باريس- للعام الثالث على التوالي بدأ "المعهد الكاثوليكي بباريس" دورة جديدة من أجل تكوين الأئمة بفرنسا، تمتد لستة أشهر، وتخرج "أئمة مندمجين مع نواميس الجمهورية الفرنسية"، يدرسون العلوم الإسلامية فضلا عن التكوين القانوني والاجتماعي والفلسفي، وذلك في الوقت الذي أثار فيه مسئول بالأقلية المسلمة تساؤلا حول "كيفية ثقة المسلمين في أئمة تخرجوا في معهد كاثوليكي". وانطلقت الدروس في المعهد الكاثوليكي بباريس لتشمل 35 طالبا، وتمتد على مدار أربعمائة ساعة، ويشرف عليها مختصون في القانون وفي العلوم السياسية والعلوم الاجتماعية والفلسفة. ويقول "بير موني" أحد المشرفين على البرنامج في مكتب الأديان التابع لوزارة الداخلية الفرنسية بالتنسيق مع وزارة الهجرة في تصريحات ل"إسلام أون لاين.نت" أن "التكوين متعدد الأبعاد في المعهد الكاثوليكي، ويعمل على إعطاء دروس في العلوم الإنسانية المختلفة، والتي تمكن الأئمة من الحصول على إلمام شامل، وهو ما من شأنه أن يجعلهم أئمة عارفين ومندمجين في تقاليد و قوانين الجمهورية، فضلا عن التكوين في العلوم الإسلامية الذي يشرف عليه مسجد باريس المركزي". الدين والجمهورية وينهض معهد الغزالي التابع لمسجد باريس بالتكون في العلوم الإسلامية لهؤلاء الأئمة حيث يشمل التكوين الديني للأئمة العديد من المواد كالفقه وعلوم القرآن والفقه المقارن وأصول الفقه والتفسير ونبذة شاملة على المذاهب الإسلامية مع إعطاء أهمية خاصة للمذهب المالكي. ويحصل المتخرجون على شهادة في "العلم الديني" و"قوانين الجمهورية" حيث يقول جون بير موني إن البرنامج الدراسي للتكوين الذي يشرف عليه عالم الاجتماع الديني "أوليفي بوبينو" منذ ثلاث سنوات هو تحت عنوان "الأديان والعلمانية والعلاقات الثقافية". وقد أثبت هذا البرنامج خلال العامين الفارطين نجاحه في تكوين أئمة متفتحين وفي ذات الوقت من أصحاب "تكوين ديني جيد". ويقول "موني": إن "الدورة مستقلة عن مكتب الأديان والمعهد الكاثوليكي وهي تتم بمقاييس عملية ويشرف عليها من الناحية الدينية عدد من المختصين في الدين الإسلامي بكل فروعه و مجالاته". وتخرج العام الفارط في المعهد الكاثوليكي بالاشتراك مع مسجد باريس 40 إماما -من بينهم عدة واعظات- ينتمون إلى أصول مختلفة ويطمحون إلى الإمامة في العديد من المساجد بفرنسا. تشكيك وريبة وفي تعليقه على هذا البرنامج الذي يتم بين المعهد الكاثوليكي بالاشتراك مع مسجد باريس المركزي، يقول أونيس قرقاح رئيس دار الفتوى باتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا والمسئول في معهد العلوم الإنسانية بباريس: "من حيث المنطلق لي اعتراض منهجي على هذا التكوين وهو أنه يقع بإشراف وتدخل الدولة التي من المفترض أنها علمانية ومحايدة في ما يتعلق بالشأن الديني". ويضيف قرقاح: "من حيث منهج التدريس المعتمد وهو التكوين المزدوج أي كل ما يتعلق بالعلوم الإنسانية والقانون الفرنسي ومبادئ الجمهورية فضلا عن التكوين الديني الذي يقوم به مسجد باريس فإننا نقول إن مثل هذا التكوين نقوم به نحن في معهد الأئمة في منطقة شاتو شينو في وسط فرنسا منذ عدة سنوات ولا نلقى أي تمويل أو اهتمام إعلامي بهذا الشكل". من جهة أخرى يقول قرقاح: "لا نفهم أن يلجأ المسلمون إلى المعهد الكاثوليكي لاحتواء دروس من هذا الشكل ولا نجد أن اليهود أو أصحاب الديانات الأخرى يحتاجون إلى هذا المعهد لتخريج علمائهم وأحبارهم وبالتالي فإن تخريج أئمة يحملون شهادة المعهد الكاثوليكي من شانه أن يبعث الريبة في صفوف المسلمين في المساجد و الذين لن يثقوا بالتأكيد في أئمة متخرجون في معهد مسيحي"!. وطرح ملف تكوين الأئمة في مؤسسة تعليمية فرنسية منذ سنة 2007 و بعد رفض جامعة السوربون بباريس ورفض العديد من المؤسسات الأخرى احتضان هذا التكوين اضطر المشرفون على البرنامج قبول عرض المعهد الكاثوليكي والذي أصبح الملاذ الأخير للمشرفين على البرنامج. وتنطلق الدورة الجديدة لتكوين الأئمة في المعهد الكاثوليكي بباريس في الوقت الذي يزداد فيه الجدل الفرنسي حول ضرورة إيجاد "إسلام فرنسي" حيث وقع في الأسابيع الأخيرة ترحيل إمام من أصول مصرية وصف بكونه "متطرفًا" إلى بلده في حين ازداد التركيز على ملف الإسلام مع الاستعداد لإصدار قانون يمنع النقاب في الفضاء العام وهو قانون منتظر يتوازى مع احتداد الجدل حول محور الهوية الوطنية بفرنسا.