملية التكييف.
3 – وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه الذي بعثه إلى أبي موسى الأشعري "اعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عندك، فأعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى"[7]، يقول السيوطي وهذه العبارة صريحة بتتبع النظائر وحفظها ليقاس عليها ما ليس بمنقول، وإن فيها إشارة إلى ان من النظائر ما يخالف نظائره في الحكم لمدرك خاص به، وهو الفن المسمى بالفروق الذي يذكر فيه الفرق بين النظائر المتحدة تصويراً ومعنى، المختلفة حكماً وعلة[8].
ومما تقدم من أدلة وشروح لها يتبين أن عملية التكييف الفقهي عملية مشروعة وتعتبر نشاطاً فكرياً اجتهاديا للفقيه، ولكن ما يجب التنبيه إليه هنا توضيح الفرق بين التكييف الفقهي والقياس الفقهي حتى لا يحدث الخلط بينهما، حيث أن القياس الأصل فيه أن يكون منصوصاً عليه في القرآن أو السنة، أم الأصل في التكييف الفقهي أن لا يشترط ذلك فقد يكون نصاً لفقيه أو قاعدة كلية عامة، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن العلة في القياس هي الركن الأعظم التي تقوم عليها عملية القياس، في حين ان عملية التكييف الفقهي نحتاج فيها بالإضافة إلى معرفة العلة تحليل حقيقة القضية المعروضة، ومعرفة قصد أطراف القضية، ومعرفة معنى القاعدة الكلية[9].
خطوات التكييف الفقهي
لابد للتكييف الفقهي من خطوات منهجية ليتم لنا البناء المعرفي بهذه العملية الفكرية الاجتهادية، لتتضح الصورة أكثر لدى المتصدي لها، وهي كما يلي:
1 – التعرف على الواقعة المستجدة: وهي المسألة المستحدثة التي تعرض على المجتهد ليحكم فيها[10] وتحليلها إلى عناصرها الأولية وهي تشمل كل من:
أ – المسائل التي استحدثها الناس ولم تكن معروفة في عصور التشريع أو الإجتهاد مثل النقود الورقية، وسند الملكية.
ب- المسائل التي تغيرت علة الحكم فيها نتيجة التطور وتغير الظروف والأحوال مثل التقابض الحقيقي في صرف العملات التي تجريها البنوك عند شراء العميل عمله أجنبية من خلال حسابه ليقوم بتحويلها إلى الخارج، فعملية القيد بالحساب التي يجريها موظف البنك أصبحت في مقابل التقابض الحقيقي والتي تعارف على تسميتها بالتقابض الحكمي.
ج – العقود المركبة، والتي تتكون من أكثر من صورة من صور العقود القديمة، مثل بيع المرابحة للآمر بالشراء، فإنها تتكون من بيع عادي، ووعد من العميل بالشراء، وبيع مرابحة.
2 – التعرف على الأصل الذي تكيف عليه الواقعة: وهو محل الحكم الذي يريد المجتهد التسوية فيه بينه وبين الواقعة المعروضة[11] وقد يكون الأصل نص من القرآن أو السنة او إجماع أو على قاعدة كلية أو على نص لفقيه، ويجب هنا على المجتهد أن يتحقق من ثبوت الأصل الذي تكيف عليه الواقعة وأن يفهمه فهماً جيداً مقرونة بظروفها وشروطها.
3 - المطابقة بين الواقعة المستجدة والأصل: وهي جوهر عملية التكييف الفقهي وهو ان يجمع بين الواقعة المستجدة والأصل في الحكم لإتحادهما في العلة[12]، وهذا يتطلب مجانسة بينهما في العناصر الأساسية من أركان وشروط وعلاقات بين أطراف الواقعة[13] ، لذلك يجب لإلحاق الواقعة المستجدة بالأصل أن تكون هناك مجانسة ومطابقة بينهما في العناصر الأساسية من أركان وشروط وعلاقات بين أطراف الواقعة المستجدة.
1- شبير , محمد عثمان , التكييف الفقهي للوقائع المستجدة وتطبيقاته الفقهية , دار القلم , دمشق , 2004 , ص 30.
2- شبير , محمد عثمان , مرجع سبق ذكره , ص 30.
3- سورة النساء , آيه 83.
4- القرطبي , الجامع لأحكام القرآن , دار إحياء التراث العربي , بيروت , 1965 , 3/292.
5 - صحيح البخاري , كتاب الزكاة , باب لايجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع: 2 / 122.
6- ابن حجر العسقلاني , فتح البارىء في شرح صحيح البخاري , المطبعة السلفية , القاهرة , 3 / 314.
7- السيوطي , الأشباه والنظائر , مطبعة مصطفى الحلبي , القاهرة , 1959 , ص 7.
8- السيوطي , مرجع سابق , ص 7.
9 - شبير , محمد عثمان , مرجع سابق , ص 20.
10- شبير , محمد عثمان , مرجع سبق ذكره , ص 64.
11- شبير , محمد عثمان , مرجع سبق ذكره , ص 73.
12- شبير , محمد عثمان , مرجع سابق , ص 93.
13- شبير , محمد عثمان , مرجع سابق , ص 93.

معنى التكييف الفقهي.

يعتبر مصطلح التكييف الفقهي من المصطلحات الحادثة التي لم يذكرها العلماء السابقون بهذا اللفظ، وإنما ذكروه بألفاظ مقاربة منها(1):
1- ( تصوير المسألة ) أو ( تصوّر المسألة )(2) ومن ذلك قولهم في القاعدة: (( الحكم على الشيء فرع عن تصوّره ))(3)
2- ( التخريج ) سواء أكان تخريج الفروع على الأصول، أم تخريج الفروع على الفروع، وهو نقل حكم مسألة إلى ما يشابهها والتسوية بينهما كما ذكر المرداوي(4)
3- ( تحقيق المناط ) وهو النظر والاجتهاد في معرفة وجود العلة في آحاد الصور سواء أكانت العلة معروفة بالنص أم بالاستنباط.
وقد تنوعت العبارات في تعريف ( التكييف الفقهي ) فقيل:
1- هو (( تحرير المسألة وبيان انتمائها إلى أصل معين معتبر )).(5)
2- عرّفه الدكتور مسفر القحطاني بأنه : (( التصوّر الكامل للواقعة وتحرير الأصل الذي تنتمي إليه )).(6)
3- عُرّف أيضاً بأنه : (( تصنيف المسألة تحت ما يناسبها من النظر الفقهي )).
(1) انظر: منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة 356 وما بعدها.
(2) انظر على سبيل المثال: المنخول للغزالي ص 608، أدب المفتي لابن الصلاح ص 100.
(3) انظر: شرح الكوكب المنير 1/50.
(4) انظر: الإنصاف للمرداوي 1/6 .
(5) معجم لغة الفقهاء ص 143 .
(6) منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة ص 354 .

أو يُقال : (( رد المسألة إلى أصل من الأصول الشرعية )). 1
4- عرّفه الدكتور محمد عثمان شبير بأنه : (( تحديد لحقيقة الواقعة المستجدة لإلحاقها بأصل فقهي، خصه الفقه الإسلامي بأوصاف فقهية، بقصد إعطاء تلك الأوصاف للواقعة المستجدة عند التحقق من المجانسة والمشابهة بين الأصل والواقعة المستجدة في الحقيقة ))2
فهذه التعاريف في الحقيقة متقاربة في معناها، ولعلّ أقربها إلى المقصود في نظري هو التعريف الثالث لأنه ربط المسألة ربطاً فقهياً شرعياً فأخرج بذلك باقي العلوم، وأما التعريف الرابع فهو طويل جداً، ويغني عنه ما سبقه، وأما التعريف الأول والثاني فإنهما قد عرّفا التكييف بشكلٍ عام.
المطلب الثاني: ضوابط التكييف الفقهي.
وبما أن التكييف الفقهي الذي ينبني عليه الاجتهاد خاضع لما تقدّم من التصوير والتخريج وتحقيق المناط، وهذه الأمور تتفاوت من مجتهد إلى آخر، بحسب تفاوت درجات الاستنباط كما قال السيوطي رحمه الله.3
لذا كان ذلك التفاوت داعياً إلى اختلاف وجهات نظر المجتهدين حسب ما يظهر من عميلة التكييف الفقهي، ونظراً لأهمية التكييف الفقهي، وضرورة الدقة فيه سعياً لوصول المجتهدين إلى أدق النتائج وأصوبها كانت الحاجة ماسّة إلى وضع ضوابط ينبغي مراعاتها عند القيام بالتكييف الفقهي فمن ذلك4:
(1) موقع الأصالة الإسلامية العالمية لتقريب العلوم الشرعية ( على شبكة الإنترنت ) المشرف على الموقع / علي حسن الحلبي .
(2) التكييف الفقهي للوقائع المستجدة وتطبيقاته الفقهية ص 30، نقلاً من مقال التكييف الفقهي للعقود المالية المستجدة وتطبيقاتها على نماذج التمويل الإسلامية المعاصرة لأحمد محمد نصار.
(3) الرد على من أخلد إلى الأرض ص181 .
(4) انظر: منهج استنباط أحكام النوازل ص 364 .
أولاً: أن يكون التكييف الفقهي مبنياً على نظر صحيح معتبر لأصول التشريع، فتُكيّف النازلةُ بأقرب الأصول الشبيهة لها لتأخذ بعد ذلك حكم ذلك الأصل.
فلا تكيّف على أساس الهوى والتشهي، فيصبح الحرام حلالاً، والحلال حراماً، أو تكيّف على أوهام وتخيلات أو أمور عارضة أو ظنون فاسدة.
ثانياً: بذل الوسع في تصور الواقعة التصور الصحيح الكامل؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوّره .
ثالثاً: تحصيل المجتهد الملكة الفقهية في استحضار المسائل وإلحاقها بالأصول.
السياسة الشرعية أو العمل السياسي مجال حكم ومقاصد لا مجال تعبد
يقول ابن القيم رحمه الله في (الطُّرق الحُكمية) مُعلِّقًا على ما قاله الإمام الحنبلي أبو الوفا ابن عقيل (ت513ه) -الذي قال عنه ابن تيمية: كان من أذكياء العالم. وكل الذين درسوا ابن عقيل يعلمون أنه رجل بالغ الذكاء، موسوعي المعرفة، حُرُّ التفكير- قال: (قال ابن عقيل في (الفنون): جرى في جواز العمل في السلطنة بالسياسة الشرعية: أنه هو الحزم. ولا يخلو من القول به إمام.
فقال شافعي: لا سياسة إلا ما وافق الشرع.
فقال ابن عقيل: السياسة ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول، ولا نزل به وحي.
فإن أردت بقولك: (إلا ما وافق الشرع) أي لم يخالف ما نطق به الشرع؛ فصحيح
وإن أردت: لا سياسة إلا ما نطق به الشرع: فغلط، وتغليط للصحابة. فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والتمثيل ما لا يجحده عالم بالسنن. ولو لم يكن إلا تحريق عثمان المصاحف فإنه كان رأيًا اعتمدوا فيه على مصلحة الأمة، وتحريق علي رضي الله عنه، الزنادقة في الأخاديد، فقال:
لما رأيت الأمر أمرًا منكرا أججت ناري ودعوت قُنْبرا
ونفي عمر رضي الله عنه لنصر بن حجاج اه
قال ابن القيم مُعلِّقًا .
وهذا موضع مَزَلَّة أقدام، ومَضَلَّة أفهام. وهو مقام ضنك، ومعترك صعب فرط فيه طائفة: فعطلوا الحدود، وضيعوا الحقوق،
وجرَّؤوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، محتاجة إلى غيرها. وسدوا على نفوسهم طُرُقًا صحيحة من طُرُق معرفة الحق والتنفيذ له، وعطلوها، مع علمهم وعلم غيرهم قطعًا: أنها حق مطابق للواقع، ظنًّا منهم منافاتها لقواعد الشرع. ولَعَمْرُ الله! إنها لم تنافِ ما جاء به الرسول، وإن نَفَتْ ما فهموه هم من شريعته باجتهادهم.
لقد دأب علماؤنا على التفرقة بين ماهو تعبدي وما هو عادي
يقول الإمام ابن تيمية(1): "إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون في دنياهم.
فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، أما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه والأصل فيه عدم الحظر فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى· وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادة لابد أن يكون مأموراً بها، فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه عبادة؟!·· وما لم يثبت من العادات أنه منهي عنه كيف يحكم عليه أنه محظور؟! ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}(سورة الشورى،21)، والعادات الأصل فيها العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه الله وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا}(سورة يونس، 59)، وإذا كان كذلك فالناس يتبايعون ويستأجرون كيف يشاؤون ما لم تحرم الشريعة ·· ولم تحد الشريعة في ذلك حداً فيبقون فيه على الإطلاق الأصلي.
يتبين من هذا الرأي للإمام ابن تيمية أن الأصل في العادات الإباحة· والعادات مصطلح يشمل كل ما يتعلق بأمور الحياة الدنيا من اقتصاد وسياسة وغير ذلك .
ويوافق ما ذهب إليه ابن تيمية ثلة من العلماء منهم الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه وابن القيم في إعلام الوقعين وأبو إسحاق الشاطبي في الإعتصام والموافقات
وينبني على هذا الأصل قاعدتان مهمتان هما :
الأصل في العبادات والمقدرات التعبد ، والأصل في العاديات المعاملات الحكم والمقاصد. 1
الأصل في العبادات التوقيف حتى يرد الإذن ، والأصل في العاديات الإباحة حتى يرد الحظر . 2
1 - الموافقات :ج 2/ 300- 307 الإعتصام : 2/ 129 132
2 - الفتاوى ج 29 / 16-172
العمل السياسي مجال للإجتهاد وتعدد الأراء
وهذه القاعدة توضح أن مجال العمل السياسي يدخل في باب المعاملات والحكم والمقاصد لا في باب التعبد ، لأن الأول غير الثاني في ميزان الشريعة ، يقول الإمام الشاطبي : لأن ما لم يعقل معناه على التفصيل من المأمور به أو المنهي عنه فهو المراد التعبدي ، وما عقل تعناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد التعبدي 1
وإذا كان الأمر مجال استنباط و قياس ساغ الإجتهاد فيه ، وإذا ساغ الإجتهاد جاز الإختلاف ، ومنع الإنكار إذ لا إنكار في مسائل الخلاف والإجتهاد كما قررها علماؤنا:
يقول ابن القيم : إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل فيها مجتهداً أو مقلدا .
قال يحيى بن سعيد الأنصاري : ما برح أولو الفتوى يختلفون، فيحل هذا ويحرم هذا، فلا يرى المحرّم أن المحل هلك لتحليله، ولا يرى المحل أن المحرم هلك لتحريمه.
1- الإعتصام : 2/ 79- 80
2- إعلام الموقعين 3 – 365
3- جامع بيان العلم 2/80
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام: "كانوا يتناظرون في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة" 1.
ويقول "فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود الاجتهاد السائغ" 2.
ويقول يونس الصدفي: “ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا ولقيته فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة”.
قال الذهبي: "هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون" 3.
وقال محمد بن أحمد الفنجار:" كان لابن سلام مصنفات في كل باب من العلم، وكان بينه وبين أبي حفص أحمد بن حفص الفقيه مودة وأخوة مع تخالفهما في المذهب" 4.
وصدق الشاعر حين قال:
في الرأي تضطغن العقول وليس تضطغن الصدور
1 – الفتاوى: 4/172–173
2 – الاستقامة 1/31
3 – سير أعلام النبلاء 10/16-17
4 - سير أعلام النبلاء10/630
وقد نقل عن كثير من السلف عدم الإنكار في مسائل الخلاف إذا كان للاجتهاد فيها مساغ.
يقول سفيان: إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه. 1.
وروى عنه الخطيب أيضاً أنه قال: ما اختلف فيه الفقهاء فلا أنهى أحداً عنه من إخواني أن يأخذ به. 2.
ويقول أحمد فيما يرويه عنه ابن مفلح: لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهب ولا يشدد عليهم.
ويقول ابن مفلح: لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع. 3.
قال النووي: "ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصاً أو إجماعاً أو قياساً جلياً" 4
ويقول ابن تيمية: "مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه" 5
1 - الفقيه والمتفقه 2/69
2 - الفقيه المتفقه 2/69
3 - الآداب الشرعية 1/186
4 - شرح النووي على صحيح مسلم 2/24
5 - مجموع الفتاوى20/207
وسئل القاسم بن محمد عن القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر به فقال: إن قرأت فلك في رجال من أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، وإذا لم تقرأ فلك في رجال من أصحاب رسول الله أسوة. 1.
وعبر الفقهاء عن هذا بقاعدتهم التي تقول: الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد. 2.
عن أنس قال: إنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كنا نسافر، فمنا الصائم ومنا المفطر، ومنا المتم ومنا المقصر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، ولا المقصر على المتم، ولا المتم على المقصر 3
ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية هذه النظرية وهو يناقش جواز تولي الولايات العامة وإن ترتبت على ذلك بعض المفاسد ، أو جواز عفو العالم في الأمر بالمعروف أو النهي إلى حين الإستطاعة ، قال شيخ الإسلام : "وممّا يدخل في هذه الأمور الاجتهاديه علماً وعملاً:
أنّ ما قاله العالم أو الأمير أو فعله باجتهاد أو رحمة فإذا لم يرَ العالم الآخر والأمير الآخر مثل رأي الأول فإنه لا يأمر به، أو لا يأمر إلا بما يراه مصلحة، ولا ينهى عنه إذ ليس له أن ينهى غيره عن اتباع اجتهاده ولا أن يوجب عليه اتباعه.
فهذه الأمور في حقه من الأعمال المعفوة، لا يأمر بها ولا ينهى عنها بل هي بين الإباحة والعفو وهذا باب واسع جداً فتدبره" 4اه
1 - التمهيد، ابن عبد البر 11/54
2 - الأشباه والنظائر، ابن نجيم ص105
3 - البيهقي في السنن ح5225
4 - مجموع الفتاوى 20/61
العمل السياسي مجال ترجيح الراجح من المصالح والمفاسد
وهي قاعدة ذهبية نفيسة جليلة ، استعملها شيخ الإسلام ابن تيمية استعمال الراسخين في العلم العارفين بمقاصد الشريعة :
يقول وهو يتحدث عن مشروعية حيازة الولاية العامة للمسلم الصالح المريد للخير وان اشتملت على بعض الباطل والظلم
فالواجب إنما هو الأرضى من الموجود ، والغالب أنه لا يوجد كامل ، فيفعل خير الخيرين ويدفع شر الشرين ، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : اللهم إليك أشكو جلد الفاجر وعجز التقي
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفرحون بانتصار الروم والنصارى على المجوس، وكلاهما كافر، لأن أحد الصنفين أقرب إلى الإسلام ، وأنزل الله في ذلك سورة الروم لما اقتتلت الروم وفارس والقصة مشهورة. وكذلك يوسف كان نائبا لفرعون مصر وهو وقومه مشركون، وفعل من الخير ما قدر عليه، ودعاهم إلى الإيمان بحسب الإمكان1
1 - الفتاوى 28/67- 68
ويواصل ابن تيمية رحمه الله استدلاله على جواز تولي الولايات العامة إن لم يكن واجبا . يقول رحمه الله في معرض بيان قاعدة ارتكاب أخف الضررين :
إذا كان المتولي للسلطان العام أو بعض فروعه كالإمارة والولاية والقضاء ونحو ذلك، إذا كان لا يمكنه أداء واجباته وترك محرماته، ولكن يتعمد ذلك ما لا يفعله غيره قصداً وقدرة: جازت له الولاية وربما وجبت! وذلك لأن الولاية إذا كانت من الواجبات التي يجب تحصيل مصالحها، من جهاد العدو، وقسم الفيء، وإقامة الحدود، وأمن السبيل، كان فعلها واجباً، فإذا لم يكن ذلك مستلزما لتولية بعض من لا يستحق، وأخذ بعض ما لا يحل وإعطاء بعض من لا ينبغي، ولا يمكنه ترك ذلك صار هذا من باب ما لا يتم الواجب أو المستحب إلا به، فيكون واجباً أو مستحباً إذا كانت مفسدته دون مصلحة ذلك الواجب أو المستحب، بل لو كانت الولاية غير واجبة وهي مشتملة على ظلم، ومن تولاها أقام الظلم حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها ودفع أكثره باحتمال أيسره كان ذلك حسناً مع هذه النية، وكان فعله لما يفعله من السيئة بنية دفع ما هو أشد منها جيداً)1 . أ.ه
1- فتاوي شيخ الإسلام 20/55
و هذه هي روح الفقه و حكمة التشريع ومقاصده التي أمرنا أن ننظر فيها بعيدا عن رهبانية النصارى الذين تركوا الحكم للفجرة وكانوا رهبانا في الأديرة، بل أن شيخ الإسلام يقرر هنا أن تولي الولاية العامة مع عدم التمكن من اقامة العدل الواجب جائزة بل واجبة أحياناً إذا كان يقصد فيها تخفيفا للظلم، ومنعا لمن يتولاها ويقصد بها الظلم واستدل شيخ الإسلام على ذلك بما أقدم عليه نبي الله الكريم ابن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم فقال: ((ومن هذا الباب تولى يوسف الصديق على خزائن الأرض، وكان هو وقومه كفاراً كما قال تعالى:{ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به} الآية، وقال تعالى عنه: {يا صاحبي السجن! أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} الآية، ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال، وصرفها على حاشية الملك، وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد، وهو ما يراه من دين الله فان القوم لم يستجيبوا له، لكن فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته مما لم يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله: {فاتقوا الله ما أستطعتم} 1.
1- فتاوي شيخ الإسلام 20/56
وقد رد شيخ الإسلام هذا الحكم إلى القاعدة الفقهية أنه إذا اجتمع محرمان ولا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما، وجب ارتكاب الأدنى، وهذا الإرتكاب لفعل الأدنى لا يكون محرماً في الحقيقة. فترك الولاية العامة للظلمة والفسقة ضرر ومفسدة عظيمة، وتولي هذه الولايات للمسلم البار المريد للخير الذي يستطيع أن يخفف الظلم والفساد ضرر أقل، ويجب عند ارتكاب أخف الضررين. وهذا نص شيخ الإسلام في ذلك :
كذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما، لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً في الحقيقة، وإن سُمِّي ذلك ترك واجب، وسمي هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر .
ويقال في مثل هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة، أو للضرورة، أو لدفع ما هو أحرم) 1. أ.ه
وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عاش في زمان يماثل ما نحن فيه من وجوه كثيرة من ذلك: سقوط الخلافة العباسية بأيدي التتر، واستقلال حكام الأقاليم والدويلات بدولهم، بل قيام حكام لبعض المدن والقرى المحيطة بها فقط، وغلبة الجهل والظلم على حكام الولايات، وحكمهم بالإسلام تارة وبالأعراف والتقاليد وتشريعاتهم تارة أخرى، واستئثارهم بكثير من الأموال لأنفسهم دون المسلمين، فلم يكن توزيع المال على الطريقة النبوية والخلافة الراشدة.. وكان شيخ الإسلام يفتي بأنه لا يجوز التخلي عن تولي الولايات العامة في مثل هذه الدويلات على ما فيها، حتى وإن كان لا يستطيع المتولي أن يقيم العدل كما أمر الله به، وأنا أسوق هنا سؤالاً صريحاً مما وجه إلى شيخ الإسلام في هذا الصدد، وجواب شيخ الإسلام عليه.
1- فتاوي شيخ الإسلام 20/57
الولاية إذا اقتضت ارتكاب المفاسد أو أخف الضررين
وهذه القاعدة الفقهية من القواعد التي تنظم الترجيح وتضبطه ولها سند من الكتاب والسنة وتطبيقات الصحابة و لا خلاف في صحتها عند جميع الفقهاء ، وهي منسجمة تماماً مع روح التشريع الاِسلامي ومرونته ، وجارية على وفق مقتضيات العقل السليم ، فهي من القضايا التي قياساتها معها ، فلا تحتاج إلى برهان أو مؤنة الاستدلال .
الحديث الأول : حديث سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : إِنَّا لَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي بَيْتِهِ إِذْ قَالَ سَلُونِي قُلْتُ : أَيْ أَبَا عَبَّاسٍ جَعَلَنِي اللَّه فِدَاءَكَ بِالْكُوفَةِ رَجُلٌ قَاصٌّ يُقَالُ لَهُ نَوْفٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ لِي : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : مُوسَى رَسُولُ اللَّه عليه السلام قَالَ : ذَكَّرَ النَّاسَ يَوْمًا حَتَّى إِذَا فَاضَتْ الْعُيُونُ ، وَرَقَّتْ الْقُلُوبُ وَلَّى فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : أَيْ رَسُولَ اللَّه هَلْ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ : لاَ ، فَعَتَبَ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَى اللَّه ، قِيلَ : بَلَى ، قَالَ : أَيْ رَبِّ فَأَيْنَ؟ قَالَ : بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ .... الحديث ، وفيه : «حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ وَجَدَا مَعَابِرَ صِغَارًا تَحْمِلُ أَهْلَ هَذَا السَّاحِلِ إِلَى أَهْلِ هَذَا السَّاحِلِ الْآخَرِ عَرَفُوهُ فَقَالُوا عَبْدُ اللَّه الصَّالِحُ .... لاَ نَحْمِلُهُ بِأَجْرٍ ، فَخَرَقَهَا وَوَتَدَ فِيهَا وَتِدًا قَالَ مُوسَى : أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ، قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا؟ كَانَتْ الْأُولَى نِسْيَانًا وَالْوُسْطَى شَرْطًا ، وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا ، قَالَ : لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ، وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ
ذكر الحافظ - رحمه اللَّه - في ثنايا ما يُستنبط من هذا الحديث ما يشهد لقاعدة : « احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما » ، فقال : «وأما احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما».

عَبَّر الحافظ ابن حجر – رحمه اللَّه – في كتابه «فتح الباري» من خلال استنباطه من الأحاديث عن هذه القاعدة بعبارات متنوعة منها :

1 - دفع أشد المفسدتين بأخفهما

2 - جواز دفع أغلظ الضررين بأخفهما

3 - دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما

4 - ارتكاب أخف المفسدتين إذا استلزم إزالة أشدهما

5 - ارتكاب أخف الضررين لذهاب أشدهما

6 - ارتكاب أخف المفسدتين بترك أثقلهما

7 - جواز ارتكاب أخف الضررين

8 - اختيار أخف المفسدتين وأيسر الأمرين

وقد استنبط الحافظ من ثمانية أحاديث ما يشهد لهذه القاعدة ، وهذه
الحديث الثاني : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ

ذكر الحافظ – رحمه اللَّه - في ثنايا ما يُستنبط من هذا الحديث ما يشهد لقاعدة : « احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما » ، فقال : «قال ابن دقيق العيد : لم يُنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصحابة ولم يقل لهم لم نهيتم الأعرابي؟ بل أمرهم بالكف عنه للمصلحة الراجحة وهو دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما»


ووجه ما نقله الحافظ عن ابن دقيق العيد ظاهر ، وهو أن ترك الأعرابي يستمر في بوله في المسجد مفسدة لما فيه من زيادة التنجيس ، وتركه على هذا العمل المحرم الذي لا يليق بالمسجد لكنها احتملت لدفع مفسدة أكبر ، وهي الضرر الذي يحصل بقطع بوله ، وما يحصل من تنجيس ثيابه ومواضع أخرى من المسجد .

قال الحافظ في موضع آخر : «وإنما تركوه يبول في المسجد لأنه كان شرع في المفسدة فلو مُنع لزادت إذ حصل تلويث جزء من المسجد ، فلو منع لدار بين أمرين : إما أن يقطعه فيتضرر ، وإما أن لا يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه أو ثوبه أو مواضع أخرى من المسجد»

وقال ابن الملقن : «فيه دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما ، لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن زجره»

الحديث الثالث : حديث عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا - قَالَتْ : جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ : كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقُلْتُ : إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا ، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ فَقَالَتْ : إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلاَّ أَنْ


يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ : خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّاسِ ، فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّه ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّه فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ، قَضَاءُ اللَّه أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّه أَوْثَقُ ، وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ


ذكر الحافظ - رحمه اللَّه - في ثنايا ما يُستنبط من هذا الحديث ما يشهد لقاعدة : «احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما» ، فقال : «يُستفاد منه ارتكاب أخف المفسدتين ، إذا استلزم إزالة أشدهما »

ووجه ما ذكره الحافظ – رحمه اللَّه – هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لعائشة – رضي اللَّه عنها – أن تشترط لهم الولاء ، وهو لا يصح لهم ، لأن الولاء لا يباع ولا يوهب وفي ظاهر هذا الاشتراط إيهام لهم أن لهم الولاء ، وهذه مفسدة احتملت من أجل خشية أن يحجم موالي بريرة عن بيعها إذا علموا أن الولاء ليس لهم ، وفي هذا تأخيرٌ لعتقها وحريتها ، والشارع يتشوف إلى العتق .




لكن هذا الاستنباط فيه نظر ، فقد اختلف العلماء في توجيه قوله صلى الله عليه وسلم : وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ ، ولهذا قال الحافظ – رحمه اللَّه – بعد ذكره الاستنباط للقاعدة : «وتُعقب بأنه استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه»

والذي يظهر واللَّه أعلم أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : «وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ» التنبيه على أن ذلك لا ينفعهم ولا يفيدهم شيئاً ، وأن مثل هذا اشتهر ولا يخفى على أهل بريرة ، حيث تقرر في الشرع أن الولاء لمن أعتق ، ولهذا جاء في رواية : اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُونَ مَا شَاءُوا ... واشتد نكيره - صلى الله عليه وسلم - عليهم بقوله مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّه مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّه فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ، قَضَاءُ اللَّه أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّه أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ، وقد توسع الحافظ في بيان توجيهات الأئمة لقوله صلى الله عليه وسلم : وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ

الحديث الخامس : حديث ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - أَنَّهُ قَالَ : ذُكِرَ الْمُتَلاَعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلاً ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَقَالَ عَاصِمٌ : مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلاَّ لِقَوْلِي ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ ، سَبْطَ الشَّعَرِ ، وَكَانَ الَّذِي وَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ خَدْلاً كَثِيرَ اللَّحْمِ ، جَعْدًا قَطَطًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : اللَّهمَّ بَيِّنْ فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَهَا ، فَلاَعَنَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لاَ تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ السُّوءَ فِي الْإِسْلاَمِ


ذكر الحافظ – رحمه اللَّه - في ثنايا ما يُستنبط من هذا الحديث ما يشهد لقاعدة : « احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما » ، فقال : «فيه ارتكاب أخف المفسدتين بترك أثقلهما ، لأن مفسدة الصبر على خلاف ما توجبه الغيرة مع قبحه وشدته أسهل من الإقدام على القتل الذي يؤدي إلى الاقتصاص من القاتل ، وقد نهج له الشارع سبيلا إلى الراحة منها إما بالطلاق وإما باللعان»

ووجه ما ذكره الحافظ - رحمه اللَّه – ظاهر ، وهو أن من وجد مع امرأته رجلاً أُمر بالصبر وألا يُقدم على القتل ، وهذا فيه مفسدة لأنه خلاف ما توجبه الغيرة ، ولكن احتملت هذه المفسدة من أجل دفع مفسدة أكبر ، وهي أن الزوج إذا قتل فسوف يُقتل قِصاصاً ، وكان الحكم
الشرعي على من قذف امرأته أن يُطلب منه أن يقيم البينة أو يجلد حد القذف ثم جعل الشارع سبيلاً لمن قذف امرأته وهو اللعان ، ويحصل به تفريق مؤبد بين الزوجين ، وقد جاء في حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن عويمراً جاء رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال : يَا رَسُولَ اللَّه أَرَأَيْتَ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا قَالَ سَهْلٌ : فَتَلاَعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلاَعُنِهِمَا قَالَ عُوَيْمِرٌ : كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّه إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلاعِنَيْنِ


الحديث السادس : حديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قال : قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي ، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «أَتُرَوْنَ
هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟!» قُلْنَا : لاَ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ فَقَالَ : «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا»

ذكر الحافظ - رحمه اللَّه - في ثنايا ما يُستنبط من هذا الحديث ما يشهد لقاعدة : « احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما » ، فقال : «في الحديث جواز ارتكاب أخف الضررين ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينه المرأة عن إرضاع الأطفال الذين أرضعتهم مع احتمال أن يكبر بعضهم فيتزوج بعض من أرضعته المرأة معه ، لكن لما كانت حالة الإرضاع ناجزة ، وما يخشى من المحرمية متوهم اغتفر ، قلت : ولفظ الصبي بالتذكير في الخبر ينازع في ذلك»

وهذا الاستنباط الذي ذكره الحافظ ابن حجر – رحمه اللَّه – ظاهر ، وهو أن إقرار المرأة أن ترضع من وجدته من السبي مع احتمال أن يكبر هؤلاء الأطفال ويحصل بينهم تزاوج مفسدة ، لكنها احتملت من أجل مفسدة أكبر منها ، وهي أن ترك اللبن يحتبس في ثدي المرأة يضر بها ، ولكن يرد على هذا الاحتمال أنها كانت ترضع صبياناً ، وظاهر اللفظ
أنهم ذكور ، ولهذا قال الحافظ متعقباً هذا الاستنباط الذي ذكره : «قلت : ولفظ الصبي بالتذكير في الخبر ينازع في ذلك» . ولكن يَرد على ما ذكره الحافظ أن المحرمية تنتشر أيضاً في فروعهم ، ويحتمل التزاوج فيما بينهم ، فيبقى الاحتمال ، لكن قد يُقال إن إرضاعها لأولئك الأطفال قد لا يكون تاماً ، والرضاع المحرم هو خمس رضعات معلومات ، لحديث عَائِشَةَ رضي اللَّه عنها - أَنَّهَا قَالَتْ : كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ


الحديث السابع : حديث عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي جَدِّي قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ ، وَمَعَنَا مَرْوَانُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ : «هَلَكَةُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ » فَقَالَ مَرْوَانُ : لَعْنَةُ اللَّه عَلَيْهِمْ غِلْمَةً ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ بَنِي فُلاَنٍ وَبَنِي فُلاَنٍ لَفَعَلْتُ ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ جَدِّي إِلَى بَنِي مَرْوَانَ حِينَ مُلِّكُوا بِالشَّأْمِ فَإِذَا رَآهُمْ غِلْمَانًا أَحْدَاثًا قَالَ لَنَا ، عَسَى هَؤُلاَءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْهُمْ قُلْنَا أَنْتَ أَعْلَمُ

ذكر الحافظ – رحمه اللَّه - في ثنايا ما يُستنبط من هذا الحديث ما يشهد لقاعدة : « احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما » ، فقال : «قال ابن بطال : وفي هذا الحديث أيضا حجة لما تقدم من ترك القيام على السلطان ولو جار ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - أعلم أبا هريرة بأسماء هؤلاء ، وأسماء آبائهم ولم يأمرهم بالخروج عليهم مع إخباره أن هلاك الأمة على أيديهم؛ لكون الخروج أشد في الهلاك ، وأقرب إلى الاستئصال من طاعتهم ، فاختار أخف المفسدتين وأيسر الأمرين»

وهذا الاستنباط الذي نقله الحافظ ابن حجر عن ابن بطال واضح
الدلالة ، وهو أن سكوت أبي هريرة عن الإخبار عن هؤلاء الغلمة مفسدة ، لكن أبا هريرة - رضي الله عنه - خشي من الإخبار بهم الخروج عليهم ، فيحصل مفسدة أكبر ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بالخروج عليهم ، ومن المعلوم أن في الخروج على أئمة الجور من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم .

قال القرطبي : « وهؤلاء الأغيلمة كان أبو هريرة - رضي الله عنه - يعرف أسماءهم وأعيانهم ، ولذلك كان يقول : لو شئت قلت لكم : هم بنو فلان ، وبنو فلان ، لكنه سكت عن تعيينهم مخافة ما يطرأ من ذلك من المفاسد »

وقد دلت الأحاديث المستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف ، وترك الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة في الناس

الحديث الثامن :


: حديث حُذَيْفَةَ بن اليمان - رضي الله عنه – قَالَ: رَأَيْتُنِي أَنَا وَالنَّبِيُّ رَأَيْتُنِي أَنَا - صلى الله عليه وسلم - نَتَمَاشَى فَأَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ ، فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ ، فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُهُ ، فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ

ذكر الحافظ في ثنايا ما يُستنبط من هذا الحديث ما يشهد لقاعدة « احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما » ، فقال : « يستفاد من هذا الحديث دفع أشد المفسدتين بأخفهما . . . . . وبيانه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يطيل الجلوس لمصالح الأمة ، ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم ، فلما حضره البول وهو في بعض تلك الحالات لم يؤخره حتى يبعد كعادته ، لما يترتب على تأخيره من الضرر ، فراعى أهم الأمرين وقدم المصلحة في تقريب حذيفة منه ، ليستره من المارة على مصلحة تأخيره عنه ، إذ لم يمكن جمعهما »

وهذا الاستنباط الذي ذكره الحافظ – رحمه اللَّه – ظاهر ، وهو أن ترك الابتعاد عند إرادة البول فيه ارتكاب مفسدة ، ولكنها احتملت مراعاة لما هو أشد منها ، وهو حبس البول فإن هذا يضر بالبدن ، وقد سبق الكلام على هذا الحديث تحت قاعدة : « تُحَصّل أعظم المصلحتين بترك أدناهما »

وفيها يقول الندوي : (إذا اجتمع للمضطر محرمان كل منهما لا يباح بدون الضرورة ، وجب تقديم أخفهما مفسدة وأقلهما ضرراً ، لاَن الزيادة لا ضرورة إليها فلا يباح) (2).
وقال الزيلعي: (الاَصل في جنس هذه المسائل : إنّ من ابتُلِيَ ببليتين ، وهما متساويتان يأخذ بأيهما شاء ، وإن اختلفتا يختار أهونهما ؛ لاَنَّ مباشرة الحرام لا تجوز إلاّ للضرورة ، ولا ضرورة في حق الزيادة) (3).
وفي هذا الصدد ، يقول الغزالي : (وارتكاب أهون الضررين يصير واجباً بالاضافة إلى أعظمهما ، كما يصير شرب الخمر واجباً في حق من غص بلقمة أي : ولم يجد ماءً ، وتناول طعام الغير واجباً على المضطر في المخمصة ، وإفساد مال الغير ليس حراماً لعينه ، ولذلك لو اُكْرِه عليه بالقتل وجب أو جاز
1- القواعد الفقهية | علي أحمد الندوي : 225 ، دار القلم ، دمشق | 1412 ه ، وأشار في هامشه إلى قواعد ابن رجب الحنبلي : 246 القاعدة رقم | 112 .
2 - الاَشباه والنظائر | ابن نجيم الحنفي : 89 .
3 - المستصفى | الغزالي 1 : 89 دار الكتب العلمية | 1403 ه .

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
عن رجل متول ولايات، ومقطع إقطاعات ، وعليها من الكلف السلطانية
ما جرت به العادة ، وهو يختار أن يسقط الظلم كله، ويجتهد في ذلك بحسب ما قدر عليه، وهو يعلم أنه إن ترك ذلك واقطعها غيره وولي غيره فان الظلم لا يترك منه شيء، بل يزداد، وهو يمكنه أن يخفف تلك المكوس التي في اقطاعه، فيسقط النصف، والنصف الآخر جهة مصارف لا يمكنه اسقاطه، فانه يطلب منه لتلك المصارف عوضها، وهو عاجز عن ذلك، لا يمكنه ردها. فهل يجوز لمثل هذا بقاؤه على ولايته واقطاعه؟ وقد عرفت نيته، واجتهاده، وما رفعه من الظلم بحسب امكانه، ام عليه أن يرفع يده عن هذه الولاية والإقطاع، وهو اذا رفع يده لا يزول الظلم، بل يبقى ويزداد. فهل يجوز له البقاء على الولاية والإقطاع كما ذكر؟ وهل عليه اثم. فهل يطالب على ذلك؟ أم لا؟ وأي الأمرين خير له: لأن يستمر مع اجتهاده في رفع الظلم وتقليله، أم يرفع يده مع بقاء الظلم وزيادة. واذا كانت الرعية تختار بقاء يده لما لها في ذلك من المنفعة به (وهذا كما تراه دور شعبي في اختيار المسئول والضغط على الحاكم لاختيار العامل الأمين والكفء)، ورفع ما رفعه من الظلم. فهل الأولى له أن يوافق الرعية؟ ام يرفع يده. والرعية تكره ذلك لعلمها ان الظلم يبقى ويزداد برفع يده .
- المتولي للولايات هو الذي يؤمر بجمع الأموال من مكوس وضرائب على التجارة والبيوت والمزارع ونحو ذلك، وأما المقطع فهو الذي يتولى صرف الأموال من بيت المال وخزينة الدولة وما يتجمع من الضرائب ونحوها،
- الكلف السلطانية هي المخصصات التي تخصص للسلطان وحاشيته ونحو ذلك
وكانت اجابته بما يلي :
فأجاب: الحمد لله. نعم اذا كان مجتهدا في العدل ورفع الظلم بحسب امكانه، وولايته خير وأصلح للمسلمين من ولاية غيره، واستيلاؤه على الاقطاع خير من استيلاء غيره، كما قد ذكر فانه يجوز له البقاء على الولاية والاقطاع، ولا اثم عليه في ذلك، بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه اذا لم يشتغل اذا تركه بما هو أفضل منه .
وقد يكون ذلك عليه واجبا اذا لم يقم به غيره قادرا عليه. فنشر العدل -بحسب الامكان، ورفع الظلم بحسب الامكان- فرض على الكفاية يقوم كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك اذا لم يقم غيره في ذلك مقامه ولا يطالب والحالة هذه بما يعجز عن من رفع الظلم .
وما يقرر الملوك من الوظائف التي لا يمكنه رفعها لا يطالب بها، واذا كانوا هم ونوابهم يطلبون أموالاً لا يمكن دفعها إلا باقرار بعض تلك الوظائف، واذا لم يدفع اليهم أعطوا تلك الاقطاعات، والولاية لمن يقرر الظلم أو يزيده (قد كان هذا حال الملوك والسلاطين في عهد شيخ الإسلام يجعلون لهم مخصصات من الأموال العامة بما لا يحل لهم)، ولا يخففه كان أخذ تلك الوظائف ودفعها اليهم خيراً للمسلمين من اقرارها كلها، ومن صرف من هذه إلى العدل والاحسان فهو أقرب من غيره، ومن تناوله من هذا شيء أبعد عن العدل والاحسان من غيره، والمقطع الذي يفعل هذا الخير يرفع عن المسلمين ما امكنه من الظلم، ويدفع شر الشرير بأخذ بعض ما يطلب منهم، فما لا يمكنه رفعه وهو محسن إلى المسلمين غير ظالم لهم، يثاب، ولا اثم عليه فيما يأخذه على ما ذكره، ولا ضمان عليه فيما أخذه، ولا إثم عليه في الدنيا والآخرة اذا كان مجتهدا في العدل والاحسان بحسب الامكان.
وهذا كوصي اليتيم وناظر الوقف والعامل في المضاربة والشريك، وغير هؤلاء ممن يتصرف لغيره بحكم الولاية او الوكالة إذا كان لا يمكنه فعل مصلحتهم الا باداء بعضه من أموالهم للقادر الظالم: فانه محسن في ذلك غير مسيء (وهذا من شيخ الإسلام قياس صحيح فإن من يتولى مال اليتيم ويفرض عليه فيه مكوس وضرائب ونحوها لا سبيل له إلا دفعها لا يجوز من أجل ذلك أن يمتنع عن القيام على مال اليتيم وخاصة اذا تعين ذلك عليه)، وذلك مثل ما يعطي هؤلاء المكاسين (المكاسين جمع مكاس وهو المتولي لشئون الضرائب التي تفرض على التجارة ونحوها، ومعلوم أن المكوس حرام لأنها أخذ للمال بالباطل) وغيرهم في الطرقات، والأشوال، والأموال التي ائتمنوا، كما يعطونه من الوظائف المرتبة على العقار، والوظائف المرتبة على ما يباع ويشترى، فان كل من تصرف لغيره أو لنفسه في هذه الأوقات من هذه البلاد ونحوها فلا بد ان يؤدي هذه الوظائف، فلو كان ذلك لا يجوز لاحد ان يتصرف لغيره لزم من ذلك فساد العباد وفوات مصالحهم (انظر هذا الدليل الذي استمد منه شيخ الإسلام وهو حصول المفسدة العظمى إذا ترك القيام بالولايات الضرورية).
والذي ينهى عن ذلك لئلا يقع ظلم قليل لو قبل الناس منه تضاعف الظلم والفساد عليهم، فهو بمنزلة من كانوا في طريق وخرج عليهم قطاع الطريق، فان لم يرضوهم ببعض المال أخذوا أموالهم وقتلوهم. فمن قال لتلك القافلة لا يحل لكم ان تعطوا لهؤلاء شيئا من الأموال التي معكم للناس، فانه يقصد بهذا حفظ القليل الذي ينهي عن دفعه، ولكن لو عملوا بما قال لهم ذهب القليل والكثير وسلبوا مع ذلك، فهذا مما لا يشير به عاقل (انظر الدليل الثاني والمثل الذي ضريه شيخ الإسلام وتأمل فيه وطبقه على واقعنا المعاصر تجد أن من يفتي بعدم جواز ارتكاب المفسدة الصغرى فانما يعرض المسلمين لحصول المفسدة الكبرى. وانظر قول شيخ الإسلام أن مثل هذا لا يفتي به عاقل.. ونقول للأسف يفتي بذلك مجموعات يظنون أنفسهم من أعقل العقلاء وأحكم الحكماء)، فضلا ان تأتي به الشرائع، فان الله تعالى بعث الرسل لتحصيل المصالح، وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الامكان .
فهذا المتولي المقطع الذي يدفع بما يوجد من الوظائف، ويصرف الى من نسبه مستقرا على ولايته واقطاعه ظلما وشرا كثيرا عن المسلمين أعظم من ذلك، ولا يمكنه دفعه الا بذلك، اذا رفع يده تولى من يقره ولا ينقص منه شيئاً، هو مثاب على ذلك، ولا اثم عليه في ذلك ولا ضمان في الدنيا والآخرة .
وهذا بمنزلة وصي اليتيم، وناظر الوقف الذي لا يمكنه اقامة مصلحتهم الا بدفع ما يوصل من المظالم السلطانية (المظالم السلطانية أي الضرائب والأتاوات التي يفرضها السلاطين)، اذا رفع يده تولى من يجور ويريد الظلم، فولايته جائزة، ولا إثم عليه فيما يدفعه، بل قد تجب عليه هذه الولاية.
وكذلك الجندي المقطع الذي يخفف الوظائف (يقصد بالوظائف الضرائب المفروضة) عن بلاده، ولا يمكنه دفعها كلها، لأنه يطلب منه خيل وسلاح ونفقة لا يمكنه اقامتها إلا بأن يأخذ بعض تلك الوظائف، وهذا ينفع المسلمين في الجهاد، فاذا قيل له لا يحل لك أن تأخذ شيئاً من هذا، بل ارفع يدك عن هذا الاقطاع، فتركه وأخذه من يريد الظلم، ولا ينفع المسلمين: كان هذا القائل مخطئاً جاهلاً بحقائق الدين، بل بقاء الجند من الترك والعرب الذين هم خير من غيرهم، وانفع للمسلمين، وأقرب للعدل على اقطاعهم، مع تخفيف الظلم بحسب الامكان، خير للمسلمين من أن يأخذ تلك الاقطاعات من هو أقل نفعا وأكثر ظلماً.
والمجتهد من هؤلاء المقطعين كلهم في العدل والاحسان بحسب الامكان يجزيه الله على ما فعل من الخير، ولا يعاقبه على ما عجز عنه، ولا يؤاخذه بما يأخذ ويصرف اذا لم يكن الا ذلك، كان ترك ذلك يوجب شراً أعظم منه. والله أعلم.1
1 -الفتاوي 30/356-360
تعارض الحسنات والسيئات
إن الشريعة الإسلامية بنيت على قاعدة الموازنة أوالمقارنة بين الحسنات والسيئات ، لذلك عقد شيخ الإسلام فصلا جامعا في تعارض الحسنات والسيئات ، فقال:
فصل جامع في تعارض الحسنات، أو السيئات، أو هما جميعا. إذا اجتمعا ولم يمكن التفريق بينهما، بل الممكن إما فعلهما جميعا وإما تركهما جميعا. وقد كتبت ما يشبه هذا في قاعدة الإمارة والخلافة وفي أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما فنقول: قد أمر الله ورسوله بأفعال واجبة ومستحبة، وإن كان الواجب مستحبا وزيادة. ونهى عن أفعال محرمة أو مكروهة والدين هو طاعته وطاعة رسوله وهو الدين والتقوى، والبر والعمل الصالح، والشرعة والمنهاج وإن كان بين هذه الأسماء فروق. وكذلك حمد أفعالا هي الحسنات ووعد عليها وذم أفعالا هي السيئات وأوعد عليها وقيد الأمور بالقدرة والاستطاعة والوسع والطاقة فقال تعالى: { فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وقال تعالى: { لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } وقال تعالى: { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا } وكل من الآيتين وإن كانت عامة فسبب الأولى المحاسبة على ما في النفوس وهو من جنس أعمال القلوب وسبب الثانية الإعطاء الواجب. وقال: { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } وقال: { يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } وقال: { يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ } وقال: { مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ } وقال: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ } الآية وقال: { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } وقال: { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا } وقال: { لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ } وقد ذكر في الصيام والإحرام والطهارة والصلاة والجهاد من هذا أنواعا. وقال في المنهيات: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } وقال: { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } { لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا } { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ } { وَلَوْ شَاء اللهُ لأعْنَتَكُمْ } وقال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ } الآية. وقال في المتعارض: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } وقال: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } وقال: { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } وقال: { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } وقال: { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا } { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ } إلى قوله: { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ } وقال: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ } إلى قوله: { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ } ونقول: إذا ثبت أن الحسنات لها منافع وإن كانت واجبة: كان في تركها مضار والسيئات فيها مضار وفي المكروه بعض حسنات. فالتعارض إما بين حسنتين لا يمكن الجمع بينهما، فتقدم أحسنهما بتفويت المرجوح وإما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما، فيدفع أسوأهما باحتمال أدناهما. وإما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما، بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة، وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة، فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة. فالأول كالواجب والمستحب، وكفرض العين وفرض الكفاية، مثل تقديم قضاء الدين المطالب به على صدقة التطوع. والثاني كتقديم نفقة الأهل على نفقة الجهاد الذي لم يتعين، وتقديم نفقة الوالدين عليه كما في الحديث الصحيح: { أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على مواقيتها قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين قلت. ثم أي؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله وتقديم الجهاد على الحج كما في الكتاب والسنة متعين على متعين ومستحب على مستحب وتقديم قراءة القرآن على الذكر إذا استويا في عمل القلب واللسان وتقديم الصلاة عليهما إذا شاركتهما في عمل القلب وإلا فقد يترجح الذكر بالفهم والوجل على القراءة التي لا تجاوز الحناجر وهذا باب واسع. والثالث كتقديم المرأة المهاجرة لسفر الهجرة بلا محرم على بقائها بدار الحرب كما فعلت أم كلثوم التي أنزل الله فيها آية الامتحان { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } وكتقديم قتل النفس على الكفر كما قال تعالى: { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } فتقتل النفوس التي تحصل بها الفتنة عن الإيمان لأن ضرر الكفر أعظم من ضرر قتل النفس وكتقديم قطع السارق ورجم الزاني وجلد الشارب على مضرة السرقة والزنا والشرب وكذلك سائر العقوبات المأمور بها فإنما أمر بها مع أنها في الأصل سيئة وفيها ضرر، لدفع ما هو أعظم ضررا منها، وهي جرائمها، إذ لا يمكن دفع ذلك الفساد الكبير إلا بهذا الفساد الصغير. وكذلك في " باب الجهاد " وإن كان قتل من لم يقاتل من النساء والصبيان وغيرهم حراما فمتى احتيج إلى قتال قد يعمهم مثل: الرمي بالمنجنيق والتبييت بالليل جاز ذلك كما جاءت فيها السنة في حصار الطائف ورميهم بالمنجنيق وفي أهل الدار من المشركين يبيتون وهو دفع لفساد الفتنة أيضا بقتل من لا يجوز قصد قتله. وكذلك مسألة التترس التي ذكرها الفقهاء، فإن الجهاد هو دفع فتنة الكفر فيحصل فيها من المضرة ما هو دونها، ولهذا اتفق الفقهاء على أنه متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي إلى قتل أولئك المتترس بهم جاز ذلك، وإن لم يخف الضرر لكن لم يمكن الجهاد إلا بما يفضي إلى قتلهم ففيه قولان. ومن يسوغ ذلك يقول: قتلهم لأجل مصلحة الجلاد مثل قتل المسلمين المقاتلين يكونون شهداء ومثل ذلك إقامة الحد على المباذل، وقتال البغاة وغير ذلك ومن ذلك إباحة نكاح الأمة خشية العنت. وهذا باب واسع أيضا. وأما الرابع: فمثل أكل الميتة عند المخمصة، فإن الأكل حسنة واجبة لا يمكن إلا بهذه السيئة ومصلحتها راجحة وعكسه الدواء الخبيث، فإن مضرته راجحة على مصلحته من منفعة العلاج لقيام غيره مقامه، ولأن البرء لا يتيقن به وكذلك شرب الخمر للدواء. فتبين أن السيئة تحتمل في موضعين دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها وتحصل بما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها والحسنة تترك في موضعين إذا كانت مفوتة لما هو أحسن منها، أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة. هذا فيما يتعلق بالموازنات الدينية. وأما سقوط الواجب لمضرة في الدنيا، وإباحة المحرم لحاجة في الدنيا، كسقوط الصيام لأجل السفر، وسقوط محظورات الإحرام وأركان الصلاة لأجل المرض فهذا باب آخر يدخل في سعة الدين ورفع الحرج الذي قد تختلف فيه الشرائع، بخلاف الباب الأول، فإن جنسه مما لا يمكن اختلاف الشرائع فيه وإن اختلفت في أعيانه بل ذلك ثابت في العقل كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين وينشد:
إن اللبيب إذا بدا من جسمه

مرضان مختلفان داوى الأخطرا
وهذا ثابت في سائر الأمور، فإن الطبيب مثلا يحتاج إلى تقوية القوة ودفع المرض، والفساد أداة تزيدهما معا، فإنه يرجح عند وفور القوة تركه إضعافا للمرض وعند ضعف القوة فعله لأن منفعة إبقاء القوة والمرض أولى من إذهابهما جميعا، فإن ذهاب القوة مستلزم للهلاك ولهذا استقر في عقول الناس أنه عند الجدب يكون نزول المطر لهم رحمة وإن كان يتقوى بما ينبته أقوام على ظلمهم لكن عدمه أشد ضررا عليهم ويرجحون وجود السلطان مع ظلمه على عدم السلطان كما قال بعض العقلاء ستون سنة من سلطان ظالم خير من ليلة واحدة بلا سلطان. ثم السلطان يؤاخذ على ما يفعله من العدوان ويفرط فيه من الحقوق مع التمكن لكن أقول هنا، إذا كان المتولي للسلطان العام أو بعض فروعه كالإمارة والولاية والقضاء ونحو ذلك إذا كان لا يمكنه أداء واجباته وترك محرماته ولكن يتعمد ذلك ما لا يفعله غيره قصدا وقدرة: جازت له الولاية وربما وجبت وذلك لأن الولاية إذا كانت من الواجبات التي يجب تحصيل مصالحها من جهاد العدو وقسم الفيء وإقامة الحدود وأمن السبيل: كان فعلها واجبا فإذا كان ذلك مستلزما لتولية بعض من لا يستحق وأخذ بعض ما لا يحل وإعطاء بعض من لا ينبغي، ولا يمكنه ترك ذلك: صار هذا من باب ما لا يتم الواجب أو المستحب إلا به فيكون واجبا أو مستحبا إذا كانت مفسدته دون مصلحة ذلك الواجب أو المستحب بل لو كانت الولاية غير واجبة وهي مشتملة على ظلم، ومن تولاها أقام الظلم حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها. ودفع أكثره باحتمال أيسره: كان ذلك حسنا مع هذه النية وكان فعله لما يفعله من السيئة بنية دفع ما هو أشد منها جيدا. وهذا باب يختلف باختلاف النيات والمقاصد فمن طلب منه ظالم قادر وألزمه مالا فتوسط رجل بينهما ليدفع عن المظلوم كثرة الظلم وأخذ منه وأعطى الظالم مع اختياره أن لا يظلم ودفعه ذلك لو أمكن: كان محسنا ولو توسط إعانة للظالم كان مسيئا. وإنما الغالب في هذه الأشياء فساد النية والعمل أما النية فبقصده. السلطان والمال وأما العمل فبفعل المحرمات وبترك الواجبات لا لأجل التعارض ولا لقصد الأنفع والأصلح. ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبة فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب. أو أحب فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوبا تارة واستحبابا أخرى. ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض وكان هو وقومه كفارا كما قال تعالى: { وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ } الآية وقال تعالى عنه: { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم } الآية ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله فإن القوم لم يستجيبوا له لكن فعل الممكن من العدل والإحسان ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك وهذا كله داخل في قوله: { فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }. فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحال واجبا ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة. وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرما في الحقيقة وإن سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر. ويقال في مثل هذا ترك الواجب لعذر وفعل المحرم للمصلحة الراجحة أو للضرورة، أو لدفع ما هو أحرم وهذا كما يقال لمن نام عن صلاة أو نسيها: إنه صلاها في غير الوقت المطلق قضاء. هذا وقد قال النبي : «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها لا كفارة لها إلا ذلك». وهذا باب التعارض باب واسع جدا لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة فإن هذه المسائل تكثر فيها وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة أو يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم العمل بالحسنات وترك السيئات، لكون الأهواء قارنت الآراء ولهذا جاء في الحديث: «إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات». فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل وقد يكون الواجب في بعضها - كما بينته فيما تقدم -: العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء، لا التحليل والإسقاط. مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلا لمعصية أكبر منها فيترك الأمر بها دفعا لوقوع تلك المعصية مثل أن ترفع مذنبا إلى ذي سلطان ظالم فيعتدي عليه في العقوبة ما يكون أعظم ضررا من ذنبه ومثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركا لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات فيسكت عن النهي خوفا أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر. فالعالم تارة يأمر وتارة ينهى وتارة يبيح وتارة يسكت عن الأمر أو النهي أو الإباحة كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح وعند التعارض يرجح الراجح - كما تقدم - بحسب الإمكان فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن: إما لجهله وإما لظلمه ولا يمكن إزالة جهله وظلمه فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الإسلام وظهر. فالعالم في البيان والبلاغ كذلك، قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله تسليما إلى بيانها. يبين حقيقة الحال في هذا أن الله يقول: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا } والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله والقدرة على العمل به. فأما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي وإذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه: كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالجنون مثلا وهذه أوقات الفترات فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئا فشيئا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئا فشيئا ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به ولم تأت الشريعة جملة كما يقال: إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع. فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبالغ إلا ما أمكن علمه والعمل به كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها. وكذلك التائب من الذنوب، والمتعلم والمسترشد لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم فإنه لا يطيق ذلك وإذا لم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال وإذا لم يكن واجبا لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداء بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط. فتدبر هذا الأصل فإنه نافع. ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل والله أعلم. ومما يدخل في هذه الأمور الاجتهادية علما وعملا أن ما قاله العالم أو الأمير أو فعله باجتهاد أو تقليد فإذا لم ير العالم الآخر والأمير الآخر مثل رأي الأول فإنه لا يأمر به أو لا يأمر إلا بما يراه مصلحة ولا ينهى عنه إذ ليس له أن ينهى غيره عن اتباع اجتهاده ولا أن يوجب عليه اتباعه فهذه الأمور في حقه من الأعمال المعفوة لا يأمر بها ولا ينهى عنها بل هي بين الإباحة والعفو. وهذا باب واسع جدا فتدبره. 1
1. محموع الفتاوى 21


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.