الفتوى إخبار بالحكم الشرعي أو بيان له في القضية المعروضة، والمفتي في حديثنا: من تأهل لهذا المنصب واستحقه بضوابطه المعروفة، ولسنا نتحدث عن الأدعياء ، فهؤلاء خارجون عن حديثنا. ومنصب الفتوى منصب عظيم لمن قام بحقه إذ المفتي مخبر عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بما يحبه ويرضاه أو بما يكرهه ويبغضه، ومن كان متفقها في الدين فهو ممن أراد الله به خيرا كما قال الرسول الأمين: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" كما أن المفتين الفقهاء هم سادة الأمة الذين يرجع الناس إليهم ويفزعون إليهم في الملمات، حتى يطلق عليهم بعض أهل العلم لقب "الموقعون عن رب العالمين". وظيفة المفتي ومكانته ودوره تقتضي منه التحرز فيما يفتي به ولا يتابع هواه وألا يستدرج من قبل بعض المغرضين أو بعض الساسة أو أصحاب السلطان فيقع في الكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما يكذب أحدهم ويقول: إن انتخاب فلان لرجل يسميه باسمه واجب ومن لا ينتخبه فهو عاص آثم خارج على ولاة الأمر بعض المفتين هداهم الله عندما يفتون يتصرفون وكأنهم أصحاب الحق الأصيل في التحريم والتحليل، ولا يتصرفون حسب وظيفتهم الأصلية وهي الإخبار عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبعض الناس هداهم الله ينزلون المفتي في تعاملهم مع فتواه منزلة الرسول المبلغ عن ربه ما أراد. بعض من جعل نفسه مفتيا يتحبب إلى الجمهور ويتخفى خلف شعارات إذا فتشت رأيت موقفه فيها أجوف ، حيث يخفى ضعفه الإيماني وخواءه العلمي خلف دعوى التيسير ويسر الدين وسماحة الإسلام، ورغم صواب هذه الشعارات فهي ليست المرادة والأمر كما قيل :كلمة حق يراد بها باطل، فيحلون ما حرم الله ورسوله يتبين مما سبق أن فوضى الفتوى التي يعيشها المسلمون راجعة إلى المفتي من جانب والمستفتي من جانب آخر فعلى المستفتي أن يعلم أن المفتي مهما بلغ علمه أنه ليس مجتهدا مطلقا وأنه تابع لمذهب من المذاهب المعروفة، ومن ثم فليس له إلا أن ينقل عن المذهب، ولو أن المستفتي طلب من المفتي أن ينقل له نص إمامه أو نص المذهب لمنع المفتي من كثير من الفتاوى التي يطلقها بغير زمام ولا خطام، قد يقول المفتي: ما قلته هو نص الحديث النبوي، ورغم علمنا بأن الحديث الصحيح حجة بنفسه ولا يحتاج في ذلك أن يكون قال به قائل، لكننا لا نثق في تطبيق المفتي للحديث على الواقعة المعروضة، لذا نطلب منه أن يخبرنا مَن من أهل العلم قبله فهم من الحديث الفهم الذي يقول به، عندما يأتي أحد ممن نصب نفسه مفتيا ويقول يجوز للموظفة أن ترضع زميلها في العمل للتخلص من مشكلة الاختلاط الممنوع اعتمادا على حديث السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، لو طولب هذا المفتي أن يبين لنا قول شراح الحديث في شرح هذا الحديث لكفه ذلك عن كثير من قوله في هذه المسألة. ولو أن المفتي اتقى الله تعالى فلم يلفظ إلا بقول يعلم أنه مأجور عليه لمنعه من كثير من كلامه، ورحم الله سلفنا الصالح حينما كانوا يتدافعون الفتوى كل واحد منهم يدفعها عن نفسه إلى غيره حتى تعود للأول مرة أخرى، ورحم الله ربيعة شيخ مالك حينما قال: لَبعض من يفتي هنا أحق بالسجن من السراق، ورحم الله الحنفية عندما أفتوا بالحجر على المفتي الماجن (الماجن: من لديه الآلة الفقهية لكن تنقصه الأمانة العلمية، فيفتي الناس بما يحبون ويدلهم على الحيل)، وقالوا هو أحق بالحجر من الذي يمارس الطب وليس بطبيب، فإذا كان من يتطبب وليس هو بطبيب يفسد الأبدان، فإن من يفتي وليس هو بمفت حقيقة يفسد الأديان. مما تقدم يتبين أن هناك أكثر جهة تسهم في إيقاف فوضى الفتوى لكن المعول عليه في ذلك بدرجة كبيرة هو المستفتي الواعي الذي ليس بمغفل .