، الدولة في المغرب تسعى، عبر أجهزتها الرسمية، إلى رفع آخر أصبع لها عن تحملاتها في ضمان الحق في التعليم العمومي في البلاد. أولا المجلس الأعلى للتعليم يجيز فرض رسوم على التعليمين العموميين الثانوي و الجامعي في هذا الوقت، بالضبط، الذي يتزايد فيه الاعتراف الدولي العالمي بالأهمية "العملية للتعليم، بوصفه واحدا من أفضل الاستثمارات المالية التي يمكن للدول أن تستثمرها"، و ذلك بالإضافة إلى الاعتراف بأن "العقل المثقف و المستنير و النشط القادر على أن ينطلق بحرية و إلى أبعد حدود هو عقل ينعم بمسرات الوجود و نعمه"،،، يواصل المجلس الأعلى للتربية و التعليم و البحث العلمي سيره في الاتجاه المعاكس للطرق "الأممية السيارة" فيختار طريقا متربا شاهرا رأيا استشاريا يجيز للحكومة فرض رسوم أمام الولوج إلى التعليم العمومي الثانوي و الجامعي. و ذلك دون أن يوصي، و لو حتى تلميحا، بأن الحكومة هي، قبل ذلك كما في سياقه، ملزمة و بشكل مستعجل الإنفاذ، بالإعمال الكامل لمبدإ مجانية التعليم أثناء باقي مراحل التعليم السابقة. ثانيا الرأي الاستشاري للمجلس الأعلى للتعليم يورط الحكومة في التراجع عن الوفاء بالتزامات الدولة في المغرب تجاه المادتين 13 و 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. لنقرأ كيف يريد المجلس الأعلى للتربية و التعليم و البحث العلمي أن نراه، إنه يختم توصيته قائلا: "أخيرا، من المفيد التذكير بأن التوصيات الاستشرافية أعلاه تندرج في صميم مهام المجلس ودوره باعتباره هيئة استشارية مستقلة، وقوة تقييمية واقتراحية، وفضاء للتفكير الاستراتيجي في كل القضايا الوطنية والسياسات العمومية، والبرامج الإصلاحية التي تهم ميادين التربية والتكوين والبحث العلمي". و الواقع، أن هذا الوصف هو إما عبارة عن قسم يؤديه المجلس أمام الملإ بهدف تبرئة الذات من كل مزعم بالسعي نحو تمكين "الدولة " من مصدر دائم لملايير الدراهم يساهم فيها كل أب أو أم أو أسرة أو ولي أمر لا يقل مدخوله، مثلا، عن 05 آلاف درهم شهريا و هو مصدر لطالما تفتحت له الشهية و خاصة منذ عام 1984 المشؤوم، أو إن خبراء المجلس لا يدركون، بالمرة، أن اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية (الدورة الحادية و العشرون 1999) في تعليقها العام رقم 13 حول الحق في التعليم (المادة 13 و المادة 14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية قد أوضحت بما لا يدع مجالا لأي تأويل مخالف، أن "التطبيق الدقيق" للحق في "الحصول على التعليم" يتطلب إنفاذ 04 ملزمات، من بينها: إمكانية الالتحاق الاقتصادية، بحيث يجب أن يكون التعليم في متناول الجميع،،، "و هذا البعد يخضع لصيغة المادة 13 (2) التي تميز بين التعليم الابتدائي و الثانوي و العالي: ففي حين أنه يجب أن يوفر التعليم الابتدائي "مجانا للجميع"، فإن الدول الأطراف مطالبة بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم الثانوي و العالي"، كما يبدو أنهم لا يدركون أيضا بأن المادة 13(2)(ب) حين تنص على وجوب "تعميم التعليم الثانوي بمختلف أنواعه، و جعله متاحا للجميع بكافة الوسائل المناسبة و لا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانية التعليم"، فإنها في حين تعني ب "جعله متاحا" و ب "كافة الوسائل المناسبة" تعزيز مطلب اعتماد مناهج متنوعة و مبتكرة "لتوفير التعليم الثانوي في مختلف السياقات الاجتماعية و الثقافية"، فإنها تعني ب "الأخذ تدريجيا بمجانية التعليم"، أنه في حين لا بد للدول من إعطاء الأولوية لتوفير تعليم ابتدائي مجاني، "يقع على عاتق الدول أيضا واجب اتخاذ تدابير ملموسة من أجل تحقيق مجانية التعليم الثانوي و العالي". و على كل حال، فنظرا إلى أن المملكة المغربية هي عضو في الأممالمتحدة و طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و أن هذا العهد قد تم اعتماده من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966، فإنه وجب، هنا، تذكير رئاسة المجلس الموقر و أعضاءه بمختلف أصنافهم و خبراءه بأن "الأخذ تدريجيا بمجانية التعليم" لا تعني، أبدا، التراجع عن مجانية التعليم في مرحلتيه الثانوية و العالية و لا تعني كذلك فرض رسوم أمام الولوج إليهما. ثالثا المجلس الأعلى للتعليم يغض الطرف، في توصيته، عن معظم ما لم تف به الحكومات المتعاقبة من تعهدات الدولة في المغرب تجاه المضمون المعياري للتعليم. لنؤجل الحديث، هنا، عن الملزمات الأخرى التي سبق للمملكة المغربية أن وافقت عليها باعتبارها طرفا في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و هي المتمثلة في: توافر التعليم؛ إمكانية الالتحاق به بأبعادها المتداخلة الثلاثة (عدم التمييز، إمكانية الالتحاق ماديا و إمكانية الالتحاق اقتصاديا)؛ إمكانية القبول؛ و قابلية التكيف. و لنركز الانتباه على ملزم وجوب أن يكون التعليم الأساسي قد أصبح في متناول الجميع، و ذلك بدءا بمساءلة الحكومة، عما أنجزته و ما خططت لإنجازه بخصوص الانعدام الملاحظ للتعليم الأولي العمومي و بخصوص "كفالة إلزامية التعليم الأساسي و مجانيته" ابتداء من السنتين الاثنتين المواليتين لسنة 1979 الموافقة لمصادقة الدولة في المغرب على العهد المعني؟ بطبيعة الحال لأنه لن يمكننا تحصل أية إجابة فبالأحرى إجابة كافية و مقنعة،،، لنذكر المجلس و عبره الحكومة بأن التعليم ليس امتيازا، و لأنه حق من حقوق الإنسان فإنه ليس هبة من أي كان،،، و إن دور الدولة و الحكومات و أجهزتها التنفيذية الأخرى هو الالتزام بحمايته في واحترامه وإعماله،، و في هذا الصدد، يكون مفيدا جدا التذكير بالفقرة 7 من التعليق العام رقم 11 للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية خطط العمل من أجل التعليم الابتدائي (المادة 14) الدورة الواحدة و العشرون (1999)، حيث لا يتم الاكتفاء بالتشديد على أن طبيعة المجانية "لا يشوبها لبس. فصيغة هذا الحق صريحة بحيث تكفل إتاحة التعليم الابتدائي مجاناً للطفل أو الآباء أو الأوصياء"، بل تسترسل الفقرة في التشديد على "أن فرض رسوم من جانب الحكومة أو السلطات المحلية أو المدرسة، بالإضافة إلى التكاليف المباشرة الأخرى، يشكل عاملاً مثبطاً وحائلاً دون التمتع بالحق في التعليم، وقد يعرقل إعماله. وكثيراً ما يكون له أثر انتكاسي للغاية أيضاً"، و علاوة على ذلك، تحرص الفقرة على التنويه بأن "إزالة هذه العقبة أمر يجب أن تعالجه خطة العمل المطلوبة. ويضاف إلى ذلك أن التكاليف غير المباشرة، مثل الضرائب الإلزامية المفروضة على الآباء (التي يتم تصويرها أحياناً كما لو كانت طوعية ولكنها ليست طوعية في الواقع)، أو الإلزام بارتداء زي مدرسي موحد تكاليفه باهظة نسبياً، لها نفس الأثر المثبط."،،، فعن أية مجانية يتم الحديث هنا في المملكة المغربية؟ الواقع أنه باستثناء المعنى العامي للعبارة الذي يصف الشيء المبتذل بأنه مجاني،،، فبالإنفاق على السكن و اقتناء الكتب و الأدوات المدرسية الأخرى و تجديدها و على النقل من و إلى المدارس و أثناء الخرجات أو الزيارات أو الرحلات و على التغذية و أداء واجبات التأمين المدرسي و الانخراط في جمعية الآباء و جمعية التعاون المدرسي و الجمعية الرياضية بالإضافة إلى إحياء مناسبات وطنية أو غيرها،،، لقد ساهمت الأسر المغربية و ما تزال تساهم، مهما بلغت درجة العوز أو عدد الأبناء، بالنصيب الأوفى، في الإنفاق على تعليم أبنائها. و ذلك في مقابل إخلال الدولة بتعهداتها و عدم الوفاء بالتزاماتها المحددة في كل من المادتين 13 و 14 ، من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، الضامنتين للحق في التعليم في مختلف مراحله التعليمية و بالمجان. استعطاف: و هكذا، في انتظار أن يستعيذ المجلس الأعلى للتربية و التعليم و البحث العلمي المغربي بالله من شرور مجهولة العواقب و المآل قد تبتلى بها البلاد و العباد جراء الاستمرار في تجفيف مصادر عيش الناس بدافع استحصال المال بغير وجه حق لحل معضلات أخرى في مقدمتها الديون الخارجية المتراكمة،،، أهيب بالأفراد المنعوتين بالخبراء الذين يستعان بهم للإفتاء في هذا الاتجاه، أن يكفوا عن ذلك و أن ينصحوا مشتري خدماتهم بالقول: إن التعليم و الصحة و النقل،،، هي حقوق مستحقة للإنسان، فعلى الدولة أن تكفلها و أن تنوع مصادر تمويلها كيفما تشاء و تستطيع،،، لكن بعيدا عن آباء المتمدرسين و عن المرضى و عن المتنقلين عدة مرات يوميا لخدمة قطاع من القطاعات المدرة للربح،،، دام لكم العز و التوفيق *كاتب من المملكة المغربية