إن لم يكن نظام الكوتة عدو الكفاءة الأول فإنّه وبالتأكيد المُهمّش الأساسي لها، لأنّه يشوّش على القراءة السليمة للواقع ويعطي أرقاما مغلوطة لا تصلح أن تكون نتيجة لتقييم علمي سليم يؤخذ في الاعتبار وتنطلق منه عمليّة بناء جادّة ومثمرة، مع هذا فإنّ نظام الكوتة الذي تتبرع به الأنظمة المغلقة لصالح المرأة ليس إلا تغطية على مشروع استبداد ضخم، وإلا فإنّه وفي تونس مثلا لا تحتاج المرأة إلى صدقة سياسيّة ولا إلى معروف ثقافي أو هبة فكريّة، لأنّها وفي الفضاءات المفتوحة وغير المقيّدة بمصالح النخب الحاكمة أثبتت وجودها باستحقاق ودون حاجة لدعائم وروافد مغشوشة، وبإطلالة على التمدرس خاصّة في مراحله العليا حيث تضاهي أو تتجاوز نسبة الطالبات الطلبة المسجلين بالجامعات التونسيّة ثم على المؤسسات الطبيّة والتعليميّة وقطاع الخدمات والكثير من المناشط الحرفيّة سنكتشف دون عناء أنّ الكوتة كلمة مكر أريد بها باطل، وأنّ السلطة لو تركت المجتمع يتدفق بسلاسة نحو مؤسساته لما احتاجت المرأة لمنحة "موقوتة" يتبعها أذى كثيرا.
الحديث هذه المرّة يدور حول الكوتة الفكريّة التي درجت في البلاد والتي أسرجتها وألجمتها ثم ركبتها السيدة "ألفة يوسف" هذه المرأة المثيرة للجدل ما فتئت تشاغب المقدّس وتستدرج المستور وتقلّم الحياء في محاولة مستميتة لشدّ الأنظار، تستجمع قوتها تستحضر المثير ثم تقرع بقوة فتحدث إثارة هائلة تتغذى عليها لمدّة زمنيّة ما، حتى إذا أفلت أو كادت نقّبت لها عن مستحضر آخر من مستحضرات الإثارة ثم نقعت فيه شهوة الأضواء، الأكيد أنّ اللوم هنا لا يطال فطرة المرأة في التجمّل بالكلمة والتزيّن بالفكر، لأنّ محاولة التميّز ولفت الأنظار سمة بشريّة مقبولة طالما استعففت وابتعدت عن الشراهة والجشع، إنّما اللوم يطال هذا الإسراف في الاستجداء بتاء التأنيث والتبذير في إشباع الأنا والقتال من أجل مساحة ضوء أوسع على حساب الصدق والمصداقيّة، فركوب الأحداث ليس بتلك الصعوبة وكل من تمكن من الفعل والفاعل والمفعول به والخبر والمبتدأ وحروف الجرّ وبعض حروف العلّة والجزم.. وأهديت إليه كوتة مطّاطة ثم دخل في جوار "الدولة" وتسلّح بالإثارة وفتحت له أبواب منابر إعلاميّة يموّلها البنك المركزي وتتبناها وزارة الإعلام وتسوّقها وزارة المواصلات تحت حراسة وزارة الداخليّة بإمكانه أن يتوغل بعيدا في عالم الأضواء ويجلب إليه جحافل من القرّاء بين غاضب ومتشفٍّ ومبارك ومتطفّل وشاذ وفضولي، ويفتح "أشغال" في الشبكة العنكبوتيّة وعبر المناطق الخضراء التي وهبت له، هذا "شانطي" اللواط وذاك السحاق والآخر الجنس المبكر والتلاعب بالمسلّم والتشكيك في الثابت وإعادة الإنتاج المشبوهة... بالمختصر وفي كلمة المداومة على النشاط المكثّف حول المثلث الذهبي ومحورالإثارة التاريخي!. الدين والمرأة والجنس.
إنّ المرأة الفاعلة هي التي تخدم الفكر لا التي تستخدمه ويخدمها وهي تلك التي يسوّقها الفعل الجادّ والكلمة القويّة وليست تلك التي يسوّقها المثير، وأيّ إثارة أكبر من أن تقدّم كاتبة نفسها على أنّها صدريّة الوطن التي يحتمي بها من الدعاة الذين يستعملون الدين ويقترفون جريمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويُقدمون على جناية تبسيط النصوص وتقريبها للعوام، لقد أطلقت السيدة ألفة صيحة فزع مدوّية زلزلت جنبات الإعلام وأعلنت الفاجعة، حين تعرّض بريدها الإلكتروني البريء إلى كارثة!! إلى وباء.. إلى جائحة...!! لقد تجرّأ بعض الدعاة ونصحوها!!!.. أحدث القوم حين نصحوا سيّدة هي فوق نصح الناصحين، إنّ الحبّ العذري للأضواء والتعرّض للجاهرالساطع منها قد يصيب البصر في مقتل فتنقلب الموازين وتستولي الأضداد على أضدادها، ويصبح الإحسان منكرا، تمدّ يدك لتساعد إحدى القواعد فتصرخ "إليّ لقد راودني عن نفسي" ذلك لأنّ الصراخ بضاعة "الحضبة" الرائج... والحضبة خمرة الثقافة الصاخبة والفكر المثمون، وهناك بون شاسع بين أن يُقبل القرّاء على نصّ وبين أن يتحضّبوا حوله، فالإقبال طلبا للمعرفة، والتحضّب طلبا للإثارة وإشباعا للفضول.
نحن معك.. الكلّ معك.. العقل والعاقل والعُقال معك..، نعم يحق للمسلمة أن تحتار!!.. تحتار على نسبة العنوسة في بلادها، تحتار عن انتهاك الحرمات الجسديّة، تحتار أمام انتشار المخدرات في صفوف الشباب، تحتار في ضحايا قوارب الموت ومأساة الهجرة السرية، تحتار على نسبة البطالة، تحتار عمّا يحدث في السجون من جرائم يندى لها الجبين، تحتار عن وضع حقوق الإنسان في بلادها، تحتار من تصاعد العنف والجريمة، تحتار من تفكك الأسرة، تحتار من نسبة 71% من طالبات تونس اللواتي يرغبن في الهجرة نتيجة فقدان الأمل في بناء أسرة، تحتار من سيطرة بعض العائلات على مقدرات الدولة، تحتار على الحالة السياسية الفضيحة في البلاد....... أمّا أن تحتار ولا يغمض لها جفن من تداعيات السحاق وإذا ما كان يستوجب حدودا أم لا.. وتحتار لأنّ اللواط لم يأخذ حقه من التعريف، وتحتار في اسم العلاقة الشّاذة بين رجل ورجل... هذه ليست حيرة مسلمة! هذه خيارات امرأة تقلّب الشاذ، تقتات منه وتستجلب به الأنظار، امرأة مارست النقد ضدّ المقدّس وضدّ المجمع عليه وضدّ المتعبّد به وضدّ المتواتر وضدّ الحياء وضدّ الثوابت... فهلاّ مارست النقد ولو ليوم واحد من الدهر ضدّ نظام متألّه.
ليس هناك داعية أو عالم أو مفكّر في منأى عن النقد مادام قد اختار الخوض في الشأن العام والانشغال بقضايا الناس المفصليّة، لكن الأزمة تكمن في تحوّل الحراك النقدي إلى حالة عداء سافر، ثم يشهد هذا العداء تحوّلا جينيا ليصبح استعداءً تنكبّ صاحبته على صناعة العدو وتخليق العداوة ومن ثمّة تقتات منها وتسترزق وتستجدي بها الأنظار، وتستعطف بها المنابر الإعلاميّة وتقود مشروعها "الحداثي الليبرالي التنويري" من داخل رحم المقدّس.
بناء على تذمّر السيّدة ألفة من مشاغبات رجال الدين لها وتطفلهم على بريدها نعتقد أنّها تدعونا وكل عشّاق الكلمة الحرّة وأعداء القيود للتنديد بالدعاة والعلماء الذين تركوا منابرهم ودروسهم وحلقاتهم ومؤلفاتهم وذكرهم ووردهم وقيامهم وسجودهم وصومهم..، وشغفهم بريدها الإلكتروني حبّا.. وأنّنا ندعوهم إلى التوبة من النصيحة والإقلاع الفوري عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن لم يفعلوا فالمسألة حينها تخرج من رحاب الفكر إلى رحاب القضاء وليس السيد الحمروني عنهم ببعيد!! وأن يتوبوا خير لهم.
وليحذر الذين يخالفون عن أمر من يملك قلما ازدواجيّا يصلح للفكر مثلما يصلح للمحاضر والشكاوي، وما أكثر الأقلام التي تنتج الفكر الثالب وتحتمي بمحاكم التفتيش وتستجير بالقضاء الموغل المتمرغ الغارق الشارق بالنزاهة والاستقلاليّة. مصدر الخبر : الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=7607&t=ألفة يوسف.. و"الكوتة الفكريّة"&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"