السينما التونسية حاضرة بفيلمين في الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة تيميمون الجزائرية    بطولة انقلترا: مانشستر سيتي يكتسح ليفربول بثلاثية نظيفة    الصندوق العالمي للطبيعة بشمال إفريقيا يفتح باب التسجيل للمشاركة في النسخة الثانية من برنامج "تبنّى شاطئاً"    مدير "بي بي سي" يقدم استقالته على خلفية فضيحة تزوير خطاب ترامب    هل نقترب من كسر حاجز الزمن؟ العلم يكتشف طريقاً لإبطاء الشيخوخة    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    قابس: حريق بمنزل يودي بحياة امرأة    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    بمشاركة حوالي 3000 رياضي ورياضية: ماراطون "تحدي الرمال" بمنزل جميل يكسب الرهان    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



برحيل المفكر مالك شبال، هل ينطفئ فانوس «إسلام التنوير»؟
نشر في الحوار نت يوم 17 - 11 - 2016

كنت قد كتبت الأسبوع قبل الماضي بمناسبة ذكرى شهداء الفاتح من نوفمبر 1954، و قلت أن "السعداء هم الشهداء الذين لم يروا الاستقلال" تحت عنوان متشائم " الثورة الجزائرية ومشروع النهضة المجهضة"، مبينا بعض ما مكنني الذهاب إلى قناعة بأن الجزائر فوتت فرص كثيرة على نفسها، الأمر الذي سمح لي بالجزم قطعا، بأن مشروع نهضة الجزائر أجهض. لذلك وجدت نفسي مجبرا، على التذكير بالوفاء لهؤلاء الشهداء لأن الوفاء قليل في البشر، و أوفى الأوفياء من يفي للأموات، لأن النسيان غالبا ما يباعد بين الأحياء وبينهم، فيغمطون حقوقهم، ويجحدون فضائلهم. فما بالكم بالوفاء للشهداء الذين باعوا لله أنفسهم على مذبح الحرية وقدموا أنفسهم قربانا لها.. وما دام الموت لا يعطي موعدا و الموت"كأس وكل الناس شاربه" كما يقال، أو على حد قول كعب بن زهير:
كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وإنْ طالَتْ سَلامَتُهُ ... يَوْماً على آلَةٍ حَدْباءَ مَحْمولُ
مع رحيل كل صاحب فكر أو أثر، فلسفة الموت تأخذ أبعادا كثيرة
فمحطة الموت هذه جسر فريد لابد للحي أن يعبره، أو كما تساءل كاتب وناشط حقوقي سوري أخيرا في المهجر، وهو يعدد قائمة شخصيات سورية كبيرة رحلت عن دنيا الناس، شخصيات من أعلام الفن والفكر والسياسة التي فقدتهم سوريا في الأشهر الماضية أو على الأقل سنوات الحرب الاخيرة، إلى درجة يصعب، ربما، معها توثيق كل الأسماء، والحالات، وظروف رحيلهم، متسائلا: هل كل الناس يموتون؟ هل كل الناس يبدأون حياتهم في المهد وينتهون في اللحد! ما معنى الموت؟ وما معنى الخلود؟ أسئلة كثيرة، وربما معادة ومكررة، بل قل تقليدية، طرحت وتطرح، مع رحيل كل صاحب فكر أو أثر، رجل تاريخ، أو أدب، أو سياسة.. مضيفا أن "فلسفة الموت تأخذ أبعادا كثيرة، دينية، وأخلاقية، وظلت وستظل مثار جدل على مر التاريخ، بل منذ وجد الإنسان على هذه الأرض، وستبقى، وهي في كتب السماء، والعقائد الوضعية، وثقافات الأمم والشعوب، المروية والمكتوبة، وفي العلوم، وما هو حاضر وواقع، أو ما وراء الطبيعة.."
هل مات هؤلاء الرجال فعلاً؟ هل رحلوا دون عودة؟ لقد رحل الكثيرون قبل هؤلاء خصوصا هذه السنوات الأخيرة في الحروب الاهلية في سوريا ومصر واليمن والعراق وغيرهم في عالمنا العربي و الاسلامي، وسيلتحق بهم كل من على هذه الأرض، ولكن الأكيد أن هؤلاء ليسوا عابرين بين الكلمات العابرة، فلقد خلفوا وراءهم إرثا يعتد به، و"علما ينتفع به أو يضر" لن ينقطع مداده بسهولة، وهكذا هي سيرورة التاريخ وتعاقب الأجيال..
رحيل المفكر الجزائري " مالك شبال" يدخل في هذه الخانة
و رحيل الكاتب والمفكر الجزائري " مالك شبال" يدخل في هذه الخانة مع اختلاف بعض مفكرينا مع بعض طروحاته الحدثية، والراحل مات في المهجر، و في فرنسا تحديدا، " أم الخبائث" على حد تعبير العلامة محمد البشير الابراهيمي.. فرنسا هذه المعروف عنها محاصرة كل صوت إسلامي مهما كان لونه وتوجهه، فرنسا ذات السياسة العلمانية العرجاء المتسمة بالإقصاء للأجنبي المسلم عموما، وللجزائري خصوصا.. رغم ذلك فتحت وسائل الاعلام أبوبها على مصراعيها لبعض الكتاب منهم الراحل مالك شبال وهو أخف الضررين في طرحه، وبالتالي يصبح رحيل مثل هؤلاء محزن ومؤلم حتى و لو اختلفنا معهم في المنهج وتقدير المصالح، ولكنهم بالتأكيد أكثر حظاً من آخرين رحلوا، لم تعرف إلا قلة من الناس أهميتهم ودورهم، وما قدموه لمجتمعهم ووطنهم ودينهم و لو من وراء البحار، غادروا دون أن يحظوا بما يستحقون من تكريم وعزاء، وهم كثر..
المفكر الجدلي المتعدّد المشارب والاختصاصات
وُلد المرحوم المفكر مالك شبل عام 1953 في سكيكدة بالشرق الجزائري حيث كبر وترعرع وأكمل دراساته الثانوية والعليا في جامعة قسنطينة قبل أن ينتقل إلى باريس عام 1977. وهناك نال شهادة الدكتوراه الأولى في علم النفس من جامعة باريس السابعة. وفي عام 1982 نال شهادة دكتوراه ثانية في مجال علم الأنثروبولوجيا وتاريخ الأديان من نفس الجامعة. وفي عام 1984 نال الدكتوراه الثالثة من معهد العلوم السياسية في باريس. وبالتالي فالرجل متعدّد المشارب و الاختصاصات. ونظرا لكلّ هذه الشهادات والمؤهّلات فإنّه عُيّن عام 1995 أستاذا في جامعة السوربون وأصبح مخوّلا بالإشراف على الأطروحات الجامعية للطلاّب. و بالتوازي مع نشاطاته الجامعية فانّ مالك شبال محلّل نفسانيّ قدير أيضا، وقد فتح عيادة في باريس لهذا الغرض. وفي ذات الوقت يُدعى مالك شبال إلى مختلف جامعات العالم لإلقاء المحاضرات. فقد اشتغل أستاذا زائرا في جامعة مراكش بالمغرب وجامعة تونس والجامعات المصرية والجامعات الأميركية الشهيرة من بيركلي إلى ستانفورد إلى سان فرانسيسكو إلى لوس انجلوس فشيكاغو ونيويورك، إضافة إلى جامعة بروكسيل وغيرها في أوروبا..
حضارة الاسلام لا تُختزل بقضايا العنف أو التشدد
كل ذلك الجهد والبحث المتواصل والحضور الإعلامي المكثف هدفه ما صرح به مرات عديدة "رؤية الإسلام من منظور تنويري وهو أبعد من موضوع معرفي الى وعي صورة الإسلام التي أصابتها أحداث 11 أيلول/ سبتمبر بتمزقات حادة في الغرب"، فيحاول مالك شبال أن يقدم "الصورة الحقيقية للإسلام وحضارته التي لا تُختزل بقضايا العنف أو التشدد"، كما يقدم صفحات مثيرة عن بغداد العباسيين ومصر الفاطمية وإسبانيا الإسلامية، ويجيب عن أسئلة ساخنة جداً ومحل اختلاف بين أصحاب الاختصاص، وهدفه كما يقول دائما " محاولة مدّ جسور التواصل والانفتاح والتسامح مع الآخر"، ويدعو الغرب الى قراءة الإسلام من جديد كمنجز فكري وحضاري وإنساني الى كونه "منجزاً دينياً"..
القطرة التي افاضت الكأس كتابه " تغيير الإسلام" و" ترجمة القرآن"
للراحل عدة مؤلفات عميقة وثرية بلغة فرنسية راقية، نشرت في أشهر وأعرق دور النشر الفرنسية منها «قاموس الرموز الإسلامية»، «العبودية في أرض الإسلام»، «أسماء الحب ال100»، و«الإسلام كما شرحه مالك شبل»، «الخيال العربي الإسلامي» ، «الموضوع في الإسلام« ، «ظاهرة الإسلام» ، «وترجمة القرآن» ، و«الإسلام من اللحم والدم»، الى كتب أخرى مثل «الجسد في الإسلام» وكتابه «العبودية في الإسلام» أي ما يربو على 25 إصداراً، و أخرى تحت الطبع. و القطرة التي افاضت الكأس في نظر العديد من المتتبعين، رغم غزارة إنتاجه و تنوعها كتابه الجديد " تغيير الإسلام"، الصادر عن "دار البان ميشال" وكتابه الآخر الذي أثار زوبعة كبيرة حوله، هو«ترجمة القرآن الكريم الى اللغة الفرنسية» الذي أثار فعلا جدلاً كبيرا حول ترجمة المعنى وترجمة النص، علما أن صاحبه اشتغل على هذه الترجمة طيلة 15 سنة جمعت في 1250 صفحة، في قاموس موسوعي للقرآن الكريم لاقى أصداء إيجابية لدى بعض الدارسين والمستشرقين وأخرى غير راضية لدى العديد من الفاعلين والمهتمين بالشأن الإسلامي في أوروبا. وهي ترجمة تختلف جذريا عن الترجمات السابقة المتداولة باستحسان رغم نقائصها المعدودة، لأن الترجمة مجهود بشري لا يخلو من نقائص، كترجمات العلامة محمد حميدو الله وترجمة الشيخ حمزة أبوبكر الجزائري وترجمة محمد شيادمي المغربي وترجمة التونسي صلاح الدين كشريد وغيرها من الترجمات ..
الشعوب تدفع اليوم ثمناً باهظاً للعنف الشرعي الأمني الذي تحتكره السلطات
المرحوم هو أيضا صاحب عبارة «إسلام التنوير» ومن كبار الاختصاصيين مزدوجي اللغة الأكثر حضوراً إعلامياً في موضوع " الإسلام و المسلمين"، لمع اسمه أكثر بعد أحداث 11 سبتمبر في أوروبا، حيث استغلته بعض وسائل الإعلام لجلد الذات أحيانا، وهو الذي اشتغل منذ ربع قرن حول موضوع الإسلام وأنجز دراسات أكاديمية نفيسة عدة من وجهة "نظر تنويرية وعقلانية" على حد قوله، وهي مادة سهلة التسويق في وسائل الإعلام الغربية بل مرغوبة و محبذة، وهذه مجلة «لوبوان» الفرنسية التي أجرت حوراً مطولا معه، حول مواضيع متفرقة ..و عن سؤال حول الجنس والمرأة في الإسلام، ذهب صاحبنا بعيدا، ضربا عرض الحائط بعض الخطوط الحمراء، بل حتى ممجدا لبعض النسوة شواذ التفكير في دنيا الناس و الفكر كالكاتبة نوال السعداوي و صحيباتها في عالمنا الاسلامي..
وعن سؤال كيف يمكن القيام بخطوات إصلاحية في الجزائر أو مالي لوقف محاولات العنف، علما أن "الليبراليون" يتحركون في الشارع والجهاديون أيضاً؟ لست أدري ما المقصود ب"الليبراليون"! أجاب رحمه الله بوضوح و اتزان : "..نحن ندفع اليوم ثمناً باهظاً للعنف الشرعي الأمني الذي تحتكره السلطات الشرعية أو ما يسمى الحل الأمني المفرط في الاستخدام. في حين المطلوب حلول سياسية واجتماعية ومقاربات أخرى إصلاحية تأخذ في الاعتبار مزاج الشعوب والنخب المثقفة." و قد صدق رحمة الله عليه.
آخر مرة التقيته في الصالون الدولي للكتاب و الصحافة
وعلى ذكر أسباب الموت التي عرجنا عليها آنفا، أذكر أني في آخر مرة التقيته في معرض الكتاب الدولي بجنيف، طبعا المعرض هو المكان الوحيد الذي أراه فيه كل سنة تقريبا، و الدكتور شبال يأتي دائما مدعو من طرف ناشريه لتوقيع كتبه و يحاضر أيضا في الندوات على هامش الصالون الدولي للكتاب والصحافة والمنظمات الانسانية، يومها تجاذبنا أطراف الحديث كالعادة عن الثقافة و الفكر، والتعليم في العالم العربي وهموم شعب الجزائر و جاليتنا المسلمة في فرنسا و الطاقات العلمية والفكرية المشردة في الغرب عموما .. و من الأمور التي بقيت عالقة في ذهني استفسار أحد الجزائريين المقيمين بأوروبا حول سبب مقتل الرئيس الجزائري الأسبق محمد بوضياف على مرأى من العالم، علما أن الرجل جاء -على حد تعبير بعض ساسة الجزائر- جاء لإصلاح ذات البين واجتثاث العنف و إرجاع الشرعية للدولة.. فتبسم المرحوم مالك شبال من هذا الوصف طالبا رأيي في الموضوع- لست أدري لماذا- ، فقلت لهذا الجزائري مازحا بالفرنسية " أن الرئيس بوضياف أنتحر ولم يُقتل !" .. فعلق مالك شبال بجد وحزم عن جوابي قائلا، "هذا هو السبب الوحيد لوفاة بوضياف، لا غير.. الرئيس انتحر.
مالك شبال يلتحق بالكاتب اليساري أحمد بناني المغربي
و اليوم بموت مالك شبال في سن العطاء، وقبله بأيام موت الكاتب اليساري أحمد بناني المغربي، من نفس الجيل. فالدكتور بناني من مواليد 27 مارس 1948 بمكناس، ويعد من أشهر معارضي النظام المغربي بالخارج أو كما يفضل تقديم نفسه " معارض المخزن المغاربي"، وكان مناضلا في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وصديقا للمعارض المغربي البارز محمد البارودي، المسؤول في الحزب نفسه الذي غادر المغرب منفيا سنة 1963 وتوفي ببروكسيل في يونيو 2007
المعارض المغربي الراحل هو من خريجي جامعة السوربون بفرنسا، ثم استكمل دراسته العليا بجامعة لوزان، وبعدها تم تعيينه أستاذا لمادة التاريخ وعلوم الأديان بلوزان السويسرية حيث جمعه البحث العلمي بالمفكر الجزائري صاحب الاطروحات الجدلية الدكتور محمد أركون وكان صديقا للرئيس الجزائري الأسبق أحمد بنبلة، وللمعارض الجزائري المخضرم الحسين آيت أحمد الذي كان للراحل أحمد بناني فضلٌ كبير في إعادة تصحيح كتابه الشهير "ذاكرة محارب" .. حسب رواية أحد الزملاء المغاربة
المغربي أحمد بناني استغلته هو أيضا وسائل الإعلام السويسرية
الدكتور بناني استغلته هو أيضا وسائل الإعلام السويسرية والغربية عموما أبشع استغلال لضرب المسلمين في الظهر والتهكم بالدين الاسلامي، وهو الذي يصف نفسه ب" المسلم العلماني" الذي لا يصلي ولا يصوم ولا يحج و لا..، عالما أن والده متدين ومناضل مغربي عريق.. والدكتور بناني هو أيضا مناضل شرس في ميدان حقوق الانسان في سويسرا وكتاباته متداولة في الصحف، ووقف مواقف بطولية مساندة لللاجئين العرب منذ سنوات خلت خاصة أخيرا مساندته لضحايا الربيع العربي، قبل ان يستفحل مرضه، و قد حسن إسلامه في المدة الاخيرة، لما أصيب بمرض السرطان عفاكم الله، وأصبح يتردد على محلات الاخوة المغاربة لأخذ لحم الحلال من محلاتهم وكذا رزنامة مواقيت الصلاة.. و لما سمعت بوفاته قررت الحضور لمراسم جنازته مساء يوم الخميس على أن يصلى عليه يوم الجمعة و يدفن في مربع المسلمين ؟ إلا أن الأمور لم تكن كما كنت أتوقع ؟ مراسم الجنازة أو كلمات التأبين كانت كارثية للغاية، تمت بنفس الطريقة التي تمت بها جنازة زميله الجزائري الحسين آيت أحمد، و كُنت قد كتبت عن ذلك منذ أقل من سنة، تحت عنوان " جثمان أيت احمد ودبلوماسية الجنائز .. من ضفة لأخرى ومن أرض لأرض" كتبت مستغربا، كيف لم تقرأ فيها فاتحة الكتاب و لم يعزف حتى النشيد الوطني، لأن نضال المجاهد آيت أحمد لا يستحق مثل هذه الخاتمة التعيسة، وهو بن بيت أمازيغية محافظة معروفة بتقواها ووالده إمام و مرجع ديني ل "ثاجماعث" كما يقال عندنا نحن الأمازيغ.
لم تقرأ على المرحوم فاتحة الكتاب و لم يدفن في مربع المسلمين
نعم نفس المراسم الجنائزية من موسيقى متنوعة وكلمات تأبينيه تمجيدا لنضالاته بحضور عربي وغربي حاشد ..نساء ورجال و بعض مسؤولي مدينة لوزان.. ألقيت كلمات هلامية رجراجة لم يذكر فيها اسم الله مطلقا، ولم تقرأ حتى فاتحة الكتاب على المرحوم، ولا حتى النشيد الوطني المغربي ، و الأدهى و الأمر أنه علق خلف ضريحة صليبا في حائط القاعة و نشط المراسم سويسري بلباس الكهنة التقليدي الأبيض، علما أن المرحوم يعرف نفسه دائما في وسائل الاعلام أنه "مسلم علماني"، فأين العلمانية من هذا و أين الإسلام العلماني لو صدقنا بذلك جدلا.. وهذا بشهادة الجميع وبحضور إخوة مغاربة متدينين مسلمين كثر في القاعة، مما حز في نفس العبد لله، فأضطر كاتب هذه السطور من باب الحمية لدين الله الوقوف قبيل نهاية المراسم والذهاب لتلاوة فاتحة الكتاب على ضريح المرحوم والدعاء له على مرآى و مسمع من الجميع.. لا لشيء إلا لأني التقيت المرحوم بعد جنازة آيت أحمد، بأشهر وذكر لي أن المرحوم آيت أحمد استودع لديه بعض مذكراته وثائق الثورة الجزائرية وأمور تاريخية مهمة، ووعد أن يريني بعضها لما تتحسن حالته الصحية. وفعلا وهو يعد لكتابة شيء عن الذكرى الأولى لرحيل آيت أحمد، منذ أسابيع فاضت روحه لبارئها، وجف ميداده إلى ألابد وأنكسر قلمه.. ليدفن يوم الجمعة في صمت في المقبرة العمومية بمدينة لوزان السويسرية، بعيدا عن أنظار المسلمين وبعيدا حتى عن مربع مقبرة المسلمين؟؟
و بكل اسف لم تصلى عليه حتى صلاة الجنازة، حسب بعض الاخوة المغاربة الذين تشاجروا مع ابنه وزوجته السويسرية الماركسية لأخذ الجثمان للمسجد للصلاة عليه ثم دفنه على الطريقة الشرعية ولم يفلحوا، علما أن المرحوم في آخر حياته حسن إسلامه وعاد يصلي خاصة في شهر رمضان، بشهادة معارفه من الاخوة المغاربة ..
هل برحيل هؤلاء طويت صفحاتهم وعطائهم ؟
برحيل المفكر مالك شبال وأحمد بناني و أستاذه محمد أركون طويت صفحة هؤلاء وعطائهم، فقد توقفوا عن الفعل اليومي، فلن نسمع بعد اليوم عن كتاباتهم الإعلامية الصاخبة أحيانا، ولكن بالتأكيد سنرى تأثرا بهم، على مدى أجيال قادمة. وبالقطع ان هناك العشرات من الباحثين والدارسين سيعودون لمؤلفات محمد أركون و مالك شبال وغيرهما في مجالات الفكر والسياسة وعلم الاجتماع، وقضايا العقل والتنوير والحداثة، يرون ما يرون فيها، يأخذون منها أو يتركون، ذلك شأنهم ؟.. .
لكن هل مات هؤلاء؟ هل ووروا الثرى وانطوت سيرتهم وأسدل الستار عليهم.. بحق وموضوعية وأمانة هؤلاء لم يموتوا، ولن يموتوا، فهم في سفر. لأن بين رحلة الحياة والموت، وهي حقيقة راسخة، يخط البشر بأيديهم وعملهم ما يحفظ أسماءهم في لوح محفوظ، خيرا كان أم شرا، مصداقا لقوله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}. فعلا، لقد رحل هؤلاء … نعم رحلوا، لكن لا أظن أنهم ماتوا. ولا يسعنا إلا نقول، رغم الداء و الاعداء: "رحم الله موتى المسلمين، وأسكنهم فسيح جناته، ومَنَّ عليهم بمغفرته وستره".." وإنا لله و إنا له راجعون."


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.