ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤيتي للمصالحة الوطنية الشاملة في الجزائر .
نشر في الحوار نت يوم 30 - 01 - 2010

رؤيتي للمصالحة الوطنية الشاملة في الجزائر .
من شاور الرجال شاركها عقولها .
يحي أبوزكريا .

بيان أول نوفمبر 1954
بسم الله الرحمن الرحيم
نداء إلى الشعب الجزائري
هذا هو نص أول نداء وجهته الكتابة العامة لجبهة التحرير الوطني إلى الشعب الجزائري في أول نوفمبر 1954
" أيها الشعب الجزائري،
أيها المناضلون من أجل القضية الوطنية،
أنتم الذين ستصدرون حكمكم بشأننا نعني الشعب بصفة عامة، و المناضلون بصفة خاصة نُعلمُكم أن غرضنا من نشر هذا الإعلان هو أن نوضح لكُم الأسْباَبَ العَميقة التي دفعتنا إلى العمل ، بأن نوضح لكم مشروعنا و الهدف من عملنا، و مقومات وجهة نظرنا الأساسية التي دفعتنا إلى الاستقلال الوطني في إطار الشمال الإفريقي، ورغبتنا أيضا هو أن نجنبكم الالتباس الذي يمكن أن توقعكم فيه الإمبريالية وعملاؤها الإداريون و بعض محترفي السياسة الانتهازية.
فنحن نعتبر قبل كل شيء أن الحركة الوطنية بعد مراحل من الكفاح قد أدركت مرحلة التحقيق النهائية. فإذا كان هدف أي حركة ثورية في الواقع هو خلق جميع الظروف الثورية للقيام بعملية تحريرية، فإننا نعتبر الشعب الجزائري في أوضاعه الداخلية متحدا حول قضية الاستقلال و العمل ، أما في الأوضاع الخارجية فإن الانفراج الدولي مناسب لتسوية بعض المشاكل الثانوية التي من بينها قضيتنا التي تجد سندها الديبلوماسي و خاصة من طرف إخواننا العرب و المسلمين.
إن أحداث المغرب و تونس لها دلالتها في هذا الصدد، فهي تمثل بعمق مراحل الكفاح التحرري في شمال إفريقيا. ومما يلاحظ في هذا الميدان أننا منذ مدة طويلة أول الداعين إلى الوحدة في العمل. هذه الوحدة التي لم يتح لها مع الأسف التحقيق أبدا بين الأقطار الثلاثة.
إن كل واحد منها اندفع اليوم في هذا السبيل، أما نحن الذين بقينا في مؤخرة الركب فإننا نتعرض إلى مصير من تجاوزته الأحداث، و هكذا فإن حركتنا الوطنية قد وجدت نفسها محطمة ، نتيجة لسنوات طويلة من الجمود و الروتين، توجيهها سيئ ، محرومة من سند الرأي العام الضروري، قد تجاوزتها الأحداث، الأمر الذي جعل الاستعمار يطير فرحا ظنا منه أنه قد أحرز أضخم انتصاراته في كفاحه ضد الطليعة الجزائرية.
إن المرحلة خطيرة.
أمام هذه الوضعية التي يخشى أن يصبح علاجها مستحيلا، رأت مجموعة من الشباب المسؤولين المناضلين الواعين التي جمعت حولها أغلب العناصر التي لا تزال سليمة و مصممة، أن الوقت قد حان لإخراج الحركة الوطنية من المأزق الذي أوقعها فيه صراع الأشخاص و التأثيرات لدفعها إلى المعركة الحقيقية الثورية إلى جانب إخواننا المغاربة و التونسيين.
وبهذا الصدد، فإننا نوضح بأننا مستقلون عن الطرفين اللذين يتنازعان السلطة، إن حركتنا قد وضعت المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات التافهة و المغلوطة لقضية الأشخاص و السمعة، ولذلك فهي موجهة فقط ضد الاستعمار الذي هو العدو الوحيد الأعمى، الذي رفض أمام وسائل الكفاح السلمية أن يمنح أدنى حرية.
و نظن أن هذه أسباب كافية لجعل حركتنا التجديدية تظهر تحت اسم : جبهة التحرير الوطني.
و هكذا نستخلص من جميع التنازلات المحتملة، ونتيح الفرصة لجميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية، وجميع الأحزاب و الحركات الجزائرية أن تنضم إلى الكفاح التحرري دون أدنى اعتبار آخر.
ولكي نبين بوضوح هدفنا فإننا نسطر فيما يلي الخطوط العريضة لبرنامجنا السياسي.
الهدف: الاستقلال الوطني بواسطة:
1 إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية.
2 احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني.
الأهداف الداخلية: 1 التطهير السياسي بإعادة الحركة الوطنية إلى نهجها الحقيقي و القضاء على جميع مخلفات الفساد و روح الإصلاح التي كانت عاملا هاما في تخلفنا الحالي.
2 تجميع و تنظيم جميع الطاقات السليمة لدى الشعب الجزائري لتصفية النظام الاستعماري.
الأهداف الخارجية: 1 تدويل القضية الجزائرية
2 تحقيق وحدة شمال إفريقيا في داخل إطارها الطبيعي العربي و الإسلامي.
3 في إطار ميثاق الأمم المتحدة نؤكد عطفنا الفعال تجاه جميع الأمم التي تساند قضيتنا التحريرية.
وسائل الكفاح:
انسجاما مع المبادئ الثورية، واعتبارا للأوضاع الداخلية و الخارجية، فإننا سنواصل الكفاح بجميع الوسائل حتى تحقيق هدفنا .
إن جبهة التحرير الوطني ، لكي تحقق هدفها يجب عليها أن تنجز مهمتين أساسيتين في وقت واحد وهما: العمل الداخلي سواء في الميدان السياسي أو في ميدان العمل المحض، و العمل في الخارج لجعل القضية الجزائرية حقيقة واقعة في العالم كله، و ذلك بمساندة كل حلفائنا الطبيعيين .
إن هذه مهمة شاقة ثقيلة العبء، و تتطلب كل القوى وتعبئة كل الموارد الوطنية، وحقيقة إن الكفاح سيكون طويلا ولكن النصر محقق.
وفي الأخير ، وتحاشيا للتأويلات الخاطئة و للتدليل على رغبتنا الحقيقة في السلم ، و تحديدا للخسائر البشرية و إراقة الدماء، فقد أعددنا للسلطات الفرنسية وثيقة مشرفة للمناقشة، إذا كانت هذه السلطات تحدوها النية الطيبة، و تعترف نهائيا للشعوب التي تستعمرها بحقها في تقرير مصيرها بنفسها.
1 - الاعتراف بالجنسية الجزائرية بطريقة علنية و رسمية، ملغية بذلك كل الأقاويل و القرارات و القوانين التي تجعل من الجزائر أرضا فرنسية رغم التاريخ و الجغرافيا و اللغة و الدين و العادات للشعب الجزائري.
2 - فتح مفاوضات مع الممثلين المفوضين من طرف الشعب الجزائري على أسس الاعتراف بالسيادة الجزائرية وحدة لا تتجزأ.
3 - خلق جو من الثقة وذلك بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ورفع الإجراءات الخاصة و إيقاف كل مطاردة ضد القوات المكافحة.
وفي المقابل:
1 - فإن المصالح الفرنسية، ثقافية كانت أو اقتصادية و المحصل عليها بنزاهة، ستحترم و كذلك الأمر بالنسبة للأشخاص و العائلات.
2 - جميع الفرنسيين الذين يرغبون في البقاء بالجزائر يكون لهم الاختيار بين جنسيتهم الأصلية و يعتبرون بذلك كأجانب تجاه القوانين السارية أو يختارون الجنسية الجزائرية وفي هذه الحالة يعتبرون كجزائريين بما لهم من حقوق و ما عليهم من واجبات.
3 - تحدد الروابط بين فرنسا و الجزائر و تكون موضوع اتفاق بين القوتين الاثنتين على أساس المساواة و الاحترام المتبادل.
أيها الجزائري، إننا ندعوك لتبارك هذه الوثيقة، وواجبك هو أن تنضم لإنقاذ بلدنا و العمل على أن نسترجع له حريته، إن جبهة التحرير الوطني هي جبهتك، و انتصارها هو انتصارك.
أما نحن، العازمون على مواصلة الكفاح، الواثقون من مشاعرك المناهضة للإمبريالية، فإننا نقدم للوطن أنفس ما نملك."
فاتح نوفمبر 1954
الأمانة الوطنية.

المدخل .

تعرف الجزائر بأنّها بلاد المقاومات و الثورات , ففي كل موقع جغرافي ذكرى لمقاومة أو مشهد لثورة عارمة ضدّ كل الذين حاولوا إحتلال الجزائر , فقبل الفتح العربي والإسلامي للجزائر إستبسل سكان الجزائر الأصليون والذين كانوا يعرفون بالأمازيغ أي الأحرار في الدفاع عن الجزائر ضد الفنيقيين و الوندال والرومان , وعندما وصل الفاتحون المسلمون إلى الجزائر أقبل الشعب الجزائري على إعتناق الإسلام و أنتصر له بل ساهم في إيصال دعوته إلى ربوع أوروبا, كما ساهم في فتح إسبانيا على يدّ طارق بن زيّاد البربري .
وبعد سقوط دولة المسلمين في إسبانيا نزح الكثير من منهم إلى بلاد المغرب العربي الأمر الذي جعل هذه المنطقة عرضة للغزوات الإسبانية المتلاحقة والتي قاومها الجزائريون ببسالة , وتعاون في ذلك مع العثمانيين الذين بسطوا خلافتهم على الجزائر وحكموها إلى تاريخ إحتلال فرنسا للجزائر في 05 يوليو / تموز سنة 1830 .
ولم يتسن للفرنسيين أن يبسطوا سلطتهم بيسر على الجزائر حيث واجهتهم مقاومات عنيفة إندلعت في وجه المستعمر الفرنسي في كل المناطق الجزائرية شرقا وغربا , شمالا وجنوبا , كثورة إبن زعمون و الحاج سيدي سعدي و الأغا محي الدين و الأمير عبد القادر الجزائر والمقراني وأولاد حدّاد وفاطمة نسومر وغيرهم .
وكانت كلما إنطفأت شعلة مقاومة , كانت التالية تشتعل حاملة راية الدفاع عن عروبة الجزائر وإسلامها . و عن هذه المرحلة قال جول كامبون أحد سفراء فرنسا : أنّه من الخطأ أن نقول بأننا إستولينا على الجزائر سنة 1830 , بل إننا نزلنا في شاطئ سيدي فرج في هذا التاريخ , و لكننا لم نتمركز في البلاد إلاّ بعد ذلك بكثير .
ويمكن تقسيم المقاومة التي واجهت الفرنسيين بعد إحتلال الجزائر إلى ثلاثة أنواع :
مقاومة سياسية قامت بها طبقة التجّار والعلماء وأعيان المدن , و كانت هذه غالبا تنبع من المدن وتولاها على سبيل الذكر لا الحصر حمدان بن عثمان خوجة و رفاقه .
و مقاومة شعبية دينية قام بها مرابطون ورؤساء قبائل تحت راية الجهاد في سبيل الله والأرض والشرف والوطن والعزة والكرامة , وكان على رأسها إبن زعمون والحاج سيدي السعدي والأمير عبد القادر الجزائري .
ومقاومة رسمية قام بها ممثلو الخلافة العثمانية دفاعا عن الإسلام و للحؤول دون وقوع الجزائر في أيدي الفرنسيين الصليبيين ومنهم الحاج باي أحمد الذي قاوم في مدينة قسنطينة الفرنسيين مدة ثمانيّ عشرة سنة و ترك لنا سيرة مقاوم عنيد لقنّ المحتلين دروسا في البطولة والفداء .
وتشكّل مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري للإستعمار الفرنسي محطةّ نادرة من مقاومة الجزائريين , فقد عرف عن الأمير عبد القادر الجزائري أنّه رجل حرب وفكر في نفس الوقت , فصاحب مؤلفات المواقف وذكرى العاقل وتنبيه الغافل , كان يخوض أشرس المعارك ضد الفرنسيين ضدّ الفرنسيين .
لقد نجح الشريف الأمير عبد القادر الجزائري إبن الشريف محي الدين شيخ الطريقة القادرية في إطلاق ثورة عارمة في مدن الغرب الجزائري حيث كان مقر إمارته , ثم سعى لنشر ثورته في عموم القطر الجزائري على أمل أن يحاصر جنوده الفرنسيين في الوسط ومن تمّ رميهم إلى البحر من حيث جاؤوا .
وحتى لما تمكنّ الفرنسيون من تطويق مقاومة الأمير عبد القادر و سجنه في سجن فرنسي و بعد ذلك نفيه إلى بلاد الشام , لم تهدأ المقاومات الجزائرية ولم يهادن الشعب الجزائري لحظة الإستعمار الفرنسي . وظلّت الثورات تتعاقب في الجزائر إلى تاريخ إندلاع ثورة المليون ونصف المليون شهيد في غرّة نوفمبر 1954 .
و الجدير بالذكر أنّ جميع الثورات التي عرفتها الجزائر قام بها العلماء وشيوخ الزوايا والطرق لأنّ الزعامة آنذاك كانت بأيدي رجال الدين الذين كانوا أنفذ أثرا في الجماهير .
وقد أدرك الإستعمار الفرنسي سر هذه المعادلة أي العلاقة الطردية بين الثورات و رجال الدين فراحت قوات الإحتلال الفرنسي تحوّل المساجد ودور العبادة التي كانت معاهد تعليمية أيضا إلى إصطبلات و كنائس , و ألغت التعليم العربي الإسلامي و أصدرت مراسيم لمعاقبة كل شخص يدرّس اللغة العربية في محاولة مكشوفة وواضحة لتجفيف مقومات النهوض و الثورة لدى الجزائريين .
وقد أدرك لاحقا رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أبعاد هذه المحاولات الإستعمارية لطمس معالم الشخصية الجزائرية ذات البعدين العربي والإسلامي , فأطلق المقاومة الفكرية والثقافية والتي أعادت بناء الإنسان الجزائري , و الذي بمجردّ أن أستشعر الخطر المحدق بهويته إنخرط في أكبر ثورة عرفها التاريخ المعاصر . تعتبر الثورة الجزائريّة من أعظم الثورات العربية في القرن العشرين , وقد خرجت هذه الثورة من رقعتها المحليّة المحدودة في قلب المغرب العربي لتصير ثورة لكل العرب وكل الأحرار في العالم الثالث . وبفضل الثورة الجزائرية تمكنت الجزائر أن تصبح ذات سمعة عربيّة وإسلامية محترمة , وكان يكفي ذات يوم ترديد اسم الجزائر لتقشّعر الأبدان .
لقد إندلعت الثورة الجزائرية في غرّة نوفمبر سنة 1954 بإمكانات متواضعة وبسيطة , وفي غضون أشهر وجيزة إلتفّ حولها الشعب الجزائري لتقوده في نهاية المطاف إلى شاطئ الإستقلال في 05يوليو – تموز سنة 1962 , وحاولت فرنسا جاهدة وبمختلف الوسائل السياسية والعسكرية وأد هذه الثورة التي إستعصت على فرنسا وتحققّ بذلك قول شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا : أقسمنا بالدماء أن تحيا الجزائر .
وما كانت الثورة الجزائرية لتقود الجزائر بإتجاه الحرية لو لم يتوفر لها مجموعة من الرجال الذين إجتمعت كلمتهم على ضرورة الثورة كشرط وحيد لإسترجاع الحق المنهوب من قبل فرنسا . وقبل إندلاع الثورة الجزائرية إندلع لغط كبير في الأوساط السياسية والثقافية الجزائرية حول الإندماج في الدائرة الفرنسية أو الإستقلالية عن فرنسا وتحصين الشخصية الجزائرية , وذهب بعض السياسيين الجزائريين بعيدا في ذلك الوقت عندما شككوا في وجود الأمة الجزائرية و قد عرف عن أحد السياسيين الجزائريين قوله : لقد فتشت في القبور عن جذور الأمة الجزائرية فلم أجد شيئا , وكانت النخبة الجزائرية الفرانكفونية والتي درست في المعاهد الكولونيالية تنظر بعين الهازئ والساخر إلى دعوات المنادين بالحفاظ على السيادة الجزائرية والثقافة الجزائرية ذات البعدين العربي والإسلامي .
ووسط هذا الجدل الواسع بين دعاة الإندماج ودعاة الإستقلال قررّت مجموعة من الثائرين الجزائريين تشكيل لجنة واسعة تضمّ إثنين وعشرين عضوا وهدفها الإعداد للثورة الجزائرية,
وقد إقتنعت هذه اللجنة – النواة الأولى للثورة الجزائرية – بأنّه لا يمكن الحصول على الإستقلال بالوسائل السياسية , لأن فرنسا قررت وبشكل نهائي ضمّ الجزائر إلى فرنسا وإعتبار الجزائريين فرنسيين مسلمين , وكانت بطاقات الهويّة التي تمنحها فرنسا للجزائريين فرنسية كتب عليها لدى التعريف بجنسية حاملها عبارة فرنسي مسلم , وقد جاءت هنا المواطنة الفرنسية قبل الإسلام الذي صاغ الشخصية الجزائرية و وقاها من الذوبان في مستنقع التغريب الفرنسي .
ولم يوفر الجيش الفرنسي طريقة إلا ولجأ للقضاء على الثورة الجزائرية العملاقة ,
" لقد لجأ غلاة الاستعمار الفرنسي إلى فرض فرض سيطرتهم على شعوب المستعمرات التي استولوا عليها بقوة السلاح ، ولذلك سارع قادة العدو الفرنسي إلى تسخير كل طاقتهم البشرية و المادية و العلمية للحصول على هذه الأسلحة المحرمة دوليا قصد فرض وجودهم داخل المستعمرات التي استوطنوها وعملوا على استعباد شعوبها وقمع ثوراتها.
لقد استعمل الجيش الفرنسي في حربه المدمرة ضد الثورة الجزائرية وجنودها الأشاوس كل أنواع الأسلحة المحرمة دوليا غير آبهة بما سينجر عنها من آثار سلبية على الشعب الجزائري ,ومن أهم هذه الأسلحة السلاح الكيماوي الذي كان يتشكل في غالبيته من الغازات السامة القاتلة و المتفجرات الحارقة , أما سلاح النابالم الفتاك فهو الآخر سلاح مميت وقاتل عانت منه القرى و المداشر الجزائرية , وحتى الجبال لم تسلم منه لكونها كانت ملجئا حصينا للمجاهدين الذين لم يسلموا بدورهم من قنابله الحارقة , هذا بالإضافة إلى سلاح آخر أكثر خطورة وهو السلاح النووي الذي يعتبر أقوى سلاح آنذاك عرفته البشرية , وقد بدأت فرنسا الاستعمارية استعماله لأول مرة في الصحراء الجزائرية وقد جعلت من المجاهدين الذين ألقت عليهم القبض دروعا بشرية ووسيلة لاختبار قدراتهم العلمية في مجال السلاح النووي إلى جانب استعمال الصحراء الجزائرية وسكانها حقل تجارب دون أن تأخذ بعين الاعتبار ما سيترتب من انعكاسات وخيمة على المنطقة وسكانها
كان هدف استعمال هذه الأسلحة المحرمة من طرف الجيش الفرنسي هو إفناء الكائنات الحية وكان المستهدف المباشر و الأول هو جيش التحرير الوطني المنتشر عبر العديد من المناطق التي تعرضت للأسلحة المحرمة و استطاع إفشال السياسة الاستعمارية في الداخل بتحقيقه الانتصارات المتتالية التي أفقدت العدو الفرنسي صوابه لذلك لجأ إلى الانتقام باستعماله هذه الأسلحة الخطيرة

لقد كان المجتمع الدولي واضحا في معارضته لاستعمال فرنسا لهذه الأسلحة المحرمة إلا أن السلطات الفرنسية ضربت عرض الحائط كل القوانين و الأعراف الدولية ,وأصبحت المناطق الجزائرية التي تعرضت للدمار والخراب جراء استعمال هذه الأسلحة مناطق جرداء قاحلة لا حياة فيها من شدة هول الدمار ,وهذا ما زاد موقف المجتمع الدولي من استعمال الأسلحة المحرمة معارضة أكثر لسياسة فرنسا العسكرية .
مازالت هذه الآثار ماثلة إلى اليوم حيث قتل كل ما هو حي وتعرض العديد من السكان إلى التشوهات الدائمة و العاهات المستديمة وحتى الطبيعة لم تسلم من مفعول هذه الأسلحة الفتاكة التي اعتمدت عليها فرنسا لإبادة الشعب الجزائري ,و القضاء على الثورة الجزائرية التي أصبحت توقظ مضاجعهم ,لذلك كانت آثار الأسلحة المحرمة عميقة في ذاكرة الجزائريين لخطورتها التي لا تنسى خاصة سكان منطقة رقان " ورد هذا في موقع تاريخ الجزائر .
و بعد تضحيات جبارة حاز الشعب الجزائري إستقلاله في 5 تموز – يوليو 1962 , و شرع في بناء نهضته و دولته التي قدم لأجلها ما لا يحصى عدّه من الشهداء .
و صحيح أن الأداء السياسي الرسمي و غياب الإستراتيجيات المتكاملة , اللهم إلا في عهد هواري بومدين الذي
شرع في تقوية الدولة على المستوى الداخلي وكانت أمامه ثلاث تحديات وهي الزراعة والصناعة والثقافة , فعلى مستوى الزراعة قام بومدين بتوزيع ألاف الهكتارات على الفلاحين الذين كان قد وفر لهم المساكن من خلال مشروع ألف قرية سكنية للفلاحين وأجهز على معظم البيوت القصديرية والأكواخ التي كان يقطنها الفلاحون , وأمدّ الفلاحين بكل الوسائل والامكانات التي كانوا يحتاجون اليها .
وقد إزدهرت الزراعة في عهد هواري بومدين واسترجعت حيويته التي كانت عليها اياّم الاستعمار الفرنسي عندما كانت الجزائر المحتلة تصدّر ثمانين بالمائة من الحبوب الى كل أوروبا . وكانت ثورة بومدين الزراعية خاضعة لاستراتيجية دقيقة بدأت بالحفاظ على الأراضي الزراعية المتوفرة وذلك بوقف التصحر واقامة حواجز كثيفة من الأشجار الخضراء بين المناطق الصحراوية والمناطق الصالحة للزراعة وقد أوكلت هذه المهمة الى الشباب الجزائريين الذين كانوا يقومون بخدمة العلم الجزائري .
وعلى صعيد الصناعات الثقيلة قام هواري بومدين بانشاء مئات المصانع الثقيلة والتي كان خبراء من دول المحور الاشتراكي يساهمون في بنائها , ومن القطاعات التي حظيت باهتمامه قطاع الطاقة , ومعروف أن فرنسا كانت تحتكر انتاج النفط الجزائري وتسويقه الى أن قام هواري بومدين بتأميم المحروقات الأمر الذي انتهى بتوتير العلاقات الفرنسية –الجزائرية , وقد أدى تأميم المحوقات الى توفير سيولة نادرة للجزائر ساهمت في دعم بقية القطاعات الصناعية والزراعية . وفي سنة 1972 كان هواري بومدين يقول أن الجزائر ستخرج بشكل كامل من دائرة التخلف وستصبح يابان العالم العربي .
هذه الأدوار الكبرى جعلت الجزائر في قفص الإستهداف , و في زاوية التآمر الإقليمي و الدولي . و هما تآمران إلتقيا مع رغبات بعض الذين كانوا في دوائر القرار , و الذين لم يكونوا يملكون التجربة السياسية الكاملة و مجابهة الزلزال السياسي في الجزائر ..
و إذا كنا قد أشبعنا مرحلة العشرية السوداء والحمراء بحثا و كتابة وتأليفا , فيجب تجاوز هذه المرحلة للحديث عن آفاق المصالحة الشاملة , و التي يكمن فيها سر إنطلاقة الجزائر الجديدة , حيث يسلم فيها جيل الثورة الراية لجيل الإستقلال , وتكون ثورة نوفمبر هي القاعدة السياسية التي ينطلق منها الجزائرية لبناء دولة قوية سياسيا و إقتصاديا و ثقافيا وعلميا وأمنيا وحضاريا ونهضويا .
و الشعب الجزائري ورغم المحن التي توالت عليه مازال يحتفظ بكلّ مقومات النهوض الحضاري , و مازال متشبثا بجذوره العربية و الإسلامية , ويدرك الشعب الجزائري بأن المصالحة الشاملة هيّ الخيّار الأوحد للنهوض بالجزائر .
و الكل مجمع على أهمية المصالحة الوطنية الشاملة و تأثيرها على مستقبل الجزائر و الأجيال المقبلة و تبنّي الشارع الجزائري لها , إلاّ أنّ اللغط قائم في الجزائر حول ماهية المصالحة كما وردت في ميثاق السلم والمصالحة أو كما قدمّه بوتفليقة في اللقاء الموسّع الذي جمعه بإطارات الدولة الجزائرية .
لا شكّ أنّ المرحلة الراهنة التي تمرّ بها الجزائر لا تحتاج إلى إعادة تقليب الصفحات و نكأ الجراح و مراجعة حيثيات وتفاصيل الفتنة الجزائرية , و أنّ كل ذلك أمر موكول للتاريخ الآن , غير أنّ هناك بعض الحقائق التي لا يجب المرور عليها سريعا لأنّ البناء على الخطأ سيفضي إلى أخطاء أكبر .
الواقع أنّ العنف في الجزائر يتحمّله الطرفان – السلطة والمعارضة - فالسلطة بفرضها حالة الطوارئ و ما تبع ذلك بإستخدامها لنفس منطق الإرهابيين تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية , والأذرع العسكرية للتيار الإسلامي تتحمل الجزء الباقي من المسؤولية وذلك عندما رفضت منطق الحل السياسي وخروج بعضها من تكفير السلطة وإلى تكفير المجتمع , والواقع أن سياسة كسر العظم التي تبنتها السلطة والمسلحّون على حدّ سواء كسرت العمود الفقري للجزائر .
وإذا كانت هذه مسلمّة لا أحد يستطيع أن يقفز عليها , فإنّ هناك مسلمّة أخرى تفيد أنّ جزائر اليوم غير الجزائر البارحة و أنّ هناك تغيّرا ملحوظا بل وجذريّا في التطورات السياسية في الجزائر بإتجاه الحلحلة السياسية الكاملة , و بإتجّاه عودة الميّاه إلى مجاريها في هذا البلد الذي يحوي على مقدرّات رهيبة قد يؤدّي إستغلالها الإستغلال الحسن إلى إحداث المعجزة في بلد المليون و النصف مليون شهيد .
ولا بدّ من الإشارة إلاّ أنّ تبنّي إستراتيجية المصالحة الشاملة في الجزائر هو الذي أعطى الأمل الكبير للجزائريين بقرب خروج بلادهم من عنق الزجاجة , والأمة تتأثّر سلبا أو إيجابا بالخطاب السياسي الرسمي الذي تتبنّاه دوائر القرار والتي بيدها لا بيد غيرها رسم المنحنيات التي يكون عليه المجتمع .
و عندما تنسجم هذه الدوائر الصانعة للقرار مع تطلعات الأمة يتحققّ التكامل , وعندما تتناقض تصاب الأمة بنكبة كبيرة و تتسّع الفجوة بين الدولة و الأمة فتصبح الأولى في واد والثانية في واد آخر ولا يربط بين الإثنين أيّ رابط.
و الشعب الجزائري بأصالته الحضارية و ووعيه الفطري الذي أفرزته تجاربه السابقة مع الحركات الإستعمارية و مراحل الإستبداد والأحادية كان على الدوام مع المصالحة الوطنية الشاملة و لذلك لن يجد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أدنى معضلة في الحصول على أصوات أغلبية الشعب الجزائري في الإستفتاء المزمع إجراؤه في الجزائر حول صدور قرار العفو الشامل والمصالحة الشاملة .
فالذي صوتّ لقانون الوئام المدني لابدّ أن يصوّت للمصالحة الوطنية الشاملة و العفو الشامل . وثقافة المصالحة الشاملة و العفو وكظم الغيظ و الصفح عن الأخ عندما يخطئ هي من أهمّ المفردات المكونة لشخصانية الإنسان الجزائري الذي كان يتقاسم كسرته ولحافه و داره مع المجاهدين و عابري السبيل و المحتاجين والمشردين أثناء الثورة الجزائرية المباركة , وبعد ثورة التحرير تبرعّ الشعب الجزائري بكل ما يملك من ذهب وفضّة ومتاع للقيادة السياسيّة التي أدارت دفّة الحكم عقب طرد فرنسا الإستعمارية من الجزائر .
و أثناء الكوارث الطبيعية التي ألمّت بالجزائر كان الجزائري سباقا إلى نصرة أخيه وإيواء أخيه وإطعامه أثناء الزلازل والفيضانات إلى درجة أن شباب الجزائر كانوا يرمون بأنفسهم وسط المياه المنهمرة والمنجرفة لإنقاذ العجائز والأطفال والنساء الذين كانت تجرفهم المياه المتدفقة والكثير منهم مات شهيدا وهو يؤدّي واجب إغاثة الضعيف .
ومن أسباب تنكبّ مسيرة الجزائر في العشرية الماضية هو التضاّد المطبق بين خيّار الأمة الجزائرية وخيّار السلطة الجزائرية , ففي الوقت الذي كانت فيه الأمة منسجمة قلبا وقالبا مع خطّ المصالحة الشاملة , كانت السلطة تتبنّى خط الإستئصال وسياسة العصا الفولاذيّة و منطق النار .
ولعلّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة هو أولّ رئيس جزائري ينجح في الدنو من تطلعّات الأمة الجزائرية ويجهز على الهوة السحيقة بين الأمة والدولة و يتبنى وبكل صراحة خيّار الأمة الجزائرية و هو خيار المصالحة الشاملة و العفو الشامل ليتسنى فيما بعد الإنطلاق في عملية النهضة في الجزائر .
و قد إرتفع سقف رصيد المصالحة الوطنية الشاملة في الجزائر و تحولت إلى قناعة جماهيرية عريضة من الجزائر العاصمة وإلى تمنراست في أقصى الصحراء الجزائرية جعل جبهة
وبصدور قرار العفو الشامل و عودة القوة و التماسك إلى الجدار الوطني الجزائري يصبح العمل المسلّح ضدّ الدولة الجزائرية في مطلقه غير شرعي , بإعتبار أنّ كل من حمل السلاح وإلتحق بالجبال لإسقاط الحكم الجزائري سيصير في مأمن وما عليه إلى الرجوع إلى عائلته والإنخراط في عقد السياسة و المجتمع .
ولعلّ وقف إراقة الدماء و عودة الجزائريين إلى توادّهم وأخوتهم التي ميزتهم أيام ثورة التحرير المباركة ضدّ الإستعمار الفرنسي سيدخل الجزائر في ثورة ثانية ولكن هذه المرّة في إتجاه إعادة البناء بناء الإقتصاد و التقنية و النهضة والدور الإقليمي والدولي .
إنّ عودة الحيوية إلى الإقتصاد الجزائري و إرتفاع الفائض في مداخيل الجزائر من مبيعات النفط والغاز جرّاء إرتفاع أسعار البترول , لا يمكن أن تستثمر هذه المداخيل إلاّ في خضمّ الإستقرار الذي لن تهيئّ شروطه الموضوعية غير المصالحة الوطنية الشاملة والتي أصبحت مطلبا جماهيريا في الجزائر .
وفي حال نجاح مشروع المصالحة الوطنية الشاملة في الجزائر سيكون ذلك إيذانا بميلاد جزائر جديدة تسع الجزائريين كل الجزائريين بمختلف مشاربهم الفكرية والإيديولوجية و النظرية , كما سيكون هذا النجاح درسا مهمّا لكل الدول العربية التي ما زالت تنهج نهج الإستئصال مع معارضيها و ما زالت تكرّس سياسة النار و الحديد ضدّ مواطنين يصبون إلى التغيير وعندما أغلقت كل الأبواب في وجوههم لجأوا إلى البندقية .
وصحيح أنّ الفتنة الجزائريّة العمياء قد كلفّت الجزائر والجزائريين الكثير الكثير مما لا يحصّى عدّه على صعيد الخسائر البشرية والمادية و المعنوية , غير أنّ نجاح مشروع المصالحة الوطنية الشاملة في الجزائر سيخرج الجزائر نهائيا من أزمتها و سيعطيها وقودا من وحي تجاربها تنطلق به بقوة الصاروخ لإنجاز مستقبل أفضل .
و هذا النجاح سيؤسسّ لمعادلة مفادها أنّ الإنكسار ليس سرمدا في تاريخ الأمم بل هو مرحلي وظرفي , ومتى ما إلتقت إرادة الدولة بإرادة الأمة سيتبددّ الإنكسار و يبدأ الإنطلاق الحقيقي نحو إنجاز النهضة الموعودة .
و عندها يجب تعميم نموذج المصالحة الوطنية الشاملة على كل العواصم العربية للخروج من مرحلة الحروب الأهلية الداخليّة والتي أفضت بالإرادات الدوليّة إلى العبث بجغرافيتنا ومواردنا , و لن يردع هذه الإرادات غير التكامل بين الدولة و الأمة في مشروع للمصالحة الشاملة مع التاريخ و الراهن والمستقبل .
و إنتشار العنف سابقا في الجزائر ليس دليلا ولا مؤشرا على عنف الإنسان الجزائري و ميله إلى القتل العمد , فالظروف السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و حتى موضوع عدم حسم أبعاد الهوية الجزائرية كل ذلك أدى إلى إنفراط العقد الجزائري , وقد أبتليت الجزائر على مدى عقود بفئتين تسببتا إلى أبعد الحدود في إرباك مسيرة الجزائر وجلبت النكبة تلو النكبة للشعب الجزائري , وقوام الفئة الأولى التكفيريون التغريبيون الذين عملوا ما في وسعهم لإستئصال عروبة الجزائر وإسلامها وفرض التغريب عليها لغة ومسلكية ومنهجية حياة , وقد حاول هؤلاء أن يخرجوا الجزائر بشكل كامل من إمتدادها العربي والإسلامي و هم الذين عناهم الجنرال شارل ديغول وهو يغادر الجزائر في تموز – يوليو 1962 أنّه ترك في الجزائر بذورا ستينع بعد حين و ترك غرسا سينبت قريبا , فكانت النخبة الفرانكو –شيوعية و التي حاولت أن تؤسس لجزائر بدون هويتها الحضارية وقضت على التعليم الأصلي والديني و الذي لو لو ظلّ لشكلّ حائلا يحول دون أن يستورد الجزائريون الفتاوى التكفيرية من وراء البحار . و الفئة التكفيرية الأخرى هي الجماعات المسلحة التي كفرت المجتمع و هيه في الواقع و بفقهها التكفيري لا تملك مستقبلا في المشهد الجزائري سواء أكملت نهجها المسلح أو إنخرطت في اللعبة السياسية , ولا هي وفقت عسكريا , ولن توفّق بالتأكيد سياسيا لإفتقادها إلى العناصر المتمرسة سياسيا القادرة على لعبة الكرّ والفرّ في المجال السياسي , بالإضافة إلى كونها ترى جواز قتل الثلثين من أبناء المجتمع إذا كان ذلك يؤدي إلى إصلاح الثلث المتبقي , و قد زادت السلطة الجزائرية من عنفهم و همجيتهم بتعاملها العنيف مع عناصر هذه الجماعة أثناء إعتقالها والإمساك بها, و كان بالإمكان إخضاعها إلى دورات تأهيلية ثقتفية وإعادة إدماجها في المجتمع و هو ما تحقق لاحقا .
ولأنّها بدون مستقبل - فعلى الجماعة اسلامية المسلحة و الجماعة السلفية للدعوة التي أصبحت تعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي - والقتال أن تفكرّ جديا في الإنخراط في المصالحة الوطنية الشاملة لأنّها بذلك ستعطي لنفسها فرصة حقيقية للتكفير عن كل أخطائها السابقة و الكفّ عن تكفير الناس وذبح الآمنين , ومن العبث بمكان تضييع فرصة كهذه خصوصا و أنّ هذه الجماعة وعناصرها باتت مقتنعة بأنّها غير قادرة على تسيير دورية في جبل ناهيك عن دولة مترامية الأطراف كالجزائر .
والمصالحة تتيح لهذه الجماعة الإنخراط في اللعبة السياسية و العمل السياسي بمختلف الأساليب , و على هذه الجماعة أن تعي أنّ فكر القاعدة لا ينسجم مع الجزائر مطلقا , بل يجب التفكير في إستراتيجية مغايرة , كما أنّه يستحيل إسقاط النظام الجزائري بقوة السلاح من خارجه , وفي ظل هذه الإستحالة فإنّه حتى من الناحية الشرعية يجب التفكير بالطرق الأخرى لتحقيق الأهداف المرجوة .
وقد أقسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على أنّ الجزائر لن تحيد عن إسلامها , و إسلامية الجزائر مسألة منصوص عليها في الدستور , فيمكن التلاقي مع الرئاسة الجزائرية في هذه النقطة والعمل على تفعيل دور المشروع الإسلامي داخل المجتمع المدني , لأنّه في الوقت الذي لاذ به عناصر هذه الجماعة بالجبال والصحاري إستفرد التغريبيون و التفسيخيون بالمجتمع الجزائري و يحاولون المساس بقيم المجتمع الجزائري .
فالإقرار بالمصالحة من شأنه أن يزيل التصدع عن الجدار الوطني الجزائري , وعندها يبقى مجال النضال بالفكرة وبالمشاريع الهادفة و الخلاقة ضمن ثوابت يلتزم بها الجميع .
والجماعة السلفية للدعوة والقتال التي تلتزم بنهج السلف الصالح وعلى رأسهم رسول الإسلام , تعرف أنّ الصلح والمصالحة و الهدنة مفردات مركزية في مسلكية السلف الصالح , ألم يصالح الرسول – ص- قريشا وهي على كفرها فمن باب أولى مصالحة بوتفليقة وهو الذي يرددّ صباحا مساءا اللهم إجعل هذا البيت آمنا .
وقد إستهلّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عهدته الرئاسيّة الأولى بالتلويح بقوّة بخيار المصالحة الوطنية الشاملة والتي يجب أن ينضوى تحت سقفها كل الجزائريين حكاما ومحكومين , ضحايا السلطة و ضحايا المعارضة وكل من ألمّت بهم مصائب الفتنة العمياء التي عصفت بالجزائر في العشرية الماضيّة .
غير أنّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة القادم من رحم الديبلوماسية الجزائرية العتيقة و التي ساهمت في حلحلة العديد من القضايا الإقليمة و الدولية الساخنة في أوقات سابقة لم يتمكن في عهدته الرئاسية الأولى من تفعيل خيّار المصالحة الوطنية الشاملة والذي تبنّاه بقوة وكان حاضرا كمفردة مركزية في كل خطاباته السياسية , و قانون الوئام المدني الذي أدى إلى تخلّي الكثير من أفراد المجموعات المسلحّة عن أسلحتهم والنزول من الجبال و إلى المدن لم يرق إلى مستوى المصالحة الشاملة , وهذا القانون لم يتمكن من ردم الهوة السحيقة في الجدار الوطني الجزائري هذه الهوة التي تسببّت فيها العشرية الحمراء والتي كان الصراع عندها على أشده بين السلطة الجزائرية ومعارضيها المسلحين و الذي أرخى بظلاله على كل طبقات المجتمع .
و المرحلية السياسية قد تكون مطلوبة , خصوصا عندما يتعلق الأمر بأزمة متجذرة في المشهد السياسي الجزائري , ويقول المقربون من بوتفليقة أن الرجل كان منشغلا بإعادة بناء الدولة الجزائرية من الداخل بمعنى القضاء على مراكز القوة و إعادة الإعتبار لرئاسة الجمهورية و الفصل بين السلطات و تنظيف جهاز الإدراة من الذين تسببوا في خراب الإقتصاد الجزائري , ومعروف أنّ بعض الذين كانوا يعرقلون مشروع المصالحة الوطنية الشاملة كان لهم نفوذ كبير هنا وهناك .
وفي عهدته الثانية ظلّ مسيطرا على الخطاب السياسي الرسمي لبوتفليقة , و كانت هناك قاعدة ذات جناحين إعادة تأهيل الدولة الجزائرية و إعادة الإعتبار لها , و إطفاء بعض الحرائق التي لم تنطفئ نهائيا في الجزائر , وذلك بسبب خضوع قاعدة المغرب العربي لأجندات دولية يمليها أسامة بن لادن وأيمن الظواهري .
و يفترض أنّ تكون المصالحة الوطنية الشاملة والمدعومة ب : نعم شعبية واسعة مظلة يستظّل بها كل الجزائريين في الداخل كما في الخارج . ويجب أن تردف برفع حالة الطوارئ المشؤومة و إرخاء العنان للعمل السياسي التعددي والحرية الإعلامية ضمن الضوابط القانونية المعروفة , ورفع كل أشكال الحيف والظلم والقهر والإضطهاد والإستبداد و الإحتقار وكافة الممارسات التي دفعت الإنسان الجزائري إلى أن يخرج من طبيعيته ويصعد إلى الجبال ويقتل كل شخص يبصره في طريقه .
وهذا المشروع السياسي لا يمكن أن يكللّ بالنجاح إلاّ إذا واكبه مشروع إقتصادي يلغي الفجوة العميقة بين مجتمع الخمس بالمائة و الخمس التسعين بالمائة من المسحوقين والمستضعفين والذين لحدّ الآن لم تشملهم نعمة النفط والغاز و مازالوا يعانون من أزمات البطالة والسكن و التعقيدات الإجتماعية الأخرى , و يجب أن تستثمر الدولة الجزائرية إرتفاع فائض العملة الصعبة لديها جراء إرتفاع أسعار النفط لتصرف هذه الأموال بطريقة مدروسة على الشعب الجزائري الذي وفي أحايين كثيرة كان يدفعه حيفه وفقره إلى الإحتجاج بطريقة عنيفة .
إنّ أمام عبد العزيز بوتفليقة فرصة تاريخية لإخراج الجزائر من أزمتها عبر مصالحة وطنية شاملة , و لا يوجد أفضل من 05 تموز – يوليو 2009 المقبل ذكرى إستقلال الجزائر عن فرنسا تاريخا لإطلاق هذه العملية السياسية والتي بالتأكيد ستضع الجزائر في السكّة الصحيحة .يقول الجزائريون " الثالثة حاصلة " أي أنّ المحاولة الثالثة ستكلل بالنجاح , و هو ما يتوقعه الجزائريون و العالم من عهدة عبد العزيز بوتفليقة الثالثة .
واحد من أهم أسباب الفتنة العمياء التي عصفت بالجزائر سابقا هو وجود مدرستين متطرفتين أوشكتا أن توصل الجزائر إلى هاوية الضياع السياسي والأمني والإستراتيجي , فالتطرف العلماني واللائكي الذي بات مقرونا وإبعاد الخطاب السياسي الرسمي عن الجذور الحضارية التي تحدد ملامح الشخصية الجماعية في الجزائر هيأ الأسباب للتطرف الإسلامي التكفيري بل ساهم في إنتاج شروطه في المشهد الجزائري لتحققّ الفئة الأولى هدفها المركزي في تشويه الإسلام و تسفيه الحضارة الإسلامية و التأكيد على أنّ الإسلام السياسي لا ينفع للجزائر بقدر ما ينفعها التغريب واللغة الفرنسية و الطريقة الغربية في العيش , وبالمقابل حكمت مدرسة التطرف التكفيرية على كل أركان المدرسة الأولى بالكفر وبالتالي الذبح والقتل , و دخل أبناء الجزائر في فتنة أججتها أطراف إقليمية ودولية , كان يهمها أن تختفي الجزائر عن المشهد العربي والإسلامي و الدول. و لهذا كان مشروع المصالحة الشاملة في الجزائر بداية وضع الجزائر على السكة الصحيحة و الذي بدأت الجزائر بموجبه تعاود حيويتها المعهودة في عهد هواري بومدين . و مما قاله عبد العزيز بوتفليقة بعد إنتخابه رئيسا للجزائر :
" لقد عقدت العزم على مواصلة مسعى المصالحة وتعميقه.. المسعى الذي سانده الشعب الجزائري عن بكرة أبيه والذي أتاح عودة السلم المدني، ومن شأنه أن يسهم مستقبلا في تعزيز التلاحم الاجتماعي وضمان ديمومة الوحدة الوطنية'' وقد وردت هذه الجملة في سياق خطاب ألقاه بقصر الأمم بنادي الصنوبر، بعد أدائه اليمين الدستورية، والذي قدم من خلاله قراءة شاملة للخطوط العريضة و التي يزمع تنفيذها في العهدة الثالثة التي ستستمر إلى سنة 2014 .
و تبنيّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لمشروع المصالحة الوطنية والتي بها لا بغيرها تنفتح الجزائر على الغد المشرق يعتبر مؤشرا على نجاح هذا المسعى خصوصا و أنّ كل مقومات نجاح مشروع المصالحة الوطنية قد توفرّت في المشهد الجزائري , فالخطاب السياسي الرسمي لم يعدّ موزعّا بين النار والحوار كما كان الحال في عهود محمد بوضياف وعلي كافي واليامين زروال كان الرئيس بوتفليقة وعد المواطنين الجزائريين أثناء الحملة الإنتخابية أن الجزائري أصبح سيدا عزيزا , ولا يقبل لأي شرطي يظلم جزائريا كائنا ما كان السبب . و المتتبع لمسار بوتفليقة السياسي يكتشف أنه مقتنع إلى النخاع بمشروع المصالحة الوطنية , و أن العهدة الثالثة ستنتج طقسا سياسيا تصالحيا يتمم مشاريع ترميم البيت الجزائري بالكامل . كما تعهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ب''إدماج الأغلبية الساحقة من الشباب مهنيا وفتح آفاق مشرقة في وجه الجميع''. وإعتبر البطالة مصدر ''خيبة في النفوس والانسياق وراء الإغراءات الضارة''. ودعا الصحافة إلى مساعدته في ''محاربة ممارسات المحاباة والمحسوبية''، ووعد باحترام حرية الإعلام.
ووعد بمحاربة الفساد و المحسوبية و التي هي مصدر للإحباط ولتثبيط العزائم ومحاربة الرشوة والفساد التي تساهم تأثيراتها في جعل الناس يعزفون عن الجد والكد''. وذهب بوتفليقة إلى أبعد من ذلك عندما دعا الصحافة إلى مد يد المساعدة له عندما تحدث عن ''دور أجهزة الإعلام'' في محاربة المحسوبية والفساد. و لم ينس بوتفليقة الشباب الجزائري حيث وعد بتوفير مناصب شغل لملايين الشباب , و خلق مناصب عمل للشباب في الخماسية المقبلة .
و الجزائريون كل الجزائريين بأحزابهم ومعارضاتهم وطبقاتهم السياسية وحتى الطبقة الإجتماعية الصامتة و أولئك الذين تضرروا من الفتنة العمياء التي عصفت بالجزائر أعلنوا عن قبلوهم مبدأ العفو العام الشامل والإنخراط في أكبر مصالحة وطنية شاملة في تاريخ الجزائر والتي يتحدث عنها كعنوان رئيس لعهدة بوتفليقة الثالثة .
وإذا كان هناك إجماع سياسي بضرورة المصالحة و التي يطالب الجميع في الجزائر بأن تكون شاملة و متكاملة , فإن الجماعات المسلحة مطالبة بأن تضع السلاح , والذي لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة , ويفترض أن المحنة الجزائرية علمت الجميع في السلطة والمعارضات أنّ العنف وسيلة الضعيف , بالإضافة إلى عدم قدرته على إنتاج مشروع حضاري .
والإقرار بالمصالحة من شأنه أن يزيل التصدع عن الجدار الوطني الجزائري , وعندها يبقى مجال النضال بالفكرة وبالمشاريع الهادفة و الخلاقة ضمن ثوابت يلتزم بها الجميع ويتوافق عليها جميع الجزائريين .
والجماعة السلفية للدعوة والقتال والتي أصبحت عنوانا لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي , تعرف أنّ الصلح والمصالحة و الهدنة مفردات مركزية في مسلكية السلف الصالح , ألم يصالح الرسول – ص- قريشا وهي على كفرها فمن باب أولى مصالحة بوتفليقة وهو الذي يرددّ صباحا مساءا اللهم إجعل هذا البيت آمنا .
و مع عودة الحيوية و القوة إلى الدور الجزائري داخليا وخارجيا لا بد أن تتوافق السلطة الجزائرية و الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والمعارضات كل المعارضات على مجموعة أمور :
إقرار المصالحة الشاملة المتبوعة بعفو شامل و التي ستعطي صدقية كاملة للإنتخابات الرئاسية وصدقيتها والتي جرة التشكيك فيها , الإقرار بنبذ العنف بشكل كامل وعدم شرعيته و نبذ التعسف في إستخدام القوة و " الحقرة " كما يسميها الجزائريون , ورفع القيود عن الإعلام والعمل السياسي و رسم آلية لنقل أمانة الثورة الجزائرية إلى جيل الشباب , و وضع الثقل في السياسية التعليمية و المشاريع الإقتصادية , و تحويل ثقافة المصالحة الوطنية الشاملة إلى مسلكية جزائرية , وتكريسها من خلال المسرح والسينما و القصة والرواية و الأفلام التسجيلية و الأفلام الطويلة , و رفع حالة الطوارئ بالكامل عند حصول الإطمئنان الكلي بإنطفاء الحريق إلى الأبد , و تأسيس فضائية جزائرية تعمل من منطلق تأكيد الدور الجزائري وإبراز مكامن القوة في الجزائر .
و يجب أن يتواافق الجميع على تحييد المؤسسة العسكرية والتي صارت في عهدة شباب وطنيين ومشبعين بثقافة نوفمبر , و عدم إلهائها بالسجال السياسي الدائر في تضاريس العمل السياسي.
و على الجزائريين أن يتذكروا مليا منطلقات ثورة نوفمبر والتي يجب أن تكون دوما أهم مقوم لأي مسار سياسي جزائري .
ولكي نبين بوضوح هدفنا فإننا نسطر فيما يلي الخطوط العريضة لبرنامجنا السياسي.
الاستقلال الوطني بواسطة و ذلك من خلال إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية و إحترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني. و الأهداف الداخلية تكمن في التطهير السياسي بإعادة الحركة الوطنية إلى نهجها الحقيقي و القضاء على جميع مخلفات الفساد و روح الإصلاح التي كانت عاملا هاما في تخلفنا الحالي و تجميع و تنظيم جميع الطاقات السليمة لدى الشعب الجزائري لتصفية النظام الإستعماري .
وعندما توحدت النفوس والأيدي والقلوب والرؤى , كانت ثورة الجزائر والتي ما زالت إلى يومنا واحدة من أهم إنجازات البشرية على وجه الإطلاق .
يحي أبو زكريا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.