رغم موافقة مجلس شورى النهضة على مبدأ مشاركة الحركة في الحكومة المقبلة فإن الموضوع لا يزال محل جدل كبير سواء لدى مناصري حركة النهضة و المتعاطفين معها أو داخل حزب نداء تونس و حلفائه. فالندائيون اليساريون و النقابيون و بعض الليبيراليين على غرار منذر بلحاج علي المعادي لكل تقارب مع الاسلاميين يرفضون أي تحالف محتمل مع حركة النهضة لأسباب عقائدية بالأساس و إقصائية استئصالية. بينما يساند الدستوريون و مجموعة رئيس الجمهورية الذي تفرض عليه مسؤولياته أن يكون مجمعا للتونسيين لا إقصائيا التفتح على حركة النهضة و تشريكها في الحكم متعضين من الانتخابات الرئاسية التي أكدت أن قرابة نصف التونسيين ليسوا ندائيين و تنبغي استمالتهم بشكل من الأشكال. و قد أكد بلحاج علي أن 70 نائبا من بين 86 يرفضون تواجد النهضة في الحكومة و أمضوا على عريضة في الغرض . و يخشى المتعاطفون مع النهضة ان تدفع الضغوط رئيس الحكومة المكلف إلى التخلي عن تشريك حركة النهضة فتكون قد خسرت بموافقتها على المشاركة مصداقيتها و تظهر بمظهر المتلهف على الحكم رغم عدم رغبة الأطراف الأساسية في تشريكها. و يرون أنه كان على الحركة عدم التسرع و كان عليها وضع شروط مبدئية. الجدوى من المشاركة: أولا : تمكن مشاركة النهضة من حصول رئيس الحكومة المكلف على أغلبية مريحة تساعده على تحقيق إصلاحات إقتصادية و إجتماعية تعود بالفائدة على البلاد و تبرهن على أن الحركة تمنح الأولوية لمصلحة البلاد على حساب مصالحها الحزبية. بالَاضافة إلى أن عدة أطراف خارجية تدعو للوفاق و تجنيب البلاد الصراعات.
ثانيا: قد تساعد هذه المشاركة على توضيح مواقف نداء تونس بالحسم بين الاقصائيين و المندسين من اليسار الاستئصالي من جهة و الديمقراطيين الفعليين الذين يؤمنون بالتعايش بين مختلف التيارات و بأن تونس تتسع للجميع.
ثالثا: ب69 نائبا (31,8 بالمائة) لا يمكن للنهضة أن تشكل الثلث المعطل خاصة و أن الجبهة الشعبية سوف تسارع إلى الارتماء في أحضان النداء إذا لم يشرك النهضة في الحكم و سوف توافق على أي قانون أو اختيار ترفضه النهضة لذا فقد تكون النهضة مجرد معارضة دون جدوى في المجلس النيابي.
رابعا: من الواضح أن الشعب التونسي قد ضج من التجاذبات و الصراعات و الفوضى و الدوس على القانون و أنه يرغب في الاستقرار و الأمن و بالتلي فإن اختيار موقع المعارضة لن يجدي نفعا و لن يمكن في الظرف الحالي من تحقيق مكاسب سياسية.
خامسا : يسعى الاقصائيون إلى إثارة مشاكل و قضايا لمسؤولي حركة النهضة و بعضهم يطالب صراحة بمحاكمات للنهضويين سواء بإثارة تهم مثل موضوع الرش بسليانة أو إغتيال بلعيد و البراهمي أو موت لطفي نقض أو حتى تهمة سوء التصرف في موارد البلاد و لا شك أن موقع النهضة في الحكومة سيحد من نهم الاستئصاليين.
سادسا: بعض المسؤولين النهضويين تعودوا على مزايا السلطة و المكاتب الفاخرة و التصريحات الصحفية للداخل و الخارج و يصعب عليهم الانخراط من جديد في العمل الميداني و الاتصال المباشر و هم مستعدون للقبول بموقع ثانوي من أجل المحافظة على هذه الامتيازات.
سابعا: خروج النهضة من الحكم سوف يعجل بفتح الملفات للمحاسبة الداخلية و تحميل مسؤولية للفشل لبعض الأطراف الفاعلة و سوف يؤثر حتما على وحدة الحركة و تماسكها و يضعفها.
إختيار المعارضة: أولا: خسرت النهضة خلال فترة حكمها حوالي 800 ألف ناخب فما بالك بها إذا كانت في ظل نداء تونس. ألن يكون مصيرها مشابها لمصير حزبي التكتل و المؤتمر الذين شاركا في الحكم السابق أو لحزب المسار الذي اختار العيش في جلباب النداء فلفظه الناخبون؟ ثم إن فوائد الانتعاشة الاقتصادية و الاجتماعية إن حصلت، سوف توظف لفائدة الطرف الأساسي في الحكم لا لشركائه.
ثانيا: سوف يساعد موقع المعارض المسؤول على إعادة ترتيب بيت الحركة و إلى العودة من جديد إلى الاتصال المباشر بالمواطنين و إزالة ما علق لدى العديد منهم، بسبب الاعلام المأجورو السلوك البيروقراطي، من صورة سلبية عن الحركة خلال السنوات الأخيرة كما سوف يخلص الحركة من الانتهازيين و الوصوليين الذي اندسوا داخلها.
ثالثا: هل يمكن التحالف مع من يعلن العداء الواضح للاسلاميين مثل الطيب البكوش و منذر بلحاج علي و خميس كسيلة و مصطفى بن أحمد و غيرهم من قيادات النداء ؟ ألن يسعوا لتوريط النهضة و تحميلها مسؤولية أي فشل يحصل؟ و كيف يمكن وضع اليد في اليد مع من دفع إلى إفشال حكومة الترويكا و تدني شعبيتها و إذكاء مشاعر الحقد تجاهها في إطار ما سمي بجبهة الانقاذ ؟ و هل يمكن تصور انتماء نهضوي شريف إلى حكومة تضم مثلا سمير الطيب الذي يسمى النهضة بالفاشية الدينية و يدعو إلى إقصائها من العمل السياسي و قد تمسك بهذا الموقف مؤخرا عند لقائه برئيس الحكومة المكلف؟
رابعا: موقع المعارضة أمام رفض الاقصائيين لتشريك النهضة سوف يكشف للشعب من يريد فعلا تقسيم البلاد و من يكرس الاستبداد و الغطرسة و الهيمنة و ينبغي توظيف هذا الاقصاء لكشف حقيقة المتشدقين بالديمقراطية و الذين يريدون جر البلاد إلى صراعات و خلافات متواصلة.
خامسا: تشعر بعض القواعد النهضوية بالغبن و الاحباط منذ رفض حركة النهضة دعم المرشح منصف المرزوقي و نظرا للاستفزازات المتكررة من أنصار النداء في الجهات و يخشى أن يؤدي الانضمام إلى حكومة النداء إلى انسحاب بعض القواعد بالانضمام إلى إحدى المبادرات الأخرى (حركة المرزوقي، حزب جديد لحمادي الجبالي ....)
لا شك أن لكلا الموقفين ثمن و تبعات و أن قيادة النهضة واعية بذلك و هي مطالبة بوضع شروط و مبادئ لمشاركتها في الحكم و إن رفضت تلك الشروط فعليها أن تعيد اكتشاف متطلبات العمل المعارض العلني المسؤول لا المعارضة الصورية و الوفاق من أجل الوفاق.