هل كان القيادي النهضاوي و وزير الصحة الاسبق عبد اللطيف المكي يعي ما يفعل حين هندس "ملحمة" قانون الخدمة الاجبارية لأطباء الاختصاص ؟ لنطرح السؤال بطريقة أوضح ، هل كان المكي على قناعة بان القانون لن يمر بحكم سطوة القوى النافذة والواقفة في وجه أي مصلحة لتونس تأتي بها النهضة وقياداتها ؟ ورغم يقينه بذلك اصر على هندسة المشروع وخرج به الى النور وحاول تفعيله ليس قناعة منه بقدرته على تمريره بل لتقوية الحجة التي سوف يحتاج اليها الشعب التونسي حين "تحد الزنقة بالهارب" ويعجز عتاة معارضي المشروع على انتاج الحل من خارج فكرة عبد اللطيف. غالب الظن ان القيادي العنيد للاتحاد العام التونسي للطلب تمكن بعد سجنه وبعد توزيره من تخضيب العناد بالدهاء ، قدم مشروعه ووضع خصومه بين خيارين كلاهما مر، إما تركه في طريق مفتوح أمام النجاح أو الوقوف في وجه المشروع وتحمل تبعات الحسرة وجلد الذات الى جانب دعاء المرضى ووزر الموتى الذين سيقضون في مناطق الظل نتيجة غياب أطباء الاختصاص ..انحنى المكي .. بالغ في الإنحناء .. زرع المشروع القنبلة ومضى .. لقد تسلح المكي ببرودة دم كبيرة في مراحل تأهيل المشروع وكلنا يذكر أنه كان يمضي في التبشير بالفكرة رغم الجدل الواسع الذي أحدثته حين كانت مضغة قبل أن يكتمل نموها وتستوي على سوقها، أيضا نذكر تلك العلل الواهية التي كانوا يسوّقونها لتبرير وقوفهم في وجه المشروع، كانوا تماما كمن يريد اقناع الضمآن أن الماء لا يصلح لإطفاء العطش، أصروا على ذلك ورغوا وازبدوا ثم عادوا أذلاء إلى الماء، لكن المفارقة أنهم تركوا ماء تونس النقي العذب السهل المجاني وذهبوا يستوردون المياه المكلفة من الصين الشعبية، فقط لأن ماء تونس اقترحه سجين سياسي سابق ووزير إسلامي وأحد أشد خصوم الجنرال بن علي، وما زاد في استفزاز بعض أطراف النزاع منهم الخمير الحمر ذات السطوة النقابية الإعلامية أن صاحب المشروع يرتاد المساجد وله سابقة في ذكر الله. كانت ضريبة رفض مشروع المكي كارثية، أطالت معاناة أهالينا في الداخل وتسببت في ايذاء الآلاف وأدت إلى وفاة الكثير، قامت السلطات المتتابعة بمعالجات جانبية جوفاء لا ترتقي إلى مستوى الذكر، مرت جميع المحاولات بجانب الحل، لامسته لكنها لم تأخذ به لان بصمات المكي مازالت عالقة هناك وستظل، وبعد ان تيقنوا أن لا حل غير حل عبد اللطيف قاموا بعملية التفاف طويلة عريضة عميقة شاهقة، عملية التفاف بلغ مداها 8641 كم، تركوا تونس وما تزخر به من طاقات وذهبوا الى بيكين يستجدون أطباء الاختصاص ليدفعوا لهم بالعملة الصعبة ويتحملوا تبعات الترجمة ويتحمل المواطن تبعات غياب التواصل المباشر مع الطبيب الجديد وتتحمل خزينة الدولة المزيد من المتاعب المادية. صحيح أن بعض البعثات الطبية الصينية تعمل في بلادنا منذ سبعينات القرن الماضي، لكنها كانت محدودة تغلب عليها نزعات التعاون الروتيني، أما اليوم فنحن أمام انتدابات مكلفة لمعالجة أزمة مفتعلة أخضعتها بعض الأطراف إلى حالة من السمسرة الرخيصة، كل ذلك في سبيل تجنب العودة إلى طريق الجادة التي قطعها عنهم عبد اللطيف المكي! ماذا عليه لو غادر الوزارة دون أن يحرج الطوائف الحزبية والنقابية، ماذا عليه لو كتم مشروعه ورفع عنهم الحرج، إذا لارتاحت خالتي برنية وعمتي شهلة وخالي الطايع من التتعتع مع الدكتور 爱国 ولجنبهم الذهول امام الدكتور 昌珉 ،لكن الاولى من ذلك ماذا لو وفروا عملتهم الصعبة ورفعوا عنهم الحرج ثم رفعوا المعاناة عن الآلاف وقبلوا باقتراح المكي وترجلوا عن حقدهم وخفضوا من وتيرة حمقهم وجففوا منابع غبائهم ..اذا لارتاح الحاج مبروك وهو يشرح معاناته الصحية للدكتور مروان والدكتورة حياة ، ولتجنب اهالي المناطق الداخلية السؤال الغريب المحير المبهم "有什么不舒服 ؟" ولتجنبنا نحن القول الى هؤلاء الذي وقفوا في وجه المشروع يا"叛徒". نصرالدين السويلمي