لشعب السوري خرج في 15 مارس 2011 مثلما خرج التونسيون مطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية. مظاهرات وشعارات.. ارحل ارحل يا بشار. الفرق فقط أن نظام الأسد أرسل عليهم الشبيحة وأوردهم الموت تحت الرصاص أو الصواريخ أو البراميل المتفجرة. في تونس جرت الأمور بشكل مختلف. . في الأثناء هجمت على سوريا جحافل الجراد من كل فج عميق، إرهابيون ومرتزقة وجواسيس ومهرّبون ومخرّبون... دول وأحزاب ومخابرات وجيوش نظامية وميليشيات وعصابات. وفي البروبغندا خلافة وإسلام ومقاومة وممانعة. هل الخطأ على الشعب الذي طالب بالحرية أم على بشار الذي تمسك بالحكم مهما كان الثمن؟ بعد خمس سنوات رحل الشعب ولم يرحل بشار. رحل ما يقرب من 300 ألف إلى المقابر، ورحل أكثر من ثلث السوريين إلى أكثر من خمسين بلدا بالقارات الخمس، ورحلت البلاد برمتها إلى ما قبل قبل العصر. المهم أن يبقى في سوريا كرسي عليه رئيس يقاوم. . قبل مائة عام يوما بيوم تقريبا، الشريف حسين كان يضع يديه في أيدي الأنقليز والفرنسيين، وقد وعدوه بإقامة دولة عربية كبرى على حساب الدولة العثمانية، فصدقهم وأخلص لهم العمل وأعلنها "ثورة عربية كبرى"، ولم يكن دوره يتجاوز فعليا تهيئة الأوضاع للاستعمار الفرنسي والأنقليزي وقد اتفقوا من ورائه على تقاسم الأرض من تحت أقدامه فيما عرف فيما بعد باتفاقية سايكس بيكو لسنة 1916. وهي التي رسمت بمقتضاها خريطة المنطقة واستمر مفعولها إلى يوم الناس هذا، وأما الشريف فقد غدا مضرب المثل في العمالة أو السذاجة أو كليهما. . واليوم بعد أن انتهت فيما يبدو صلوحية اتفاقية سايكس بيكو، بعد مائة عام، ها نحن أمام سيناريو مماثل ولاعبون آخرون. الروس في سوريا غذوا الوهم بأنهم أتوا للوقوف في وجه الأمريكان، وظن السذج أنهم جاؤوا لتعزيز "محور المقاومة"، أو حتى تحرير فلسطين كل فلسطين. . أوهام بعضها فوق بعض. والدليل على ذلك ما يتجسد على الميدان، الإعلان عن فيدرالية كردية في شمال سوريا، هل يمكن أن يكون خارج الاتفاق بين اللاعبين الرئيسيين من روس وأمريكان؟ وهل يمكن أن تتغير الخريطة رغما عنهم أو عن بعضهم؟ لدينا من جهة الروس يسلحون الأكراد المنشقين، ومن جهة أخرى يمسك الأمريكان خريطة الشرق الأوسط الكبير الذي يقع بموجبه تقسيم المنطقة إلى فيدراليات وكانتونات. أليست الفيدرالية الكردية هي الحروف الأولى التي تخطها أيدي الروس والأمريكان والصهاينة تنفيذا لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وحده يكفل الحياة للكيان الصهيوني. . وأما بشار فلم يكن دوره مختلفا في نهاية المطاف عن دور الشريف حسين. وأما الإيرانيون والميليشيات الموالية لهم في سوريا فلم يزيدوا على أنهم كانوا مجرد محفّز (catalyseur) في عملية كيميائية كانوا يظنون أنهم يتحكمون في معطياتها. والتاريخ سيكتب لهم ذلك. 20 مارس 2016