مازل تأثير المعارضة في المشهد السياسي في تونس منقوصا رغم جملة البدائل التي تسعها لتقديمها للرأي العام وللسلطة في محاولة منها لإصلاح الأوضاع بما يتلاءم وطبيعة المرحلة. وقد عملت المعارضة على تقديم نفسها كبديل إلا أن واقع الساحة فرض نفسه على الجميع ليتأجل معه ظهور معارضة قوية ترقى لمستوى الحل والبديل اليوم وذلك نتيجة البنية التكوينية للأحزاب نفسها. ورغم التقاء المعارضة على جملة من المحاور المطروحة كرفضها لقانون المصالحة الاقتصادية وغيرها من العناوين الأخرى على غرار مشروع قانون المحكمة الدستورية إلا أنها فشلت في ملء الفراغات التي خلقتها السلطة حيث تميز أداؤها بالضعف هي الأخرى فراغ حزبي وسياسي متواصل في رده على سؤال لماذا فشلت المعارضة في ملء الفراغات التي خلفها فشل السلطة في إدارة الشأن العام قال القيادي بحزب التحالف الديمقراطي سفيان مخلوفي " إن الفراغ الحزبي والسياسي في البلاد قائم منذ عقود، وتأكد ذلك بعد 14 جانفي 2011 حيث ما عشناه لا يعدو أن يكون إلا صراعا انتخابيا." ويضيف المخلوفي" حتى نداء تونس لم يحقق اي حضور سياسي بل هو آلة انتخابية لا أكثر وفشله وتفككه ليس الا دليلا على ان الحركية السياسية لا زالت تراوح مكانها وان الفراغ السياسي في البلاد لازال على حاله." وبخصوص المعارضة اعتبر المتحدث "ان المعارضة تلتقي حول اغلب المحاور المطروحة مثل الموقف من مشروع قانون المحكمة الدستورية ومشروع قانون المصالحة الاقتصادية أو غيرها من القضايا السياسية أو الاجتماعيةلكن في صف المعارضة هناك من هو قائم على أساس اديولوجي وهناك ما هو قائم على أساس خط سياسي وفكري والمعارضة لا تحتوي فقط على أحزاب بل كذلك على تيارات فكرية وشخصيات وطنية وجهوية وحركات شبابية ( مثل جيل حديد وحركة مانيش مسامح وغيرها....). وتجربة تنسيقية المعارضة (التحالف، التكتل، الجمهوري، التيار، وحركة الشعب) مع بعض الشخصيات الوطنية وهي تجربة إيجابية بالرغم من ارتباطها بمحاور محددة مثل مقاومة قانون المصالحة الاقتصادية او ما نسميه بقانون تبييض الفساد". إعادة التأسيس وبين المخلوفي ان هناك طرحين داخل المعارضة اما التوحد في إطار جبهة او العمل على إعادة التأسيس لكيان سياسي جديد يتجاوز الأطر الحزبية القائمة وقياداتها"..ونحن في التحالف الديمقراطي قلنا منذ مدة ان جبهة تحافظ على نفس الأطر الحزبية ونفس القيادات سيجعل من العملية محدودة السقف بمحدودية هذه الأطر وقياداتها وبالتالي لابد من إعادة التأسيس من جديد على أساس برنامج وطني اجتماعي ديمقراطي سيخلق ديناميكية منفتحة تستوعب شرائح واسعة من النشطاء وطنيا وجهويا وذلك لان الناس قد ملت ونفرت الأطر والتجارب والقيادات السابقة." المعارضة لم تتشكل بعد من جهته اعتبر رئيس الحزب المغاربي نور الدين الختروشي سواء كانت المعارضة في الوسط او في اليسار فهي لم تتشكل بعد رغم وجودها وهي دون رؤية ولا خط واضح ولا تأثير مباشر في السياسات العامة للحكومة، فمنها من لم يستفق من صدمة انتخابات السنة الفارطة ومازال لم يتحسس طريق نهوضه ومنها من ينتظر مضي سنة على تشكيل الحكومة " ليبدأ “ معارضته ومنها من يبحث عن اندماج مع أحزاب أخرى لإعادة التشكل والحضور". واعتبر الختروشي ان التوافق بين اكبر الأحزاب المكونة للمشهد وتحالفها الحكومي عقدت من مهمة بقية الأحزاب التي تحولت كلها دون استثناء إلى أحزاب "ميكروسكوبية" رغم عراقة بعضها وهي بعناوينها الحزبية غير قادرة على التأثير في المشهد وهي في نفس الوقت عاجزة على الاندماج لتشكيل طرف وازن كما هي عاجزة او غير معنية اصلا بتشكيل جبهة عمل مشتركة. أزمة المعارضة هي أزمة فوضى وبين مدحثنا " أن أزمة المعارضة هي أزمة فوضى وحيرة المجتمع الحزبي في هذه المرحلة الانتقالية التي تتحرك مساراتها بسرعة وأحيانا بفجئية تجاوزت قدرة النخب السياسية على رسم خط واضح والتعامل مع تطوراتها المتدفقة والمتسارعة. وتحالف النداء والنهضة كان عامل تعقيد جديد في أزمة بقية الأطراف فهي فقدت قاطرة النهضة التي كان من المفترض ان تتشكل حولها معارضة نشطة وقوية بعد خروجها من الحكم إلا ان خيار النهضة فاجأ الجميع ومنا من لم يستسيغه ويفهمه الى اليوم". وختم بالقول "الآن وبقطع النظر عن مآلات أزمة النداء فالثابت ان بقية الأطراف عاجزة اليوم على استغلال تلك الأزمة وتحويلها الى مقوم قوة ذاتي لسبب بسيط ومباشر يتصل بعدم قابليتها للتحول إلى قوة حزبية وازنة تجمع بين الامتداد الأفقي والعمودية فهي أحزاب نخب دورها تكميلي للمشهد وليس تعديليا وحجمها وموقعها ودورها لن يتغير في المدى المنظور بل ان جلها لن ينجح في الفكاك من ديناميكية التحلل الذاتي." فشل المعارضة ...نسبي وفي رده على سبب فشل المعارضة قال القيادي بحزب التيار الديمقراطي محمد عمار " ان الفشل و النجاح في المجال السياسي نسبي لكن عند الحديث عن التجربة التونسية وخاصة بعد الانتخابات الأخيرة نلاحظ جليا أن أسباب عدم ملء الفراغات التي تركتها السلطة تعود إلى ثلاثة أسباب جوهرية." ورتب عمار أسباب تراجع المعارضة إلى ثلاثة أسباب مباشرة " أولها رغم اختراق "الترويكا" الحاكمة للدستور في عديد المرات وعملها على تمرير مشاريع قوانين مختلفة إلا أن المعارضة أصبحت تقاس بحضورها في البرلمان وهو ما يجعل أن أكثر من 80% من مكونات البرلمان تعد ضمن الأطراف الحاكمة وهي الماسكة بزمام الأمور تحت قبة البرلمان رغم المحاولات الجادة للمعارضة القليلة في فضح عديد الممارسات على غرار قانون المصالح الاقتصادية والمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء وغيرها من القوانين المصيرية لتونس". ضعف الأداء وأضاف عمار ان ثاني الأسباب هو "ان المعارضة التونسية في شكلها الحالي ضعيفة ماديا ولا تجد دعما من مجتمع الأعمال او السفارات الأجنبية وهو ما يجعلها غير قادرة على التعبئة الشعبية مثلما كانت تفعل المعارضة عام 2013 والحاكمة حاليا إضافة الى حالة الإحباط التي يعيشها المواطن التونسي من السياسيين وتواتر المصائب والأحداث المحلية والإقليمية والعالمية." اما ثالث الأسباب حسب المتحدث فهو" الإعلام و خاصة المرئي منه الذي لا يزال يواصل الهروب الى الامام وإغلاق الباب امام المعارضة لتقديم الحلول والبديل في القضايا الوطنية وخاصة فيما يتعلق بالاقتصاد والمسائل الاجتماعية حتى يجد الدعم من المشاهد في حين اهتم الإعلام بقضايا وشقوق الحزب الحاكم التي لن تحل مشاكل المواطن التونسي ورغم الظهور المحتشم للمعارضة في الإعلام فقد كان رأيها منحصرا في بعض القضايا الجانبية والتي زادت من اسقاط صورة بعض المعارضين في الحضيض ." دور الإعلام في خلق التوازنات وأضاف ان "الكل يعلم تأثير الإعلام المرئي والمال في خلق مشهد سياسي متوازن وهو ما تحوز عليه احزاب السلطة رغم فشلها الذريع في ادارة دواليب الدولة أمام سكوت رهيب من القضاء والنيابة العمومية للتجاوزات والاتهامات الخطيرة للحزب الحاكم والتي وصلت الى قلب نظام الحكم فعندما يتم تطبيق القانون على الجميع بطريقة متساوية ونحترم مؤسسات الدولة ويتم سماع ومناقشة مقترحات المعارضة تحت قبة البرلمان على غرار الإثراء غير الشرعي وتمويلات الاحزاب المشبوهة واحترام سلطة الاعلام العمومية دون التدخل فيها سنشاهد وقتها موازين قوى متعادلة ومعارضة تقدم البديل وبإمكانها ملء الفراغ الحاصل حاليا."