حسن بن عثمان من مظاهر اللباس التي تلفت الانتباه عند البعض من جيل الشباب الراهن موضة السروال المنخفضة عن الحزام، أخفض من مستوى الخصر، بما يجعل السروال في حالة هبوط، ويكاد لا يستقرّ على «مقعد» لابسه، من فرط تهلهله وتصرّمه. هي الموضة الجديدة لشبابنا، لكن من المؤكد أن الموضة ليست بريئة، وهي تحمل في طياتها تصورات ودلالات خفية أو مباشرة لمن صاغها وعمل على ترويجها. لقد كان السروال لدى الرجال عنوان رجولة يحافظ عليه بالحزم والحزام مرتفعا إلى حدود الصرّة، أو يُشدّ السروال لدى علية القوم بمشدات على الكتفين قريبا من القفص الصدري، وكان في هبوطه دلالة على الطعن في الرجولة وانتهاك الشرف، وفي اللغة الدارجة ما يفصح عن استيائها وتنديدها بذلك. كذا الشأن في مختلف الألبسة الرسمية ذات التمثيل السيادي، كالجيش مثلا، فإذا عُرض الجنود في شريط سينمائي بسراويل مهلهلة وخوذات وقبعات ليست في مواقعها بشكل سليم، فذلك لتصوير الهزيمة والاندحار. لا أرغب في استنتاجات متسرعة أو إطلاق أحكام أخلاقية، فللسروال ثقافته وتاريخه ومنطقه وطلوعه وهبوطه. إلى عهد قريب كان السروال في مجتمعنا سمة من سمات لباس الذكور فحسب، ثم التحقت الإناث ولبسن السروال، وكادت أن تصيبهن لعنة التشبّه بالرجال، لكن بمرور الوقت صار ارتداء النساء للسروال لا يثير حفيظة ولا انتباه أحد. مع أن لبس السروال في بعض من مجتمعات عربية أخرى يترتب عنه العقاب البدني بالحبس والجلد والغرامة المالية، وما حادثة الصحفية لبنى أحمد حسين في السنة الماضية سوى حادثة من الحوادث الكثيرة التي تتعرض لها المرأة العربية وتثير ردود أفعال محلية وعالمية، تعمل على مزيد تشويه صورة المجتمعات العربية وأنظمتها الذهنية والسياسية والتشريعية والقضائية والأمنية. ألقي القبض على الكاتبة الصحفية مع صديقاتها العشرلابسات سراويل (بنطلونات)، إنها «قضية البنات العشر اللواتي جلدن في ذات اليوم وهي قضية عشرات بل مئات بل آلاف الفتيات اللواتي يجلدن يوميا وشهريا وسنويا (...) بسبب الملابس، ثم يخرجن مطأطئات الرأس لأن المجتمع لا يصدق ولن يصدق أن هذه البنت جلدت في مجرد ملابس.. والنتيجة الحكم بالإعدام الاجتماعي لأسرة الفتاة وصدمة السكري أو الضغط أو السكتة القلبية لوالدها وأمها، والحالة النفسية التي يمكن أن تصاب بها الفتاة، ووصمة العار التي ستلحقها طوال عمرها» حسب الدعوة التي كتبتها لبنى أحمد حسين. لن نستمرّ في تفاصيل وأحداث وأقوال حول السروال، وخصوصا منها الأحكام الدينية التي تتوسّع في هذا الشأن. إنما نسجل خبرين عن السروال وثقافته يتميّزان ببعض الطرافة والجدّة. الأول هو اختراع سروال واق في السعودية من قبل الدكتور طه الخطيب يغطي الجزء السفلي من البطن إلى أسفل الفخذين غير مخيط يمكن أن يرتديه الحاج والمعتمر لمنع الاحتكاك بين الفخذين للحد من التسلخات الناتجة عن المشي لمسافات طويلة، وقد أجيز هذا الاختراع من قبل مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء، علما أن النساء في الحج والعمرة بإمكانهم ارتداء لباس مخيط، في حين أن الرجال لا يصح لهم لباس خياطة عند الإحرام. والخبر الثاني عن السروال من تونس التي خيط فيها أكبر سروال جينز في العالم وبه دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية، عن عمل فردي، فقد سبق لتونس أن ذكرت في أعمال جماعية قياسية. أقدم سنة 2009 مصمم الأزياء التونسي العربي بوقمحة بتصميم وخياطة سروال طوله 50,10 مترا وعرضه 36 مترا، ويمكّن القماش المستعمل في هذا التصميم من خياطة ما بين 1400 إلى 1500 سروال. ويحتوى السروال على 5 جيوب، اثنان منها خلفية في شكل مربع طول ضلعه 7 أمتار، ويتسع لسبعة أشخاص. بينما تبلغ أضلع الجيوب الأمامية خمسة أمتار طولا ومترين عرضا. كما يختص السروال بأزراره الأربعة، قطر الواحد منها مترا، وبسلسلة الفتحة الأمامية على طول 16 مترا. من الأهداف التي من أجلها صنع السروال هو إدراج اسم تونس، في أول رقم قياسي فردي، ضمن موسوعة غينيس وجلب الانتباه إلى الكفاءات التونسية، خاصة في مجال التصميم والموضة. ثقافة السروال، ثقافة السؤال! يكفي ذكر السروال، لا السؤال، في اللغة حتى تقام حالة طوارئ ثقافية، بلا توسّع! واللغة العربية لا ترحم، مثلها مثل أية لغة حضارية عريقة، إذ العلاقة بين السروال والسؤال علاقة تشاكل جنسي وجناسي وطباقي، تحيل على الفاعلية أو انعدامها. كاتب وروائي تونسي