تعالت في المدة الاخيرة الاصوات المطالبة بضرورة الاسراع بتكوين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وطرح خارطة طريق واضحة لتجاوز حالة الضبابية التي طغت على الساحة السياسية وبعث رسالة طمأنة للرأي العام بعد المخاوف التي انتابته من جراء عدم تعاطي الحكومة بالجدية المطلوبة مع بعض الملفات. ودعت الاحزاب والاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمات المجتمع المدني »الترويكا« الى عدم التأخير في الحسم في كل المسائل المتعلقة بالمحطة الانتخابية القادمة من قانون الاحزاب الى القانون الانتخابي والهيئة العليا المستقلة للسمعي البصري لما لها من اهمية في ضمان النزاهة والشفافية. كما طالب الجميع بالنأي بمؤسسات الدولة والمؤسسات العمومية عن الحسابات الحزبية والتأكيد على اهمية حياد الادارة في الانتقال الديمقراطي. وفي الاثناء تطرح عديد التساؤلات والاستفهامات حول: - متي يتم تكوين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ؟..أي موعد رسمي للمحطة الانتخابية المقبلة؟..ما مدى تأثير التأخير الحاصل على نزاهة وشفافية الانتخابات؟..هل يمكن الحسم في وقت قياسي في القانون الانتخابي وقانون الاحزاب ؟.. أي انعكاس للتعيينات الحكومية على المسار الانتقالي ؟..كيف يمكن مواجهة التصدي ل«المال السياسي«؟..لماذا تأخر بعث الهيئة العليا المستقلة للسمعي البصري للدور الحيوي والحساس للإعلام في فترة ما قبل الانتخابات؟..ما مدى مشروعية المخاوف من مفاجآت غير سارة قد تعصف بالتطلع الى نجاح المسار الانتقالي ؟ كلها تساؤلات حاولت »الاسبوعي« الاجابة عنها من خلال الحديث مع عديد الشخصيات السياسية والحقوقية عبر الملف التالي: ملف من إعداد: محمد صالح الربعاوي الحسابات الانتخابية تطغى على الخطابات السياسية مع انطلاق العد التنازلي والعكسي للانتخابات المقبلة ازدادت »حمى« الحسابات الانتخابية بشكل طغت فيه على الخطابات السياسية سواء بالنسبة لرئاسة الجمهورية او الحكومة أو حتى داخل المجلس التأسيسي اصبحت اغلب الاطراف »تناور« و«تفخخ« و »تكتك« و«تهندس« لرغبة جامحة في استقطاب الناخبين و«التموقع« مما ساهم احيانا في تناقض بين الحكومة والرئاسة عكسته تصريحات متضاربة ومواقف متضادة يشتم منها الدخول في حملات انتخابية قبل اوانها في وقت يتطلب من الجميع عدم الانخراط في اللعبة السياسية واستثمار الجهود في مصلحة البلاد والعباد بعيدا عن العزف عن بعض الاوتار »الخفية«. ولا يخفى على احد ان الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي عمد الى تلميع صورته عبر خطابات بدت في كثير من الاحيان »خشبية« لعدم تضمنها لحلول قادرة على تغيير الواقع لان »الكلام« وحده لا يصنع الانجازات. وفي ظهوره الاخير على قناة حنبعل حاول المرزوقي الدفع عبر أكثر من اتجاه لتدعيم اسهمه في بورصة الساحة السياسية من خلال عبارات مدروسة للتسويق الانتخابي بقوله خاصة »نقول للتوانسة اللي يقلكم نحللكم مشاكلكم راهو يكذب عليكم ويتاجر بآلامكم ...ولن اروج للتوانسة وعود فارغة » . واعتبر عديد المحللين والسياسيين ان رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي سعى في اكثر من خطاب الى »مسكنات دعائية« أكثر منها حلول جوهرية لان حديثه عن العقلية التشاركية مازال مجرد »وصفة« اعلامية لم تجسد على ارض الواقع باعتبار ان لغة التشاور والحوار مازالت مجرد شعارات جوفاء في سياسة الحكومة نتمنى ان ترتقي الى التطبيق الفعلي. ورغم ما جاء في الحوار التلفزي الاخير لحمادي الجبالي من رسائل طمأنة للرأي العام مست عديد المحاور الهامة فقد اعتبر الصادق بلعيد انه كان »وكأنه يخاطب منتخبين أكثر مما يخاطب الامة التونسية وهذا يدعو الى الكثير من التخوفات« على حد تعبيره . اما »فلكلور« المجلس التأسيسي فانه اصبح واضحا لكل العيان وغير خاف على احد ولعل ما تتناقله »كاميراهات« القنوات التلفزية اكبر دليل على ان هدف الجميع اصبح سرقة الاضواء وشد الانتباه لغايات انتخابية بحتة . وبعيدا عن قبة التأسيسي اصبحت الساحة مسرحا لخطابات سياسية غايتها الاساسية الاستقطاب واستمالة الناخبين و«دغدغتهم« انطلاقا من الان . ولاشك ان الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد على جميع المستويات يحتم على كل الحساسيات توحيد جهودها من اجل المصلحة الوطنية بما يتماشى مع تحقيق اهداف الثورة ونجاح مسار الانتقال الديمقراطي. د. مصطفى التليلي رئيس جمعية »حرية، كرامة، مساواة«: مشهد سياسي بائس.. وحملات انتخابية هدفها »التموقع« من ضمن النقاط الواجب التوافق حولها ضرورة المسارعة بتكوين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حتى تتمكن من التحضير للاستحقاقات الانتخابية القادمة وهي بالضرورة قريبة جدا. وهذا يتطلب من الأطراف الحاكمة التخلي عن محاولات البحث عن صيغ تفقد الهيئة حيادها واستقلاليتها لأن نجاح هذه الهيئة رهين بقبولها من جميع الأطراف المتنافسة والثقة في تعاملها المتوازن بعيدا عن المحاصصات والتجاذبات الحزبية. هذا ما دعا اليه الدكتور مصطفى التليلي رئيس جمعية (حكم) »حرية كرامة مساواة« واضاف أن المقترح المقدم من قبل الاتحاد والرابطة وعمادة المحامين حول تركيبة الهيئة أقرب لضمان هذه المواصفات والتي تسمح بتنظيم انتخابات ديمقراطية ونزيهة وشفافة. معايير دوليّة وأوضح التليلي في حديثه مع »الأسبوعي« أن الهيئة التي ترأسّها السيد كمال الجندوبي قامت بعمل أثنت عليها كل الأطراف ويكون من الواجب الاستفادة من خبرة أعضائها مع التفكير في تسوية وضعية الشباب الذين تدربوا على تنظيم العملية الانتخابية الأخيرة من خلال بعث إدارة قارة تؤمّن حسن إنجاز الانتخابات في المناسبات القادمة. كما انه على أعضاء المجلس التأسيسي أن يتعاملوا مع المقترحات المقدمة لهم حول الهيئة لا طبقا لمصالحهم الحزبية والتعليمات الصادرة عن قادتهم بل حسب متطلبات المصلحة الوطنية وشروط الانتخابات الديمقراطية حسب المعايير الدولية ورفض كل أشكال الإقصاء بطريقة تسمح لكل التونسيين مهما كان انتماؤهم بالمشاركة السياسية في بناء تونسالجديدة. عقلية توافقية وشدد رئيس جمعية »حكم« على أن المطلوب هو إعادة الاعتبار للعقلية التوافقية والتي بفضلها أمكن إنجاح المرحلة الانتقالية الأولى ويكون ذلك بفتح حوار وطني تشرف عليه شخصيات وطنية مشهود لها بالكفاءة والوطنية وتشارك فيه كل القوى السياسية والنقابية ومكونات المجتمع المدني من أجل التوصل لصيغ تعيد الثقة في المسار السياسي والأمل للتونسيين في المستقبل. ويتم التوافق على إجراءات عاجلة تسمح بإيقاف هذا التدهور وتمكّن من مواجهة غول العنف السياسي المستشري والتطرف والتعصب والتي تهدد جديا السلم الأهلية وقواعد العيش المشترك. ويقتضي ذلك تحلي الأطراف الحكومية بالتواضع في التعامل مع الشأن الوطني بعيدا عن التعالي المدمّر. عقلية »حوانتية« وتابع قائلا: »يتطلب الأمر » صمت « بعض الأصوات الحكومية التي اختصت في توتير الأجواء والتهجم المجاني على المخالفين بسبب الضرر الكبير الذي ألحقته بروح التسامح وبمستوى النقاش في الفضاء العام. أما عن أحزاب المعارضة فإن وضعها الحالي وتشتتها وتواصل عقلية »الحوانتية «في صفوفها لا يساعد على تأمين الثقة في المستقبل بما يجعلها بديلا حقيقيا للتحالف الحاكم رغم أنه أثبت عجزا واضحا في إدارة البلاد. وعلى أعضاء المجلس التأسيسي أن يكونوا في مستوى العهد الذي قطعوه أمام الشعب بالانكباب عن كتابة الدستور دون انشغالهم بمصالح لا يليق بهم طرحها في هذا الظرف الحساس الذي تمرّ به البلاد من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية«. حملات انتخابية قبل الأوان وفي سياق متصل أشار التليلي إلى أن الطريقة التي تنظم بها هذه الأيام زيارات الوفود الوزارية إلى المناطق الداخلية حول التنمية الجهوية هي أقرب إلى حملات انتخابية قبل الأوان وبتوظيف المسؤوليات الحكومية واستغلال التغطية الإعلامية لهذا الغرض. والهاجس بالنسبة إلى كل الأطراف لا يجب أن يكون البحث عن التموقع وإطالة مدة الحكم بل خدمة البلاد وإعطاء المثال في التفاني من أجل ذلك بعيدا عن المكاسب الزائلة أن كانت شخصية أو حزبية. لا »للإستشارات« وفي قراءته للمشهد السياسي الذي يسبق انتخابات بدأ عدّها التنازلي قال التليلي: إن المشهد بائس ومحزن ولا يليق ببلد مرشّح لإعطاء المثال لبلدان أخرى في نضج نخبه وقدرتها على إنجاح مسار الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي بأقل التكاليف وبالنجاعة المطلوبة. وتنامت التخوفات من أن البعض يسعى إلى الالتفاف على أهداف الثورة واختزالها في مجرد تسلّم بعض الأطراف الحزبية لمقاليد السلطة متناسين أن الثورة قامت ضدّ نمط الحكم التسلّطي وضدّ خيارات تنمويّة غير عادلة. واستطرد قائلا: »أنتجت هذه الأوضاع حالة احتقان عامة لن تنجح المسكّنات الدعائية في تجاوزها. المطلوب العودة إلى عقلية التشارك بين الجميع والبحث عن الحلول التوافقية من خلال حوار وطني جدّي لا يأخذ شكل »الاستشارات« التي تذكرنا بماض غير بعيد بل يكون تداولا حقيقيا في كل الشؤون الوطنية والبحث عن الطرق الأمثل التي تسمح بوضع البلاد على سكة الديمقراطية والتنمية المتوازنة حتى نواكب العصر الذي نعيشه ومتطلباته. آنذاك يمكن أن نصل إلى تحديد خارطة طريق واضحة ترجع الأمل للجميع في سلامة المسار الذي اخترناه ولن يتحقق ذلك إلا بمهام محدّدة وآجال دقيقة لن ينفرد أيّ طرف مهما كان وزنه في وضعها«.