بقطع النظر عن النتائج الأولية للانتخابات التشريعية كان يوم الاقتراع بامتياز تحت ثلاثة عناوين رئيسية وهي : الأجواء الآمنة التي جرت في الانتخابات والتلهف على متابعة نسبة المشاركة عبر ما يصدر عن الهيئة العليا للانتخابات ومن خلال متابعات وسائل الإعلام وأخيرا التركيز على ما كان يشتبه في كونه إخلالات وتجاوزات وخروقات وتجاوزه الفعل المنفرد والمعزول. لا بد من التأكيد على نجاح كافة الإجراءات الأمنية من قبل المؤسستين الأمنية والعسكرية لتأمين أفضل الظروف لسير العملية الانتخابية خاصة بعد الرهان الخاسر لفئة إرهابية على توتير الأوضاع ومحاولة التأثير على نفسية الناخبين قصد إثنائهم عن التحول إلى مكاتب الاقتراع وتسجيل الوجود الفردي لائحة المستقبل من خلال التصويت وتأكيد الوجود الجماعي بالبنحنب التي لا تقبل التجزئة والفرقة والانشقاق والمتكتلة حول المستقبل بعنوانه تونس. إخلالات وتجاوزات أما نسبة المشاركة، فقد كانت في واقع الأمر نسبا متحولة في شكل تصاعدي بمرور الوقت فكلما ارتفع العداد ازدادت معه الآمال في تحقيق المزيد إلى أن بلغت النسبة 60 في المائة وهو رقم يبدو دون المأمول باعتبار حجم الرهان الانتخابي وأهميته في تحقيق الاستقرار السياسي لكنه قد يحفظ ماء الوجه لتجربة الانتقال الديمقراطي التي يرجى منها النجاح في بلادنا في مقابل الفشل في بقية مساحات ما يسمى بالربيع العربي. ولعل السمة التي صبغت يوم الاقتراع هي الإخلالات والتجاوزات وهنا لا مفر من أن نصطدم بالحقيقة ولا مانع من أن تصدمنا ما دام الحديث قد كثر أمس عن حالات تضع أكثر من علامة استفهام حول مصداقية العملية الانتخابية ككل ومدى نزاهتها. وإذا كان المنطق يحتم من منطلق عدم التشكيك في نتائج الانتخابات انتظار النتائج النهائية والطعون والموقف النهائي منها لتبقى الكلمة الأخيرة لهيئة الانتخابات، فإن الأحاديث المتواترة عن إخلالات وتجاوزات سواء كانت نتيجة رصد وملاحظات صادرة عن مراصد تابعة للمجتمع المدني أو عبر تصريحات أحزاب ومترشحين، كفيلة بأن تدفع إلى الامتعاض والتشاؤم والتخوف من تبعات ردود الفعل المحتملة ومدى القبول المبدئي بالنتائج النهائية. على أية حال، يتعين الحذر من السقوط في فخ ما حول الصندوق أي كل ما يعد خارج المسؤولية المباشرة لهيئة الانتخابات حيث التجاوزات التي تسجل خارج مكاتب الاقتراع محتملة ووارد وقوعها ومن المنطقي تسجيلها ولكن أيضا لا بد من التعامل بشجاعة مع تلك المستجدات إذ لا يجب أن تلطخ العملية بأية سلبيات جوهرية مرفوضة أي تزوير إرادة الناخبين او توجيه نواياهم بفعل التأثير المباشر وهم على عتبات مكاتب الاقتراع. دور هيئة الانتخابات إذن، كل الأمل يبقى مرتبطا بالكيفية التي ستتعامل بها هيئة الانتخابات مع ما سيرد عليها من احترازات وطعون وانتقادات المترشحين وكذلك ما ستتضمنه تقارير مراصد الجمعيات وتقارير المراقبين الدوليين، فلا بد أن نفرق بين جوهر العملية الانتخابية وهو الذي يمكن أن نحدده بحقيقة الصناديق أي بما ضمنه الناخبون في صناديق الاقتراع وبين الجوانب ذات العلاقة بالشكل. الأهم هو أن تكون عملية الفرز شفافة وتتوفر على كل مقومات المصداقية وفق المعايير الدولية خصوصا في تصنيف الأوراق المقبولة والملغاة بالنظر إلى وجود عدد يتعين أخذه بعين الاعتبار من الأميين والمسنين الذين قد لا يضمنون بطاقات الاقتراع قرارهم النهائي بطريقة واضحة، والمهم أيضا أن تنظر الهيئة في جميع ما يبلغها من تقارير وتشكيات مشفوعة بالأدلة والحجج ومحورها الإخلالات والتجاوزات، تنفيذا للقانون بوجوب الحسم في كل ما قدم على كونه إشكاليات وتبرئة لذمة الهيئة الانتخابية تجاه جميع المترشحين وتجاه مختلف مكونات المجتمع المدني أحزابا ومنظمات متدخلة بفعل الأمر الواقع في إجمالي العملية الانتخابية. ومن هذا المنطلق يتعين التحلي بالحكمة وتوخي الحذر حيث كل ردة فعل أو قرار من شأنهما أن ينزلقا بالعملية الانتخابية نحو متاهات لا يتمناها التونسيون خصوصا أن تلك العملية دارت في ظروف أمنية مثالية وبالتالي لا بد من الحذر من التساهل في إطلاق الأحكام على عملية انتخابية تعد مفخرة لبلد يكفيه أنه نجح في تحديد مصيره وعرف كيف يتجنب المزالق. تحصين الدولة والمجتمع إن التحدي الكبير اليوم نجد له عنوانا كبيرا وهو كيف يمكن تحصين الدول والمجتمعات من آفة عدم الاستقرار التي تتخذ أشكالا عديدة بتفاعلات متغيرة ومتحولة؟ فلا أحد اليوم في منأى عن الهشاشة جزئية كانت أو شاملة حيث الاستنتاج غير كابر للتفنيد بقدر ما هو في أمس الحاجة إلى التحليل والتعمق وتوجيهه نحو الحلول. الاستنتاج الحقيقي هو أننا في منطقة مضت شوطا كبيرا في تحلل القوة العمومية أي الدولة والمجتمع حيث الحروب الداخلية والنزاعات المسلحة التي لا يمكن إخضاعها إلى منطق الحرب التقليدية بين دول ومحورها مصالح وطنية بل حرب تلعب فيها التنظيمات الإرهابية المسلحة والأفكار الظلامية دورا محوريا و وحيث السلاح وتجاره يحددون أمد الحرب وتجاوزها الجغرافيا السياسية التقليدية المجسدة في الحدود بين الدول. حتى لا نقع في منطق االحروب الجديدةب لا بد من تحصين تونس من الفوضى التي لا تنتهي وهي التي تبغيها التنظيمات الإرهابية وذلك بتحقيق الاستقرار السياسي الذي يؤسس على انتخابات ديمقراطية وشفافة. لهذا تعول تونس على انتخاباتها ودورها في تحقيق الاستقرار السياسي القاعدة الأساسية لاستقرار المجتمع، وذلك بقطع النظر عن نتائج الانتخابات التشريعية.