حينما تنقضي السنة ونبحث في طياتها عن ثنائية الربح والخسارة علينا اولا تحديد الأولويات ومن ثم الشروع في عملية حصر الخسائر والارباح ، ولما كانت الحرية والكرامة والخبز راس الامر كله كان لابد من اعتمادها في تقييم السنة ، ونحسب ان الشعب التونسي الذي ارتقى جلّه بحمد الله الى مصاف الانسنة بشروطها ،نحسب ان حواسه كانت ومازالت منصبة حول تثبيت مكسب الحرية وامتلاك الارادة وتحسين شروط العيش والتكسّب بكرامة ، ثم وامام الهجمة الشرسة التي اشتدت على الثورة في مهدها "تونس"و فروعها "بقية الدول العربية" اصبحت بوصلة التقييم هي ملحمة سبعطاش اربعطاش وما تعنيه من حرية وكرامة ، بما ان المناخ الحر والحياة الكريمة تتيح للشعوب فضيلة التغيير والتقويم وتمكنها ولو على مراحل وبعد تجارب من اعتماد النخبة الصالحة والقادرة قيادة القاطرة نحو النجاح وبالتالي تحقيق رغد العيش بعد ان حقق الثوار رغد العزة . للسنة السادسة على التوالي تتمكن ثورة سبعطاش اربعطاش من التماسك وتنجح في تجاوز السقوط ، وهي مكاسب لا يعرف قيمتها الا الملم بالمؤامرة والعارف بتضاريسها واهدافها ووسائلها وادواتها ، اذْ لا يمكن الحديث عن تحقيق اهداف الثورة في ظل هجمة داخلية وخارجية تواطأت على تدمير المنجز التاريخي واصرت على اجتثاثه من منبته ، ولا شك انه وامام كثرة الخصوم وخبرتهم واصرارهم على استرجاع مكتسباتهم و"املاكهم" من قصور وبنوك وثكنات.. اصبح لا مناص للثورة من الانشغال بالدفاع عن نواتها والانكباب على خميرتها، وهو ما حدث في تونس حيث نجح ابناء سبعطاش اربعطاش في الحفاض على الاسس ولم يفوتوا فرصة الا واستغلوها لوضع لبنة صغرت ام كبرت ، لا يهم الحجم بقدر ما يهم بقاء السلوك الثوري على السكة يتحرك مرة ويتحين اخرى .
خلا سنة 2016 اقتنعت الكثير من النخب المخلصة بحقيقة الانجاز وبقوة الزخم الذي صدر عن شعب سبعطاش ، وبدت كل القوى الموالية للثورة سوى تلك التي انخرطت في الحكم او التي انشغلت بتحصين الدفاعات المدنية ، بدت عاجزة عن تحقيق اليسير من الذي حققته جحافل ما بعد حادثة العربة ، فالثورة العزلاء التي اعتمدت الهجمات الكاسحة والفداء في درجاته العليا وراهنت على الدم الغزير مقابل الكرطوش الاغزر تمكنت من تحقيق الانجاز التاريخي وانهت مداولات المعركة في اقل من شهر ، أتم شعب سبعطاش مهمته كاملة وفي ظرف قياسي، ثم وتلبية لمتطلبات الاختصاص سلم الامانة للنخب التي ارتضاها وكانت في مجملها ثورية مخلصة للثورة ، لكنها عجزت وطوال 6 سنوات عن التقدم المنشود والموكول ، واكتفت في اغلب الاحيان بالدفاع عن محصول اربعطاش ، مع تحقيق قدر من التقدم المتعثر شاغبته العودة المريبة للمنظومة القديمة وما تبعه من توسع لسلطاتها وتمدد لسطوتها.
عام 2016 واصلت نخب الثورة انشطارها الايجابي ، وانقسمت بين من يطلب الحق ويصر على انتزاعه كلفه ذلك ما كلفه، وبين من جنح الى طلب الممكن وتقسيط الحق ، وفي اطار التنويع من اسلحة الثورة اختار البعض منهج الطهر الثوري كمحفز للشباب والح على نقاء محطة سبعطاش اربعطاش، كما حاول تجنب كل ما يمت للمنظومة السابقة بصلة ، بينما اختار البعض الآخر عدم التفويت في الدولة برمتها للثورة المضادة والحيلولة دون الانفراد بها ومن ثم امتصاص الانفاس الثورية التي اختلجتها ، ولعل اخطر ما واجهته الثورة المضادة التي تعتمد على الدولة العمقية كلاعب محوري، هو تسرب انفاس سبعطاش اربعطاش الى مفاصل الدولة وما نتج عنه من ايجابيات ، كان اخرها اقرار خصوم الثورة بان القضاء سقط في حضن ثورة "البرويطة" ، في حين ان القضاء في طريقه الى الارتقاء الى حضن ثورة الحرية والكرامة . في المحصلة وفي عرف الثورات يمكن القول بلا تردد ان سنة 2016 كانت سنة مفصلية ، وصلت فيها الثورة المضادة الى قناعة مفادها ان نبتة سبعطاش اربعطاش الحميدة غير قابلة للاجتثاث وان اقل ما يمكن ان تفعله بما توفر لها من مال واعلام ونخب واحزاب محنطة وقوى اقليمية تتشاءم من انعتاق مستعمراتها السابقة واخرى نفطية مرعوبة من عبارة التعددية ، اقل ما يمكنها فعله ان تأمّن الرؤوس الكبيرة وتلك المسنة الضالعة وتنقذ المزيد من الثروات "الحرام" وتأخر الى حين سيطرة الشعب على مؤسساته بشكل نهائي وكامل غير منقوص .
اعظم ما انجزته الثورة التونسية خلال 2016 هو اطفاء شمعتها السادسة دون ان تستسلم لحتفها ، ذلك ان ثورة "اذا الشعب يوما اراد الحياة" تحب الحياة ، لقد اظهرت ثورة سبعطاش اربعطاش حالة من الصمود الاسطوري في وجه الكاسحات المحلية والاقليمية ، ساعدتها في ذلك تركيبتها المتعددة التي ازعجت الكثير من المخلصين البسطاء ، الذين لم يتفطنوا الى ان المعارك الوطنية الكبرى تتطلب تنوع الادوات والكثير من المرونة البينية ، فالثورات التي تعتمد على تكديس العضلات وتكتفي بالإخلاص كمؤنة وتحتقر المناورة ولا تعبا بقراءة تربة المعركة ومناخاتها ، عادة ما تنتهي الى الفشل الشريف ، لقد تصالحت حركات النضال العربي مع الشهامة والشهادة وقاطعت الانتصار والغلبة والتمكين ، لأنها اخذت بأسباب نضال الشرف ولم تأخذ بأسباب نضال الانتصار، لذلك اصبح يتحتم على الجماهير العربية ان تفتح العديد من الآفاق اخرى في فقه السجال وتتوسع اكثر في ثقافة النضال ، وتبتعد عن تحشيد كتلها البشرية العزلاء في صعيد واحد لان الخصم يملك خبرة عقود من القنص والقتل والابادة ، ولان الانظمة الشمولية قاسية الى درجة انها ابادت حركات النضال الوطني اكثر مما اباد الاستعمار حركات التحرر الوطني .
أجمل ما في اللوحة التونسية تلك الحصانة التي اكسبتها الثورة ضد عمليات التسميم المتتابعة ، وتأقلم الجسد الثوري مع حقنهم القاتلة وتجاوزه للكدمات واستعداده لامتصاص تلك الضربات الباطشة الموجهة بدقة وقوة ، لقد تعافت الثورة و انتهت قصة الموت السريري وغرف العناية المركزة والحالات الحرجة ، ودخلت مرحلة استعادة المبادرة والعودة من بعيد .. باختصار كانوا منقسمين بين من يرى دفن الثورة مع شهدائها ومن يقول بحرقها وذر رمادها على رؤوس جبال الشعانبي وبوقرنين ونثر البقية الباقية على سلسلة جبال خمير ، فاصبحوا سنة 2016 يتحدثون عن التعايش السلمي معها واجتناب ما يسمونه بالانتقام ويسميه شعب سبعطاش بالعدل والقسطاس ، وعما قريب سيطلبون الصفح ويستعيرون عبارة "التونسي للتونسي رحمة".ها نحن نشارف على توديع السبع العجاف ، بينما الأمل المشفوع بالمؤشرات يؤكد ان في الآفاق عملية صلح مبشرة بين الفين وسبعطاش وثورة شبعطاش . نصرالدين السويلمي