طال عذابها بحمل الحكم، لم تقدر عليه ليس لقلة إمكانياتها وإنما لعدم استعمالها بالطريقة الصحيحة.... بددتها وجمدتها.... كيف يمكن لحركة عملت لقرابة نصف قرن في المداس والجامعات والمصانع والنقابات، وسيطرت على المساجد... آوت إلى ركن شديد هو الخطاب الديني الضامن للتأييد الشعبي الواسع... صحيح أن السجون أضرت بها لكن بقي لها أرصدة كبيرة وهوامش تحرك واسعة لعل أهمها أن تكون لها الجالية الأكبر كمّا ونوعا في منافي وجدت فيها الحرية والعلم والخبرة في مجالات مختلفة.... شعب تونس يتطلع إلى الأمن والحياة الكريمة، ما إن أزاح من منعه من تلك الحقوق المشروعة حتى جعل مصيره بين أيدي الإسلاميين، وقد أحسن الاختيار بالنظر للأرصدة المذكورة أعلاه: نضال ومستوى عال من التعلم والأخلاق ونظافة اليد وصبر على الأذى وتمسك بالثوابت... السؤال الذي يبحث عن جواب هو أين ذهبت كل تلك الأرصدة؟ والجواب الواضح والأكيد هو فشل الذين تنفّذوا في حركة النهضة في استعمال هذه الأرصدة الاستعمال الحسن... تكتشف النهضة ومن ورائها تونس العبث الكبير الذي قامت به قيادة النهضة منذ استلامها للقرار التونسي. بعض المتتبعين فهم منذ البداية أو على الأقل بعد بضعة أشهر من حكم النهضة أن حكام تونس يسيرون بتونس في طريق مسدود. بعضهم نصح بصدق وآخر بتشفي. قال السيد الباجي قائد السبسي عن حكم النهضة "تسمع جعجعة ولا ترى...." لم يتم المقولة وقد بلغ المعنى. وكيف كان يمكن أن ترى طحينا من فريق ليس فيه رجل مناسب في مكان مناسب. والتذكير بالوزارات الكبرى الثلاث يكفي. في الأمن والاقتصاد والدبلوماسية، ثلاثة وزراء الواحد منهم أكثر "هبلا" من الآخر. كل ذلك بضغط من القائد الملهم على المؤسسات وبتزكية من مجلس الشورى الموقر. وهكذا شيئا فشيئا أخذ الحمل يثقل على النهضة والفتق يتسع على الراتق، ولم ينفع العقار فيمن غاب عنه الفهم... تراجعت النهضة وبدأت تتدحرج وتترك مواقعها الواحد تلو الآخر، ولم يبق لها غير ماكينة دعائية تقرأ بالمقلوب وتفسر بالمقلوب، ولم يعد تصدقها حتى الدائرة القريبة من القواعد القليلة التي دأبت على التبرير وقبول غير المقبول من المواقف. تبرير لعلنا سنسمع شيئا منه في نهاية الشوط الأخير من تسليم السلطة إلى المنظومة القديمة... ولا أشك أننا سنسمع من يقلب هذا الفشل الكبير إلى دليل على الحنكة السياسية للشيخ راشد والمحيطين به، أنهم ورطوا السيد الباجي والذين معه في حكم تونس... وارتاحوا... أوووووف وللبيت رب يحميه ويتواصل المؤقت في تونس