تُعد الجالية المسلمة في ألمانيا ثاني أكبر جالية في أوروبا، مما جعل بعض الأحياء الألمانية تبدو وكأنها قطعة من الدول الإسلامية، لاسيما في أوساط المواطنين الأتراك، فليس غريبًا مثلاً أن تجد بعض الشوراع التي تسكن فيها أغلبية مسلمة تمتلئ بالزينات والمصابيح في جدران المساجد والمباني تمامًا مثلما يفعل المسلمون في أية دولة عربية وإسلامية احتفاءً بمقدم العيد، بل إن العديد من المحال المملوكة لمسلمين ولغيرهم تمتلئ بأصناف الكعك وتلقَى إقبالاً كبيرًا من جانب المسلمين. "الإسلام اليوم" التقت د. أيمن مزيك، الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى في ألمانيا، لتسليط الضوء على ملامح العيد في ألمانيا، فكانت هذه السطور: إجازة العيد تعاني الجالية المسلمة في أوروبا بشكل عام وفي ألمانيا بشكل خاص من افتقاد دفء العلاقات الاجتماعية التي يتمتع بها نظراؤهم في العالم الإسلامي، وهو الأمر الذي يحاولون تعويضه من خلال التواصل الاجتماعي فيما بينهم والحرص على الاحتفال بالعيد بصورة تقرب بين صفوف المسلمين، رغم وجود العديد من المعوقات التي تقف في وجه ذلك، من بينها عدم حصول المسلمين على إجازة العيد في بعض الدول الأوروبية ومن بينها ألمانيا بسبب قوانين العمل الصارمة، الأمر الذي يُفسد بهجة المسلمين في الاحتفال بهذا اليوم المهم، وهو الأمر الذي نحاول التغلب عليه بانتزاع اعتراف من السلطات الألمانية بالإسلام كدين رسمي بعد التحالف المبرم بين الهيئات والمؤسسات الإسلامية في ألمانيا تحت يافطة المجلس التنسيقي لمسلمي ألمانيا، وهو جهد يحتاج لعدة سنوات قبل انتزاع الاعتراف بالإسلام دينًا رسميًّا وسحب الذرائع من أيدي السلطات الألمانية. زيارات ليلية يحرص المسلمون على أداء صلاة العيد بأعداد كبيرة، للدرجة التي تزدحم بها المساجد والساحات بشكل يضطر المصلون معه إلى أداء الصلاة في الشوارع المحيطة بها مهما كانت درجة حرارة الطقس. ويحرص مسلمو ألمانيا على التوافد بشكل مبكر لأداء الصلاة مصطحبين معهم أولادهم، غير أن الأعداد تقل إذا لم يتوافق العيد مع يوم الأجازة الرسمية، حيث يضطر المسلمون لاحترام قانون العمل أو أخذ إجازة غير مدفوعة الأجر أو الاكتفاء بالقيام بزيارات ليلية للمسلمين هناك وتبادل التهاني سواء عبر الهاتف أو كروت المعايدة أو بالبريد الاليكتروني في حالة تعذر اللقاء المباشر بين أبناء الجالية والمشاركة في الاحتفالات المسائية التي تقام في مناسبة كعيد الفطر. احتفالات جماعية يتكرر نفس السيناريو فيما يتعلق بالزكاة أيضًا، حيث ينتظم المسلمون في أدائها بشكل سلس وفعال من أجل إشعار الفقراء منهم بأن المجتمع الإسلامي المحيط بهم يتضامن معهم في العيد ويعطيهم الفرصة للتمتع بمباهج العيد في مجتمع الغربة، لاسيما أن الأئمة والخطباء القادمين من العالم الإسلامي يحثون المسلمين طوال الشهر الكريم على التزاور وتوطيد الأواصر الاجتماعية تطبيقًا لتعاليم الإسلام التي تحث على التراحم والتواد. ولعل من أبرز سمات الاحتفال بعيد الفطر في ألمانيا ترتيب الموائد العائلية لأجل الاحتفال بالعيد بصورة جماعية، حيث تجتمع وفود من كافة الولايات في احتفالية جماعية تقام بالمركز الإسلامي ببرلين سعيًا لتوثيق الصلات بين جموع المسلمين وتذويب أي اختلافات عرقية، لاسيما أن الأشهر القادمة ستكون حاسمة في انتزاع اعتراف رسمي بالإسلام كدين رسمي في ألمانيا. روابط المبتعثين وتشتهر ألمانيا بوجود بعوث عربية طلابية مكثفة، وهؤلاء يتميزون بروابط نشطة جدًا فيما يخص احتفالات عيد الفطر المبارك، حيث يقيمون احتفالات كبيرة بالعيد يدعوا إليها ممثلون عن المسلمين في كافة الولايات الألمانية، ويتم خلال الاحتفاليات تدارُس قضايا المسلمين سواء أكانت عامة أو خاصة والبحث عن حلول لها، ويحضر الاحتفالات لفيف من البرلمانيين المسلمين في البرلمان الألماني والذين تتجاوز أعداهم 12نائبًا سواء في المجالس المحلية أو البرلمان الفيدرالي، وتشكل مثل هذه المناسبات فرصة مهمة لتوثيق الصلات بين أعضاء الجالية المسلمة في ألمانيا. وتشهد الاحتفالات تكريمًا لحفاظ القرآن الكريم من بين أبناء الجالية، من خلال مسابقات يحكمها الأئمة والوعاظ القادمون من العالم الإسلامي وتقدم جوائز قيِّمة للفائزين، بل إن المجلس الإسلامي الأعلى يحث هؤلاء الوعاظ على إرشاد المهاجرين بضرورة الارتباط باللغة الأم، سواء كانت عربية أو تركية، من أجل الحفاظ على الهوية وعدم الذوبان في المجتمع الألماني. حضور إسلامي ويعود الوجود الإسلامي في ألمانيا إلى السنوات التالية مباشرة للحرب العالمية الثانية، حيث وفد إلى البلاد مباشرة مئات الآلاف من الأتراك بينهم عدد كبير من الأكراد، وتلاهم عدد كبير من الباكستانيين والهنود والبنغاليين، لدرجة أن ألمانيا تضم ثاني أكبر جالية مسلمة في أراضيها، حيث تتجاوز أعداهم 4ملايين مسلم، فضلاً عن أكثر من 150 الف ألماني اعتنقوا الإسلام. وقد أسهم الوجود القديم نسبيَّا للمسلمين في ألمانيا في اعتلاء البلاد صدارة الدول الأوروبية من زاوية اعتناق مواطنيها للإسلام، لدرجة أن تقارير ترصد أعداد من اعتنقوا الإسلام في ألمانيا بما يقرب من 1600 مواطن ألماني التصقوا بالإسلام وأقبلوا على القراءة عنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث نفدت نسخ القرآن الموجودة في مكتبات المراكز الإسلامية بعد أن ظلت لمدة طويلة لا تجد من يطالعها.