أتقزز من تصرف أي "صحفي" يبحث عن الإثارة ويستفز دموع الرّجال كي تنزل حين يرى بعض سحبها تجمعت في عيني محاوره كما يفعل العديد ممن انتسبوا "لمهنة الرداءة" في بلادنا ولا أقول مهنة المتاعب كما تُعرّف الصحافة المحترمة! بكى الوزير لطفي زيتون في معرض حديثه عن معاناة إخوانه في الوطن والدّين الّذين يدفعهم الفقر للاستخفاف بالعدوى من أجل الحصول على منحة زهيدة يسدّون بها رمقهم! وبكى الوزير عبد اللطيف المكي في ندوة صحفية بسبب ما أحس به من قهر وهو يرى أن جهاده وجهاد فريقة من أجل التقليل من ضحايا الكرونا مهددا بالتهاوي بعد خروج الناس زرافات ووحدانا ليجتمعوا في أصعدة ضيقة ويتزاحمون من أجل الحصول على "منحة الوباء"! يجب التنويه أن الحكومة التونسية الجديدة التي قد يسجلها التاريخ باسم "حكومة الكورونا" كانت سباقة ولم تأل جهدا في مقاومة الجائحة أو التقليل ما أمكن من ضحاياها رغم قلة الإمكانيات وندرة الموارد وكثرة المطالب! ... ولعلها من المرات الأولى في تاريخنا أن تكون الحكومة سابقة لشعبها قائمة بما يلزم أو بما أمكن في مقابل جهل واستخفاف عريض من عموم المواطنين! ولا ينازع أحد أن وزارة الصحة وعلى رأسها الدكتور المّكي وفريقه قد كانوا رأس حربة المواجهة التي أشادت بأدائها منظمة الصحة العالمية وكثير من الدول المتقدمة! وكانت تونس بإمكانياتها الضعيفة سباقة في استشعار حجم الخطر حتى على الدول المتقدمة مثل ألمانيا، وكنت أقارن الإجراءات منذ الأيام الأولى! ومما أذكره أن الوزير الأول لمقاطعة بافاريا (بايارن) الألمانية كان في الأسبوع الأول يتحدث برباطة جأش وثقة واعتداد محق بقوة قطاع الصحة في ألمانيا ومخزونها المالي ومع ذلك رأيت نفس الوزير بعد أسبوع في ندوة صحفية ينازع الدموع وفي نبرة صوته انكسار كبير! الوزير إنسان سواء كان زيتون أو المكّي أو رئيس وزراء بافاريا أو ميركل يمكن أن تخنقه العبرة ويتأثر ويبكي وذلك لا ينقص من أقدارهم ولا من إنجازاتهم شيئا كما لا يزيدهم البكاء إنجازا على ما أنجزوا. ولكن المبتذل الذي يعبر عن طينة أصحابه ومعادنهم الرخيصة الصدئة هو أن يتحول النقد من نقد الأعمال والأقوال التي يسأل عنها أصحابها إلى نقد الدموع والسب والتخوين والتكذيب! لو أننا رأينا من ينقد أداء المكّي في وزارة الصحة لكنّا أخذنا منه أو رددنا عليه، ولكنا نرى أقواما أعمتهم خلافاتهم الإيديولوجية عن قول الحق وبقوا حبيسين لسجالات صخرة سقراط! لو كان هناك نخبة تزعم أنها وطنية لتنكرت لكل خلافاتها الإيديولوجية وأخفت ألوانها من أجل الوطن، فالكورونا لا يفرق بين "خوانجي" ويساري أو عروبي ودستوري أو أي لون آخر! ولكن مشكلة تونس أنها ابتليت بأقوام مستعدون أن تفقأ عين لكل منهم مقابل أن تفقأ كلتا عيني "الخوانجية" بتعبيرهم الكريه والبغيض!
رحم الله أبا القاسم الشابي الذي وصف حال هؤلاء الرهط من "فيروسات" "إيديو 20" كلّما قام في البلاد خطيب ** موقظ شعبه يريد صلاحه ألبسوا روحه قميص اضطهادٍ ** فاتكٍ شائك يرد جماحه أخمدوا صوته الإلهي بالعسف ** أماتوا صداحه ونواحه توخّوا طرائق العسف والإرهاق ** تواً وما توخّوا سماحه هكذا المخلصون في كل صوبٍ ** رشقات الردّى إليهم متاحه غير أناّ تناوبتنا الرزّايا ** واستباحت حمانا ايّ استباحه وغدا إن شاء الله تنقشع الغيمة ويزول الوباء وتعرف تونس من بكى ممن تباكى! طه البعزاوي! 8 أفريل 2020