شهدت العلاقات المصرية المغربية، أجواء توتر مفاجئ بين البلدين، على خلفية بث التلفزيون المغربي الرسمي، مساء أول أمس الخميس، تقريرين وصف فيهما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ب "قائد الانقلاب" في مصر، و(الرئيس الأسبق) محمد مرسي ب"الرئيس المنتخب". وكان لافتا أن رواية رسمية متماسكة لم تقدم من أي من الطرفين لما جرى، سواءً من الطرف المغربي أم المصري، إذ اكتفى كل طرف بالتلميح والتسريب، وهو ما فسّره المراقبون بالحرص على عدم التصعيد، وقد تبدى ذلك أكثر من خلال وسائل الإعلام المصرية التي عادة ما تعكس وجهة النظر الرسمية، والتي حرصت على الكلام الهادئ. من جانبه؛ احتفى الموقع الإلكتروني لحزب "العدالة والتنمية" (الإسلامي) المغربي، الذي يقود الحكومة برئاسة عبد الإله بنكيران، بانتقاد التقريرين للأوضاع الداخلية في مصر، معتبرا ذلك الانتقاد "انقلابا إعلاميا" على النظام المصري الجديد. وقال الموقع في تعليقه: "تبدو هذه اللغة جديدة على الخط التحريري للقناتين، بل تعتبر بمثابة انقلاب في الخطاب الإعلامي تجاه النظام الجديد في مصر، الشيء الذي يفتح الباب أمام المحللين والمراقبين لمعرفة خفايا هذا التحول وأسرار التغير الطارئ". لكن مراقبين تحدثوا ل"عربي21" رأوا أن تعليق الموقع إنما يعبر عن مشاعر أعضاء الحزب الرافضة للانقلاب في مصر، ولا يعبر عن رأي الدولة، بل ربما ولا رأي الحكومة التي لم تكن أصلا صاحبة القرار فيما خصّ التعليق في القناتين المغربيتين، لأن ولايتها أصلا عليهما محدودة، إلى جانب السياسة الخارجية التي تتبع القصر عمليا أكثر من الحكومة. وقال دبلوماسي مغربي رفيع المستوى، لوكالة الأناضول، إن التقريرين يمثلان "رد فعل مغربي على ممارسات إعلامية مصرية متراكمة أساءت للرباط، وآن لها أن تنتهي" الدبلوماسي المغربي، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، أوضح أن "هناك سلسلة من التقارير الإعلامية المصرية التي أساءت للرباط ومشاعر الشعب المغربي، وذلك لم يحدث مرة واحدة، بل مرات متكررة كان آخرها نيل الإعلام المصري من العاهل المغربي، وانتقاد زيارته الأخيرة لتركيا". ومضى قائلا إن "التغطية الإعلامية المغربية حادث وانتهى، ويجب على كل الأطراف الإعلامية ألا تقترب من مشاعر المغاربة، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤولياته إزاء البلدين، لاسيما وأن هناك خصوم (لم يسمهم) للبلدين يحاولون إحداث وقيعة بينهما". ولم يستبعد الدبلوماسي المغربي، أن يكون للتقارب المصري الجزائري علاقة بالأزمة الأخيرة، قائلاً: هناك خصوم للبلدين يريدون لمصر أن تبقى معزولة، وبالنسبة للجزائر فبالطبع هي تريد للمغرب أن تنعزل دبلوماسياً، وتوتر العلاقات المغربية - المصرية قد يريحها حتى وإن لم تسعى إليه". ومتحفظا في الرد، تابع قائلا: "لا أستطيع أن أؤكد أو أنفى ما إن كان للجزائر دخل في ذلك التوتر (بين القاهرةوالرباط)، وهو الأمر الذي سيتضح مع الأيام .. لكننا نعرف في الوقت نفسه أن هناك مساعٍ جزائرية لإقامة علاقة قوية مع مصر على حساب الرباط". وتشهد العلاقات الجزائرية - المغربية توترات متقطعة في ظل الخلاف حول قضية الصحراء، حيث تتهم المغرب الجارة الجزائر بدعم "البوليساريو" (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) في هذا النزاع. من جانبه، قال مصدر مسؤول بوزارة الخارجية المغربية إن تنسيقا مصريا جزائريا لدعم جبهة البوليساريو، التي تنازع المغرب على إقليم الصحراء، وهجوم الإعلام المصري المستمر على الرباط، سببا فى تغيير خطاب التلفزيون المغربي (الرسمي) تجاه القيادة المصرية الحالية. المسؤول المغربي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أوضح لوكالة الأناضول أن زيارة وفد مصري (لم يكشف عن طبيعته) خلال الأسبوع الماضي للعاصمة الجزائرية من أجل حضور مؤتمر دولي داعم لجبهة البوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) أغضب الرباط. وأضاف أن سبب التغير الحاصل في موقف الإعلام العمومي (الرسمي) المغربي "يرجع، أيضا، لهجوم الإعلام المصري المستمر تجاه الرباط، والذي تجاوز الحدود، وهم الشعب المغربي ومسؤوليه". ولم يستبعد ذات المصدر أن يجري وزير الخارجية المصري، سامح شكري، زيارة للمغرب قريبا من أجل إيجاد حل لهذا التوتر في العلاقات بين البلدين؛ وهو ما رجحه دبلوماسي مصري بالقاهرة بهدف "وأد الأزمة الأخيرة بين البلدين، في حال لم تكلل جهود السفارة المصرية في الرباط بالنجاح في وأدها". وعلى الجانب المصري كان تفسير سبب الأزمة مختلفا، إذ قال مصدر دبلوماسي مصري آخر ل"الأناضول" إن "سبب الأزمة يرجع إلى محاولات قيادات من جماعة إخوان مصر تحريض إخوان المغرب، على افتعال أزمة مع مصر، لاسيما عقب المصالحة المصرية القطرية؛ وذلك بغرض إفساد العلاقات بين مصر والمغرب، والحصول على مأوى في الرباط كبديل عن الدوحة". لكن خالد الرحموني، قيادي بحزب "العدالة والتنمية" (الإسلامي) المغربي، نفى أي وجود لتنظيم الإخوان المسلمين في المغرب، فيما سخر آخرون في الحزب من هذه المقولات، فضلا عن حقيقة أن التوجيه الذي جاء للقناتين لم يكن من الحكومة في واقع الحال حتى لو مرّ من خلالها. هذه الروايات من جانب الدبلوماسيين، لم يقابلها رد رسمي من مصر أو المغرب أو الجزائر، حتى توقيت كتابة هذا التقرير