فشل أردوغان في تمرير تعديل دستوري: استياء فردي أم ضربة منظمة؟ إسماعيل ياشا
كاد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أن ينجح في تمرير حزمة من التعديلات الدستورية بسلام، لولا تصويت مجموعة من نوابه لرفض المادة الثامنة التي تجعل إغلاق الأحزاب السياسية أمرا صعبا، وتشترط حصول المدعي العام الجمهوري لمحكمة التمييز على إذن من لجنة برلمانية خاصة حتى يمكنه إقامة دعوى لإغلاق أي حزب. وحصلت المادة على 327 صوتا فقط في القراءة الثانية الحاسمة، والتي صوت لها 337 نائبا في القراءة الأولى، وبذلك سقطت المادة تلقائيا من حزمة التعديلات الدستورية، لكونها حصلت على أصوات أقل من 330 صوتا. يمتلك حزب العدالة والتنمية 336 نائبا في البرلمان، بالإضافة إلى نواب مستقلين يؤيد بعضهم هذه التعديلات، وهذا يعني أن عددا من نواب الحزب الحاكم أسند المعارضة في سعيها لإجهاض تمرير المادة في الجولة الأخيرة. كان فشل حزب أردوغان في تمرير هذه المادة التي تعد من أهم المواد المقدمة للبرلمان، مفاجأة مدوية، ليس بسبب عدم نجاح الحزب الحاكم في تمريرها فحسب، بل لدلالاته الخطيرة التي لابد أن يقف قادة الحزب أمامها طويلا ليعيد حساباتهم حتى لا تتكرر هذه النكسة في المستقبل. المادة الثامنة كانت إحدى المواد الثلاث التي ثارت ضجة حولها، ولقيت معارضة قوية من قبل أوساط قومية وعلمانية في تركيا، وبالتالي بدأ الجميع يترقب نتيجة التصويت على المادة الأخرى المثيرة للجدل، وهي المادة السابعة عشرة التي تنظم عدد أعضاء المحكمة الدستورية وطريقة تعيينهم، وسط تساؤلات حول إمكانية تكرار الفشل. ولكن السؤال الأهم الذي دار الحديث حوله في كواليس أنقرة والإعلام التركي منذ مساء الاثنين، كان: "هل معارضة هؤلاء النواب أي نواب الحزب الحاكم الذين لم يصوتوا لصالح المادة الثامنة أقرب إلى المكيدة المدبرة، تقف وراءها أيادٍ خفية تدخلت لإقناعهم، أم أنها بسبب استيائهم الفردي من كون المادة تشمل جميع الأحزاب السياسية، بما فيها الأحزاب المرتبطة بحزب العمال الكردستاني المحظور؟".. ذهب بعض المحللين إلى أن شبكة "أرغينيكون" الإجرامية التي خططت لعدة محاولات انقلاب على الحكومة التركية، والتي تستمر محاكمة أعضائها، هي من يقف وراء معارضة عدد من نواب حزب العدالة والتنمية للمادة الثامنة، وأن الحزب الحاكم أيضا مخترق من قبل هذه الشبكة، وهناك خلية تابعة لها في صفوف الكتلة البرلمانية لحزب أردوغان. بينما فسر آخرون امتناع نواب من الحزب الحاكم عن تأييد المادة الثامنة، بأنهم ينتمون إلى التيار القومي، ويرفضون التصويت لمادة سيكون حزب السلام والديمقراطية المتهم بتأييد الأكراد الانفصاليين، المستفيد الأكبر منها، أي أن النكسة تعود إلى استياء فردي لبعض النواب وليس لضربة مخططة بالتنسيق مع أعداء الديمقراطية. هذا السؤال الذي أشغل الرأي العام التركي لمدة 24 ساعة تقريبا وجد جوابه مساء الثلاثاء نسبيا، حيث نجح الحزب الحاكم في تمرير المادة السابعة عشرة بتأييد 337 نائبا، مخيبا آمال الأوساط المعارضة، وهكذا ترجح كفة من قال بأن معارضة عدد من نواب حزب العدالة والتنمية لاقتراح حزبهم، كان بسبب استيائهم مما سيؤول إليه الأمر في حال مرور المادة الثامنة من البرلمان. في حقيقة الأمر، لن يؤثر سقوط المادة الثامنة من حزمة التعديلات الدستورية كثيرا على حزب العدالة والتنمية كتأثيره على حزب السلام والديمقراطية، حيث إن المحكمة الدستورية التي امتنعت بتركيبتها الحالية عن حظر الحزب الحاكم، لن تقدم على حظره بعد إعادة تشكيلها وإدخال التعديلات على آلية تعيين أعضائها، بخلاف حزب السلام والديمقراطية الذي من المحتمل أن يقرر أعضاء المحكمة الدستورية بالإجماع حظر هذا الحزب المتهم بتأييد الأكراد الانفصاليين. "رب ضارة نافعة" يقول البعض، ويرى أن الحزب الحاكم تجنب بسقوط المادة الثامنة من الحزمة، الوقوع في الحرج، في حال تمت المصادقة على المادة الثامنة، ورفع المدعي العام دعوى قضائية بطلب حظر حزب السلام والديمقراطية؛ إن وافق على رفع الدعوى بصفته صاحب الأغلبية في البرلمان، فإنه سيُغضب الجمهور الكردي، وإن لم يوافق عليه يتم اتهامه بدعم الانفصاليين والتخندق معهم. ومع سقوط المادة الثامنة، بقيت صلاحية رفع الدعوى القضائية ضد الأحزاب السياسية بيد المدعي العام وحده، وبالتالي هو الذي سيتحمل المسؤولية بدلا من اللجنة البرلمانية. بعد إسقاط المادة الثامنة وتمرير المادة السابعة عشرة، تبقى الآن المادة الثالثة والعشرون التي ترفع عدد أعضاء المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين من 7 إلى 22، يرأسه وزير العدل ويكون مستشار الوزارة عضوا حكميا فيه. وإذا نجح حزب العدالة والتنمية في تمرير هذه المادة المثيرة للجدل في البرلمان، فإن نظرية من يقول بأن النواب الذين لم يدعموا حزبهم في التصويت على المادة الثامنة قرروا هذا بإرادتهم الحرة، سوف تتأكد صحتها، وإلا فعلى أردوغان أن يبحث بين نوابه عن "المتمردين" المتحالفين مع خصومه في التآمر على حزبه. ملاحظة: الكاتب صحفي ومحلل سياسي تركي، قريب من العدالة والتنمية التركي مجلة العصر 05-5-2010