من المعلوم من السياسة بالضرورة أنّ مقاومة الإرهاب تبدأ بالتسقيف العالي للحريات وصيانة كرامة المواطنين وليس العكس ، ما يجعل كل المقولات المقابلة تصبّ رأسا في مصلحة الإرهاب ، والأخطر من هذه التنظيرات هو اختلاق الأكاذيب التي تعضدها، فالمتربّصون بحقوق الإنسان والمتوثّبون لقطع رأسها (لطفي العماري ومحمد بوغلاب نموذجا) مازالوا يفترون على رئيس الوزراء البريطاني الكذب ويزعمون أنّه قال على هامش أحداث الشغب في لندن [Uk Riots] ذات يوم من شهر أوت 2011 :”عندما يتعلّق الأمر بالأمن القومي فلا تحدثوني عن حقوق الإنسان”!!.. من المفارقات أنّ مصطلح”الأمن القومي”National security لم يرد مطلقا على لسان “كامرون”فيما ردّد عبارة”حقوق الإنسان” Human Rights 7مرات ، وأقسى وأقصى ما ورد في كلمة رئيس الوزراء البريطاني هو قوله: ” […] الحقيقة هي أنّ تأويل تشريعات حقوق الإنسان لديه انعكاسات سلبية على مؤسسات القطاع العام […] ” The truth is, the interpretation of human rights legislation has exerted a chilling effect on public sector organisations وما يبدو أوضح من أن نشير إليه هو ذلك الاشتغال الإعلامي المريب على قيمة “الحرية” وتعمّد وضعها على الضفة الأخرى من “الأمن” لنغدو أمام معادلة صفرية مصطنعة لا نظفر بطرف منها إلا بخسارة الآخر ،كل ذلك بمدد من أكثر أدوات صناعة الرأي العام تأثيرا وهي شركات سبر الآراء الموجّهة (بكسر الجيم ونصبها) ، فعندما تقوم شركة “سيغما كونساي” بعملها تبدأ بطرح سؤال مُغرض قبل أن تنتهيَ إلى تزييف الرقم فالوعي ،جاء السؤال الاستطلاعي كالآتي: هل أنت مع أو ضد التنازل عن البعض من الحرية مقابل المزيد من الأمن؟ !! بدلا من صياغة سؤال من هذا القبيل:هل أنت مع أو ضدّ خسارة الحرية مقابل المزيد من الأمن؟ !! ؛ وجه المغالطة في السؤال “الزرقوني”هو تعمّد “تجزئة الحرية” (البعض من الحرية) المسبوقة بتوصيف “ناعم”(التنازل) ما يهيئ المتقبّل ابتداءً لتقديم إجابة تنسجم والهدف النهائي لمنظومة الدعاية السوداء وهو الدفع نحو إشاعة فكرة “مقايضة الحرية بالأمن”بما يعبّد طريقا ملكية نحو إعادة إنتاج منظومة الاستبداد بطريقة سلسة و”مستدامة” !! .. أما المحتجون بهرم “ماسلو” حيث تحلّ الحاجة إلى الأمن في المرتبة الثانية يُغفلون نقطة مهمة تتعلّق بطبيعة الترتيب “الماسلووي” ذاته، فالرجل قدّم تصوّرا تفاضليا لما به يعيش الإنسان ويبقى وليس ما به يحسُن بقاؤه ويسمى وبالتالي لا نستطيع عدّه مرجعا نهائيا لأيّ نقاش ينشُد حسن بقاء الإنسان لا مجرّد بقائه ، فكما يُقال:”السجين في زنزانته والحمار في طريقه إلى الحقل ينعمان بالأمن !!” .. حتى ونحن نتحدّث عن “الأمان”باعتباره أساسا لقيام الدولة تاريخيا علينا ألّا نذهل عن تجاوزنا لمرحلة البناء والتأسيس إلى لحظة أخرى هي لحظة ارتقاء قيميّ لا يُطرح فيها (أو يُفترض ألّا يُطرح فيها) “سؤال الأمن” بمعزل عن “أسئلة التحرر” إلا إذا كان ذلك على سبيل الفصل المنهجي البحت دون أن نذهل بطبيعة الحال عن أنّ الحرية في الإسلام مسيّجة بسياج الضوبط الشرعية ولا مكان للتقعيد الليبرالي “أنت حرّ ما لم تضر”!.. وقد علّمنا القرآن الكريم ألا نحرص على “حياة” بل على “الحياة” أي أن نطلب شرف البقاء لا مجرّد البقاء، حتى لا ينطبق علينا معنى الآية الكريمة :”وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ” ،، فأولئك الذين يردّدون أنّ الأمن أهمّ من الحرية هم كمنْ يقول إنّ العيش هو غاية في ذاته (Fin En Soi) ولو كان ذلك كذلك لما فُرض علينا الجهاد ولما قال الرسول صلى الله عليه وسلّم:” من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد” ..