رئيس الجمهورية يشرف بمقر المجلس الاعلى للتربية والتعليم على الاحتفال بعيد الشجرة    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    بطولة الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 14 – الدفعة 2): النتائج والترتيب    عاجل: أولى الساقطات الثلجية لهذا الموسم في هذه الدولة العربية    بشرى للشتاء المبكر: أول الأمطار والبرق في نوفمبر في هذه البلدان العربية    عاجل/ تعلّيق عمل شركة "شي إن" الصينية في فرنسا..    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    من صفاقس إلى منوبة: تفاصيل صادمة عن مواد غذائية ملوّثة تم حجزها    حجز أكثر من 14 طنا من المواد الفاسدة بعدد من ولايات الجمهورية    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    ممرض ألماني أنهى حياة 10 مرضى... ليخفف عبء العمل عليه    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    تونس تطلق أول دليل الممارسات الطبية حول طيف التوحد للأطفال والمراهقين    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    5 أخطاء يومية لكبار السن قد تهدد صحتهم    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    مدير ديوان رئيسة الحكومة: قريباً عرض حزمة من مشاريع القوانين على البرلمان    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    المنتخب التونسي للبايسبول 5 يتوج ببطولة إفريقيا    مونديال أقل من 17 سنة: تونس تواجه بلجيكا اليوم...شوف الوقت والقناة الناقلة    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الفاتح: نعم الأمير لنعم الجيش
نشر في الحوار نت يوم 16 - 09 - 2009


محمد الفاتح: نعم الأمير لنعم الجيش(833ه/886ه)

مع ملف مصور للمدفع السلطاني ولمحمد الفاتح يعرض لأول مرة


حسن الطرابلسي / ألمانيا
روى الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش» فحدثته، فغزا القسطنطينيةقال فدعاني مسملة بن عبد الملك، فسأله
منذ بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم كان فتح القسطنطينية طموح القادة والخلفاء المسلمين، فلقد بعث معاوية بن أبي سفيان حملة لفتجها سنة 47 ه/667 م، ثم عاود الأمويون محاولتهم في عهد سليمان بن عبد الملك فأرسل أخاه وقائد جيوشه مسلمة بن عبد الملك سنة 98 ه/719 م.
كما تجددت هذه المحاولات في عهد العثمانيين مع الخليفة بايزيد الأول، المعروف بالصاعقة، سنة 796 ه/1393 م ثم مراد الثاني والد محمد الفاتح ولكن دون نجاح يذكر.
وجاء الفاتح
ولد السلطان محمد الفاتج في 26 رجب 833 ه / 20 مارس 1429 م وكان أبوه مراد الثاني قد حرص على رعاية ابنه وتعليمه ليكون جديرا بالخلافة فعهد بتعليمه إلى الشيخ أحمد بن اسماعيل الكوراني، شهر عند الأتراك باسم "الملة كوراني"، فحفظ القرآن وقرأ الحديث ودرس الرياضيات والفلك والميكانيكا، كما أجاد العربية والفارسية واللاتينية واليونانية وأتقن فنون الحرب والقتال.
عينه والده، واليا على مغنيسيا، وهو صغير السن، ليربيه على شؤون الإمارة وإدارة الدولة، وأرسل معه مجموعة من كبار العلماء منهم الملة كوراني والعالم الجليل محمد بن حمزة الدمشقي الرومي، وكان يلقب "آق شمس الدين"، و"آق" تعني الشيخ ذو اللحية البيضاء، وكان لهذا العالم الجليل تأثير كبير على الفاتح فلقد كان يرفع همته إلى معالي الأمور ويلمّح له أنه هو المقصود ببشارة الرسول صلى الله عليه وسلم، فشب طامح النفس، عالي الهمة، محبا للفضائل ملما بشؤون الحرب والسياسة.
بعد وفاة والده في 5 محرّم 855 ه/ 7 فبراير 1451 م تولى محمد الفاتح الخلافة، فبدأ الإعداد لفتح القسطنطينية، فاستقدم مهندسا مجريا يدعى "أوربان" فصنع له مدفعا ضخما لم ير مثله، يقذف قذائف هائلة تكفي لثلم أسوار القسطنطينية، وسمي بالمدفع السلطاني وقطع الطريق من أدرنة، أين تم صنعه، إلى موضعه أمام أسوار القسطنطينية في شهرين.
كما قام ببناء سفن جديدة في بحر مرمرة لكي تسد طريق الدردنيل، وشيد قلعة على الجانب الأوروبي من البوسفور تعرف باسم قلعة "رومللى حصار"، أي قلعة الروم، وهي قلعة محصنة عظيمة، وكانت هذه القلعة تقابل القلعة التي بناها جده السلطان بايزيد في البر الأسيوي ليستطيع السيطرة على مضيق البوسفور. وأعد جيشا جرارا بلغ عدده ربع مليون جندي، زودهم بأحدث الأسلحة في زمانه.
إلى جانب الإعداد المادي للمعركة الفاصلة توجه الفاتح إلى جيشه يربيهم على الجهاد ويحثهم عليه ويذكرهم ببشارة الرسول عليه الصلاة والسلام.
وفي يوم الخميس 26 ربيع الأول 857 ه/6 أبريل 1453 م وصلت الفيالق العثمانية بقيادة السلطان محمد الفاتح إلى مشارف القسطنطينية، فخطب فيهم خطبة حثهم فيها على الجهاد في سبيل الله، وتلا عليهم آيات من القرآن الكريم كما تلا عليهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبشرهم بأنهم هم هذا الجيش .

فتح القسطنطينية
مدينة القسطنطينية بناها الإمبراطور قسطنطين الأول، أحد أباطرة بيزنطة سنة 330 م، وسماها باسمه، وجعلها عاصمة للإمبراطورية البيزنطية، واعتنقت المذهب الأرتوذكسي وصارت ممثلة الكنيسة الشرقية.
إلى جانب أهميتها الدينية كانت القسطنطينية مدينة استراتيجية، فهي المدخل إلى أوروبا، وكانت مدينة حصينة يحيط بها البحر من ثلاث جهات: مضيق البوسفور، وبحر مرمرة، والقرن الذهبي، وهذا الأخير هو الذي يشكّل أحد مداخلها، وكان البيزنطيون حصنوه بسلسلة حديدية ضخمة تمنع كل هجوم على المدينة.
إضافة إلى هذا الموقع الإستراتيجي، أقام البيزنطيون حول مدينتهم خطين من الأسوار، سور خارجي ويبلغ ارتفاعه خمسة وعشرين قدما، 7,5 مترا، وبعد هذا السور أرض فضاء عرضها ستون قدما، أي عشرون مترا، جعلت على شكل خندق، وبعد هذا الخندق سور ثان أعلى من الأول ارتفاعه أربعون قدما، 12 مترا، وعليه أبراج مليئة بالجنود يصل ارتفاعه إلى ستين قدما. وبذلك كانت القسطنطينية، إضافة إلى ما جهز فيها البيزنطيون من مظاهر الأبهة، مدينة محصنة ومنيعة، وصفها نابليون قائلا: "لو كانت الدنيا مملكة واحدة، لكانت القسطنطينية عاصمة لها".
قام محمد الفاتح بتوزيع جيشه حول المدينة ، فأحكم حصارها من جهة البر، ونصب مدافعه العملاقة في مواجهة الأسوار، ونشر سفنه في المياه المحيطة بها. في الوقت الذي كان الحصار البرّي ناجحا بقي الحصار البحري متعثرا فلقد استطاعت مجموعة من السفن اختراق الحصار العثماني ودخلت المدينة، مما دفع بالفاتح إلى عزل قائد اسطوله البحري. وهكذا كان الحصار البحري نقطة الضعف الوحيدة في حصار المدينة، فإضافة إلى أن خبرة المدافعين البحرية كانت تفوق خبرة البحرية العثمانية، شكلت سلاسل القرن الذهبي عائقا كبيرا أمام اقتحامه فبقيت سفن الإمدادات القادمة من جنوة والبندقية والمالك النصرانية تنفذ إلى سكان المدينة.
لما عجز محمد الفاتح عن دخول القرن الذهبي، تفكر في الأمر وتفتقت عبقريته العسكرية عن خطة ذكية، فلقد قرر الفااتح أن ينقل سفنه إلى القرن الذهبي عبر البرّ.

فكيف كان ذلك؟
كانت خطته ان يرفع سفنه من مرساها في البوسفور ثم ينزلها إلى القرن الذهبي ويفاجيء المدافعين عن المدينة، كانت المسافة التي يراد قطعها تبلغ ثلاثة أميال، وكانت غير معبدة. وفي الحال بدئ في تنفيذ الخطة، فكثفت المدفعية قصفها للمدينة لتشغل المدافعين، كما حشدت، تحت جنح الظلام، جماعات غفيرة من العمال قامت بتمهيد الطريق، وغطي بألواح الخشب المطلي بالدهن والشحم، وفي ليلة واحدة تمكن العثمانيون من نقل سبعين سفينة طويت أشرعتها تجرها البغال والرجال الشدّاء، وما كاد الصبح يسفر حتى نشرت السفن العثمانية قلاعها وكانت مفاجأة مروّعة لأهل المدينة المحاصرة.
اشتد الحصار على المدينة، وحاول البيزنطيون حرق السفن العثمانية ولكنهم فشلوا وحشد الفاتح جنوده وفي معركة فاصلة استطاع جيشه ان يقتحم المدينة، فقُتل الإمبراطور وفر المدافعون ودخل محمد الفاتح المدينة ظافرا، فترجل عن فرسه وسجد شكرا لله، ثم توجه إلى كنيسة أياصوفيا وأمر بتحويلها إلى مسجد، كما أمر بإقامة مسجد في موضع قبر الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري، ومنح الشعب البيزنطي ورهبانه الأمان وسمح بعودة الذين غادروا المدينة اثناء الحصار.
بعد الفتح اتخذ محمد الفاتح القسطنطينية عاصمة لدولته وغير اسمها من القسطنطينية إلى "إسلام بول" أي "دار الإسلام" ولكنها حرفت بعد إسقاط الخلافة وتغيير الحرف العربي إلى الحرف اللآتيني وما رافق ذلك من طمس كل المعالم والأثار الإسلامية في تركيا إلى استانبول.
أحدث فتح القسطنطينية دويا هائلا في روما والممالك النصرانية، وفي المقابل استبشر به المسلمون وعمت الفرحة بتحقق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظم الشعراء شعرا، ومما قيل في هذا الفتح:
الله أكبر هذا النصر والظفر هذا هو الفتح لا ما يزعم البشر

ما بعد الفتح
بعد فتح القسطنطينية اتجه محمد الفاتح، الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، إلى استكمال الفتوحات في بلاد البلقان، ففتحت صربيا، سنة 863 ه/1459، ورومانيا سنة 866 ه/1462، والبوسنة والهرسك بين عامي 867870 ه/14631465 ودخل في حرب مع المجر.
وكان محمد الفاتح يطمح إلى فتح روما ليزيد فخارا إلى فخاره، فأعد لذلك عدته وجهز أسطولا عظيما ونجح في الإستيلاء على قلعة مدينة "أوترانت" التي قرر أن يتخذها قاعدة يزحف منها شمالا في شبه جزيرة إيطاليا، حتى يصل روما، ولكن المنية وافته في 4 ربيع الأول 886 ه/3 مايو 1481 فتنفست أروبا الصعداء ويروى أن البابا أمر أن تقام صلاة الشكر ثلاثة أيام ابتهاجا بهذا النيأ.

محمد الفاتح: السلام مع الله والكون والزمان
المتمعن في سيرة محمد الفاتح يجد أن الغالب عليها هو الجهاد، وخاصة فتح القسطنطينية، إلا أننا لو تتبعنا تفاصيل هذا الجهاد لوجدنا أنه يتأطر ضمن سياق ديني وحضاري متكامل.
كيف ذلك؟
لبيان ذلك يجد العودة إلى بعض المحطات التاريخية التي لها علاقة بفتح القسطنطينية لنجد أن عمر بن عبد العزيز، الخليفة الراشد الخامس، لاحظ بعد توليه الخلافة أن المسلمين تكبدوا خسائر كبيرة في حصار القسطنطينية بسبب الصعوبات التي تعرضوا لها فأوقف الحملة التي أرسلها سليمان بن عبد الملك وأمر قائده مسلمة بن عبد الملك بفك الحصار لأن في ذلك حفاظ على المسلمين ولأن الجهاد في الإسلام ليس الهدف منه القتل وسفك الدماء، وإنما هدفه تحقيق تصالح وسلام في الكون والزمان. ففلسفة الجهاد في الإسلام تلخصها الجملة التي قالها ربعي بن عامر أمام قائد الفرس "إننا جئنا لنحرر العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ولنخرجهم من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام" فالجهاد بهذا المعنى له هدف كوني وهو تحرير الإنسان بصفة عامة، وهدف ديني وحضاري قائم على العدل باعتباره أساس العمران. ومن ثمة فإن عمر بن عبد العزيز لما تبين له أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه أوقف الحملة.
وأمّا محمد الفاتح فلقد تأكّد عنده أن الفتح ممكن وأنه بالفتح يأسس لزمن جديد لذلك أصر على فتح القسطنطينية ولكن بالشروط التي بينتها السنة، فلم يفعل مثل قادة الجيوش إذا دخلوا مدينة استباحوها وعاثوا فيها الفساد، فقتلوا ونهبوا وسلبوا... والتاريخ يعلمنا أن سقوط أي عاصمة يصاحبه الدمار منذ ما قبل سقوط طروادة حوالي 1188 ق.م. أو السبي البابلي على يد بختنصر سنة 586 ق.م. أو تدمير قرطاج سنة 149 ق.م أو نهب روما سنة 410 م على يد القوط الغربيين تحت قيادة ألاريك، والتي استوحى منها القديس أوغسطين كتابه "مدينة الله" (De civitate dei)، إلى سقوط بغداد قديما 656 ه/1258 م وحديثا 2003 دون نسيان الحركة الإستعمارية إلخ... ولم يُسْتَثنَ من هذا المنهج النهبوي والمفسد إلاّ الفتح الإسلامي الذي تعامل مع المدن المفتوحة بالأمن والسلام، في مستوى لم تصله أي حضارة منتصرة، فكان إعلان الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل مكة "إذهبوا فأنتم الطلقاء.." منهجا سار عليه كل الفاتحين في القدس وفي مصر وفي الأندلس وفي غيرها ... وصولا إلى محمد الفاتح.
إن محمد الفاتح كان حريصا على اتباع تعاليم الجهاد الإسلامية في نفسه ومع جيشه، فنجده كما كان يدرب جيشه على السيف والقتال يدرّبه على الطاعات والخوف من الله سبحانه وتعالى ويشدّه إلى السنة من خلال تذكيره ببشارة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمره لجنوده قبل فتح القسطنطينية بيوم بالصيام شكرا لله، كما نجده يوصي جنوده بأن لا يقتلوا امرأة ولا شيخا ولا راهبا إلخ.. في مشهد يذكرنا بتوصيات أبي بكر الصديق لجيوشه، كما تذكر المصادر، أن محمد الفاتح عندما دخل القسطنطينية ترجل عن جواده وصلى شكرا لله وأمّن سكانها على حياتهم وعلى دينهم وأذن لمن فرّ منهم بالعودة، في مشهد يذكرنا بدخول النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وتأمينه لسكانها وللفارّين منها، ممن قاتلوه وأبرزهم عكرمة بن ابي جهل.
كما نجد ان الجهاد الذي فتحت على إثره القسطنطينية أسس لزمن جديد يعيد الإعتبار والتبجيل لأهل العلم والإختصاص فلقد كان آق شمس الدين بالنسبة لمحمد الفاتح كما كان القاضي الصالح بالنسبة لصلاح الدين الأيوبي وكما كان رجاء بن حيوة وابن شهاب وغيرهما محل مشورة عند عمر بن عبد العزيز. فللعلماء حضور مركزي لأنهم يرشدّون الجهاد فلا ينحرف ويحفظ بالتالي العدالة في الكون.
وأما تأسيسه لزمن جديد فمصدره أن أغلب المؤرخين يعتبرون أن فتح القسطنطينية، وسقوط غرناطة كانا إعلان بداية عصر من ناحية ونهاية عصر آخر من ناحية اخرى: نهاية القرون الوسطى وبداية العصر الحديث.
ولكن أغلب المؤرخين يتغافلون على أن تأسيس هذا العصر الجديد كان في قطبيه الإيجابي والسلبي، فتح القسطنطينية او سقوط غرناطة إسلامي الهوية. مع ضرور التاكيد على أن هناك فرقا مهما بين لحظة التأسيس مع الفاتح، ولحظة السقوط في غرناطة، ففتح القسطنطينية يحيلنا إلى لحظة التأسيس النبوي عند نزول الوحي في غار حراء ليفتح مسارا من الفعل ينتهي بفتح مكة حيث يحقق النبي صلى الله عليه وسلم الأمن والسلام فدخل الناس في دين الله أفواجا لأنهم رأوا السلام والعدل، فتحقق الأمن الذي يحتل مرتبة مركزية في سلم أولويات الحاجات الإنسانية.
أما لحظة سقوط غرناطة فهي تبين لنا أن المسلمين بدأوا الإنسحاب عن دائرة الفعل لصنع الأمن والسلام إلى دائرة السلبية والإثقال إلى الأرض. ورغم أن محاولة العثمانيين في إعادة التأسيس والوقوف في وجه السقوط كانت كبيرة إلا أن الفعل الحضاري الإسلامي ككل كان يتجه إلى الضعف وهو ما أشار إليه ابن خلدون في المقدمة عندما تحدث عن نهضة عند المالك النصرانية مقابل ضعف إسلامي رأته عينه البصيرة.
وهكذا نخلص إلى أن المسلمين الأوائل التقطوا لحظة التأسيس الأولى، مع النبي صلى الله عليه وسلم، ودفعوها إلى الأمام فانجزوا الحضارة والأخلاق والفن وأما اللحظة الثانية، فتح القسطنطينية، فلم يلتقطها المسلمون وإنما استثمرها غيرهم فانتقلت الحضارة إليهم، والأهم من هذا كله أن العالم خسر بهذا السقوط الأمن والسلام.
إن حهاد محمد الفاتح كان من أجل إعادة التأسيس للحظة الأمن والسلام كما كانت على عهد النبوّة ولم تكن مطامح قائد شاب يهدف إلى السيطرة على العالم لأن الجهاد عند المسلمين ليس رغبة في سفك الدماء أو تكفير المجتمعات وإنما هو محاولة لتحقيق السلام في المستويات الثلاث التي أشرنا إليها: الله الكون والزمان
*
شكر وتقدير:أتوجه بالشكر والعرفان إلى كلّ الإخوة الأتراك زملائي في الشغل الذين بمجرد علمهم بأني أعد هذا المقال عن محمد الفاتح حتى قدموا لي عديد التوضيحات والإشارات لفك كلّ ما استعصى عليّ فهمه، وأخص بالذكر منهم: الشيخ محمد كالّي، إمام مسجد مدينة فرايسجن السابق، والأخ عرفان خاصة على الصور الفريدة.
المصادر:
محمد فريد، تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق إحسان عباس، دار النفائس، بيروت، 1403 1983
الدكتور علي حسون، تاريخ الدولة العثمانية، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت 1400ه/1980
الدكتورعلي حسون، العثمانيون والروس، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت 1402ه/1982
عبد السلام عبد العزيز فهمي، السلطان محمد الفاتح، دار القلم، دمشق، 1413/1993
محمد صفوت مصطفى، السلطان محمد الفاتح، دار الفكر العربي، القاهرة، 1948
الدكتور محمد علي الصلابي، محمد الفاتح وفتح القسطنطينية، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، على الرابط
http://www.55a.net/firas/arabic/?page=show_det&id=913&select_page=1
حسن الطرابلسي ألمانيا

مسجد السلطان محمد الفاتح

أياصوفيا كنيسة حولها محمد الفاتح إلى مسجد وأمّ فيها الشيخ آق شمس الدين أول صلاة جمعة بعد الفتح، وهي الآن متحف في استانبول

فتح القسطنطية

محمد الفاتح يدخل القسطنطينية وهو محاط بالإنكشارية وعلى يمين الصورة معلمه الشيخ آق شمس الدين وهو يرفع يديه بالدعاء والإبتهال

بقايا المدفع الضخم (يمين الصورة) المعروف بالمدفع السلطاني الذي كانت قذائفه تدك أسوار القسطنطينية، كما نجد في الصورة بقايا لذخائر ومعدات حربية استعملت لنفس الغرض

المدفع السلطاني وبعض الذخائركما يظهر في أسفل الصورة بقايا مدافع صغيرة أخرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.