مكر الشعوب، من مكر التاريخ، هذا ما أبانته لنا الإنتخابات التركية هذا المساء، ومفاده أنه، ليس بالضرورة، مهما ما كانت لك من المصداقية، والنجاعة العملية في القيادة، والتسيير،، ونظافة اليد، والسيرة، والسجل، أن تكون ثلاثة أرباع الشعب في صفك، في كل إستحقاق إنتخابي تخوض غماره، وهو ما كان متوقعا هذا المساء من نتيجة الإستحقاق الدستوري التركي، الذي جاءت نتيجته مصادمة للتوقع، بالرغم من كل الرياح التي كانت تهب في إتجاه ما تشتهيه سفنه، المحاولة الإنقلابية في السنة الماضية، المواجهة مع الدول الأوروبية في الأشهر القليلة الفارطة، صمود الإقتصاد التركي أمام هذه الهزات، وغيرها ... والسؤال لماذا حصل هذا؟ والجواب هو، مكر الشعوب، والشعب التركي في حالتنا هذه، بحياة نبضه، وحدة حدسه، وعمق وعيه بطبيعة الإستحقاق الإنتخابي الذي قال فيه كلمته هذا المساء ... ذلك أن الإستحقاق الإنتخابي إما أن يكون متعلقا بمصير المصداقية، وإما أن يكون متعلقا بمصداقية المصير ... أوردغان وحزبه، فازا في كل الإستحقاقات الإنتخابية المتعلقة بمصير المصداقية، وفي كل المدن الأساسية، وخاصة منها استنبول، لأنها مصداقية محددة بالذات، بشخصه أولا، وحزبه ثانيا، وهي مصداقية محددة بالزمان، بعهدة نيابية، أربع سنوات، ومحددة بالمردودية الإنجازية العملية ... أوردغان وحزبه، هذا المساء، فازا، ولكنه فوز نسبي ب 51%، هو أقرب للخسارة منه للفوز المتوقع ب 65%، في هذا الإستحقاق الإنتخابي المتعلق بمصداقية المصير لطبيعة نظامه السياسي الرئاسي المستقبلي، الذي قد تؤمن عواقبه مع أوردغان، ولكن ليس بالضرورة قد تؤمن عواقبه مع غيره، من بعده، ومن ثم كان فوزا مشروطا برسائل واضحة، خسارة في كل المدن الأساسية، أنقرة، أستنبول، أزمير، ديار بكر، وبنسبة مأوية ب 51% ضد 48% ... رسالة الشعب التركي هذا المساء هي، ليكن النظام التركي رئاسيا، او برلمانيا، ليس هذا هو المهم، المهم هو احترام الحرية، والديمقراطية، اللتان فداهما الشعب التركي بروحه، ودمه، في ظل النظام البرلماني في 15 جويلية في السنة الفارطة، وهو مستعد بفداهما في ظل النظام الرئاسي، إن حصل الإقتراب من حماهما، من أوردغان، أو من غيره ... تحية إكبار ، وتقدير للشعب التركي العظيم.