ممنوع الحِ...و why not لِلْحَ ... اللباس ظاهرة موغلة في القدم قدم الإنسان ولاغرابة إذا قلنا إنها لازمته منذ فردوسه الأول إذا ما منحنا للباس مفهوم السِتْرٍ والإخفاء والحجب والتغطية بمفهومها البسيط لا البلاغي الدلالي بحسب بعض اللغات ومع ذلك عرف هذا المنشط الثقافي بالمفهوم الفلسفي والديني توظيفا كبيرا برفض بعضه أو تعزيزه فآدم علمه ربه الأسماء كلها بعد نفخ الروح وهو بذلك انتقل من الطبيعة للثقافة وتعزز هذا الانتقال بما كان يغطي سوأته من ورق الجنة وحتى لا يسخر منا أصحاب الأرض أولئك الذين يريدون ترك السماء للعصافير نقول إن اللباس جسّد نقلة من الطبيعة للثقافة تعويلا على الميتافيزيقا والغيبيات أو دونها. ويمثل اللباس اليوم مجالا خصبا تتنافس في مداليله كل المجالات الفاعلة في حياة الشعوب المتطورة من العلوم الدقيقة (الهندسة) إلى العلوم الإنسانية (الاجتماع والأنثروبولوجيا والتاريخ والمتاحف) وهو اليوم مدار الجدل شرقا وغربا فالنقاب بعيدا عن مداليله الدينية يؤرق اليوم دولا ذات عراقة في قبول الاختلاف ونظر فلاسفتها كثيرا للحرية وجعلوها ميسما للدساتير كفرنسا وسويسرا وإسبانيا وهو كذلك قديما كان مدار سجالات حتى في المجتمعات التي ابتكرت لباسا معينا وعُدَّ من انجازاتها وصار لاحقا من تقاليدها فعمر بن ربيعة كرس شعره للدعاية للون محدد ولهيئة مقبولة دون سواها (قل للمليحة في الخمار الأسود) وهذا دليل على خصوبة هذا الحقل واختلاف الرؤى حوله فالموضة اليوم رغم تراجع سطوتها بسبب الكساد المالي إلا أنها ما زالت توجه الذائقة العالمية باعتبارها وحدة كونية ونزوعا نحو عولمة الرموز والدلالات وبهذا ستنقسم المجتمعات إلى شقين شق يسير في ركب هذه العولمة بطينها وطميها وشق سيتذرع بالخصوصية ومتطلبات الهوية المحلية أو القومية أو الدينية ولهذا نرى نزعات شتى تسعى للحمائية الذاتية وتدافع عن مكتسباتها بكل شراسة ومتمترسة بالرفض وأخرى تدافع بشراسة أقوى للانخراط في التيار المبرمج دون نظر للذاتي بل تهزأ من هذه الدعاوي وتحاربها وهذا ما سمى نفسه بتيار التحديث والنهل من مكتسبات ما بعد الحداثة ومهندسو الفوضى الخلاقة ومؤبني التاريخ بعد أن طعنه فوكوياما وهذا التيار له أنصار كثر في تونس والكثرة ليست بالعدد بل بالقوة خصوصا إذا ما تمترست قلة بدينامو النظام واتخذته واجهة ودرعا ومثل هذا التيار قرر أن يقطع مع اللباس ومع ما اعتبروه يهدد اللائكية ومكتسبات النظام الجمهوري فالكمالية عندنا اتخذت أشكالا عدة فمن حسن حظنا أن النهوض تلخص كله في الملبس والمأكل والتسليم بهاي وتشاو فلا حديث عن الصناعة والابتكار وفتح الأسواق ومواءمة التعليم للتقنية والاقتصاد اللامادي والاستثمار في الذكاء فهذه كلها لا تهمهم بل ما يهم هذه الفئة أنها تمنع كل ما يبدأ بالحِ تعلق الأمر باللباس أو بغيره ف: لاحِج. ولا حِجاب ولا حشمة ولا حِزب ولا حِلم ولا حِرفة ولا للحِنة ونعم للحَ نعم للحَجب ونعم للحَرَسْ ونعم للحَفلات ونعم للحَرقان ونعم لحَبوبة ونعم للحرقوص والحَلوزي ونعم للحَلب ونعم للحَبل والحربشة ومثل القول ليس مزايدة على وطني فذرة من ترابها أغلى من كل بلدان العالم حاشا القدس ومكة بل إقرار بغصة في الحلق فما شهده الأسبوع الماضي يدمي القلب فصاحبة المايوه ولا غير تحضى بحصتها من الناتج الخام للاقتصاد "الوطني" وصاحبة الفولارة تطرد من قاعة الامتحان في دولة يقول دستورها بمجانية التعليم وإجباريته لكل فرد وأنا هنا لا أرفض أن تقدم أي فتاة ما تريد شرط أن نترك الناس يعيشون بالطريقة المناسبة لهم والمريحة في إطار الاختلاف وقبول الآراء بصائبها وشاذها مادام بالماد يعلن مرارا أنه مغرم بالرجال و1% من ميزانية الدولة يوجه لوزارة الثقافة لتدعيمه وتدعيم غيره وتحاسب أعمال وتخنق ك "خمسون"وغيرها من الأعمال الجادة على قلتها هذه الأيام ولا تنال التأشيرة إلا بعد عسر. وفي نفس السياق نرى الكفر البواح للبوبيست التونسي الذي سب الجلالة من على الركح فإن كان الأمر هو إفساح المجال أمام كل الأطراف فلم لم يتم ذلك؟؟ ولم تطالعنا المواقع الممنوعة في تونس وأخبار المحاكم كل يوم بقائمة جديدة من الشباب المتدين الذين يزج بهم في السجون وثلة من الفتيات يمنعن على أبواب المعاهد والسبب الفولارة التونسية فالمرسوم 108 سيء الذكر يمنع (المسّاك) مشبك حديدي لأنه يمثل سلاحا أبيض فما قولنا بالسواطير المرابطة أمام المعاهد وفي جيوب المنحرفين والتي تشهر في وجوه الأبرياء في محطات المترو وقطارات الخطوط البعيدة وفي الشوارع طلبا لسيجارة أو 100دينار أو "هات برتابلوك واقلب وجهك" ولذلك مع كل فجر يوم جديد تتوسع قائمة الحرف المجرور فإذا دافعت عن حقك في مركز أمن يقول لك القائم مقام "سكِّر ما نحِبّش الحِسْ" وإذا ما استفسرت عن سبب منع غطاء الرأس يقال لك "طائفي ويرمز للحِزن" وإذا ما أردت أن تقيّم مخلفات أنفلونزا الخنازير عندنا تجد أن الضحية الوحيدة "الحِج" فالسفر لتشجيع منتخب كرة القدم في كأس إفريقيا كان من ميزانية الدولة لكن لا أنفلونزا فيه وإذا نظرت لخريطة العمل السياسي ستجد أن أيام المحتل الفرنسي كان الهامش فيه أوسع والآن لا"حِزب" يسمح به بالتكون أو العمل بل يسمح لك إذا أردت تكوين جمعية للصيادين حماية للبيئة وحتى ننهي ما بقي من حيوانات"أصيلة" أو يجوز لك أن تكون جمعية لحماية”الشكشوكة"ولا يمكن أن تكون جمعية"الحِساء" لأنه موروث سائل وغير واضح وأخطبوطي يتخذ من الدين مطية لبلوغ أهداف سياسية أما إذا كان الحرف منصوبا فأنت حر لأننا شعب نصبات وشيخات حَفّلْها وحَرْقِصْها وحَمِّرْها وخلينا نعيشوا و"خليك مِشِّيخ آكة مخو حِلْبَة ". ولننظر للمسألة بموضوعية وتجرد إن مثل هذه الأمور وإن كانت من هندسة رواق خاص داخل نظام الحكم فالشعب يبارك مثل هذه الأمور إذ لا بنت شفة لديه وهذه هي السلبية القاتلة ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فمتى ينتفض التونسي لعرضه ومصلحة وطنه؟؟؟