تونس – الحوار نت: لا يمكن بأيّ حال فصل الظلم والفقر والفساد عن الجريمة لأنّ هذه العوامل تعتبر شريان الجرائم ودوافعها الأساسية، لذا فقد توفرت كل هذه المعطيات في تونس إلى جانب تراجع مذهل وغير مفهوم لأجهزة الأمن وترك فراغ ومساحات مريحة يرتع فيها الانحراف، هذا ما أعطى نتائج مفزعة في نمو الجريمة وتطوّرها وإطلاق الأيادي العابثة لتتفنن في إنتاج عدّة مظاهر مستحدثة من الفساد.
لقد انهمك صغار المنحرفين في السطو والسرقة والتعدّي على الأشخاص والأملاك بحجّة الفقر والحرمان، بينما انهمك كبار المنحرفين في ابتزاز منظم للملكية العامّة والخاصّة تحت دوافع الجشع وذلك بتوظيف مؤسسات الدولة للتغطية على الفساد وتقنين الجريمة وتبييض أموالها.
لكن ومهما حفز المرء خياله من أجل معرفة فنون الانحراف فإنّه وفي دولة أجهزتها الأمنية منشغلة في مراقبة الأخيار وغافلة عن الأشرار، لا يمكن إلّا أن نتفاجَأ مع مطلع كل يوم جديد بأشكال غريبة من صنوف السطو والابتزاز والسرقة، هذه المرّة تأتي آخر صيحات أو"موضة" السرقة والفساد من ولاية القصرين، بعد أن ظنّ الجميع أنّ كل وسائل السطو قد نفذت وتمّ استهلاكها،، ظهر العجب!!..
ففي هذه المدينة الفقيرة التي تزدحم بأطنان وكتل من البشر أو الهياكل البشرية التائهة،.. هذه المدينة المنعدمة المرافق التي ما إن تشارف على مداخلها حتى تزكم أنفك رائحة اليأس والفقر والضياع.. في هذه المدينة التي لم تشهد تشييد منشئة، ولم تبعث الدولة فيها مشروعا واحدا منذ عقود.. هذه المدينة التي تتراجع في كل شيء وتتقدم فقط في بناء المراكز الأمنية وتشييد متواصل لمقرّات الحزب الحاكم.. في هذه المدينة وصل فنّ السرقة إلى ذروته مع مجموعة من المنحرفين كانت قد دأبت على سرقة محاصيل الغلال وجنيها ليلا في غفلة من أصحابها، وفي تطوير لأدائها ومن أجل ربح الوقت عمدت هذه المجموعة إلى مزج السرقة بالفساد الحادّ حين التجأت إلى حيلة جهنمية تتمثل في قطع شجر الزيتون من أسفل الجذع ثم تحميله فوق السيارة المعدّة لنقله، ومن ثمّ الذهاب به إلى مكان أنشئ خصيصا ليُجنى فيه الزيتون وتستعمل الأغصان للتدفئة والورق للعلف، والبقية يلقى بها في المزابل.. وبموجب هذا الابتكار يكون اللصوص قد قسّموا الأدوار بينهم ليتفرغ محترفو السرقة إلى الإنجازات الكبرى بدل إضاعة المجهودات في تجميع حبات الزيتون وما يتطلبه ذلك من وقت.
أمام هذه الكارثة، وأمام الغياب الكلي للأجهزة الأمنية، اتجه أصحاب الأرض والشجر إلى بعض الشباب والرعاة في المناطق المحيطة وأعطوهم مبلغا من المال مقابل الإدلاء بأيّة معلومة عن المجرمين. وازداد التخوّف من أن يعمّ هذا الأسلوب ليستهدف مختلف أنواع الأشجار من تفاح وخوخ ومشمش ولوز... وهذا يعني أنّ الأسر التي تعيش على عائدات الثمار ستفقد مصدر عيشها الوحيد في وقت وجيز إذا لم يتحرك الكلّ من أجل إيقاف هذه الجائحة.
ولن يكون هذا إلا إذا عادت السلطة إلى رشدها وسحبت الأجهزة الأمنية من أمام مقرّات الأحزاب والجمعيات الحقوقية والفضاءات الفكرية والمساجد ودفعت بهم إلى مكانهم الطبيعي لرصد الجريمة وملاحقة الانحراف وحماية الوطن بدل الاشتراك في إيذائه وتدميره!!!