أثارت نتائج انتخابات عمادة المحامين التونسيين، الكثير من الجدل في أوساط المحامين وصلب النخب السياسية والإعلامية في البلاد، في ضوء حصول ما يصفه البعض ب «المفاجأة الكبرى»، إثر صعود السيد عبد الرزاق الكيلاني، رئيس فرع تونس للمحامين إلى سدة العمادة.. وكانت الانتخابات قد شهدت تجاذبات كبيرة بين أطراف الصراع التقليدية في المهنة، وعرفت ساحة المحاماة تحالفات معقدة للغاية قبيل الانتخابات، وخلال القيام بعملية التصويت، بشكل لم يسمح حتى للمطلعين على شأن المهنة، التكهن بمن سيصعد إلى رئاسة العمادة، خصوصا بعد أن حمي وطيس الصراع والتصريحات والتصريحات المضادة بين «الأطياف» المعروفة.. ليس صدفة
غير أنّ المتتبع لعملية الانتخاب و"التكتيكات" المستخدمة، سواء في التصويت أو في مستوى عملية التعبئة، يدرك أنّ صعود السيد عبد الرزاق الكيلاني، لم يكن من باب الصدفة، إنما حصل نتيجة عمل مدروس، اعتمد على معطيين اثنين: تضخيم بعض الأسماء المنافسة، بغاية «حرقها»، سيما في ظل وجود تحفظات من المحامين حول بعض هذه الأسماء، واعتماد سياسة «الهدوء» في الحملة الانتخابية، من خلال التقليل من الخطابة، وتوخي أسلوب «الاتصال المباشر» مع المحامين، بشكل أعطى الانطباع للمنافسين بأنّ صعود بعض الأسماء مثل الكيلاني أمر مستبعد، خصوصا في ضوء صراعه مع العميد السابق، البشير الصيد، ودخوله في مناكفات مع بعض الأطراف، فيما استفاد الرجل من حصيلة السنوات الثلاث الماضية التي قضاها على رأس فرع تونس، حيث كانت حصيلة عمله «إيجابية» على حدّ وصف بعض المحامين.. كما استفاد عبد الرزاق الكيلاني بشكل خاص من تحالفاته التي اتخذت اتجاهات متعددة، حيث استند إلى التيار الإسلامي، وراهن على بعض التيارات اليسارية التي يعتبرها البعض هامشية في العملية الانتخابية، إلى جانب إبقائه على «شعرة معاوية» في علاقته بالبشير الصيد، إذ تفيد بعض الأخبار في هذا السياق، أنّ كلمة السر التي اتفق عليها الرجلان، هي التوافق على تمكين الطرف المقابل من الأصوات في صورة عدم صعود الطرف الآخر، ما زاد في بورصة الكيلاني من الناخبين، ووجد نفسه في أسبقية مريحة قياسا ب «غريمه»، السيد البشير الصيد، الذي حلّ الثاني في النتائج النهائية للانتخابات..
حسابات خاطئة
لكن «اللعبة الانتخابية»، بما تعنيه من تحالفات، مكنت عبد الرزاق الكيلاني من ناحية أخرى، من هامش إضافي في عملية التصويت، من خلال معطيين اثنين على الأقل: انفراط عقد التحالف بين العميد البشير الصيد والتيار الإسلامي، ما أفقده الكثير من الأصوات التي بدت محددة إلى حدّ ما لاتجاهات الأمور في انتخابات الهيئة.. وجود 3 مرشحين قريبين من التجمع الدستوري الديمقراطي، ما جعل ثلاثتهم مشتركين في ذات القاعدة الانتخابية، الأمر الذي ساهم في تشتيت أصوات الكتلة التجمعية، التي وجدت نفسها أمام ضرورة الخيار بينهم، فكان أن حصد كل واحد منهم نسبة من الأصوات غير مؤهلة للوصول إلى رئاسة العمادة.. واللافت للنظر في سياق الحديث عن نتائج انتخابات المحامين، أنّ الهزيمة التي حصدها مرشحو «الخلية» كما توصف في أوساط المحامين، كانت نتيجة أمرين اثنين على الأقل: الرهان على التعبئة التقليدية المتعارف عليها، وهو رهان لم ينجح حتى في ضمان الحد الأدنى من الأصوات بالنسبة لمرشحيها، حيث خرج كل من السادة عبد الجليل البوراوي وإبراهيم بودربالة والهادي التريكي، بعدد أصوات لا يليق حتى بمكانتهم الاعتبارية في القطاع.. وهو ما يفسر الغضب الذي بدا على قسم من التجمعيين إثر استكمال الانتخابات وصدور النتائج.. أنّ الحسابات التي تم اعتمادها في انتخابات عمادة المحامين، تختلف كليا عن انتخابات المحامين الشبان، وهو ما ترجمته دائما النتائج الصادرة عن العمادة، خصوصا خلال السنوات الماضية، حيث كانت تنتهي دوما بعكس ما هو متوقع صلب المحامين، قبل غيرهم من الفاعلين المعنيين بنتائج المهنة.. ولا شك أنّ النتائج الأخيرة المعلنة، تؤكد أنّ مهنة المحاماة عصية على أية «نتائج مسبقة»، مهما كان حجم الترتيبات التي تسبقها.. وعلى أية حال، فإنّ القائمة التي نجحت في هذه الانتخابات، لا تبعث على كثير من التحفظ، على اعتبار أنّ المكتب الجديد ضم بين دفتيه، تركيبة متجانسة بوسعها أن تعمل في أفق ديمقراطي وتعددي، بعيدا عن صيغة «المكتب الكتلة» مثلما هو الشأن بالنسبة للمحامين الشبان، بل يمكن القول، أنّ «قائمة المحاماة أولا» المحسوبة على التجمع الدستوري الديمقراطي، خرجت مستفيدة في مستوى عدد الأعضاء الممثلين في الهيئة الوطنية، وهو ما يعني أنّها ربحت التمثيلية من حيث خسرت العمادة.. والسؤال المطروح في هذا السياق هو: كيف سيكون آداء الهيئة؟ هل يهيمن عليها التجانس في المواقف و«السياسات» المتعلقة بالمحاماة، أم ستغلب عليها الحسابات السياسوية، بما يجعلها مسرحا للخلافات والتناقضات؟