حسنين هيكل ...ذلك الشيطان الإنسي الذي أوحى إلى عبد الناصر زخرف القول غرورا!!! فمن أول لقاء لهم في حصار الفالوجة بفلسطين .. إلى ساعة احتضار ( الريس ) كان هيكل هو المؤثر و الموجه لزعيم الأمة العربية.. و قبل أن نعيش اللحظات الأخيرة للريس و التي خذل فيها هيكل سيده .. أنقل لكم من ذاكرتي ما قرأته عن هذه الشخصية الغريبة من كاتب عاصر الأحداث . لم يأل الكاتب المبدع ( محمد جلال كشك ) جهداً في إظهار حقيقة المدلس الأكبر ( محمد حسنين هيكل ).. و التدليس معروف أنه " أخو الكذب " من خلال كتابه الشهير " " ثورة يوليو الأمريكية " ..
و لكم كانت دهشتي حينما كنت أسير في إحدي ميادين القاهرة عام – 1990 – ميلادي . و إذا بي أنادي والدي قائلاً له : هل تصدق ما تقرأ!؟ أبعد عشرين سنة فقط من موت ( زعيم القومية العربية ) يأتي زمان على الناس ليروا بأم أعينهم الوجه الآخر و العملة الأخرى لهذا الزعيم و الذي طالما حاولت مساحيق الإعلام الثوري الناصري تجميله و تحسينه و نفخه حتى غدا في حس الأجيال إلهاً يعبد من دون الله.
هكذا سمح نظام – حسني مبارك – بتعرية أكبر رمز قومي عربي في المنطقة كلها.. و سارعت بقراءة المجلد و الذي بلغت صفحاته (645) صفحة . حيث أبدع صاحبه الكاتب العظيم ( محمد جلال كشك ) بإسناده بأدلة تاريخية لواحد من أبرز رجال الثورة المصرية و هو الضابط الوحدوي ( حسن التهامي ) .
قبل أن أقدم شهادتي من خلال كتاب قرأته هنا في سويسرا عام 2003 – ميلادي .بعنوان ( هؤلاء المرضى الذين يحكموننا ) " Ces malades qui nous gouvernent " تأليف ( بيير أكوس - و دكتور بيير رونتشنيك " وهو يحوي شهادة الأطباء الأوروبيين الذين حضروا اللحظات الأخيرة في حياة الرئيس الراحل – جمال عبد الناصر - هذا الشهادة لم تأتِ من غريم يُكِنُ للكاتب - محمد حسنين هيكل – العداء أو الحسد .. بل جاءت من أناس محايدين لا يعرفونه من قبل.
أقول .. قبل أن أنقل رواية هؤلاء الأطباء للمشهد الذي جمع – حسنين هيكل - بالرئيس المصري - جمال عبد الناصر – في ساعة احتضاره .. أثبت من ذاكرتي أهم ما ورد في كتاب - محمد جلال كشك – بخصوص الدور الخطير الذي قامت به هذه الشخصية الغريبة الغامضة ( محمد حسنين هيكل ) ..هذا الخشبة المُسندة الذي إن يقول ..تَسْمع لقوله ملايين العرب و المسلمين من خلال شهاداته في قنوات عربية مثل الجزيرة القطرية دون حسيب و لا رقيب!!
أخطر دور قام به هيكل
يروي جلال كشك كيف أن المخابرات الأمريكية قد فاض بها الكيل جراء مواقف الملك الراحل – فاروق – و أنها قد أخذت قراراً بسحب البساط من تحت أرجل الإنجليز من خلال ما كان يعرف وقتئذ ب ( الصراع الأنجلو - أمريكي ) و كان العميلان المخولان بهذه المهمة من قبل وكالة المخابرات الأمريكية ( CIA ) هما ( مايلز كوبلاند ) و ( كيميت روزفلت ) ..
فاتح الإثنان الصحفي المصري ( مصطفى أمين ) و على الفور جاء رده : أعرف صحفياً زميلاً لي اسمه ( محمد حسنين هيكل ) خريج الجامعة الأمريكية و الذي دائماً ما يذكر البكباشي ( جمال عبد الناصر) .. ففيه من الصفات و التوجهات التي تتمشى مع ما ترغبون.
وحدث اللقاء بين رجال ال " سي آي و أيه " و هيكل ... ثم توالت لقاءات سرية أعطت المخابرات الأمريكية الضوء الأخضر لزعيم القومية العربية بالتحرك لقلب نظام الحكم الملكي .. و جعله نظاماً ثورياً جمهورياً.
الأغرب من ذلك كله .. أن حصار الفالوجة عام 1948 ميلادي .في فلسطين و الذي تعرف فيه ( هيكل ) على ( عبد الناصر ) جرت فيه اتصالات غير سرية بين عبد الناصر و قادة من أمثال ( أيغال يادين ) وصلت إلى درجة تبادل الهدايا بينهم .. ففي إحدى المرات بعث ( يادين ) بهدية إلى البكباشي ( جمال ) تحوي صناديق برتقال و علب ( شوكولاته ) و جاء تعليق الضابط الإسرائيلي : لأن " جمال " يحب الشوكولاته و البرتقال . لم يتطرق الكاتب ( جلال كشك ) من خلال ذلك إلى كيفية الربط الذي حدث بين عبد الناصر و الصهاينة .. و لكن بعد افتضاح أمر هذا الهيكل .. لا يخالجني أدنى شك في أنه هو كان الواسطة بين الصهاينة و جمال عبد الناصر.
و على مدى سنوات الحكم الناصري كان الهيكل الخشبي المُسند " محمد حسنين هيكل " من وراء حجاب... يكتب الخطب الرنانة و ينفخ في الزعيم بأبواق إعلامه السحرية. و بعد أن تأكد (مايلز كوبلاند ) من إتقان العميل هيكل لأدواره ..وضعه على السكة .. و ربطه بقناة أخرى تضمن سيره على خط القطار الأمريكي دونما عوج و لا انحراف.
يقول " مايلز كوبلاند " في كتابه : " لعبة الأمم" : The Game of Nations " [ .. ولكن القلق بقى ينتاب المسئولين عن وضع خططنا في واشنطن بخصوص أفكار عبد الناصر حول : " الصفوة المختارة والمؤهلة للحكم فطريا " . وكانت مثل هذه الأفكار تصلهم عن طريق(( هيكل ليكلاند )).. ] (1)
و ( ليكلاند ) هذا هو " وليم ليكلاند " ضابط المخابرات الأمريكي والمسئول السياسي في السفارة الأمريكية في القاهرة .
هيكل .. منكر للبعث ورد في كتاب ( هؤلاء المرضى الذين يحكموننا ) .. و هذا النص أثبته هنا بترجمتي و من خلال ذاكرتي ، لأن الكتاب قد أرجعته لصاحبه و ليس في حوزتي الآن حتى أذكر مرجعيته و رقم الصفحات. فعندما قام الطاقم الطبي الأجنبي بمحاولاته لإنقاذ الرئيس ( جمال عبد الناصر ) من النوبة القلبية التي أصابته بعيد مؤتمر القمة العربي في القاهرة في الفترة من 26 إلى 28 سبتمبر 1970. حيث عاد من مطار القاهرة بعد أن ودع أميرالكويت. نص الترجمة " أمر الرئيس باستدعاء الكاتب و الصحفي المصري ( محمد حسنين هيكل ) على وجه السرعة .. و جيء بالسيد " هيكل " حيث جرى بينهما الحوار التالي : هيكل : سلمتك يا سيادة الرئيس عبد الناصر : محمد .. أنا خائف من بعد الموت .. و( بعد محاولات الطمأنة و التخفيف على الرئيس و أنها " شدة و تزول يا ريس " .. إلا أن الريس بدا عليه التأثر البالغ و الخشية من الموت و الحساب و القبر و البعث و النشور. ) (2) هيكل - يمسك بيد الرئيس و يمسح عليها - : لا .. لا يا ريس .. ما تخاف أبداً .. لا يوجد شيء بعد الموت .. هذه كلها أمور رمزية .. إنه الفناء و العدم .. لا تقلق إطلاقاً .. لا جنة و لا نار ... انتهى .
و أترك للسادة القراء العيش في هذه اللحظات الحرجة و الدقيقة من عمر الرئيس الراحل ( عبد الناصر ) و الذي تحركت فيه بقايا أصول من الخير كانت باقية في ضميره .. إلا أن شؤم المعاصي يؤدي إلى معاصي أشد منها شؤماً .. و بدلاً من أن يطلب سيادة الرئيس واحداً من صالحي الأمة – و ما أكثرهم في مصر - لا تسعفه ذاكرته إلا بهذا الشيطان الذي بدلا ً من أن يذكره بالشهادة و التوبة و الإنابة و الاستغفار .. دلس عليه الحقيقة .. كما يدلس على الأمة الآن من خلال خزعبلاته المرئية في فضائية ( الجزيرة ) لسان حال الإعلام الأعرابي. بقلم - صلاح عبد العزيز – جنيف – سويسرا
الإثنين – 14 – يونيو – 2010 – ميلادي.
(1) تعريب : مروان خير . مكتبة الزيتونة بيروت لبنان . الطبعة الأولى 1970 . في صفحة 104 (2) تعليق كاتب المقال