صور أطفالكم على الفيسبوك ؟ شوف القانون شنوا يقول    رد بالك من ماء البلاستيك! سخانة الصيف تطلق سموم خطيرة    ولاية تونس: اللجنة الجهوية للنظافة توصي بضبط رزنامة وبرنامج عمل للقضاء على النقاط السوداء    موجة حرّ كبيرة في شرق المتوسط جاية بسبب القبة الحرارية...هل تونس معنية؟    شنيا الحكاية؟ باحث أمريكي يحذّر من خطر زلزال يهدد تونس والبلدان اللي بجنبها    بارفان ب5 د و على الطريق ؟ رد بالك تضر صحتك و هذا شنوا يستنى فيك    ارتفاع درجات الحرارة في تونس: نصائح طبية ضرورية لكبار السن خلال الصيف    ماء الكماين خطر....هيئة السلامة الصحية للمنتجات الغذائية تحذر و تنبه التوانسة    سوسة: سلاحف بحرية مهددة بالاندثار تخرج إلى شاطئ القنطاوي في مشهد نادر    واشنطن تدين قرار وضع الرئيس البرازيلي السابق قيد الإقامة الجبرية    قناة السويس ترد على طلب ترامب بشأن المرور المجاني للسفن الأمريكية    عاجل: زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب هذه البلاد    غزة: كندا تسقط مساعدات وتتهم دولة الاحتلال بانتهاك القانون الدولي    الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن غوريون بصاروخ بالستي فرط صوتي    ديوكوفيتش يعلن انسحابه من بطولة سينسيناتي الأمريكية للتنس    وزير الشباب والرياضة يُكرّم الجمعيات الرياضية الصاعدة ويؤكد على دعمها وتحسين ظروف عملها    البحر مضطرب.. السباحة ممكنة لكن يلزم الحذر!    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    يهم التوانسة...درجات الحرارة هكا باش تكون اليوم وغدوة    الثلاثاء: البحر مضطرب بهذه السواحل    فنان الراب العالمي بلطي يروي قصص الجيل الجديد على ركح مهرجان الحمامات    فنان الراب العالمي بلطي يروي قصص الجيل الجديد على ركح مهرجان الحمامات    حملات لوحدات الشرطة البلدية تسفر عن القيام ب 54 عملية حجز    بنزرت/ حجز 5,45 طن من مادة الدلاع وإعادة ضخها في المسالك القانونية..    قيس سعيّد: التعليم الوطني هو السلاح الحقيقي للتحرّر    اكتشاف علاج واعد لأحد أخطر أنواع سرطان الدم    6 فوائد مذهلة للكمون ستجعلك تتناوله يوميا..    سلطات مالي تعلن تحرير 4 سائقي شاحنات مغاربة    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    أخبار النادي الصفاقسي .. حصيلة ايجابية في الوديات.. وتحذير من الغرور    المدير الجهوي للتجارة بنابل ل«الشرق» استقرار في التزويد.. وجهود لضبط الأسعار    تونس: تجميع أكثر من 11,7 مليون قنطار من الحبوب إلى غاية نهاية جويلية 2025    شبهات التلاعب بالتوجيه الجامعي ..فرقة الجرائم المعلوماتية تلاحق الجناة    أخبار الحكومة    بنزرت الجنوبية: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    بلاغ رسمي للملعب التونسي    وزير السياحة: سنة 2026 ستكون سنة قرقنة    المنستير: تظاهرة "فنون العرائس على شاطئ روسبينا" في دورتها الثانية بداية من 15 أوت 2025    ليلة الاثنين: بحر مضطرب بالسواحل الشرقية والشمالية    النجم الساحلي يتعاقد مع الظهير الايسر ناجح الفرجاني    القصرين: سواق التاكسي الفردي يتوجهون نحو العاصمة سيرًا على الأقدام تعبيرا عن رفضهم للقائمة الأولية للمتحصلين على رخصة "تاكسي فردي"    مهرجان نابل الدولي 2025... تكرار بلا روح والتجديد غائب.    رونالدو يتحوّل إلى صانع القرار في النصر... ويُطالب بصفقة مفاجئة    ماء في الكميونة يعني تسمم وأمراض خطيرة؟ رّد بالك تشرب منو!    التوجيه تحوّل لكابوس: شكون تلاعب بملفات التلامذة؟    أمطار وبَرَدْ دمّرت الموسم: الزيتون والفزدق والتفاح شنيا صار؟!    والد ضحية حفل محمد رمضان يكشف حقيقة "التعويض المالي"..    أحمد الجوادي قصة نجاح ملهمة تشق طريق المجد    سليانة: رفع إجمالي 275 مخالفة اقتصادية خلال شهر جويلية    "روبين بينيت" على ركح مهرجان الحمامات الدولي: موسيقى تتجاوز حدود الجغرافيا وتعانق الحرية    وزارة الأسرة تؤمن مواكبة 1200 طفل من فاقدي السند ومكفولي الوزارة عرض La Sur la route enchantée ضمن الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي    إصابة عضلية تبعد ميسي عن الملاعب ومدة غيابه غير محددة    جريمة مروعة تهز دمشق: مقتل فنانة مشهورة داخل منزلها الراقي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تاريخ الخيانات السياسية (35): المنتصر يقتل والده المتوكّل    اعلام من باجة...سيدي بوسعيد الباجي    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيلين توماس... كانت تستحق اختيار توقيت مغادرتها
نشر في الحوار نت يوم 11 - 06 - 2010

غادر، مع فراغ كرسيها الأمامي في الجناح الغربي، ضمير البيت الأبيض. مغادرتها هو الحد الفاصل في تاريخ الصحافة الاميركية، الذي يطوي نشوة المهنة وغايتها الرئيسية في محاسبة السلطة، وما يبقى بعدها مجرد هوامش وتفاهات في قاعة جيمس برايدي الصغيرة، قرب المكتب البيضاوي، حيث تتواصل يومياً محاولات الغزل بالسلطة أو طرح تساؤلات لا تقارب جوهر الأزمة الاميركية ولا تخرج عن التفكير النمطي التقليدي.
بغض النظر عن التبرير أو الانتقاد لما قالته هيلين توماس، هي لا تستحق هذه النهاية لمسيرتها المهنية التي طبعت الصحافة الاميركية. وفعل إجبارها على التقاعد بحد ذاته، يمثل مؤشراً سلبياً على حرية الصحافة في الولايات المتحدة، خاصة في القضايا المتعلقة بإسرائيل.
هيلين توماس كانت تستحق اختيار توقيت مغادرتها مسرحها المهني. دعوتها إلى الشعب اليهودي «الخروج من فلسطين» في لحظة عاطفية من تاريخ هذا النزاع هو رد فعل بديهي من صحافية عربية الأصل ولدت في العام 1920، حين كانت فلسطين هي القاعدة لا الاستثناء. وهو موقف لا يستدعي التجاهل المتعمد لإنجازات هذه الصحافية الاستثنائية.
بعد هذا التصريح، ورغم اعتذارها، تعرضت توماس لحملة عشوائية من زملائها في المهنة المفترض عليهم الدفاع عنها، ليس فقط لأنها عميدتهم بل لمركزية حرية التعبير في الصحافة الأميركية. فتحت أبواب جهنم على هذه السيدة اللطيفة، التي ساعدت كل زملائها وزميلاتها على مر عقود من الزمن، يأتون إليها يومياً لاستشارة وتشجيع، ولم تغلق بابها أمام أحد.
أخذت منهم القيادة، عندما تحدّت مع الرئيس الأسبق جورج بوش حول مبررات غزو العراق. كان الإعلام الاميركي حينها بكل رموزه يغازل هذه الإدارة الراحلة، ويطرح عليها أسئلة، يعطيها مواد اضافية لتبرير الغزو، قبل أن يستدرك أن الرأي العام الأميركي تحوّل ولا بد من التكيّف معه.
معركة «وراثة» كرسيها الأمامي في البيت الأبيض بدأت بين «فوكس نيوز» و«بلومبرغ»، بدون فترة زمنية، على الأقل احتراماً لمسيرتها. وأسوأ ما يُرتكب بحق هيلين هو احتمال منح كرسيها الليبرالي المتحرر، إلى «فوكس نيوز».
عندما احتفل الرئيس باراك اوباما بعيد ميلادها في البيت الأبيض في 2009، سألها عن أمنياتها، فكان جوابها «السلام العالمي وقانون الرعاية الصحية». حقق اوباما أمنيتها الثانية وخيّب أملها في الأولى، عند محاولة «أسطول الحرية» كسر حصار غزة.
هي قالت عن بوش يوماً «إنني أغطي أسوأ رئيس في التاريخ الأميركي»، وذلك خلال حديث خاص مع صحافي شاب قام بنشر مقاله في كانون الثاني 2003. بعدها بشهرين، لم يوجه بوش الكلام لتوماس، للمرة الأولى منذ 40 عاماً، لتطرح كالعادة سؤالها الأول. فكتبت إليه رسالة اعتذار، لكنه لم يتجاوز الأمر، إلا بعد ثلاث سنوات في مؤتمر صحافي في آذار 2006، دخل تاريخ المهنة.
حينها، أشاد بوش مازحاً بأداء هيلين، في حفل عشاء قامت فيه بتأدية أغنية ساخرة عن طموحات هيلاري كلينتون الرئاسية، قبل أن يطلب منها أن تطرح سؤالها، فردّت «ستتأسف على هذا الأمر». أردف قائلاً «حسناً إذاً، دعيني أسحبه». فتابعت وسألت «لماذا قمنا، فعلاً، بغزو العراق؟ كل سبب حول الحرب، قُدِّم علناً على الأقل، تبين أنه ليس صحيحاً»، قبل أن تقول إن بوش أراد غزو العراق «من اللحظة التي دخل فيها إلى البيت الأبيض». فردّ بوش «الافتراض أنني أردت الحرب، خاطئ تماماً هيلين، مع كل احترامي».
حين سألتها «السفير»، في حوار أجرته معها في تشرين الثاني الماضي، كيف تريد أن تُذكر يوماً؟ ضحكت هيلين توماس طويلاً وأخذت وقتها في التفكير لتقول «أود أن أٌذكر كشخص طرح الأسئلة المهمة، وبحث عن الحقيقة».
قالت حينها لزملائها العرب «إبحثوا عن الحقيقة، أحياناً قد يكون ثمنها باهظاً لكنها تستحق العناء». سنشتاق لبذلتها السوداء وطلي أظافرها بالأحمر والأساور حول ذراعيها، هذا الزي التقليدي لمن تسمى ب«البوذا الجالس»، تُحرج كل الرؤساء بالتساوي والتراضي.
علقت مؤخراً على أداء الجيل الإعلامي الجديد: «ليس كل من لديه كمبيوتر محمول هو صحافي. ليس لديهم أي تدريب... وليس لديهم أي تفانٍ للحقيقة». مدرستها هي توجيه الأسئلة التي لا يتجرأ أحد على طرحها، وقول المواقف التي لا يتجرأ أحد على التعبير عنها، هي التي تبدأ كل أسئلتها بعبارتها المفضلة «لماذا».
السؤال بعد ما حصل لهيلين توماس، هل من مكان في الصحافة الاميركية لانتقاد إسرائيل بغض النظر عن سقف هذا الانتقاد، وهل الانغلاق الفكري لحرمان نعوم تشومسكي من دخول إسرائيل ينتقل إلى واشنطن؟ وأين المواقف المنددة عندما يطلق اليمين الاميركي جنونه يومياً من راش ليمبو الى غلين بيك عبر «فوكس نيوز»، الذي يصف اوباما بأنه أدولف هتلر يرسل الأميركيين إلى «المحرقة».. كل هذه مواقف لا تخرج عن إجماع الانقسام الاميركي، لكن دعوة اليهود «الخروج من فلسطين» تهمة لا تغتفر ولا يضمنها الدستور الاميركي.
موقف جون ستيوارت على برنامجه الكوميدي يختصر كل شيء، حين طلب من الإعلام الاميركي التفكير بتقاعد هيلين المفاجئ، قائلاً «متى دفاع أميركا الثابت عن إسرائيل بدأ يؤدي إلى تسوية على دفاعنا الثابت عن حرية التعبير؟ وهل إعلامنا يظهر عارض تحيز ضد العالم العربي ومعاناة الفلسطينيين؟».
ويتطرّق ستيوارت إلى المعركة على وراثة مقعد توماس، بالقول «الأمر لا يتعلق بترتيب المقاعد، بل يتعلق بترتيب الكلمات التي تخرج من فم المراسل». وسخر من تلبية كبار الصحافيين لدعوة نائب الرئيس جو بايدن إلى حفل قرب الشاطئ، قائلا «من الجيد أن نرى السياسيين والناس الذين نعول عليهم لمساءلتهم» في علاقة حميمة.
هيلين تجسد هذه العلاقة التي يجب أن تبقى متواصلة، لكن متناقضة المصالح بين السلطة والصحافة. عندما يخطئ الصحافي، لديه النزاهة الأخلاقية للإقرار بما فعله أو قاله، حتى لو كان صحيحاً، مع الاحتفاظ بحق وقدرة محاسبة السلطة فوق كل اعتبار. أما السلطة التقليدية فلا تحترف الإقرار لا بالغزو ولا بالخيارات الطائشة ولا باستغلال موقعها. هذه دروس واشنطن هذا الأسبوع، ولهذا نعشق فيها هيلين توماس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.