مهرجان قرطاج: الجمهور هو المدير الحقيقي... وصوت الفن التونسي يعلو وينفتح على العالم    جلسة استماع في البرلمان حول مقترح القانون المتعلق بضبط النظام الأساسي العام لقطاع الصحة    مع الشروق : الانتقال الطاقي يحتاج سرعة التنفيذ وليس الدراسات واللجان    تتسبب في ٪80 من الأمراض: 170 كلغ معجّنات لكل تونسي... سنويا    عاجل/ تدشين خط جوي جديد بين البرتغال وتونس    عاجل/ ماكرون يدعو لإعتراف مشترك مع لندن بدولة فلسطين    نتائج متميزة للمعهد التحضيري للدراسات الهندسية بنابل في مناظرة الدخول إلى مراحل تكوين المهندسين    قرى الأطفال' س و س': أكثر من 67% نسبة نجاح في البكالوريا... قصص تحدٍّ تستحق الإشادة    بعد المنستير وقليبية وسليمان... التلوّث يمتد إلى شاطئ سيدي سالم ببنزرت بسبب مياه الصرف الصحي    توزر...أولاد الهادف.. المدينة العتيقة التي حافظت على طابعها المعماري    مع المتقاعدين ..القيروان: رابح حرزي ينال جائزة «الطالب المثالي» ..حصل على الباكالوريا في سنّ 63 و على الإجازة في ال 67    الصيف والتعرّي!؟    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة: ولا تنازعوا فتفشلوا ...    الحذرَ الحذرَ، فوالله لقد ستر حتى كأنه قد غفر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً    عاجل: سيدي بوزيد: انقطاع واضطراب في توزيع الماء ببئر الحفي    عاجل: بالفيديو: منظمة الصحة العالمية تكرّم رئيس الجمهورية بدرع الاتفاقية الدولية للوقاية من الجوائح    الليلة: أمطار رعدية وتساقط البرد بهذه المناطق    عامان سجنا في حق الإعلامي محمد بوغلاب    المحلل المالي معز حديدان: كلفة دعم الخبز تكفي لبناء 4 مستشفيات جامعية سنويا    أنيسيموفا تتأهل لنهائي ويمبلدون بفوز مثير على سبالينكا    نسبة النجاح العامة في الدورتين الرئيسية والمراقبة لبكالوريا 2025 تبلغ 52.59 بالمائة    مودرن سبور المصري يتعاقد مع اللاعب التونسي أحمد مزهود    بنزرت: حملات رقابية ليليلة للحد من مظاهر الانتصاب الفوضوي وإستغلال الطريق العام ببنزرت المدينة    وزارة التعليم العالي: مركز الخوارزمي تصدّى لمحاولة هجوم إلكتروني استهدفت مركز البيانات الجامعي    عاجل/ تيارات قوية وأمواج عالية: الحماية المدنيّة تحذّر من السباحة في شواطئ هذه الجهة    بشرى سارّة لمرضى السكّري.. #خبر_عاجل    إختتام مشروع تعزيز الآلية الوطنية لتأطير الصحة الحيوانية البيطرية بتونس    كان تحب تزور مصر، اعرف القرار هذا قبل ما تمشي!    عاجل: فيفا تُصدر تصنيف جويلية 2025...تعرف على مرتبة تونس عالميا وافريقيا    الفيفا: المنتخب الوطني يحافظ على مركزه ال49    عاجل/ رئيس الدولة في زيارة غير معلنة الى هذه الولاية..    قبلي : تواصل قبول الأعمال المشاركة في الدورة الرابعة من مسابقة "مسابقة بيوتنا تقاسيم وكلمات"    وزارة التربية تنظّم الحفل الختامي لمسابقة "تحدي القراءة العربي" في دورتها التاسعة    الاحتلال يوافق مبدئيا على "تمويل مشروط" لإعمار غزة    انهيار نفق بداخله 31 عاملا في لوس أنجلوس    عاجل/ الرئيس الإيراني: ردنا سيكون "أكثر حسما وإيلاما" إذا تكرر العدوان..    عاجل/ استئناف التزود باللحوم الحمراء المبردة والموردة..وهكذا ستكون الأسعار..    الديوان الوطني للأعلاف: شراء 50 ألف طن من مادة الذرة العلفية الموردة    انطلاق اشغال المؤتمر الدولي حول القوات المسلحة في حماية المدنيين ضمن مهمات حفظ السلام    سبب وفاة سامح عبد العزيز... التفاصيل الكاملة    الرابطة الثانية: مبارك الزطال مدربا جديدا للملعب القابسي    أسبوع الباب المفتوح لفائدة التونسيين المقيمين بالخارج بمقر وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية    عاجل/ من بين الشهداء أطفال ونساء: الاحتلال يرتكب مجزرة جديدة في دير البلح وسط غزة..    دواؤك في خطر؟ ترامب يُفجّر ''قنبلة جمركية'' تهزّ سوق الأدوية...اكتشفها    فرنسا تعتقل لاعبا روسيا لتورطه في أنشطة قرصنة إلكترونية    باريس سان جيرمان يتأهل إلى نهائي كأس العالم للأندية بفوزه على ريال مدريد برباعية نظيفة    فاجعة في بن قردان..وهذه التفاصيل..    متى تظهر نتائج ''الكونترول''؟ اكتشف مواعيد إعلان النتائج السابقة    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    تحذير عاجل: البحر هائج في السواحل الشرقية... خاصة في نابل وبنزرت    النادي الصفاقسي يعزز صفوفه بثلاثة انتدابات أجنبية    "اليويفا" يحدث تعديلات على لوائح العقوبات في مسابقات الموسم المقبل    هذه العلامات الغريبة في جسمك قد تنذر بنوبة قلبية... هل تعرفها؟    هيئة الصيادلة: أسعار الأدوية في تونس معقولة    عاجل: قيس سعيّد يُحذّر : مهرجانات تونس ليست للبيع بل منابر للحرية والفكر    قيس سعيّد: آن الأوان لتعويض الوجوه القديمة بكفاءات شابّة لخدمة كل الجهات    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ مقداد إسعاد (مستشار سابق لراشد الغنّوشي) ل «التونسية»:«النهضة» كلّها «لايت»
نشر في التونسية يوم 01 - 10 - 2014

القائمات المستقلة، إمّا أرانب سباق أو طامعة في نظام البقايا
أرى المرزوقي في الدور الثاني
الناخب التونسي واع ولن يصوّت للنسخة ان هو رفض الأصل
الباجي قال للغنوشي: «تخسر صُبع خير من ذراع»
الشيخ راشد هو القيادة والشرعيّة
«النهضة» خزّان حقيقي للصّبر والكرامة
أتمنّى أن يكون الرئيس القادم من الثائرين لا ممّن يفرضهم الخارج
حوار: أسماء وهاجر
أثارت تصريحاته النارية الكثير من الحبر، له تصوره الخاص للخروج بتونس من أزمتها الخانقة... ينطلق من الفهم الجيواستراتيجي لتونس وذلك بوضعها في محيطها المغاربي على الصعيد الخارجي مع تحديد الاولويات داخليا بناء على رؤية نقدية للواقع بعيدا عن الاجندات الحزبية والشخصية. هو الأستاذ مقداد إسعاد عضو المجلس العلمي لجامعة ليون الثالثة رئيس جمعية يوغرطة للاندماج المغاربي العاملة بليون والكاف مستشار الشيخ راشد الغنوشي في الشؤون المغاربية سابقا. «التونسية» التقته فكان معه الحوار التالي:
كان من المزمع أن تدخل الانتخابات التشريعية بقائمة مستقلة تدعى «الكاف اولا» لكنها رفضت ما هي أولويتك التي رسمتها في البداية؟
سؤال وجيه ومستحق. الحقيقة أن ترشحي للانتخابات التشريعية كان بهدف متواضع نظرا لقلة الاعداد وهو تكوين كتلة برلمانية تكبر أو تصغر تكون منبرا للدفاع عن المشروع الذي أخذ ولا يزال مني كل اهتمامي، وهو ثمرة تجربة وتفكير: ما هي إشكالية «النهضة» أو التنمية في تونس؟ وما هي المقاربة الصحيحة للإجابة عنها. اختلفت الأحزاب لاعتمادها على التقسيمات الإيديولوجية رغم تراجعها أمام سيطرة المال والعولمة، مما أعاق توافقها حتى سئم الشعب وثار بعفوية وأسقط الدكتاتورية. لكنه لم يفلح في إرساء قواعد نظام ديمقراطي... بعد قرابة أربع سنوات من الثورة بدأت الفوارق الإيديولوجية تتضاءل وتحل الواقعية محل المثالية في البرامج أو التصريحات والتصرفات السياسية... أنا افهم اليوم أن ما تحتاجه تونس هو فهم صحيح لموقعها بين مثيلاتها من الدول في المحفل الدولي، أي الفهم الجيواستراتيجي لتونس... وأحسب أن غياب هذه القراءة عند من سلمهم الشعب مصيره كنتيجة للانتخابات النزيهة والشفافة الأولى سنة 2011 هو سبب الاخفاقات الكبيرة- وذلك بوضعها في محيطها المغاربي الذي يكون محضنها الطبيعي، ويضمن لها الطاقة ويمدها بمخزون كبير جدا من السياح المتناغمين ثقافيا مع شعبها خلافا للأوروبيين. السياحة المغاربية «سياحة مستدامة بامتياز» في مقابل السياحة الشعبية المضرة بالتنمية. المشروع الذي أعمل عليه واقعي يفهم أن تونس يجب أن تتبني الأولوية المغاربية في سياستها الخارجية، فتحقق بذلك مكاسب اقتصادية مثل التمويل بالطاقة بأسعار تفاضلية وبدفع مؤجل، كل ذلك بقرارات سياسية من تونس وجيرانها. وأيضا تسهيل الاستثمار بقرار سياسي في فترة انتقالية عادة ما تكون غير مناسبة للاستثمار الخاص (الجبان كما قال بعضهم)... هذا إضافة الى حفاظ تونس على رصيدها الرمزي وخبرتها الإدارية إلى غير ذلك مما يميّزها في العالم قريبا وبعيدا. أيضا من عناصر القوة الجيواستراتيجية لتونس تأتي جاليتها في أوروبا وخاصة فرنسا، بل الجالية المغاربية كلها وهي واقعة تحت حب تونس وثورتها.
مشروعنا لتونس إذن هو غير مؤدلج يعتمد الواقعية الملتزمة الخاضعة لضوابط الهوية التونسية والالتزام بقضايا الأمة الإسلامية وأهداف الألفية من احترام للإنسان والمحيط وغيرها... تونس ترتب أولوياتها على النحو التالي: المغاربية، المتوسطية، العربية ثم الإسلامية، وذلك حسب فهم عقلاني وخطاب شجاع، لا يزايد على الآخرين كما لا يخاف مزايداتهم الدعائية.
هذا على المستوى الوطني أما على المستوى المحلي فالمشروع الذي أدعو إليه ليس شوفينيا ولا جهويا من حيث الخيارات بل فقط من حيث العمل والتطبيق تناغما مع خيار اللامركزية في التسيير والديمقراطية التشاركية في المعاملة السياسية. «الكاف أولا» ليس بمعنى «الكاف» ولا شيء غير «الكاف» بل «الكاف» ابتداء على المستوى التطبيقي وهي دعوة لان يفعل الساكنون في الولايات الأخرى كل منهم من حيث هو موجود، أين يعرف الأرض والناس والناس يعرفونه أيضا فلا يسقط عليهم من المريخ بقرار مركزي حزبي، ينطلق بعلم وإلمام بما يطلبون ويقترحون ويتابعون، ذلك شرط الحكامة الراشدة... هكذا تمثل القائمات المستقلة ضمانا لسلامة المنهج، وتأتي كل جهة بخصوصيتها في ما تحتاج وأيضا في ما تفيد وتكون تونس كلها مستفيدة من صحة ودقة المستويات المحلية مجتمعة على مشروع وطني ناجع وناجح تغيب فيه الأجندات الحزبية والشخصية ويعلو فيه الصالح العام...
وماذا انتم فاعلون الآن؟
نحن نواصل طريقنا. الانتخابات التشريعية ليست إلا مرحلة في الطريق الطويل لنضالنا، ولله الحمد فان ثورتنا المباركة فتحت لنا مجالات كثيرة لخدمة شعبنا... نحن أساسا من نشطاء المجتمع المدني لم نأت للسياسة إلا لقناعة منا بأنّ السياسيين يستغلون مناصبهم ومنابرهم ليفسدوا علينا عملنا لإصلاح جهتنا وبلادنا. نحن نمتلك مشروعا للمجتمع المدني عملنا فيه منذ الثورة وفيه الحل الأمثل، وما سيساعدنا عليه هو انكشاف «عراريب» السياسة من الأحزاب الحاكمة وغير الحاكمة التي تتناحر بينها دون رؤى ولا برامج وقد غابت عنها الممارسة الديمقراطية داخليا فتصدرها أكثرها فسادا واقلها علما وخبرة ومروءة.
إن قائمتنا ليست سوى واحدة من المئات من القائمات المستقلة والعشرات ممن اجتمعنا في تنسيقية واعدة تتحسس طريقها كبديل عن الأحزاب أو على الأقل عن الاستقطاب السياسي. اجتمعنا في لقاء تنسيقي في الكاف يوم 23 أوت حضرته 22 قائمة مرت باستثناء قائمتنا وأخرى في فرنسا. وقد اخترنا مكتبا مؤقتا لتنسيق الجهود، ثم اجتمعنا في تونس بتاريخ 15 سبتمبر ووسعنا المكتب حتى يستطيع القيام بمهامه في هذا الظرف الخاص، وحوى الكثير ممن لم يترشحوا حتى يتفرغ المترشحون لجهاتهم، واختارني الحاضرون ناطقا باسم القائمات المستقلة. والله يعلم عظم هذه المسؤولية فكان أن سقطت قائمتي لأتفرغ للتنسيقية وأدعم القائمات على مستوى البلاد كلها. من يحمل فكرة لا يهمه من أي موقع يخدمها. هذا ولنا برنامج لدعم الجهات بالحضور واستدعاء الشخصيات ذات الأوزان لشرح جدوى وفكرة الاستقلالية.
ألا تعتقدون أن مهمتكم أصعب من مهمة الأحزاب خاصة مع قلة الوقت المتاح لكم؟
ليس الوقت هو وحده ما يعيقنا، المال أيضا والإمكانات المادية عموما، ولعل العقبة الأكبر أمامنا تتمثل في ضعف المرجعية بل غيابها أصلا. ويزيد على ذلك دعاية الأحزاب ضدنا الذين يروّجون له دون وجاهة لحجتهم ويعرفهم الناس بشخصياتهم ورموزهم ومقراتهم رغم أنهم لم يكونوا في مستوى تطلعات من صوتوا لهم. يقولون إن المستقلين لا عناوين لهم كمن أخذ له موقعا في سوق ينفضّ في النهاية ولا يمكن متابعته والتواصل معه... كان الله في عون المستقلين... عزاؤهم أن الأحزاب تتألم هي أيضا، من كان يصدّق مثلا أن حزبا ملأ الدنيا غوغاء مثل «نداء تونس» لا يستطيع أن يغطي كل الدوائر الانتخابية، وحتي التي غطاها يشوبها الخلاف والفرقة والمحاباة والولاءات؟ أما الحزب الآخر الذي يروج له وهو «النهضة» فقد سال عرق القائمين عليها وهي تكوّن قائماتها... علمت أن بناءها «مخوخ» وخشيت إن هي غيرت منه «طوبة» أن ينهار فقررت الإبقاء على القائمات القديمة لانتخابات 2011، كمناورة داخلية أسكتت بها المتمردين من داخلها والمتمرسين في التموقع فلم يجد الطامعون في رؤوس القائمات، وكلهم طامعون، بُدّا من احترام القاعدة التى جاءت كحيلة رفع السيوف على المصاحف.
صرّحت في الحوارات انك ابن «النهضة» لكن مشروعك الانتخابي لا تصفه بالإسلامي؟
مصطلح المشروع الإسلامي هذا اسم لغير مسمى. أنا لا ارى مشروعا يمكن أن يوصف هكذا يعمل في الساحة السياسية. التيار الإسلامي له مشروع مجتمع وليس له مشروع سياسي. أما مشروع المجتمع فهو يتلخص في تلك الصورة لمجتمع محافظ لا يجهر فيه بما يعتبره الدين الإسلامي حراما... فيه تكافل اجتماعي، وأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...
المشروع السياسي مختلف لأنه يستوجب دولة يسقط عليها، لأنها الوحدة الأساسية والعقلانية الضرورية ليطبق فيها مشروع سياسي. المشروع السياسي هو بمثابة خارطة طريق أو صياغة لمراحل إسقاط المبادئ الكونية من حرية وعدالة وغيرها على دولة بمكونات محددة ومعلومة، بشرية ومادية وجغرافية في إطار سيادة وطنية.
يرى المحللون ان تجربة «النهضة» في ادارة البلاد جرتها الى متاهات لا طائل من ورائها وانها تطلب من الشعب التونسي منحها فرصة ثانية ما تعليقك على ذلك؟
«النهضة» حركة قضى اتباعها حياتهم في السجون والمنافي، أما سنوات الحرية فلم تكن هي أيضا أوقات راحة بل حراك يتعامل مع محيط بعضه محب لهم وبعضه متوجس منهم. بمعنى أن العنصر النهضوي دخلت عليه الثورة وهو يئن تحت تراكمات ثقيلة... لما حمله الشعب أمره راح ينفق مما تعود عليه أي التوجس من الخارج وعدم الثقة في غير التنظيم. لذلك حكمت «النهضة» تونس بالحركة، ثم واصل القائمون عليها فضيقوا الدائرة الى المقربين وهكذا دواليك حتى تقلصت وتقلص تأثيرها وثار عليها أصحاب «الصفر فاصل» وانتصروا عليها وأخرجوها من الحكم. وعت «النهضة» جزءا من الدرس وليس كله. أما ما وعته فهو أن أمامها خطا أحمر من الداخل ومن الخارج، وأما ما لم تعه فهو أنه إن أرادت البقاء ونفع البلاد فلا بد لها أن تغيّر أصلا مقاربتها للسلطة. تنازلت «النهضة» مرغمة للقوى العظمى وكذلك للمعارضة الداخلية فتركت السلطة في البلاد ولم ينسحب الذين تصدروا المسؤولية من المسؤوليات، لكنهم لم يفعلوا وتمسكوا بقرار الحركة وأسرارها وأختامها. لقد عادت القيادة الى تلك الدائرة التي تعرف كيف تسيطر عليها بالوسائل المعهودة التي مارستها لنصف قرن. قامت الدنيا في سوريا ومصر والعراق وتونس لكن القلة الحاكمة في «النهضة» بقيت رغم إخفاقاتها متمسكة بالسلطة.
لم يزعج هذا التصرف لا القوى العظمى الخارجية ولا الشركاء السياسيين في تونس، وتركوا الأمر لقواعد من صنف «كيف ما تكونوا يولى عليكم». بقيت قيادة «النهضة» صامدة صمود الدكتاتورية العربية، تقاسمت رئاسات القائمات وتقدمت للشعب معولة على فراغ المعارضة لتنال من أصوات الشعب ما يبقي الزعماء المتنفذين في «النهضة» في المسؤولية السياسية يعني في البرلمان. ماذا سيفعل الشعب بهم؟ حسب التوقعات فان رؤساء القائمات مضمون لهم البرلمان وما بعد ذلك فالله أعلم.
بعض المحللين يعتبرون ان «النهضة» تعيد خلط الاوراق فتخفي اللّوز وشورو اعلاميا مقابل استعمال صورة مورو وزياد العذارى رمز «الاسلام اللايت» حتى تكسب ثقة الناخبين ما مدى صحة ذلك؟
لا أظن ذلك، أظن أن الدكتور صادق شورو وحتى الشيخ الحبيب اللوز لا يستطيعان لعب الأدوار السياسية، لقد أخذ القوم اي الشيخ راشد والمحيطون به طريقا لن يجد فيه هؤلاء لهم مكانا، ما عليهما فعله هو أن يحسما أمرهما إما بإصلاح «النهضة» بمواقف واضحة وجريئة أو تركها. أما عن السيدين عبد الفتاح مورو وزياد لعذاري و«الإسلام اللايت» فالنهضة كلها لايت، بالمعنى السياسي، أما بالمعنى المجتمعي، فالحوار في العالم الإسلامي مفتوح على أشده. ويعجبني التيسير وهو ما نصح به الرسول الكريم القائل «إذا خيرت بين أمرين اخترت أيسرهما». ما لا أحبه هو اللايت السياسي الذي يغيب الشعب ويضيع حقوقه ويقلل من عمق ثورة تونس ومن وزن تونس الجيواستراتيجي. تونس إذا حافظت على رمزيتها الثورية يقرأ لها الكبار وزنا ويلتف حولها أحرار العالم، لكن للأسف حكمها من لم يقدر وزنها ومن النوع اللايت.
صرحت انك اختلفت مع اطراف في حركة «النهضة» سمّيتها «ماكينة صدئة» وليس السيد راشد الغنوشي من هم هؤلاء الأطراف؟
الشيخ راشد هو القيادة والشرعية، وعليه تقع مسؤولية نجاح «النهضة» في مرورها من حركة الى قيادة دولة. هذا هو التحدي الذي وجده الشيخ راشد في طريقه وأظن أنه لم ينجح في تخطيه. لقد تعامل مع الماكينة بما يمكنه أن يأخذ منها ما يريد وليس لإصلاحها أو توجيهها الوجهة الصحيحة. يكتفي بأن يأخذ منها ما يسير في اتجاه ما يرغب ويسكت على أخطائها وتجاوزاتها.
أعلنت أنه لن تكون ل «النهضة» حظوظ في الانتخابات التشريعية القادمة وانها في احسن الحالات لن تفوز بأكثر من رؤوساء قائماتها وإنها سترسب في «المتريز» على ماذا استندت في هذا الموقف الاستشرافي؟
الربيع العربي في سنته الرابعة رسب في «المتريز» والمؤشرات واضحة رغم دعاية من حكموا تونس. «النهضة» تتقدم لانتخابات تشريعية فارغة من روحها، ونتيجتها لم تعد تهم أحدا لأن الشعب فقد الأمل في التغيير. سواء كان نصيب «النهضة» كبيرا أم صغيرا في البرلمان والحكومة فإنّ تلك الاهداف التي حلم الشعب التونسي بتحقيقها لن تتحقق. حركة «النهضة» فقدت أمل شعبها فيها فماذا تفعل بالمناصب أيا كان نوعها. حركة «النهضة» تسحب من الشعب قراره بمناورات التوافق نقيض الديمقراطية ليقرر لتونس الثورة في البيوت المظلمة، فأين هي من ثورتها واين هي من رصيدها النضالي؟
ثم هناك مؤشر على ضعف الحملة الانتخابية لحركة «النهضة» وهو انسحاب ملحوظ للقيادات الجهوية لرفضها فرض القدامى في قائمات الترشح مما يصعب عليهم الدعاية لهم، لكن يبدو أن قيادة «النهضة» أصبحت مستغنية عن قواعدها بعد أن ألغت الشعب التونسي برمته من حساباتها بتوجهها المكشوف نحو القوى الخارجية تعطيها الولاء وتحدد معها مستقبل تونس. وتستعمل الدعاية لتبرز هؤلاء المتمسكين بالسلطة كعبقريين سياسيين. لو حاولنا فهم الزيارة الأخيرة للشيخ راشد للصين فسنجد جعجعة دعائية انتخابية ولا نرى طحينا، لأن ما ينفع الناس من طحين لا يأتي أصلا إلا بتوفير شروط الاستثمار بالسلم الاجتماعي وتشريك الساكنة المحلية ومصارحتها والاستماتة في الابقاء على قرارها بيدها، أي بمعنى أخر الصدق في التمكين للديمقراطية في تونس، وهو الطريق الذي أخطأته «النهضة» بالعمل التوافقي من وراء الشعب. المستقلون يجدون أنفسهم في الصف المقابل لهذا الفهم وهذه الممارسات.
ما هي الكواليس الحقيقة للقاء باريس التاريخي بين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي ؟
كتبت عنه مقالا ربطت هذه الرحلة بأخرى قام الشيخ بها من ربع قرن من الجزائر الى سويسرا للقاء السيد الهادي البكوش بعد هروبه وخلافه مع بن علي. رحلة باريس تحدث عنها السيد الباجي قايد السبسي في العلن قال نصحت الشيخ راشد أنه «يخسر صبع خير من ذراع»، ويبدو أن الشيخ راشد عمل بالنصيحة.
القائمات المستقلة المنشقة عن «النهضة» يروج انها ليست سوى «النهضة» «prime» وانها ليست سوى رصيد احتياطي لها فهل ان قائمتك تندرج ضمن هذا التوجه؟
القائمات المستقلة قد تكون بعضها «أرانب» سباق وأخرى بغية الاستفادة من نظام البقايا وقد تعود الى «النهضة» أو غيرها بحسابات أصحابها. أظن أن الناخب التونسي واع ولن يصوّت للنسخة ان هو رفص الاصل. القائمات المستقلة تأخذ من أصوات الشعب بقدر ما تعطيه للناخب من ضمان الاستقلالية، وبقدر وضوح خطابها وصحة مشروعها.
تعدد المرشحون لرئاسة الجمهورية ألا تعتبر أن هناك بعض الوجوه مقصاة من السباق قبل دخوله على اعتبار انها عملت في النظام السابق ويصعب ان تحظى بثقة الناخب؟
أنا ضد من اعتمد عليه النظام السابق، ثورتنا يجب أن تمنع الخضرمة، رموز النظام السابق لا يمكن أن يعيشوا في تونس إلا كما كان «الطلقاء»، لا يحكمون تونس أبدا. ويكفيهم أن تونس تتناسى مناشداتهم ودعمهم للدكتاتورية والظلم وأكل مال الأمة والتعدي على حرماتها. أنا أفرق بين من عايشوا النظام السابق وأعرف منهم كثيرا من النزهاء، بل قد أضفت بعض المرات في لقاءاتنا النهضوية الداخلية أن أقواما تصرفوا مع أزمة الحريات والديمقراطية في تونس بغير ما فعلنا، وليس لنا أن نضع الجميع في سلة واحدة، نحن رفضنا أي شكل للتعامل مع النظام السابق وصبرنا على أذاه سجنا وتعذيبا ومنفى، والشعب يحترمنا لصبرنا وثباتنا. ألنهضة خزان حقيقي للصبر والكرامة... هذا لكن الشعب التونسي لا يمكن أن ينفى كله ويسجن تعامل كثير منهم مع الوضع بأن تأقلم معه، بقي كارها له، لكنه لم يقدر على تغييره... المعيار عندي هو هل تعدى على حرمات الشعب؟ هل أكل ماله بغير وجه حق؟ هل اعتدى على أعراض الناس؟ هؤلاء هم الطلقاء، ليس رأفة بهم بل احتقارا لهم وعدم اهتمام بهم حتى تسير تونس إلى نهضتها.
أما بالنسبة للانتخابات فأنا لا أظن أن من عمل في النظام قبل الثورة سيحضى بأصوات الناخب لا في الرئاسيات ولا في التشريعيات رغم الغوغاء والدعاية.
من هو الأقرب حسب رايك لدخول قصر قرطاج؟
أتمنى أن يكون من الثائرين لا من قدامى النظام ولا ممن يفرضهم الخارج علينا. ولا شك أننا كمستقلين ستكون كلمتنا فيصلا في هذا.
هل ترى ان المرزوقي قادر على احداث المفاجأة وان يفوز بالانتخابات الرئاسية؟
هو من الثائرين وليس وحده، لكني أراه في الدور الثاني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.