تونس الصباح فاز الأستاذ البشير الصيد أول أمس في انتخابات عمادة المحامين، ب1193 صوتا، أي بفارق 108 أصوات عن منافسه الأستاذ شرف الدين الظريف (الذي حصل على 1085 صوتا)، وذلك في أعقاب الدور الثاني للانتخابات الذي اختتم في ساعة متأخرة من مساء أول أمس بفندق المشتل بالعاصمة وسط حضور أكثر من ألفين من المحامين.. وشهدت الانتخابات تنافسا شديدا بين الرجلين منذ الدورة الأولى، حيث لم يكن الفارق ليتجاوز بعض الأصوات التي كانت تميل لهذا الطرف أو ذاك خصوصا في مستوى الاستئناف والتعقيب، قبل أن يحسم المتمرنون نتيجة الدورة الأولى التي وصل الفارق فيها بين الرجلين نحو المائة صوت تقريبا (796 للأستاذ البشير الصيد، مقابل 698 للأستاذ شرف الدين الظريف)، فيما كان الأستاذ الشكي في المرتبة الثالثة.. ووفق المعطيات المتوفرة لدينا، فإن صعود الأستاذ البشير الصيد، تدخلت فيه عوامل كثيرة، لكن أهمها على وجه الإطلاق، هي التطورات التي عرفتها الجلسة العامة التي سبقت الانتخابات.. فقد تسبب رد فعل بعض المحامين، ضد أحد المتدخلين، ممن انتقد الحكومة بشدة، في قلب معادلة التصويت رأسا على عقب، حيث اصطف المحامون سيما المتمرنون منهم خلف الأستاذ البشير الصيد، فيما يعرف ب«التصويت الاحتجاجي»، خصوصا أن المحامي الذي حصلت حوله أو بسببه الضجة، من المتمرنين، وهو ما يفسر كون الكفة مالت بشكل واضح للأستاذ البشير الصيد، بفضل أصوات المتمرنين تحديدا الذين اعتبروا ذلك جزءا من عملية التهميش التي يعانون منها قبل أن يقع ترسيمهم ضمن جدول المحاماة.. فرص ضائعة والمتتبع لسير بورصة الانتخابات قبل انطلاق الجلسة العامة، يلاحظ بما لا يدع مجالا للشك، بأن الأستاذ شرف الدين الظريف، الذي يوصف ب«مرشح التجمع»، كان ينطلق بحظوظ وافرة للفوز بكرسي العمادة لعدة أسباب من أهمها: العمل المنظم الذي قام به المحامون التجمعيون قبل أسابيع من موعد الانتخابات، بل قبيل ساعات من انطلاق الجلسة العامة، خاصة من حيث تنظيم صفوفهم، وعملية التنسيق فيما بينهم.. التناقضات التي شقت ما يعرف ب«المحامين المعارضين»، قبيل أيام من الجلسة العامة، بسبب حسابات انتخابية، وتنكر البعض منهم لوعوده للبعض الآخر، ما جعل الانقسام يسود صلب هؤلاء، وهو ما كان يرجح تشتت الأصوات الانتخابية لأطراف المعارضة صلب المحامين، الأمر الذي كان سيستفيد منه مرشح التجمع الدستوري الديمقراطي.. أن ما شهدته الجلسة العامة، من اتساع لدائرة «الغاضبين»، أدى إلى حصول انقسام داخل المحامين المحسوبين على التجمع.. أن الدورة الثانية للانتخابات، شهدت تقلص عدد الناخبين من 2637 ناخب (في الدورة الأولى) إلى 2325 ناخب، بما يعني وجود أكثر من ثلاثمائة ناخب استفاد الأستاذ البشير الصيد من عدم إدلائهم بأصواتهم.. وكانت بورصة التجمعيين، تشير قبيل بدء الجلسة العامة بنحو نصف ساعة، إلى احتمال صعود الأستاذين شرف الدين الظريف والبشير الصيد في الدورة الأولى، لكن توقعاتهم كانت تؤكد فوز الأستاذين شرف الدين الظريف وصلاح الدين الشكي في الدورة الثانية.. الكتلة الجهوية غير أن تلك التطورات التي عرفتها الجلسة العامة، على النحو الذي ذكرنا في فقرة سابقة، ساهمت في حشد أصوات «المعارضين» والتفافهم من جديد، بل ساهمت في استبعاد التناقضات فيما بينهم، وبات المهم بالنسبة إليهم، الفوز بالعمادة بصرف النظر عن أي من الأسماء المعارضة الثلاثة المرشحة.. واللافت للنظر في هذا السياق، هو عودة الكتلة الجهوية في السباق الانتخابي، حيث استفاد الأستاذ البشير الصيد أيما استفادة من تصويت المحامين المنتمين أو المنحدرين من الجنوب التونسي.. لكن هذه النتائج التي أسفرت عنها انتخابات أول أمس، كشفت من ناحية أخرى، أمرين اثنين على الأقل: الرقم المهم الذي بات يلعبه المتمرنون أو ما يوصفون ب«المحامين الشبان» في المهنة، حيث باتوا يشكلون الهامش الأوسع صلب المحامين، بما يعني دورهم الأساسي في تحديد وجهة الانتخابات.. القدرة النشيطة للمحامين، سيما «المعارضين» منهم على التحرك واعتماد طول النفس، مع حرصهم على تحين الفرصة المناسبة، مثلما حصل في هذه الانتخابات.. والسؤال المطروح صلب المحامين والمراقبين على حد السواء هو: هل يفتح الحوار مع العميد الجديد، لمواصلة النظر في قضايا المهنة العالقة؟