حمدا لله أخي الحبيب في البدء على عودتك سالما غانما من القرية الظالم أهلها إن ما كتبته بعد رجوعك المظفر هو عين العقل وعين الصواب ولم يكن فيه أي مدعاة للإستغراب. لأنه ليس من الحكمة وليس من الطبيعي أن يكتب عائد مثلك عبر بوابة الملحق الأمني عن طمس الهوية ونهب العائلات الحاكمة لخيرات البلاد والجريمة المنظمة التي تفشت في كل شبر من تراب الجمهورية ومؤامرات التمديد والتوريث والتدمير الممنهج لشباب تونس عامة ولشباب الصحوة خاصة. لا يكتب في هذه المواضيع إلا غبي معلوم الغباوة . أما الشاطرالفهلوي الذي من عليه حامي الحمى والدين بالعفو والعودة ( الحيط الحيط ) أذكى من أن يقع في مثل هذا الشراك. اللعبة فيها جواز أخضر واستثمار وبحار وعروسات ، و ريحة البلاد يابا ومشموم الفل ، وتحت الياسمينة في الليل ، ويا سطل فيكش ماء نغسل وجهي ، وإذا أعطاك العاطي لا تشاطي ولا تباطي وغيرها من الأغاني الراقية والله أحد وأبو جهل ما كيفو حد. إنها أخي الحبيب ضريبة العودة بشروط السلطة التي تفرضها الداخلية على البعض وقد دفعها قبلك صاحب المستقلة المتيم بحب خطابات سيد الرئيس وصاحب نظرية نصف الكأس المليان ، وواعظ الدنمارك ، ودكتور لندن الذي جلس أثناء زيارته إلى تونس في أحد مقاهي العاصمة يحسب المحجبات ( خدمة إلي ماعندو ما يخدم ) ودكتور باريس للإقتصاد ، وأستاذ العقيدة صاحب المربعات البيضاء والسوداء التي خدمت مصلحته الخاصة فقط ولم يجني منها المعذبون في تونس شيئا ، ومصطفى الونيسي الذي فتح كتابا لتحفيظ القرآن في فرنسا غير المسلمة ولا يستطيع فتحه في تونس المسلمة. لقد بلغ الأمر بأحدهم أنه استجاب في السنتين الأخيرتين لأوامر الملحق الأمني أكثر مما استجاب لأوامر الله ورسوله فقدم استقالته وتبرأ من ماضيه وجرم حركته التي تربى وترعرع فيها وجنى من وراءها الكثير وأشاد بالمنجزات ومدح سيادته ، وزار القنصلية أكثر مما زار المسجد ، وأشبعني أنا شخصيا سبا وشتما ونعتني وبعض الإخوة بأقسى النعوت ولم يبق له إلا أن يقيم علينا الحد. هذا الشخص قوبل طلبه بعد كل هذه الخدمات الجليلة التي قدمها طوعا وعن طيب خاطربالرفض القطعي فذكرني حاله وحال الملحق الأمني بقوله تعالى في سورة الحشر ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ). لقد وردت أخي حبيب في مقالك مغالطة كثيرا ما رددها الذين سبقوك ومفادها أن ما أقدمت عليه هوشأن شخصي لك حرية اتخاذ القرار فيه مثلما كان خروجك من البلاد قبل ذلك قرارا شخصيا . أخي حبيب انت لست ملكا لنفسك ، أنت ملك لدينك ولمبادئك ولمصلحة المسليمن العامة . أخي حبيب أنت حر ما لم تضر، إذا كان قرارك يسر عدوك ويقدم للظالم هدية مجانية من شأنها أن تضفي على الواقع الأسود شرعية لا يستحقها ويحزن حبيبك ويزيد في قمع المظلومين فبئست الحرية هذه. كل قراراتك ومواقفك يجب أن تنطلق من عقيدتك ومن أخلاقك الإسلامية والفصل بين ماهو سياسي ودعوي هو فخ نصبه العلمانيون العرب والعجم للإيقاع بالحركة الإسلامية في مستنقع تفكيك شمولية الإسلام. كما أن خروجك لم يكن فرديا كما زعمت وزعم الذين من قبلك إنما كان جماعيا ، فكيف يكون خروج الآلاف من الفارين في فترة زمنية وجيزة ( أغلب الهجرة كانت بين 90 و92 ) خروجا فرديا . أما تبرير العودة بمبرر إنساني وشرعي كزيارة الوالدين العجوزين وصلة الرحم فلم يعد ينطلي على أحد لأن هذه الوضعية تنسحب على جميع المهجرين من جهة ، فكلنا نعاني من فراق مرير للعائلة وليست حالة خاصة ببعض دون بعض إلا اللهم إذا اعتبرتم أننا لسنا من فصيلة البشر لا مشاعرولا أحاسيس لنا ، وهي من جهة أخرى تغطية للضعف والهزيمة النفسية والإنتهازية والأنانية التي تربى عليها البعض. قل لي أخي الحبيب بربك هل أصدقك أنت العائد حديثا بعد عشرين سنة أم أصدق عمالنا بالخارج الذين يعودون مرارا كثيرة في السنة . هؤلاء ليس لهم مشاكل أمنية مع السلطة وليس لهم أي انتماء حزبي وليس لهم أي حسابات سياسية ومتحررون ماديا. تربطني بالكثير منهم علاقات حميمية وأتحدث معهم دائما في الشأن التونسي وموقفهم ونظرتهم مختلفتان تماما عما كتبت وكتب غيرك وخاصة في المجالات الأربعة التي تناولتها. هل نصدقك أنت ونكذب تقارير زهير مخلوف ومعز الجماعي وراديو كلمة وحرية وانصاف الذين يعيشون الواقع المرير لحظة بلحظة. هناك مسألة كثيرا ما حيرتني أخي حبيب وهي أنه عادة كلما ازدادت عودة الناس لدينهم نقص وتقلص حجم الفساد والجريمة والإنحلال . إلا في تونس الصورة معكوسة ، الجميع يتحدث عن صحوة إسلامية كبيرة وعودة للتدين والمساجد عامرة والحجاب منتشر يقابل هذا كله ازدياد مهول في معدل الجريمة والفساد والسرقة والإنحلال والطلاق والعنوسة وإلقاء الشباب اليافع بأنفسهم في البحار بماذا تفسر ذلك ؟ أخي الحبيب أتمنى لك عودة دائمة ونهائية لتونس حتى تعتز بهويتك العربية الإسلامية أكثر، فتواجدك في الغرب يقلص من ذلك ، وحتى تسجل أبنائك في الكتاتيب العصرية المنتشرة بكثرة في البلد لكي تتحسن نتائجهم الدراسية أكثر ويتعلقون بكتاب الله حفظا وتلاوة وتدبرا وتطبيقا ، وحتى تتمتع بحرية المساجد التي تلعب دورا رئيسيا في انتشار الصحوة الإسلامية بين الناس وعنوانا على إقبالهم على تعظيم شعائر الإسلام و تؤسس لتعزيز روح الدفاع عن هويتهم العربية الإسلامية ، وتنعم النساء بالمكانة الرفيعة التي توليها الدولة للحجاب والتي يعود لها الفضل في انتشاره. أخي الحبيب أعاهدك عهد رجال أنك لو تعود أنت والذين سبقوك وتستقرون نهائيا في تونس فإني سأنسج على منوالكم وسأشد الرحال بعدكم بيوم واحد إلى القنصلية وأقدم كل أنواع التنازلات من أجل اللحاق بكم . المنجي الفطناسي / ألمانيا