تونس – الحوار نت - يعرّف الكاريكاتير على أنّه أحد أوجه الفنّ الساخر ولغة إبداع سريعة الهضم، كما ذهب بعضهم إلى اعتباره شكل من أشكال الهجاء مثلما يهجو الشاعر بشعره فالرسّام يهجو برسمه، فن قائم بذاته يتحرك في مملكته الخاصة يراكم ويطوّر نفسه يشجب ويغمز ويهجو.. ويمدح أحيانا بطريقته الفريدة، يتطفّل على محيطه،، يتصيّد مشاهده يستوعبها ثم يعيد إنتاجها في شكل ساخر، يعيش الكاريكاتير في محيط مترامٍ من سوق الصناعة الفنية يطفو لحظة على المشهد ثم ينكفئ ليترك الصورة لغيره من الفنون استجابة لسنن التداول، لكنّ هذا الفنّ المنزوي كثيرا ما يقفز للواجهة في حالات الظلم والقهر والفواجع والتعدي ليصبح لغة بديلة عن اللغة المغيّبة.
لعلّ أبرز الحقول التي انتعش فيها الكاريكاتير حقل القضية الفلسطينية ولعلّ التردي العربي والروح الانهزامية والمقايضات الرخيصة على الأرض المقدسة هي من دفعت بهذا الفنّ المغمور إلى الواجهة فكان ناجي العلي وريشته اللاّسعة التي وخزت فأوجعت.. ومن فرط أوجاع الموخوز ومن جبنه ردّ بالرصاص حين بادر ناجي بالريشة.. لجأ المجرم إلى الدم حين التجأ قيصر الكاريكاتير إلى الحبر.. جحافل من الفنانين تكلّموا لغة الكاريكاتير فأقنعوا ولم "يلحنوا" وتحملوا تبعات ذلك منهم سيد خميس، خالد أبو خالد، مصطفى الحسيني، عبد الهادي الشمّاع، علي فرزات... دون أن ننسى المبدعة المفجوعة في زوجها الشهيد الرسامة أميّة جحا.
لغة الظلم التي تعد الهرمون الأول المحفّز للكاريكاتير سادت في تونس لعقود طويلة، هذا الظلم الذي لا ينتهي وهذه المنابر المؤممة التي كان من الممكن أن تصل من خلالها رسالة.. معنى.. كلمة.. همسة.. أو حتى صرخة.. كل هذا دفع فنّ الكاريكاتير ليقول كلمته في مظلمة شورو وما كان له أن يقول أو أن تكون له قدم لو لم يُمسخ القانون فيتحوّل من منصف إلى جلاد، هكذا عندما تتعفن الوسيلة الأقدر والأقوى على تنظيم علاقات المجتمع وأفراده والتي يتحاكم إليها الجميع على قاعدة المساواة، عندما يتحلّل القانون تحت أحذية الفرق الأمنيّة يصبح المواطن هائما يبحث عن بدائل عرفية وطارئة تسدّ ثلمة القانون الشارد حتى يعود إلى رشده ويضطلع بمهامه البديهية.
لما غاب القانون عن إنصاف شورو،، بل استعملت نسخة مشوّهة منه لتغيّيب وإدانة الدكتور الممتحن وجب علينا جميعا أن نؤازر المظلوم بالحراك وبالكلمات.. ولما لا يكون أيضا بالكاريكاتير!!...