القراءة الموضوعية لنتائج الانتخابات ولبنود الدستور تؤكد أن الحزب الفائز وهو نداء تونس في هذه الحال من مسؤوليته تسمية رئيس حكومة لينفذ سياسة حزب الأغلبية وبرنامجه الذي طرحه أمام الشعب في الانتخابات التشريعية ونال رضاه ومصادقته. ولهذا فمن المنطقي أن يكون رئيس الحكومة من حزب النداء وكذلك جل أعضاء حكومته لخلق الانسجام من ناحية أولى وتطبيق البرنامج الذي طرحه الحزب أمام الناخبين من ناحية ثانية. كما أن نتائج الانتخابات ونحن في نظام شبه برلماني قد أفرزت وجود حزبين كبيرين وهذا مؤشر إيجابي للديمقراطية بحيث لا يمكن التفكير في تغول حزب واحد يهيمن على الساحة السياسية مما يحتم تمكن الحزب الأول من الحكم حسب منطق الدستور ويبقى الحزب الثاني في المعارضة. أما الأحزاب الأخرى فيمكن لها التموقع هنا وهناك وتعديل الاتجاهات والتحكم في المشهد السياسي ولا تبقى على هامش الأحداث. فالناخب أعطى ثقته لحزب معين ولمدة محددة ليطبق البرنامج الذي على أساسه تم فوزه في الانتخابات فمن البديهي أن يستعمل هذا الحزب كوادره وآلياته لتنفيذ أفكاره تماهيا مع الإرادة الشعبية. وفي نهاية المدة يتمكن الناخب من تقييم نسبة النجاح في تحقيق رغباته على أرض الواقع ليجدد لهذا الحزب البيعة أم يسحبها منه لفائدة حزب آخر. وهذا هو منطق المسؤولية الانتخابية في الديمقراطية لأنه لا يمكن الفوز في الانتخابات ثم البحث عن مخرجات وأعذار للذهاب للتوافق والدخول شئنا أم أبينا للمحاصصة الحزبية وهذا يعد تهربا من الاستحقاقات الانتخابية والمراوغة بإرادة الناخبين. فالديمقراطية الحقيقية هي في وجود معارضة قوية يمكن لها أن تقوم بدور النقد البناء وتعطيل المشاريع التي ليست في مصلحة البلاد وتكبح جماح التوجه الاستبدادي والانفراد بالسلطة والتغول وتقديم البرامج البديلة واقتراح المشاريع التي يمكن التغافل عنها وإنارة الرأي العام في المواضيع المسكوت عنها. فمن مصلحة الديمقراطية وحسب ما جاء به الدستور المتوافق عليه ونتائج الانتخابات هو أن يتسلم النداء السلطة كاملة ويطرح برنامجه على مجلس الشعب وتتسلم النهضة قيادة المعارضة حتى يتبين المواطن الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتكون بذلك المسؤوليات محددة وواضحة ولا لبس فيها. وبعد خمس سنوات يكون الحكم على التجربة قاطعا وجليا وذلك بالاعتماد على النتائج والمؤشرات. فكيف يمكن تصور أن يحكم حزب في الانتخابات من خلال أشخاص مستقلين أو تابعين لأحزاب أخرى في مرحلة سياسية بامتياز؟ فأي سياسة وأي برنامج سيطبقون يا ترى؟ هل سينفذون سياسة فوق حزبية أم سياسة شخصية أو سياسة توافقية غير معلنة ولم تطرح على الناخبين ؟ فالتوافق لم يكن نصا دستوريا ولا إرادة للناخبين خاصة بعد الدخول في المرحلة الدائمة وتوديع كل ما هو مؤقت للمواصلة بالعمل به في قادم الأيام. فالخوف من ثقل المسؤولية في ظل الهشاشة الاقتصادية والأمنية ربما يفسر الجنوح إلى الحل التوافقي لكنه ضعيف من ناحية النجاعة والمردودية كما يعد تهربا من الاستحقاقات ومراوغة سياسية بإرادة الناخبين الواضحة والمتمثلة في مشهد سياسي يتزعمه حزب حاكم وحزب معارض وأحزاب أخرى للتعديل والتصويب مثلما تشهده الديمقراطيات العريقة. وكل تغيير لهيكلية هذا المشهد المنبثق عن الانتخابات هو تجاوز لإرادة الناخب والدخول في المحاصصات الحزبية المقنعة والتهرب من تحمل المسؤولية وفي ذلك مضيعة للوقت والجهد لأن التوافقات بين الأضداد في الفكر والرؤيا هي تعطيل للعمل دون جدوى وتتطلب تنازلات مؤلمة عن حقوق المواطن الملحة والذهاب للترضيات الشخصية والنزوات المذهبية وغيرها.