لا يختلف العاقل ونصفه وشطره وحتى من به ثمالة من عقل في ان حقبتي بورقيبة وبن علي حرمت تونس ليس من حياة حزبية فحسب بل حرمتها حتى من مجرد فسحة صغيرة محصورة من الحرية كان يمكن ان تتشكل فيها خميرة الحياة الحزبية دون ان تصيب كبرياء المنظومة الشمولية ، لقد كانت مرحلة موات قاحلة جدباء ، تسلطت فيها الديكتاتورية وأرست ثقافة الحاكم الواحد وشئ من ثقافة الحزب الواحد بما ان الحزب كان يتسيد على الشعب ويتذيل للحاكم . ونتيجة لهذا التصحر والبطش الطويل توفرت للساحة التونسية بعد الثورة كوكبة من المناضلين بحكم ثقافة النضال التي اكتسبها التونسي في صراعه الطويل مع البطش الأجنبي ثم البطش الوطني ، لكن الساحة لم تَجُد بالأحزاب التي تملك خصوصيات التنظم والتحزب، وبدت هذه الأحزاب و بحكم احتكاكها المزمن بأنظمة القهر قادرة على التدافع والتحشيد والتجييش وعمليات الفر والكر المشحونة لكنها لاحت طفولية تائهة حين أفردت الديمقراطية أجنحتها وتهيأت الأرضية لأحزاب الفكر والحجج والبرامج وطويت أرضية الصراخ والشعارات والحجارة والشارع والدخان والدم . أحزابنا تسابقت الى الأسماء البراقة وكانت جد موفقة في اختيار ارقي الكلمات والعبارات التي اقتنصتها لتأثيث عناوينها ، العديد من هذه الأحزاب تورطت حين بالغت في استعارة العبارات القوية الوفية الناصعة لانها ولما نزلت الى ساحة الفعل بان هزالها وبدت الهوة بين الاسم والمسمى مضحكة مخجلة. الجبهة الشعبية ، حركة النهضة ، جبهة الإنقاذ ، الحزب الجمهوري ، المسار ، وفاء ، التكتل …زلزال من العبارات العملاقة ترفع اسهم العربية الى عنان السماء وتتسرب بلسما في قبر الزمخشري ، حتى اذا ما لامست الواقع ونزلت الى الشوارع وخالطت الزحام ، بان وكان هذه الأحزاب لم تختر أسمائها وفق برامجها وانما اختارتها عكس برامجها وأدبياتها. التكتل ..اصدق الكلمات التي يمكن ان يوصف بها حزب السيد مصطفى بن جعفر هو "التفرق" ، وأي اسم اقرب من هذا وهو الحزب الذي التحق بالترويكا فكان ثالث ثلاثتها ، ولم تمر الأشهر حتى أصبحت قدمه اليمنى في السلطة وقدمه اليسرى في المعارضة ، وأعطته الجماهير 20 صوتا فتلاشت وبالكاد يمسك شطرها الذي يتأرجح بين مال كمال وإيديولوجية اليسار ونفوذ التجمع. الجبهة الشعبية ..تعني الجبهة في المعجم الجماعة المؤلفة لجلب خير او دفع شر عن قومها ، لكن هذه الجبهة ومن فرط سباحتها ضد الطيار ذهبت الى النقيض في أفعالها فكانت جالبة للشر دافعة للخير ، وكانت ومازالت في قطيعة تامة مع التطلعات الشعبية لبناء دولة ديمقراطية ، وخربت عملية الانتقال الديمقراطي وسعت لتقسيم الشعب الى طوائف إيديولوجية متناحرة وتجاهلت ذكرى الثورة وذكرى النصر وذكرى الشهداء وذكرى اربعطاش وذكرى سبعطاش ..وأحيت ذكرى الرش. النهضة ..لا نستطيع الحديث طويلا على النهضة لان واقع الحال يتحدث عن نفسه وما نراه من العمارات الشاهقة في بوزيان والمصانع المتزاحمة في الكاف والبنية التحتية التي تزاحم ربيبتها في سنغفورة يغني عن القول ويؤكد نهضة النهضة ..الشئ الوحيد الذي حققته النهضة ويحسب لها انها نهضت بالثورة المضادة "وعطتها كارها". نداء تونس ..اعتقد ان حزب السيد الباجي قائد السبسي نجح في الشق الأول من الاسم وفشل في الثاني ، فحزبه لا يمكن ابدا ان يكون نداء تونس حتى يلج البعير في سم الخياط ، لكنه يمكن ان يكون وعلى استحقاق نداء التجمع ، نداء فرنسا ، نداء الإمارات ، نداء ضاحي خلفان ، نداء كمال لطيف ، نداء الفلوس ، نداء الاعلام …او نداء صباط الظلام. الحزب الجمهوري …كلمة الجمهوري تعني في بعض المعاجم " شرابٌ مسكِر يُتَّخذ من العِنَب أتت عليه ثلاث سنين " ، من فرط طواف قيادات هذا الحزب على الأفكار والأحزاب والكتل لا نملك الا ان ندعو لهم بظهر الغيب ، وأجمل ما نهديه لهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "حَدَّثَنَا ابْنُ مُصَفَّى، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ يَقُولُ إِنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يَقْلِبُ وَيَصْرِفُ كَيْفَ شَاءَ". حركة وفاء ..هذا الوفاء الوافر اين هو من وفائه لحزبه الاصل ، كلمة الوفاء هي احد أثرى المعاني لأنها تحمل في طياتها جملة من المضامين الجميلة ، الوفاء يتطلب الصبر والتاني والحكمة ، يتطلب العفو والصفح والحلم ، يتطلب الإيثار ، الوفاء يتطلب هذا واكثر بكثير ، لكن السيد العيادي "من نبزة جاء البرا" . جبهة الإنقاذ ..حين أردت ان اكتب عن هذا الجرم الحزبي تعطل الحاسوب ! فتشت عن حاسوب آخر انقطع النت ! تحصلت عن "ويفي" انقطع الكهرباء ! توقفت فورا عن جميع محاولات الكتابة وقرأت المعوضتين. نصرالدين السويلمي