ساعات قليلة هي المدة التي تستغرقها زيارة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل التي انفردت وللمرة السابعة على التوالي بلقب المرأة الاقوى في العالم الى تونس اليوم، الا انها زيارة مزدحمة في محطاتها ورسائلها أيضا وهي التي تأتي بعد نحو أسبوعين على زيارة رئيس الحكومة يوسف الشاهد الى برلين وبعد أيام ايضا على الغاء زيارتها الى الجزائر بسبب وعكة صحية للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. ولا شك أن الزيارة التي تأتي في إطار جولة في المنطقة تشمل مصر وتونس والمغرب في وقت لاحق تحتمل أكثر من تأويل في أهدافها سواء تعلق الامر بالعلاقات الثنائية التونسية الالمانية أو كذلك بتطلعات المانيا في المنطقة وتنامي انزعاج السلطات الالمانية من تدفق المهاجرين الى فضائها عبر المتوسط بكل ما يعنيه ذلك من أعباء وتحديات ومخاطر مرتبطة بالتهريب والمخدرات والجريمة. ولاشك أن الرئيس الباجي قائد السبسي الذي طالما تحدث في خطاباته عن لقاء انديرا غاندي والزعيم الراحل الحبيب بورقيبة سيجد في لقائه بالمستشارة الالمانية أو المرأة الفولاذية ما يمكن أن يؤثث لحواراته وتصريحاته المرتقبة ربما في تحفيزه للتونسيين على استعادة قيم العمل والتميز اسوة بالتجربة الالمانية بعد الحرب العالمية الثانية.. والاكيد ان المستشارة الالمانية التي تتربع على عرش اقوى اقتصاد في اوروبا وهي المحرك الاساسي الى جانب فرنسا في تحديد السياسة الخارجية الاوروبية تحل ضيفة على تونس بعين على الانتخابات التشريعية الالمانية في سبتمبر القادم وطموحها للحفاظ على منصبها في مرحلة تتفاقم فيهاالضغوطات والانتقادات بسبب استقبالها نحو مليون لاجئ في بلادها وعين على المبادرة الليبية التي أعلنها رئيس الدولة بالتنسيق مع الجزائر ومصر. بل ولا شك أن في توفر الارضية المطلوبة لتفعيل المبادرة الليبية خلال القمة الثلاثية المرتقبة لجمع الفرقاء وكسب الرهان في ليبيا ما يمكن ان يخدم مصالح كل الاطراف سواء دول الجوار الليبي او كذلك الدول الاوروبية التي تسعى للحد من ازمة اللاجئين غير الشرعيين والتي لا يمكن تطويقها دون تقليص الأسباب والدوافع التي تدفع الى الهجرة وفي مقدمتها غياب الاستقرار والسلام وانتشار الفقر والجوع والصراعات. ومن هنا أهمية الدور الالماني في استيعاب تحديات المرحلة والتخلي عن تلك العقلية الاوروبية الفوقية المتعالية التي تتعامل مع دول المنطقة كما لو كانت رجل الشرطة والحارس للبوابة الاوروبية..
الكرة في الملعب الألماني.. العنوان الرسمي المعلن لزيارةالمستشارة الالمانية يشمل قائمة من الملفات تبدأ بالعلاقات الثنائية الاقتصادية والامنية الى التحولات في الشرق الاوسط والازمة في سوريا واليمن وليبيا والهجرة غير الشرعية واجراءات التعجيل بترحيل اللاجئين غير الشرعيين، ولكن أيضا غيرها من العناوين غير المعلنة والمتعلقة بالمبادرة التونسية المصرية الجزائرية حول الازمة في ليبيا والتي كان أطلقها الرئيس الباجي قائد السبسي نهاية العام الماضي لدفع الحل السياسي بين الفرقاء الليبيين وتجنب الحل العسكري وهي التي قد تكون شكلت محورا من المكالمة الهاتفية بين رئيس الدولة وبين الرئيس الامريكي دونالد ترامب الاسبوع الماضي. والارجح ان الملف الليبي سيكون الملف الاكثر حضورا في مشاورات المستشارة الالمانية بالنظر الى ما يمثله المشهد الليبي من تحديات مشتركة لدول الجوار التي تواجه مخاطر الميليشيات المسلحة وفوضى السلاح وغياب مؤسسات الدولة في هذا البلد منذ انهيار النظام السابق وتحوله الى معبر مفتوح للمهاجرين غير الشرعيين الراغبين في الوصول الى اوروبا. ومن هنا المهمة الاساسية على عاتق السلطات التونسية أيضا في اقناع المستشارة الالمانية ومعها بقية الاطراف الاوروبية بان دول شمال افريقيا لا يمكن أن تكون حارسا على بوابات اوروبا ولا شرطيا في حوض المتوسط لحماية المصالح الاوروبية وأن ما توصلت دول الاتحاد الاوروبي خلال قمة مالطا بضرورة اقامة مركز لإيواء اللاجئين على الحدود التونسية الليبية غير قابل للتنفيذ وأن درء خطر الارهاب يقتضي احترام وضمان حماية مصالح كل الاطراف. المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفن زايبرت، استبق جولة المستشارة بالقول ان بلاده "لا نخطط في الوقت الراهن لإنشاء أية مراكز للاجئين هناك على الاطلاق". أما المستشارة الالمانية فقد حرصت بدورها على استباق زيارتها الاولى الى تونس حيث يكون لهالقاء مع رئيس الدولة بقصر قرطاج قبل ان تتحول الى مجلس نواب الشعب لإلقاء كلمة تحت قبة باردو بالتصريح أنه "بدون استقرار سياسي في ليبيا، لن نكون قادرين على وقف المتاجرين بالبشر الذين يعملون انطلاقا من هذا البلد". كما أوضحت أيضا أن "مصر بوصفها قوة إقليمية، تلعب دورا رئيسيا في ليبيا، وكذلك الجزائروتونس"، وهوما يعني ضمنيا أن رسالة تونس وصلت وأن الكرة باتت في الملعب الالماني بعد تصريحات رئيس الحكومة يوسف الشاهد لصحيفة "بيلد" الألمانية، والتي يبدو أنها فاجأت المستشارة التي اوضحت لاحقا أن موضوع مركز اللاجئين لن يكون على الطاولة. الشاهد اعتبر أن "الرأي العام في تونس لا يمكن أن يقبل بأن تكون تونس مركزا للاجئين وان تونس لا تتنصل من التزاماتها ولكنها تريد من السلطات الالمانية ادلة ثابتة ان الامر يتعلق بمهاجرين تونسيين"، تماما كما أن تونس ليست مسؤولة عن الجريمة الارهابيةالتي ارتكبها انيس العامري في برلين وهو الذي غادر تونس في 2011 وقضى ثلاث سنوات في المعتقلات الايطالية قبل ان يتحول الى متطرف ويقترف جريمته قبل أعياد الميلاد".
حلف من أجل افريقيا.. لم لا؟ من الواضح اذن ان كل تأخير في حل الازمة في ليبيا يعني تأجيل بل وتعقيد ازمة المهاجرين واللاجئين غير الشرعيين ذلك ان نحو 90 في المائة من اللاجئين ينطلقون من ليبيا في اتجاه أوروبا. لقد سبق لوزير المالية الالماني فولفغانغ ان اعلن عن تأسيس حلف للتنمية من اجل افريقيا لدعم مجالات الاستثمار وسبق ايضا لميركل ان دعمت الفكرة واعتبرت أنه من غير المعقول ان يكون حجم الاستثمارات المباشرة داخل دول الاتحاد الاوروبي عشرة اضعاف مجموعها في القارة الافريقية وهوما يعني ضرورة الاستثمار في البلدان الافريقية لان المساعدات الحكومية لا تكفي.. وفي انتظار ما يمكن أن تثمره زيارة المستشارة الالمانية الىتونس وهي التي تمثل الشريك الثالث لبلادنا مع تواجد نحو 260 شركة المانية توفر نحو 250الف فرصة عمل للتونسيين، يبقى الاكيد أن وجود تونس كضيف خلال قمة مجموعة العشرينG20 التي ستحتضنها ألمانيا في 7-8 جويلية القادم محطة مهمة للسلطات التونسية التي حظيت ومنذ الثورة بدعم من السلطات الالمانية التي كانت أول من قرر تحويل الديون التونسية الى استثمارات لدعم الاقتصاد والتي اختارت مؤسساتها التجارية عدم مغادرة تونس عندما كانت البلاد تمر بفترات معقدة وتواجه الازمات المتعاقبة مع تواتر التهديدات والاحتجاجات ومؤشرات الانزلاق الى الفوضى