من تونس: إسماعيل دبارة- إذاعة هولندا العالميّة / : أثارت مصادقة مجلس الوزراء التونسيّ على قانون يقضي ب "معاقبة كل تونسي يتعمد ربط الاتّصالات مع جهات أجنبيّة للتحريض على الإضرار بالمصالح الحيويّة للبلاد" المُرتبطة ب"أمنها الاقتصاديّ" الكثير من الجدل في أوساط الحقوقيين في الداخل والخارج. ولئن اعتبرت الحكومة أنّ إقرار هذا القانون يأتي في إطار حماية مقومات الأمن الاقتصادي التونسيّ في ظل التحولات التي يشهدها العالم وما تقتضيه من حفاظ على المصالح الحيوية لتونس من كل انتهاك ، فإنّ معارضين ونشطاء حقوقيين وجدوا فيه محاولة جديدة لإسكاتهم واستهدافا لهم لمنعهم من الانتقاد. تعزيز الأمن الاقتصاديّ مشروع القانون الذي صادق عليه مجلس الوزراء (الحكومة) ومن المنتظر أن يطرح قريبا على مجلس النواب، يتعلق بإتمام إحكام الفصل 61 مكرر من المجلة الجزائية وذلك بإضافة أحكام جديدة يعاقب بمقتضاها "كل تونسي يتعمد ربط الاتصالات مع جهات أجنبية للتحريض على الإضرار بالمصالح الحيوية للبلاد التونسية وتعتبر مصالح حيوية للبلاد كل ما يتعلق بأمنها الاقتصادي". وتقول الحكومة أنّ مشروع القانون يأتي للتأكيد على أهميّة الأمن الاقتصادي في تعزيز مناعة الوطن وتعزيز حماية مقومات الأمن الاقتصادي في ظل التحولات التي يشهدها العالم وما تقتضيه من حفاظ على المصالح الحيوية لتونس من كل انتهاك على غرار ما هو معمول به في تشاريع عديد الدول. أما الرئيس زين العابدين بن على فقال في هذا الصدد إنّ "حماية مصالح تونس الحيوية من كل طعن وانتهاك هي مسؤولية وطنية موجبة لكل التونسيين في ظل ما يشهده العالم من تطورات كرست البعد الاقتصادي كأولوية أساسية في دعم مقومات الاستقرار والمناعة". استياء حقوقيّ لم يتقبّل حقوقيّو تونس مشروع القانون الجديد، وسارع كثيرون إلى إدانته واعتباره "محاولة لإخراس الانتقادات التي استهدفت الحكومة خصوصا مع انطلاق مفاوضات مرتبة الشريك المتقدم مع الاتحاد الأوربيّ". الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان قالت في بلاغ لها إنّ هذا القانون تم الإعلان عنه عقب فشل تونس في الحصول علي مرتبة "الشريك المتقدم" في اجتماع الشراكة بينها وبين الاتحاد الأوربي الذي عقد في 11 مايو الجاري في بروكسل، وذلك بسبب انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة التي ترتكبها حكومة الرئيس زين العابدين بن علي ضد الصحفيين والنشطاء والمواطنين التونسيين عموماً، على حدّ تعبير البلاغ. واعتبرت "الشبكة" أن هذا القانون تم إعداده خصيصاً لإسكات أصوات المدافعين عن حقوق الإنسان الذين اعتادوا فضح الانتهاكات المستمرة التي يرتكبها زين العابدين بن علي والأمن التونسي ضد الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان وأيضا من اجل مزيد من الإحكام للقبضة الأمنية علي الحياة في تونس ". يقول السيّد خميّس الشماري الخبير الدوليّ في مجال حقوق الإنسان والعضو الشرفيّ في الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان في تصريحات للقسم العربيّ بإذاعة هولندا العالمية: "عدد من دول العالم تسنّ تشريعات مماثلة تخصّ متابعة من يمسّ بمصالحها الاقتصادية كعصابات المافيا ومن يقوم بتبييض الأموال والمُتورطين في قضايا الفساد والرشوة، ولكنني أعتقد نظرا لتركيبة السلطة في تونس وتفشي الفساد المالي، أن المقصود بهذا القانون هم نشطاء حقوق الإنسان والمُعارضون". ويرى الشماري أنّ مشروع القانون الجديد يأتي في إطار الحملة التي أطلقت في الصحف المقربة من الحكومة التونسية، ضدّ عدد من رموز المعارضة والحقوقيين والصحفيين متهمة إياهم بالخيانة والتحريض لدى جهات أجنبية ضدّ المصالح التونسيّة. قانون زجريّ تشير بعض القراءات الأولية لهذا القانون إلى أنه يبدو ذو طابع "زجريّ" وأنه سنّ في لحظات انفعال سياسي وتشنج من قبل الحكم، نظرا لتكثّف الانتقادات الداخلية والخارجية ضدّ طريقته في التعامل مع مخالفيه منذ انتخابات أكتوبر / تشرين الأول من العام الماضي. ويرى ملاحظون أنه من البديهيّ أن تسنّ تشريعات تحصّن الاقتصاد التونسي من الأضرار المحتلمة، سواء تلك المتسببة في تنفير المستثمرين الأجانب من الانتصاب في تونس أو تلك التي تضر بالمنتوج الوطني وتخلق نسيجا اقتصاديّا موازيا قد يعمّق أزمة المؤسسات. لكنّ إقراره في سياق حملة متكاملة تستهدف المنتقدين يجعله "مُوجها" وله خلفيات سياسية. مرتبة "الشريك المتقدّم" ! يرى متابعون أنّ التشنج الذي أبداه الفرق الحاكم في تونس تجاه منتقديه مؤخرا قد يشير إلى "فشل متوقع" في حصول تونس على مرتبة الشريك المتقدّم مع الاتحاد الأوروبيّ، وذلك بسبب ملفّ حقوق الإنسان واحترام الحريات العامة والفردية، وهو الملفّ الذي ناقشه الأوروبيون مطولا مع شخصيّات معروفة من المجتمع المدنيّ التونسيّ الذين أبدوا تحفظهم على "تسامح الأوربيين" مع تونس فيما يتعلق بالملفّ الحقوقيّ. ومرتبة "الشريك المتقدم" التي تسعى الحكومة التونسية جاهدة للحصول عليها، هي رتبة تُعطى لبلدان الجوار الأوروبي التي تحقق تقدما في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما تعتبر هذه المرتبة، الدرجة العليا التي حدّدها مسار سياسة الجوار الأوروبيّة، والذي يعتمد على إستراتيجية تقوم على إغراء البلدان الشريكة بتشجيعها على القيام بمزيد من الإصلاحات مقابل زيادة المساعدات. ومن المنتظر أن تساعد هذه المرتبة الطرفين على تطوير شراكتهما من مُجرد مبادلات تجارية عادية إلى تعاون استراتيجيّ متكافئ ومُثمر، لكنّ سجلّ تونس غير المشجع في مجال ضمان حرية التعبير واحترام التعددية السياسة وحقوق الإنسان يعتبر أكبر عائق للحصول على هذه المنزلة. ويقول خميّس الشماري للقسم العربيّ في إذاعة هولندا العالمية :" أنا مستغرب من طريقة تعاطي الحكومة مع هذا الملفّ، فهي تحمّل الحقوقيين مسؤولية عرقلة الحصول على مرتبة الشريك المُتقدّم، في حين أنها هي من تقوم بذلك، أما لو عُدنا إلى الوثيقة المرجع التي صدرت رسميا منذ أيام عن الاتحاد الأوروبي حول مداولات مجلس الشراكة، نجد أن أكثر من 95 بالمائة منها يبدو ايجابيا حول تقييم الوضع الاقتصادي والاجتماعيّ في تونس، لكنها تتضمن فقرة وحيدة تنتقد السجل الحقوقي بأسلوب دبلوماسي، مع تعهدات بأنّ الأمور ستتم بشكل جيّد خلال هذه السنة".