تكلفة بناء الجدار كاملة تكفلت بها الحكومة الأمريكية ...السياج يبنى من الفولاذ القوي صنع في الولاياتالمتحدة وقد تم اختبار مقاومته للقنابل، وأنه أكثر متانة من خط بارليف الذي بني على الضفة الشرقية لقناة السويس قبل حرب أكتوبر. (أونروا)
بقلم: نصرالدّين السويلمي
إذا كان العالم قد وقف على مصدر انفلونزا الخنازير وتمّ التوافق بالإجماع على مأتاها وهو خنازير المكسيك.. وإذا كان بعض المختصّين والشغوفين بالتفاصيل قد توصلوا إلى أنّ مصدر الفيروس تحديدا هو - خنزير هرم - من العاصمة مكسيكو سيتي. فإنّ الأمر يبدو إلى حد كتابة هذه الأسطر غامضا بالنسبة إلى طاعون "انفولاذ الخنازير"!!
أيّ كائن صدرت منه هذه الفكرة "الفيروس"، وبأيّ نوعيّة من الجنّ استعان؟؟ لن يكون هذا الجنّ مغمورا من قبيل ذلك الذي يفرّق بين المرء وزوجه، ولن يكون مثل ذلك الذي جاء بعرش بلقيس.. بل الجزم كل الجزم بأنّ هذا شيطان تربى على عين إبليس الأب الأكبر مباشرة، وتلقى منه مشافهة.. إبليس الذي وسوس لآدم وحواء ذاته بشحمه ولحمه،، إبليس نفسه الذي رفض السجود وهو في حضرة ربّ العزة إذْ أمره، ولن يكون غيره ولا من سلالته ولا من ذريتّه الأقربين... كيف تكون الفكرة عادية وهي وإن قفزت إلى ذهن مصاب بجنون التشفي لا يمكنها أن تنزل واقعا على الأرض ما لم يحشد لها كمّا هائلا من الكره والغلّ والحسد والبغضاء والضغينة، وهي التي يتورّع من كانت له ذرّة من الروابط الكينونيّة.. ناهيك بالبشريّة والعرقيّة والدينيّة أن يجسّدها عمليا.
أن يعمد إنسان إلى قطع أسباب الحياة من على وجه الأرض، فهذا سوابقه عديدة.. من التتار إلى الماغول،، من النازيّة إلى الفاشيّة،، ومن الصهيونيّة إلى جرائم الكاوبوي الدامية.. لكن أن يلجأ بشر ما إلى مطاردة الحياة تحت الأرض لبترها وقطع عروقها ثم يجهز عليها خنقا بالفولاذ.. أن يطارد بشر رمق الحياة تحت أطنان التراب ليمحقها بأطنان الفولاذ، فهذا أمر لم يدبّر بليل ولا نهار، لأنّه خارج حيّزنا الزمني المتعارف عليه، أنتجته فصيلة أخرى كنهها مبهمة، ودوافعها مسعرة بنار تلظّى.
تُحشد أكوام من الإسمنت والفولاذ والحديد لتحشى بها بطن الأرض، وتصهر في جوفها لقطع أنفاق الأرز والقمح والدواء.. بينما يسكن الملايين في مقابر القاهرة يشربون "ماء المجاري" ويُقتلون على مشارف الأفران بحثا عن رغيف لسدّ رمق.. يتساقط الشعب المصري يوميا بالعشرات تلتهمهم الانفلونزا طيورها وخنازيرها، وتصرف إعانات الذلّ بدل الدواء والقمح.. فولاذ يحوّل إلى رفح لسدّ مضيق وقطع طريق على حامل تزحف في جوف الأرض تغالب بطنها تبحث عن مكان دافئ تضع فيه جنينها، يتبعها شيخ طاعن قدّم أبناءه شهداء يجرّ حفيده المصاب بالأنيميا يبحث له في آخر النفق عن حبة دواء تسكّن أوجاعه إلى أن يسكن إلى الأبد ويغرب عن هذه الحياة الذليلة.. يسدّون الأنفاق عن محفظة ولوح وطبشور!! عن فستان لعروس فقدت أهلها بل عرشها.. تبحث عن فرحة في وسط المآتم المتلاحمة.. يسدّون الأنفاق عن الأسبرين وأعواد الكبريت وصابون تغتسل به غزة من الدم الجامد اليابس على جدرانها وشوارعها،.. عن دمية تتلهى بها بُنيّة صغيرة إخوتها مغروسين تحت ركام الدار.. يصبّون الفولاذ ويسدّون الأنفاق ليمنعوا مرور فأس ينبش به منكوبا أرضه ليواري بقايا جثث لأبنائه ورفيقة عمره وأمّه المسّنة...
فنّانون وإعلاميّون،، نقابيّون ومحامون،، وأولياء عهد يُحشرون في صعيد واحد يبكون ويندبون سيادة الفراعنة التي أُهدرت لمّا خُدش مواطن على هامش لقاء في أم درمان يوم التقى الجمعان!! وعلى مرمى حجر منهم عملية شروع في القتل الجماعي بعد القتل التفصيلي!!! إبادة مع سبق الإصرار والترصد!!!!! إنّه الحزب الوطني حين يقتل على الهوية.. هوية الفلسطيني.. الفلسطيني مطلوب فوق الأرض وتحت الأرض!! إنّها المقاومة والممانعة إذ تُحشر بين فكيّ كعب بن الأشرف وعبد الله بن سلول.. ومن ورائهم قيصر روما يمدّهم بأبحر من التزكيات، ويزكي أموالا ويستثمر أخرى في الدم الفلسطيني... لقد دارت الأقداح فوقع الكأس في حجر غزة، لتكون كبش فداء التوريث.. توريثا كالإعصار يضرب في كل الإتجاهات، جنوب لبنان،، قطاع غزة ، مقاطعة رام الله، الخرطوم ، رفح...!! هشيم هي مصر ومَن حولها،، والتوريث نار!.
هذه مصر التي ذكرت في القرآن، حُجّابها يرسلون العدّة والعتاد لفكّ الرباط الذي أعلن عنه الرسول.. أليسوا هؤلاء المحاصرين هم أهل الرباط ؟؟ وااااااعجبا!! أمحمدٌ صلى الله عليه وسلم يربط الألوية، وخوفو يحلّها!!
ما بال أرض الكنانة تحوّلت عن منابعها الصافية؟ ما بالها اختلّت وانقلبت فيها الموازين والمعادلات والمفاهيم؟؟ ما بال الرغيف غاب عن دمياط وبني سويف وأسيوط والدهقلية.. ليظهر فولاذا في رفح!. ما بال الفضيلة طمستها الوزيرة مشيرة بإقرار حريّة الزنا في بلد الأزهر!! ما بال القتل الممنهج أصبح ممارسة سيادة!. وما بال المقاومة أصبحت إرهابا.. والصمود عبثا.. ما بالها رفح المصرية تفوح برائحة المواد المتكدّسة، المتعفنة الممنوعة من المرور.. ورفح الفلسطينية تنبعث منها رائحة الجوع والموت!!.. ما بال ليفني تروح عليها الأكواب وتغدو في بلد المعز،، وهنيّة محاصرا مقاطعا!!.. ما بال المستوطنون أصبحوا أصدقاء، والمليون شهيدا أصبحوا لقطاء!!. ما بال قنبلة التوريث تدكّ الكنانة وتشعّ نفاياتها على الجوار!!!!... تساؤلات متراكمة بحجم الخبر الصاعقة، يتعاظم العجب، وتتكوّر الحيرة لتصبح في حجم الجبل، وما تلبث أن تتبخر.. انزع عنك العجب إنّك في حضرة خوفو وخفرع يه.
لقد بنى الصهاينة جدارا فوق الأرض، وطفقوا يحشدون الوثائق والأدلة والمبررات والدوافع ليواروا بها سوءاتهم، أمّا أولئك الذين بنوه تحت الأرض فليسوا في حاجة إلى كل ذلك لأنّهم لا سوءات لهم!!! هم هكذا دون كذا...