مقال "لا... ليس الجواز التونسي رمز خنوع !!!" للسيد عماد الطرابلسي، هو خلاصة مركزة لفن الوقوف على الربوة! ذلك أن الكاتب، الثوري جدا في خياراته الغوية في هذا المقال، لم يبذل أي جهد ثوري لتوضيح كيف سيكون الحصول على هذا الجواز الذي حدد هو بنفسه أنه " ليس رمزا للخنوع"؟ ما هو الطريق؟ كيف يعبر العابرون إلى هذا "الذي ليس رمزا للخنوع"؟ و كما يقول علماء الفقه، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالحديث عن الجواز يجب أن يصحبه حديث عن الطريق الصحيح إليه، و لم يكن ذلك في هذا المقال.. و لكن بذل الكاتب جهدا في جمع المتناقضات. يقول : "..أو فهم خصه الله به من دون الناس او الى صلابة عود في فقه الموازنات(لو نعلم قتالا لاتبعناكم) او الى رغبة في الاصلاح و درء فتنة شقاق ابناء الوطن الواحد(ان يريدون الا فرارا ولو سئلوا الفتنة لآتوها) او الى تفضيل الظالم المؤمن على من يراه شيوعيا حاقدا متسترا بالدفاع عن حقوق الانسان(هؤلاء اهدى من الذين آمنوا سبيلا) او الى شجاعة غير مسبوقة النظير في "نقد الذات"(فاذا ذهب الخوف سلقوكم بالسنة حداد اشحة على الخير)او الى تاسيس لانفراج قريب(نخشى ان تصيبنا دائرة) او الى طاعة وجبت لولي امر(بعضهم اولياء بعض). " وهذه الفقرة نصفها آيات محكمات! تقف في حلق القارئ لتلقمه الحقيقة، هذا بعض مقالك يا شيخ عماد الطرابلسي! انه أولى بك و لأمثالك، أن نقول "إلى التكفريين الجدد: كفاكم إساءة للإسلام" و في إطار غياب العقل الراجح، و تدافع الأفكار، و في إطار سياسية المزايدة المحمومة، و دائما من أعلى الربوة، يكتب الشيخ عماد الطرابلسي في تناقض مع الفقرة السابقة " لقد كان منهج التخوين لمن ارتاد القنصليات خطا بينا زاد في عزلتها حتى بدا المعارض في نظرموظف القنصلية كائنا من نوع خاص يكره وطنه و كل ما يمت له بصلة و ربما يرى فيه- اي في الموظف- كافرا عدوا و الموظف في نظر المعارض مخبرا عدوا لكل ما هو اسلامي.".. في حصيلة مقال عماد يكون تخوين الذين ذهبوا إلى القنصليات "خطا بين"، و الذهاب إلى القنصليات "خطا بين"! يريد السيد عماد الطرابلسي أن يقال أنه قال يوما "لا... ليس الجواز التونسي رمز خنوع !!!" و لكن مضمون المقال يقتر سلفية و تخلف حد المطالبة الصريحة ب"مقاطعة الذين خلفوا"! و لا حول و لا قوة الا بالله، فهل انك النبي أو أن الحركة التي لا تردد في نقدها لغرض في نفس يعقوب بين جنبيك، هي النبي الذي لو تخلف عنها أحد، يكون من الثلاثة الذين خلفوا؟ ها أنت تكشف لنا حدود فهمك للسياسة و حرية الرأي و حق الاختلاف.. يكفيك جرفا للهواء، فذلك لن يفيد، سيوضح لنا فقط أن حساباتك الشخصية الآن، تستوعب هذه المهاترات الفارغة و أن ساعة الصدق مع النفس مؤجلة إلى وقت أخر، ربما لن يكون له موعد..فالثورية لها ثمن يدفعه كثيرون و لست وحدك في الغربة.. إن السيد عماد يعلم أن الجواز لا يعطى للاجئ، حتى و إن تحول بالزمن إلى مواطن أوروبي، و الذين اتصلوا ب"عزّة" بمؤسسات الدولة التونسية في المهجر، و تسمى في المصطلحات المتعارف عليه، قنصليات و سفارات، قد قوبلوا في الغالب – هناك استثناءات سأذكرها فيما بعد- بالسؤال التالي ما هي علاقتكم بحركة النهضة؟ إن كنت انفصلت عنها فان الإدارة ستحول الأحكام السابقة إلى سنتان مع تأجيل التنفيذ مهما كانت الأحكام المعترض عليها أو إلى "عدم سماع الدعوى"، إذا كانت الأحكام الأولى في مقام الجنحة أي لا تتجاوز 5 سنوات سجن، و يحصل هذا الآن، و حصل هذا، و تابعنا كلنا صدور أحكام مخففة في حق العائدين.. إن هذا التعامل القضائي حقيقة يمكن متابعتها بالهاتف أو مباشرة مع من تمتع بها من العدد الكبير من الذين عادوا إلى الوطن.. و أولهم و قد تابع قضيته كل الناس هو الدكتور أحمد العش.. و صدرت في حقه أحكام مشابهة و تابعها كل الناس.. رفض الربط بين الجواز و الانتماء: و أمام موقف السلطات من الانتماء، ينقسم الناس إلى ثلاث أقسام، رافض تماما لمسألة الربط بين جواز السفر و الاستقالة من الانتماء السياسي، و هذا الصنف في العادة لا يذهب إلى السفارة أصلا فهو يعرف أنه مارس انتمائه السياسي في تونس في التسعينات و قبلها، بما رأته حركته صالحا، و أقبل عليه بإخلاص، و استوجب عمله هذا، وفق القوانين المعمول بها في تونس و يعلمها جيدا هذا المنتمي، أحكاما مازالت في ذمته إلى الآن. و أول التهم هي الانتماء إلى جمعية غير مرخص فيها.. وإصرار "العائد" على الانتماء يعرضه عند العودة إلى قانون مازال سار المفعول و لم يلغه البرلمان بلونه الواحد، لمن لا يتذكر، و لن يلغ حتى حين تكون تعددية يوما ما، حسب رائي المتواضع. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يتغير هو سرعة الاستجابة إلى طلبات تأسيس جمعيات أو أحزاب، أما قبول أو تقنين العمل السري فلم يحدث في أي دولة متقدمة في الحريات أو متأخرة في ذلك.. خيار الاستقالة: لن يختار أحدهم أن يستقيل من انتمائه السياسي، إلا لأنه فكر في ذلك، و لأنه فكر في ذلك منذ مدة طويلة في غالب الأمر، فالتكوين الإسلامي و التربية على العمل السري تأخر جدا مثل هذه القرارات. و رغم ذلك ينبه "بعضهم" السلطة إلى أن هناك من يستقيل و قلبه معترض على ذلك.. لا حول و لا قوة إلا بالله، هل إلى ذلك منتهاكم يا "بعضهم".. و هل هذا إلا إغراء لا يمكن أن يكون.. أسفني جدا تنبيه "الغافلين" من السلطة، لغياب الحاجة إليه أصلا، و لأنه يكشف فقط سريرة من يتجرأ على هذا التنبيه.. لقد عاد بعضهم بدون أي شروط: لقد عاد الكثيرون بدون شرط الاستقالة، أو أنهم رفضوا شرط الاستقالة، و أهمهم الدكتور محمد النوري، و لقد طلب منه أحد الأخوة (Ali Mokni) بكل أدب على الفايس بوك أن يشرح هذه العودة التي قال عنها " أنه عاد إلى تونس بصفته الإسلامية وخرج منها بصفته الإسلامية" و لم أرى له جوابا على هذا السؤال و لكن رأيت له تعليقات متكررة حول "ماذا يعني أن تكون مسلما في فرنسا اليوم"..أو مقالات عن البنوك الأسلامية.. قبل الدكتور محمد النوري عاد الدكتور أحمد العش، و رفض في عزة و إباء شرط الاستقالة، و كانت معاناته التي تابعها المتابعون و هو الآن حر في تنقلاته مع تونس. عادت كذلك زوجته أذكرها لأنها تحملت مسؤوليات في الحركة بجواز سفر فرنسي، و رفضت الاستقالة كذلك و ثبتت على ذلك. وهي الآن حرة في تنقلاتها مع تونس و الحمد لله. الطرق الأخرى: يمكن أن لا تستقيل و تحافظ على الانتماء إلى خيارك السياسي و لكن عليك أن تتعهد أن "تناضل" من داخل الحركة من أجل أن ينجز الإسلاميون المراجعات التي تحدد مسؤولياتهم و ما يتبع ذلك و يلزمه من عدم ترك الحركة للمغامرين... و هذا الخيار عرض على بعض الراغبين في العودة.. فيكون الذين استقالوا و علم الناس أنهم استقالوا قد اختاروا الوضوح في زمن الضباب، ذلك أن الاستقالة مسؤولية من حيث قطع المستقيل مع الجهاز الحزبي و أخباره و خططه، و قطعهم معه كذلك. الطريق الصحيح: كل الجمعيات التي أمضت على "عريضة وطنية: مساندة لحق العودة للمهجرين التونسيين" بتاريخ 9 أفريل، هي جمعيات ساندت منذ البداية حق العودة فماذا يضيف هذا التذكير؟ و حتى إن كان هذا البيان دوري روتيني غرضه الالتفاف حول"المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين" التي تشقها خلافات علنية، فلن يقدم في القضية الأصل وهي العودة، قيد أنملة. يجب أن يذهب إلى أحدى السفارات، و أرشح سفارة فرنسا لعدد اللاجئين في هذه البلاد، ممثل عن الراغبين في العودة، و يتحدث إليهم حديث العريضة، و أنا أرشح الأخ عماد الطرابلسي من ألمانيا للقيام بهذا الدور ليكون الاتصال ب"العزة" اللازمة، و حتى لا يحتكر العمل في هذا الاتجاه إخوان فرنسا. ثم يخبرنا بعد ذلك ممثل الراغبين في العودة بتفاصيل ما توصل إليه أو لم يتوصل إليه، و يكون في حينها، حديث أخر.. في انتظار هذا العمل، أضم صوتي إلى الأخ عادل الزيتوني حين يقول "أنا مع وضع ميثاق شرف يُمضى من كلّ المؤمنين برسالة [ ] ليلتزموا بأن لا عودة حتّى لو حصلوا على وثائقهم (جوازات سفر) ما دام هنالك تونسيّ واحد ممنوع من العودة..." أي في انتظار أن يتقدم الحوار لي رجاء خاص لكل الذين حصلوا على جوازاتهم و خاصة من الوجوه المعروفة، أن يتوقفوا عن العودة فترة زمنية محدودة، حتى يقع حلحلة الملف في جملته. فتحي الصكلي - ألمانيا-