حكايات تونسية ...«الماء إلّي ماشي للسدرة.. الزيتونة أولى بيه»    القناوية... فوائد مذهلة في ثمرة بسيطة... اكتشفها    أخبار الحكومة    المنستير: دعوة إلى إحداث شبكة وطنية للإعلام الجهوي خلال ندوة علمية بمناسبة الذكرى 48 لتأسيس إذاعة المنستير    بلدية سوسة تُحذّر: لا استغلال للرصيف أو مآوي السيارات دون ترخيص    مصب «الرحمة» المراقب بمنزل بوزلفة .. 130 عاملا يحتجون وهذه مطالبهم    وسط تحذيرات من ضربة مفاجئة جديدة.. إيران ترفض وقف تخصيب اليورانيوم    أبو عبيدة.. مستعدون للتعامل مع الصليب الأحمر لإدخال الطعام والدواء لأسرى العدو ولكن بشرط    مصادر طبية فلسطينية: قرابة 100 شهيد إثر الغارات الإسرائيلية المتواصلة منذ فجر الأحد    هيئة شؤون الحرمين تدعو زوار المسجد الحرام لارتداء لباس محتشم يليق بالمكان المقدّس    الجوادي بطل العالم في 800 و1500 متر سباحة ... ميلاد أسطورة جديدة    كأس أفريقيا للمحليين... حلم الجزائر في 2025    فيما «البقلاوة» تثور على التحكيم ...الترجي يحرز «السوبر»    أماكن تزورها...بلاد الجريد حضارة وتراث وتقاليد    أيام قرطاج السينمائية تكرّم الراحل زياد الرّحباني في دورتها المقبلة    العهد مع جمهور الحمامات ...صابر الرباعي... يصنع الحدث    اعلام من باجة...سيدي بوسعيد الباجي    تاريخ الخيانات السياسية (35): المنتصر يقتل والده المتوكّل    يحدث في منظومة الربيع الصهيو أمريكي    إعفاء كاتب عام بلدية مكثر    وفاة كهل غرقا بشواطئ بنزرت    تطاوين على خارطة السياحة الوطنية: إجراءات جديدة لدعم المشاريع والشركات الأهلية    واقعة قبلة الساحل تنتهي بودّ: اتصال هاتفي يُنهي الخلاف بين راغب علامة والنقابة    منظمة الصحة العالمية تدعو إلى إدماج الرضاعة الطبيعية ضمن الاستراتيجيات الصحية الوطنية وإلى حظر بدائل حليب الأم    لماذا يجب أن ننتبه لكمية السكر في طعامنا اليومي؟    فاكهة بألف فائدة: لماذا يجب أن تجعل العنب جزء من غذائك اليومي؟    هكذا سيكون الطقس هذه الليلة    جرجيس: انتشال جثتين لطفلين غرقا بشاطئ حسي الجربي    النجم الساحلي يكشف تعاقده رسميا مع ماهر بالصغير والسنغالي الحسن دياو    باجة: تجميع ربع الانتاج الوطنى من الحبوب وموسم الحصاد يقترب من نهايته    المنستير: الإعداد لإحداث ماجستير مهني في مجال الإضاءة المستدامة والذكية بالمدرسة الوطنية للمهندسين بالمنستير    مقترح قانون لإحداث بنك بريدي: نحو تعزيز الشمول المالي وتوفير خدمات مصرفية للفئات المهمشة    تنبيه للمواطنين: انقطاع واضطراب الماء بهذه المناطق..    سيدي بوزيد: تضرر المحاصيل الزراعية بسبب تساقط البرد    الأغاني الشعبية في تونس: تراث لامادي يحفظ الذاكرة، ويعيد سرد التاريخ المنسي    اعادة انتخاب عارف بلخيرية رئيسا جديدا للجامعة التونسية للرقبي للمدة النيابية 2025-2028    عاجل : نادي الوحدات الاردني يُنهي تعاقده مع المدرب قيس اليعقوبي    تواصل الحملة الأمنية المصرية على التيك توكرز.. القبض على بلوغر شهير يقدم نفسه كضابط سابق    بلاغ هام لوزارة التشغيل..#خبر_عاجل    بطولة العالم للسباحة: الأمريكية ليديكي تفوز بذهبية 800 م حرة    عودة فنية مُفعمة بالحبّ والتصفيق: وليد التونسي يُلهب مسرح أوذنة الأثري بصوته وحنينه إلى جمهوره    ''السوبر تونسي اليوم: وقتاش و فين ؟''    برنامج متنوع للدورة ال32 للمهرجان الوطني لمصيف الكتاب بولاية سيدي بوزيد    تقية: صادرات قطاع الصناعات التقليدية خلال سنة 2024 تجاوزت 160 مليون دينار    وزارة السياحة تحدث لجنة لتشخيص واقع القطاع السياحي بجرجيس    الملك تشارلز يعرض مروحية الملكة إليزابيث للبيع    رفع الاعتصام الداعم لغزة أمام السفارة الأمريكية وتجديد الدعوة لسن قانون تجريم التطبيع    نانسي عجرم تُشعل ركح قرطاج في سهرة أمام شبابيك مغلقة    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    عاجل/ تحول أميركي في مفاوضات غزة..وهذه التفاصيل..    درجات حرارة تفوق المعدلات    لرصد الجوي يُصدر تحييناً لخريطة اليقظة: 12 ولاية في الخانة الصفراء بسبب تقلبات الطقس    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    قبلي: يوم تكويني بعنوان "أمراض الكبد والجهاز الهضمي ...الوقاية والعلاج"    تنبيه هام: تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق..#خبر_عاجل    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    كيف حال الشواطئ التونسية..وهل السباحة ممكنة اليوم..؟!    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



La Puerta Falsa الباب الخاطئ: حتى أنت أيّها الحمار!
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

أنا من قلّة تكنّ للحمار كلّ احترام، شأنه شأن حيوانات أهلية أخرى كثيرة جمعنا وإيّاها صباح غابر من أيّام الخليقة حيث كان درب بسيط يوحّد بيننا وبين هذه الكائنات البكماء، برغم انّ هذه القرابة قد نسيت كما كتب طاغور منذ عهد سحيق، ولم يبق من ذلك الفردوس السّالف غير وشم بسيط في لغتنا أعني هذه «المحاكية الصوتية» Onomatopée أي الكلمات التي تحكي أصوات الحيوان والطبيعة، وبخاصة في لغة كالعربية تمتلك خاصية مميزة في بنيتها الصوتية هي عدم وجود صوت صائت ينفصل عن صوت صامت يلفظ قبله.
***
تعلّمت أن احترام الحمار منذ سني طفولتي البعيدة في الريف القيرواني، برغم أني لا أزال أحمل وسم صكّته في جبهتي.. فقد أحببنا حقّا تلك الكائنات البسيطة وتعلّمنا وحدنا ألا نزعج حتى الجرادة وهي تغرز ذنبها في الأرض لتبيض، ولا الطائر المطمئن في ريح الصباح وهو يهوي على ريشه بمنقاره، فينتف منه ويطيّره في الهواء، ولا الحمام وهو يدخل فمه في فم أنثاه، وهما يتطاعمان.. ولكن كان للحمار، من بين كلّ هذه الكائنات، شأن وأيّ شأن.. ثمّ كبرت وقرأت «حيوان» الجاحظ و»حياة الحيوان الكبرى» للدميري، و»حمار الحكيم» لتوفيق الحكيم، و»أنا وحماري» للإسباني الأندلسي خوان رامون خيمينيث.. وأحببت كثيرا مرثيّته لحماره «بلاتيرو» وهي التي نوّهت بها لجنة نوبل عندما منحته جائزتها في أواخر الخمسينات من القرن الماضي.
***
هذه الأيام ازداد احترامي للحمار وأنا أسمع عنه وأراه في التلفزيون يقوم بواجبه في مقارعة الاحتلال الأمريكي للعراق ويحمل راجمات الصواريخ، ويقف حيث حدّد له المقاومون أن يقف غير آبه للخطر الذي يتهدّده.. فالجنود الأمريكان يعانون من حالة هيستيريا وهلسنة بصريّة.. وربّما حسبوا الدّيك حمارا، والحمار ديكا.. وربما أطلقوا نيران أسلحتهم على ذبابة تصقل بيديها مرآة حدقتها أو تمسح عينيها من الغبار.. بل لم أعد أصدّق ما يتناقله أسلافنا من أنّ الحمار إذا شمّ رائحة الأسد رمى نفسه عليه من شدّة الخوف، يريد بذلك الفرار منه.. فقد رأيت في التلفزيون جنديّا أمريكيا يقود حمارا متلبّسا ب»جرمه» وكان الحمار ينظر في عينيه بثقة، وينفض أذنيه.. ولعلّه كان يضحك ويداري ضحكه بالنّهيق.. وربما قال له الجنديّ في نبرة تأنيب:
«حتى أنت أيها الحمار!».
***
للعرب في مدح الحمار وذمّه أقوال شتى متباينة، شأنهم شأن شعوب أخرى كثيرة.. ف»الحمار شنار والعير عار»، وصوته أنكر الأصوات.. وهو مثل في الذمّ الشّنيع والشّتيمة.. وكانوا من كراهيتهم أسمه، يكنّون عنه كما يكنّون عن الشيء المستقذر، فيقولون «طويل الأذنين».. مع أن الحمار معروف بحدّة السّمع، وباهتدائه إلى سلوك الطرقات التي مشى فيها ولو مرة واحدة.. فلا تعجبوا إذا قطع الأمريكان دابر الحمير في العراق.. فقد تألف هذه الأحمرة حمل الرّاجمات والصواريخ.. وتتعوّد قطع الطريق إلى فنادق بغداد العامرة بالجواسيس.. وقد صارت حقّا «فنادق» (بالتونسي) أي حظائر تأوي إليها الماشية لتقيها نيران المقاومة.. وربما احتجت جمعيات «الرفق بالحيوان» في أمريكا على سلوك جنودهم المشين.. فقتل الحيوان مع سبق الإصرار والتمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون.. فيعقد السيد دونالد رامسفيلد ندوة صحفية صاخبة وهو يشبك يديه من خلف، ويعلن على رؤس الملأ أنّ حمير العراق لا تستأهل رحمة ولا شفقة، فهي تتربّص بالحلفاء الذين هرعوا لتحريرها من بطش النظام العراقي السابق، وأنه مع ذلك أمر جنوده أن يعاملوها معاملة «حيوانية» لائقة، وأن يعدّوا لها من ينبغي من حظائر. وأما أمر علفها فسيتكفّل بول بريمر بتسويته مع مجلس الحكم الانتقالي «النّفط ثمّ النّفط ثم النّفط مقابل العلف»، وربّما صرخ في الصحافيين المحتجين:
«وماذا تريدون أكثر من هذا؟! نغنّي لحمير بغداد ونضرب لها بالدّف!؟»
أما العرب أولاد ال.... فيجترّون جعجعتهم كالعادة. والجعجعة لمن لا يجعجع من بني قومنا، أو هو يجعجع ولا يعرف أنه يجعجع، فهي صوت الجمال إذا اجتمعت أو صوت الرّحى. ويروى انّ المعرّي سمع شعرا لابن هانئ الأندلسي، فقال: «تسمع جعجعة ولا ترى طحينا». وهو مثل يضرب للجبان يتوعّد ولا يوقع، أو للبخيل يعد ولا ينجز. ولكن ينبغي تحيينه، كما نقول بلغتنا اليوم، شأنه شأن أمثال وحكم أخرى كثيرة هي أشبه بشواهد القبور. فلعلّ ترجمة هذا المثل إلى اللهجة التونسية هي الأكثر دلالة، بحيث تقول: «تسمع جعجعة وترى طحينا» و»الطحين» لمن لا يعرف لهجتنا من بني قومنا هو «التّديّث» بالعربية الفصحى، ومنه اشتقّت كلمة «طحّان» أي ديّوث، ومن لطائف العربية أن «التديّث» هو القيادة. وها هنا ينبغي أن يثوب صاحب هذا الباب الخاطئ إلى رشده، ويلزم حدّه، حتى لا يطرق بابا حقيقيا.
***
هؤلاء العرب من «ذوي المروءة» أمازالوا يذمّون الحمار، ويعدّون من مساوئ الآداب أن يجري ذكره في مجالسهم؟ ألا يزال بعضهم كما قرأت في أخبارهم يستنكف من ركوب الحمار وإن بلغت به الرّحلة الجهد؟!
وماذا لو تكلّم ذلك «الحمار البغدادي»؟ أما كان يقول بلسان عربيّ مبين: «أيّنا أخو مروءة؟ أنا «طويل الأذنين» أم أنت «يا طويل العمر»؟! ألم تدركوا بعد ما يراد بكم في هذا الزّمن الأمريكي العجيب؟ أن تمسخ صورتكم ولعلّها مسخت فأنتم نوعان من الحمير: نوع يحمل أثقال العولمة، ونوع ليّن الأعطاف سريع العدو يسبق الخيل، تركبه أمريكا وتغزو عليه في حربها «المقدسّة على الارهاب».
***
العزاء كلّ العزاء فيكم معشر الحمير! «ولكن دهرنا هذا حمار». (أبو تمّام)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.