وزارة الخارجية.. الوضع الصحي للفنان ''الهادي ولد باب الله'' محل متابعة مستمرة    طقس الليلة    تعاون تونسي أمريكي في قطاع النسيج والملابس    عاجل/ محاولة تلميذ الاعتداء على أستاذه: مندوب التربية بالقيروان يكشف تفاصيلا جديدة    ماذا في اجتماع وزيرة الصناعة بوفد عن الشركة الصينية الناشطة في مجال إنتاج الفسفاط؟    حجز أطنان من القمح والشعير والسداري بمخزن عشوائي في هذه الجهة    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    عاجل/ هذا ما تقرّر بخصوص زيارة الغريبة لهذا العام    القيروان: الأستاذ الذي تعرّض للاعتداء من طرف تلميذه لم يصب بأضرار والأخير في الايقاف    المعهد الثانوي بدوز: الاتحاد الجهوي للشغل بقبلي يطلق صيحة فزع    قيس سعيد يعين مديرتين جديدتين لمعهد باستور وديوان المياه المعدنية    النظر في الإجراءات العاجلة والفورية لتأمين جسر بنزرت محور جلسة بوزارة النقل    ارتفاع حصيلة شهداء قطاع غزة إلى أكثر من 34 ألفا    النادي البنزرتي وقوافل قفصة يتأهلان إلى الدور الثمن النهائي لكاس تونس    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    حامة الجريد: سرقة قطع أثرية من موقع يرجع إلى الفترة الرومانية    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    الترجي الرياضي: يجب التصدي للمندسين والمخربين في مواجهة صن داونز    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    سيدي بوزيد: وفاة شخص واصابة 5 آخرين في حادث مرور    عاجل/ انتخاب عماد الدربالي رئيسا لمجلس الجهات والأقاليم    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    عاجل/ كشف هوية الرجل الذي هدّد بتفجير القنصلية الايرانية في باريس    انزلاق حافلة سياحية في برج السدرية: التفاصيل    القصرين: تلميذ يطعن زميليْه في حافلة للنقل المدرسي    نقابة الثانوي: وزيرة التربية تعهدت بإنتداب الأساتذة النواب.    حادثة انفجار مخبر معهد باردو: آخر المستجدات وهذا ما قررته وزارة التربية..    كأس تونس لكرة السلة: البرنامج الكامل لمواجهات الدور ربع النهائي    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    كميّات الأمطار المسجلة بعدد من مناطق البلاد    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    بطولة برشلونة للتنس: اليوناني تسيتسيباس يتأهل للدور ربع النهائي    عاجل/ بعد تأكيد اسرائيل استهدافها أصفهان: هكذا ردت لايران..    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    عاجل: زلزال يضرب تركيا    تفاصيل القبض على 3 إرهابيين خطيرين بجبال القصرين    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    رئيس الدولة يشرف على افتتاح معرض تونس الدّولي للكتاب    قيس سعيد يُشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض الكتاب    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    عاصفة مطريّة تؤثر على هذه الدول اعتباراً من هذه الليلة ويوم غد السبت    تجهيز كلية العلوم بهذه المعدات بدعم من البنك الألماني للتنمية    الاحتلال يعتقل الأكاديمية نادرة شلهوب من القدس    المصور الفلسطيني معتز عزايزة يتصدر لائحة أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم لسنة 2024    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية في الموازنة بين الأصولية والمذهبية: د/ بشير عبد العالي شمام
نشر في الحوار نت يوم 07 - 12 - 2010


بسم الله الرحمن الرحيم
رؤية في الموازنة بين الأصولية والمذهبية
بحث مقدم من:
د/ بشير عبد العالي شمام
أستاذ مساعد جامعة إفريقيا العالمية
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
قسم الشريعة والقانون
مقدمة:
الحمد لله الذي أنزل القرآن ولم يجعل له عوجا، وأمرنا باتباع هداه، وأخبرنا – وهو أصدق القائلين - أنه يهدي للتي هي أقوم، والصّلاة والسّلام على رسوله الداعي الناس إلى هداية القرآن والحاثّ لهم على التمسك بالسنة، وعلى آله وأصحابه، الذين بذلوا أقصى جهودهم العقلية في استمداد الأحكام الشرعية من مصادرها، وعلى من تبعهم من المجتهدين من أئمة المسلمين، والذين عُنوا بتدوين قواعد الاستنباط، صلاة وسلامًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فإنمن أبرز خصائصالمنهج الإسلامي اتباع الحجة، وعدم متابعة الآراء بلا دليل، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }([1] ) وقال عز وجل وقال عز من قائل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ }([2] ) ، وقال: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}([3] ) .
ودعا القرآن - في المقابل - من لا يعلم أن يسأل من يعلم، قال تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }([4] ) ، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }([5] )
أسئلة البحث:
للبحث سؤالان جوهريان:
السؤال الأول: كيف نوفّق بين الأدلة الداعية إلى التمسك بالدليل، والأدلة الداعية إلى السؤال عند عدم العلم، وأكثر الناس بإزاء هذا السؤال أحد رجلين: إمّا واقع في التقليد وإن خالف الأدلة القطعية ، اتباعا لقول إمام أو شيخ يترك لأجله نصوص الكتاب والسنة. وإما مدعيا ما ليس له من الرجوع إلى الأصول دون أن يمتلك أدوات ذلك.
والسؤال الثاني: هل المقلد يجب عليه الرجوع إلى الأصول أم يسعه أن يلتزم بمذهب معين؟ وهذا السؤال يكتنفه عموم من نواح عدة، وإنما يحصل الغلو بالإجابة والإثبات دون تفصيل، والموازنة التي أرومها أن لا يكون نفيا مطلقا ولا إثباتا مطلقا؛
ذلك أن التقليد له مجالات وحالات والمقلدون أصناف، وللإحاطة بكل هذا رتبت البحث وفق الخطة التالية:
تمهيد: دراسة في المصطلحات ذات الصلة بموضوع البحث.
المبحث الأول: مجالات التقليد وحكم كل مجال.
المطلب الأول: التقليد في الأصول.
المطلب الثاني: التقليد في الفروع.
المبحث الثاني: أصناف المقلدة وحكم كل صنف:
المطلب الأول: المقلد العامّي الصرف الجاهل بقواعد الأصول ومعاني النصوص.
المطلب الثاني: المقلد العامّي المحصّل لبعض العلوم، ولكن لا تؤهله للاجتهاد.
المطلب الثالث: المقلد العالم بقواعد الأصول ومعاني النصوص.
المبحث الثالث: حالات التقليد:
المطلب الأول: التزام العامي بإمام معين أو مذهب معين.
المطلب الثاني: التلفيق وتتبع الرخص.
المطلب الثالث: تقليد غير الأئمة الأربعة.
تمهيد: دراسة في المصطلحات ذات الصلة بموضوع البحث.
1. الرؤية: تأتي لثلاث معان: الأول الرؤية بالعين وتتعدى إلى مفعول واحد، والثاني بمعنى العلم، يقال رأى زيدا عالما، والثالث بمعنى الرأي والاعتقاد كقولك فلان يرى رأي الشراة: أي يعتقد اعتقاده ويتعدى إلى ثلاثة مفاعيل([6] ). والثالث هو المقصود هاهنا إن شاء الله.
2.الموازنة: الواو والزاي والنون: بناءٌ يدلُّ على تعديلٍ واستقامة: والزِّنَة قَدرُ وزنِ الشَّيء؛ والأصل وَزْنَة. ويقال: قام مِيزانُ النَّهار، إذا انتصَفَ النَّهار. وهذا يُوازِنُ ذلك، أي هو مُحاذِيه. ووَزِينُ الرَّأْيِ: معتدِلُه. وهو راجحُ الوَزْن، إذا نسَبُوه إلى رَجَاحة الرّأْي وشِدَّة العقْل([7] ) . والذي أردته لا يبعد عن هذا حيث قصدت إيجاد نوع من المعادلة بين الأصولية والمذهبية لتحقيق قدر من الاستقامة من غير ميل مفرط إلى أحد الطرفين.
3.الأصل: أَسْفَلُ الشيء يُقال : قَعَدَ في أَصْل الجَبَلِ وأَصْلِ الحائِطِ وقَلَعَ أَصْلَ الشَّجَرِ ثم كَثُرَ حَتّى قِيلَ: أَصْلُ كُلِّ شَيءٍ: ما يستَنِدُ وُجُودُ ذلك الشيءِ إِليهِ فالأب أَصْلٌ للوَلَدِ والنَّهَرُ أَصْلٌ للجَدْوَلِ قالَه الفَيومي وقال الرّاغِبُ : أَصْلُ كُلِّ شَيءٍ قاعِدَتُه([8] )
و أصول العلوم قواعدها التي تبنى عليها الأحكام و النسبة إليها أصولي([9] )وقصدت من الأصولية ذلك المنحى الفقهي الذي يرى وجوب الاحتكام إلى الأصول التي تبنى عليها الأحكام ولا يجيز التقيد بمذهب أو إمام معين.
4.المذهبية:الذَّهابُ السَّيرُ والمُرُورُ ذَهَبَ يَذْهَبُ ذَهاباً وذُهوباً فهو ذاهِبٌ وذَهُوبٌ والمَذْهَبُ مصدر كالذَّهابِ وذَهَبَ به وأَذهَبَه غيره أَزالَه والمَذْهَب المُتَوَضَّأُ لأَنَّهُ يُذْهَبُ إِليه وفي الحديث أَنَّ النبي صلى اللّه عليه وسلّم كان إِذا أَراد الغائطَ أَبْعَدَ في المَذْهَبِ([10] ) وهو مَفْعَلٌ من الذَّهابِ، والمَذْهَبُ المُعْتَقَد الذي يُذْهَبُ إِليه([11] ) ويقال ذهب إلى قول فلان أخذ به وذهب مذهب فلان قصد قصده وطريقه، ([12] ) والذي نريده بمصطلح المذهبية ذلك المنحى الفقهي الذي يرى وجوب التقيد بمذهب أو إمام معين.
وإذا اتضحت ألفاظ عنوان البحث مفردة، وجب علي أن أبين ما تدل عليها هذه الألفاظ مركّبة، فأقول وبالله التوفيق: معنى قولي:(رؤية في الموازنة بين الأصولية والمذهبية) تقديم وجهة نظر تتوسط بين دعوى التمسك بالأصول مطلقا، وما يقابلها في الطرف النقيض من دعوى الالتزام بمذهب معين مطلقا، والسعي إلى الأخذ من كل طائفة بما عندها من حق، رائدي في ذلك قوة الدليل، وواقعية الفكرة وسلامتها من النقض، وانسجامها مع مقاصد التشريع ومبادئه الكلية.
5. التقليد
أ. التقليد لغة: قَلَد الماءَ في الحَوْضِ واللبن في السقاء يَقْلِدهُ قَلْداً جمعه فيه وكذلك قَلَد الشرابَ في بَطْنِه والقَلْدُ جمع الماء في الشيء يقال قَلَدْتُ أَقْلِدُ قَلْداً أَي جمعت ماء إِلى ماء، وأَقْلَدَ البحرُ على خلق أَي غَرَّقهم كأَنه أُغْلِقَ عليهم وجعلهم في جوفه، والمِقْلَدُ عَصاً في رأْسها اعْوِجاجٌ والجمع المَقالِيدُ، والمِقْلَدُ المنْجَلُ يقطع به القتُّ، والإِقْلِيدُ المِفْتاحُ. والمِقْلادُ الخِزانةُ والمَقالِيدُ الخَزائِنُ، وقوله تعالى{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}([13] ) يجوز أَن تكون المَفاتيحَ ومعناه له مفاتيح السموات والأَرض ويجوز أَن تكون الخزائن
وقَلَّدَ فلانٌ فلاناً عَمَلاَ تَقْلِيداً والقَلْدُ لَيُّ الحَديدةِ الدقيقة على مثلها، وكل ما لُوِيَ على شيءٍ فقد قُلِدَ. وقَلَدَ الحبْلَ يَقْلِدُه قَلْداً فَتلَه، يقال وحَبْلٌ مَقْلُودٌ وقَلِيدٌ ُ. والقِلادَة ما جُعِل في العُنُق يكون للإِنسان والفرسِ والكلبِ والبَدَنَةِ التي تُهْدَى ونحوِها، وقَلَّدْتُ المرأَةَ فَتَقَلَّدَتْ، قال ابن الأَعرابي قيل لأَعرابي ما تقول في نساء بني فلان ؟ قال قلائِدُ الخيل أَي هنَّ كِرامٌ ولا يُقَلَّدُ من الخيل إلا سابق كريم وفي الحديث قَلِّدُوا الخيلَ ولا تُقَلِّدُوها الأَوتار([14] )َ)أَي قَلِّدُوها طلبَ أَعداء الدين والدفاعَ عن المسلمين ولا تُقَلِّدُوها طلب أَوتارِ الجاهلية، أي الدم وطلب الثأْر يريد اجعلوا ذلك لازماً لها في أَعناقها لُزومَ القلائد لِلأَعْناقِ، وقد قَلَّدَه قِلاداً وتَقَلَّدَها ومنه التقلِيدُ في الدين وتقليدُ الوُلاةِ الأَعمالَ وتقليدُ البُدْنِ أَن يُجْعَلَ في عُنُقِها شِعارٌ يُعْلَمُ به أَنها هَدْي وقَلَّدَه الأَمرَ أَلزَمه، وتَقَلَّدَ الأَمرَ احتمله وكذلك تَقَلَّدَ السَّيْفَ([15] ).
ب: التقليد اصطلاحا: اخْتَلَفُوا فِي حَقِيقَتِهِ، هَلْ هُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ قَالَهُ ؟ أَيْ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قِيَاسٍ، أَوْ قَبُولِ الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ تَظْهَرُ عَلَى قَوْلِهِ ؟([16] ) : فعلى التعريف الأول لا يعد أخذ العامي بقول المجتهد تقليدا لِأَنَّهُ بَذَلَ مَجْهُودَهُ فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ. وعلى التعريفالثاني يعد تقليدا لأنهاتِّبَاعُ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِاتِّبَاعِهِ حُجَّةٌ وَلَمْ يَسْتَنِدْ إلَى عِلْمٍ،والتقليد بالمعنى الثاني هو الذي منعه الشافعي-رحمه الله- حيث نُقل عنه قوله:"إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا إلَّا الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم".([17] )
والراجح – إن شاء الله- التعريف الأول، ولكني لا أقول بأنأخذ العامي بقول المجتهد لا يعد تقليدا، لأنه وإن استند إلى دليل إجمالي، وهو الذي رجع إليه مفتيه من كتاب أو سنة أو قياس..إلا إنه لا يعرف تفاصيل ذلك الدليل، وهو وإن بذل نوع اجتهاد في تحري الأعلم إلا أن ذلك اجتهاد في معرفة الرجال ومستنده الاختبار وطول الصحبة، وليس هذا مما نحن بصدده في شيء.
المطلب الأول: التقليد في الأصول.
المراد بالأصول ها هنا نوعان: أصول الاعتقاد كالإيمان بالله تعالى، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأصول التشريع كالصلوات الخمس، والزكاة والصوم والحج، وعلى هذا أجعل تحت هذا المطلب مسألتان:
المسألة الأولى: أصول الاعتقاد: اختلفوا في جواز التقليد في المسائل الأصولية المتعلقة بالاعتقاد في وجود الله تعالى، وما يجوز في حقه، وما لا يجوز، وما يجب له، وما يستحيل في حقه.فذهب عبيد الله بن الحسن العنبري([18] ) والحشوية([19] )والتعليمية([20] ) إلى جواز التقليد في هذه المسائل، وربما قال بعضهم إنه الواجب على المكلف، وإن النظر في ذلك والاجتهاد فيه حرام.
وذهب الباقون إلى المنع منه، وهو المختار، وقد تضافرت عليه الأدلة, ومن ذلك
الدليل الأول: آيات الكتاب الدالة على وجوب النظر والتفكر والتعقل في آيات الله في الأنفس والآفاق، مثل قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ }([21] )، قال عليه السلام لقد نزلت علي الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها([22] )..
الدليل الثاني: الآيات الدالة على ذم التقليد شرعا مثل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}([23] ) ذكر ذلك في معرض الذم لهم([24] ). فإن قيل: ما ذكر معارض من وجوه:
المعارضة الأولى: أن النظر غير واجب لوجوه.
الوجه الأول: أنه منهي عنه، ودليل النهي عنه الكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله تعالى {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ }([25] ). والنظر يفضي إلى فتح باب الجدال، فكان منهيا عنه.
وأما السنة فما روي عن النبي عليه السّلام، أنه نهى الصحابة لما رأهم يتكلمون
في مسألة القدر، فعن أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ نَتَنَازَعُ فِى الْقَدَرِ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّمَا فُقِئَ فِى وَجْنَتَيْهِ الرُّمَّانُ فَقَالَ « أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَمْ بِهَذَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَنَازَعُوا فِى هَذَا الأَمْرِ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تَتَنَازَعُوا فِيهِ »([26] )
الوجه الثاني: أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة الخوض والنظر في المسائل الكلامية مطلقا، ولو وجد ذلك منهم، لنقل، كما نقل عنهم النظر في المسائل الفقهية، ولو كان النظر في ذلك واجبا، لكانوا أولى بالمحافظة عليه.
الوجه الثالث: أنه لم ينقل عن النبي عليه السلام، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين إلى زمننا هذا الإنكار على من كان في زمانهم من العوام، ومن ليس له أهلية النظر على ترك النظر، مع أنهم أكثر الخلق.
المعارضة الثانية: أن النظر مظنة الوقوع في الشبهات واضطرا ب الآراء والخروج إلى الضلال، بخلاف التقليد، فكان سلوك ما هو أقرب إلى السلامة أولى، ولهذا، صادفنا أكثر الخلق على ذلك، فكان أولى بالاتباع.
المعارضة الثالثة: أن الأصول والفروع قد استويا في التكليف بهما، وقد جاز التقليد
في الفروع، فكذلك في الأصول، بل إن أن أدلة الأصول فيما يرجع إلى الغموض والخفاء أشد من أدلة الفروع، فإذا جاز التقليد في الفروع مع سهولة أدلتها، دفعا للحرج، فلأن يجوز ذلك في الأصول أولى([27] ).
والجواب عن المعارضة الأولى بمنع النهي عن النظر، أما الآية، فالمراد بهما إنما هو الجدال بالباطل على ما قال تعالى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ}([28] ) ومن الجدال الباطل ألا يستند إلى علم، قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ }([29] ) وقال:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ } ([30] ).
أما الجدال بالحق فليس منهيا عنه، ودليله قوله تعالى {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }([31] ) وقوله تعالى {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ }([32] ) فلو كان الجدال منهيا عنه مطلقا لما كان مأمورا به، ثم كيف يكون النظر منهيا عنه، وقد أثنى الله تعالى على الناظرين بقوله تعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}([33] ) أورد ذلك في معرض الثناء والمدح، والمنهي عنه لا يكون ممدوحا عليه، وبه يخرج الجواب عن نهيه عن النظر في القدر، فهو رجم بالغيب فيجب تفويض علمه إلى الله تعالى فيما قضاه وأمضاه، جمعا بينه وبين ما ذكرناه من الأدلة.
قولهم (لم ينقل عن أحد من الصحابة النظر في ذلك) يلزم منه نسبة الصحابة إلى الجهل بمعرفة الله تعالى، وهو محال. وإذا كانوا عالمين بذلك، فليس العلم بذلك من الضروريات، فتعين إسناده إلى النظر والدليل، وإنما لم تنقلعنهم المناظرة في ذلك لصفاء أذهانهم، وصحة عقائدهم، وعدم ما يحوجهم إلى ذلك. وحيث نقل عنهم ذلك في مسائل الفروع، فلكونها اجتهادية، والظنون فيها متفاوتة، بخلاف المسائل الأصولية فإنها القطعية.
قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لم ينكروا على العامة تركالنظر.
يقال: إنما لم ينكروا ذلك لأن المعرفة الواجبة كانت حاصلة لهم، وهي المعرفة بالدليل من جهة الجملة، لا من جهة التفصيل.
قولهم (إن النظر مظنة الوقوع في الشبهات والتردي في الضلالات) يقال: فالمحذور اللازم من النظر لازم في التقليد مع زيادة، وهو احتمال كذب من قلده فيما أخبره به، بخلاف الناظر بنفسه.
قولهم إن التقليد عليه الأكثر والسواد الأعظم..يقال: ذلك لا يدل على أنه الأقرب إلى السلامة، لأن التقليد في العقائد المضلة أكثر من التقليد في العقائد الصحيحة، على ما قال تعالى {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }([34] ) وقال عليه السلام « إِنَّ بَنِى إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِى النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِىَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِى»([35] ). قلت: وإنما كان ذلك، لأن الحق كثيرا ما لا يوافق الأهواء، فلا يوفّق إلى اتباعه إلا من نبذ حظه الشخصي وقليل ما هم.
قولهم (إن أدلة الأصول أخفى، فكان التقليد فيها أولى من الفروع) يقال: ليس الأمر كذلك فإن المطلوب في الأصول القطع واليقين، لذلك جاءت بها نصوص قطعية، بخلاف الفروع فإن المطلوب فيها الظن، وهو حاصل من التقليد، فلا يلزم من جواز التقليد في الفروع جوازه في الأصول([36] ).
والذي يبدو لي بعد الموازنة بين أدلة الفريقين أن التقليد في العقائد لا يجوز، بل لا يمكن؛ لأن الإيمان مستقره القلب، والقلب منطقة حرام لا سبيل لأحد أن يلجه إلا عبر إقناع صاحبه، ولا يقال أن قضايا الإيمان معقّدة لا يسع الجميع فهمها- فإن تعقيدها من صنيع أهل الكلام- أمّا وفق المنهج القرآني فهي سهلة يسيرة لتطابقها مع الفطرة لذلك يفهمها كل من كان أهلا للخطاب على تفاوت بين الناس في تحصيل شواهد الإيمان من الأنفس والآفاق، وعلى هذا الأساس يتفاوت الناس في مراتب الأيمان دون أن ينحط مكلف عن تحصيل أصله.
المسألة الثانية: التقليد في أصول التشريع.
يمكن أن يمثّل لأصول التشريع بالمسائل الإجماعية، وسائر ما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة في غير قضايا العقيدة، وقد أخرج الآمدي هذه المسائل من نطاق المسائل الاجتهادية حيث قال: (الأدلة فيها نفي وإثبات، ظنية، غير قطعية، فكانت ملحقة بالمسائل الاجتهادية دون القطعية)، ([37] ) وقال: ( وحيث نقل عنهم ذلك في مسائل الفروع، فلكونها اجتهادية، والظنون فيها متفاوتة، بخلاف المسائل القطعية) ([38])
وقريبا من هذا يقول ابن عبد البر -عقب الحديث عن ميراث الزوجين- :(هذا إجماع من علماء المسلمين لا خلاف بينهم فيه وهو من الحكم الذي ثبتت حجته ووجب العمل به والتسليم له، وما فيه التنازع والاختلاف وجب العمل منه بما قام الدليل عليه لكل مجتهد وقام العذر فيه لمن مال إلى وجه منه لأنه هو الأولى عنده ووجب على العامة تقليد علمائها فيما اجتهدوا فيه ووسعهم العمل به) ([39] ).
و الأدلّة إذا كانت قطعية وأدلتها ظاهرة لم يُعد الأخذ بقول الغير فيها تقليدا على ما قرره الآمدي حيث عرف التقليد بأنه: عبارة عن العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة، ثم قال:وعلى هذا، فالرجوع إلى قول النبي عليه السّلام، وإلى ما أجمع عليه أهل العصر من المجتهدين، ورجوع العامي إلى قول المفتي، وكذلك عمل القاضي بقول العدول، لا يكون تقليدا، لعدم عروّه عن الحجّة الملزمة، وإن سمي ذلك تقليدا بعرف الاستعمال، فلا مشاحة في اللفظ([40] ). وقال الرازي في حد "المجتهد فيه": هو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قاطع، ثم شرح التعريف بقوله: واحترزنا ب "الشرعي" عن "العقليات" و "مسائل الكلام" وبقولنا: " ليس فيه دليل قاطع" عن وجوب الصلوات الخمس والزكوات وما اتفقت عليه الأمة من جليّات الشرع([41] ).
فالتقليد في أصول التشريع كالتقليد في أصول الاعتقاد من حيث المنع، يقول العكبري([42] ):(الأحكام على ضربين ضرب يجوز فيه التقليد وضرب لا يجوز فيه؛ فالذي لا يجوز فيه التقليد هي الأحكام العقلية مثل معرفة الله (...) وكذلك ما ثبت بأخبار التواتر كأعداد الركعات ونصب الزكاة ونحوها فلا يجوز لأحد التقلييد فيها لأن العلم حصل بها من جهة الضرورة) ([43] ) .وقال الآمدي في معرض رده على من ذهب إلى أن الحق متعين في كل مسألة: ( لو كان الحق متعينا في باب الاجتهاد في كل مسألة لنصب الله تعالى عليه دليلا قاطعا، دفعا للإشكال، وقطعا لحجة المحتج، كما هو المألوف من عادة الشارع في كل ما دعا إليه(...) ولو كان عليه دليل قاطع، لوجب الحكم على مخالفه بالفسق والتأثيم، كالمخالف في العقليات) ([44] ) . بل لعل المنع من التقليد في أصول التشريع عندهم أظهر من المنع في أصول الاعتقاد، فقد جاء في المعتمد: (منع أكثر المتكلمين والفقهاء من التقليد في التوحيد والعدل والنبوات، وأباح قوم من أصحاب الشافعي أن يقلد في ذلك، ولم يختلفوا في أنه ليس له أن يقلد في أصول الشريعة كوجوب الصلاة وأعداد ركعاتها) ([45] ).
المطلب الثاني: التقليد في الفروع.
نتكلم في هذا المطلب عن تقليد العامي في الفروع منعا وتجويزا بإطلاق، وقبل أن نعرض أدلة المجوزين ومناقشتها من طرف المانعين يجدر بنا أن نبين إجمالا مذاهب أهل العلم في المسألة ثم نركز إن شاء الله على أدلة القائلين بالجواز مطلقا، فأقول وبالله التوفيق:
المذهب الأول: العامي ومن ليس له أهلية الاجتهاد، وإن كان محصلا لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد، يلزمه اتباع قول المجتهدين والأخذ بفتواه، عند المحققين من الأصوليين.
المذهب الثاني: المنع من ذلك ، وأبرز المانعين وأشدهم على المجوزين ابن حزم، يقول – رحمه الله- استحى قوم من أهل التقليد من فعلهم فيه وهم يقرون ببطلان المعنى الذي يقع عليه هذا الاسم فقالوا لا نقلد بل نتبع، قال أبو محمد ولم يتخلصوا بهذا التمويه من قبيح فعلهم لأن الحرام إنما هو المعنى، فليسموه بأي اسم شاءوا فإنهم ما داموا آخذين بالقول لأن فلانا قاله دون النبي صلى الله عليه و سلم فهم عاصون لله تعالى لأنهم اتبعوا من لم يأمرهم الله تعالى باتباعه([46] )
المذهب الثالث: نقل عن الجبائي أنه أباح ذلك في مسائل الاجتهاد دون غيرها، كالعبادات الخمس. ([47] )
والمختار إنما هو المذهب الأول. ويدل عليه الكتاب، والسنة، والإجماع، والمعقول([48])
أما الكتاب: فقوله تعالى {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ([49] ) قالوا وهو عام لكل المخاطبين، ويجب أن يكون عاما في السؤال عن كل ما لا يعلم، (...) وإلا كان متناولا لبعض ما لا يعلم بعينه، أو لا بعينه: والأول غير مأخوذ من دلالة اللفظ، والثاني يلزم منه تخصيص ما فهم من معنى الأمر بالسؤال، دون البعض، وهو خلاف الأصل. وإذا كان عاما في الأشخاص وفي كل ما ليس بمعلوم، فأدنى درجات قوله (فاسألوا) الجواز([50] ).
ناقش المانعون الاستدلال بالآية بأن هذه الآية الشريفة واردة في سؤال خاص خارج عن محل النزاع كما يفيد ذلك السياق المذكور قبل اللفظ المستدل به وبعده، قال ابن جرير الطبري نزلت ردا على المشركين لما أنكروا بشرية الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقال لمشركي قريش: وإن كنتم لا تعلمون أن الذين كنا نرسل إلى من قبلكم من الأمم رجال من بني آدم وقلتم : هم ملائكة، فاسألوا أهل الذكر: وهم الذين قد قرؤوا الكتب من قبلهم: التوارة والإنجيل وغير ذلك من الكتب([51] ).وأورد السيوطي في "الدر المنثور" عن ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً } قال : قالت العرب {لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ }([52] ). قال الله : ما أرسلت الرسل إلا بشراً { فاسألوا } يا معشر العرب { أهل الذكر } وهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، الذين جاءتهم قبلكم { إن كنتم لا تعلمون } أن الرسل الذين كانوا من قبل محمد كانوا بشراً مثله، فإنهم سيخبرونكم أنهم كانوا بشراً مثله([53] ).
قالوا: وعلى فرض أن المراد السؤال العام، فالمأمور بسؤالهم هم أهل الذكر، والذكر هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم لا غيرهما، وإذا كان المأمور بسؤالهم هم أهل القرآن والسنة فالآية المذكورة حجة على المقلدة وليست بحجة لهم؛ لأن المراد أنهم يسألون أهل الذكر ليقولوا قال الله كذا فيعمل السائلون بذلك، وهذا غير ما يريده المقلد المستدل بالآية الكريمة فإنه إنما استدل بها على جواز أن يسأل عن مذهب إمامه فقط، فإذا جاوز ذلك إلى السؤال عن الكتاب والسنة فليس بمقلد، فإذا تقرر هذا علم أن هذه الآية الشريفة على تسليم أن السؤال ليس عن الشيء الخاص الذي يدل عليه السياق بل عن كل شيء من الشريعة - كما يزعمه المقلد- فهي حجة عليه لا له([54] ).
أما من السنة: فمن جملة ما استدلوا به ما ثبت عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال في حديث صاحب الشجّة ألا سألوا إذ لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال([55] ). وكذلك حديث العسيف الذي زنى بامرأة مستأجره فقال أبوه سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وإن على امرأة هذا الرجم([56] ). ، قالوا فلم ينكر عليه تقليد من هو أعلم منه.
والجواب أنه لم يرشدهم (صلى الله عليه و سلم) في حديث صاحب الشجة إلى السؤال عن آراء الرجال بل أرشدهم إلى السؤال عن الحكم الشرعي الثابت عن الله ورسوله صلى الله عليه و سلم ولهذا أنكر عليهم لما أفتوا بغير علم، مع أنهم قد أفتوا بآرائهم. فكان الحديث حجة عليهم لا لهم فإنه اشتمل على أمرين أحدهما الإرشاد لهم إلى السؤال عن الحكم الثابت بالدليل، والآخر الذم لهم على اعتماد الرأي والإفتاء به، قالوا: فإنا لا نطلب منكم معشر المقلدة إلا ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ألا تسألون فإنما شفاء العي السؤال عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم لا عن رأي فلان ومذهب فلان ([57] ). وأما السؤال الواقع من والد العسيف فقالوا هو إنما سأل علماء الصحابة عن حكم مسألة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يسألهم عن آرائهم ومذاهبهم ، قالوا: ونحن لا نطلب من المقلد إلا أن يسأل كما سأل والد العسيف ويعمل على ما قام عليه الدليل الذي رواه له العالم المسئول([58] )
أما من الإجماع: فقد احتج المجوزون للتقليد بأن العامّة لم تزل في زمن الصحابة والتابعين قبل حدوث المخالفين يستفتون المجتهدين، ويتبعونهم في الأحكام الشرعية، والعلماء منهم يبادرون إلى إجابة سؤالهم من غير إشارة إلى ذكر الدليل، ولا ينهونهم عن ذلك، فكان إجماعا على جواز اتباع العامي للمجتهد مطلقا ([59] ).
أجاب المانعون بأن هذه دعوى لا تصدر من ذي قدم راسخة في علم الشريعة ؛ لأنا نعلم بالقطع أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكن في زمانهم وعصرهم مذهب لرجل معين يقلد، وإنما كانوا يرجعون في النوازل إلى الكتاب والسنة أو إلى ما يتمحض بينهم من النظر عند فقد الدليل، وكذلك تابعوهم أيضا يرجعون إلى الكتاب والسنة، فإن لم يجدوا نظروا إلى ما أجمع عليه الصحابة، فإن لم يجدوا اجتهدوا وربما اختار بعضهم قول صحابي رآه الأقوى في دين الله تعالى، ثم كان القرن الثالث وفيه كان أبو حنيفة ومالك والشافعيوابن حنبل وكانوا على منهاج من مضى لم يكن في عصرهم مذهب رجل معين يتدارسونه، وعلى قريب منهم كان أتباعهم: فكم من قول لمالك ونظرائه خالفه فيها أصحابه. فعلى هذا فإن التقليد لم يحدث إلا بعد انقراض خير القرون، وإن حدوث التمذهب بمذاهب الأئمة الأربعة إنما كان بعد انقراض الأئمة الأربعة، وإنهم كانوا على نمط من تقدمهم من السلف في هجر التقليد وعدم الاعتداد به، وإن هذه المذاهب إنما أحدثها عوام المقلدة لأنفسهم من دون أن يأذن بها إمام من الأئمة المجتهدين ([60] ) .
أما من المعقول: فقالوا من ليس له أهلية الاجتهاد، إذا حدثت به حادثة فرعية، إما أن يكون متعبدا بشيء أو لا يكون: وأن لا يكون متعبدا بشيء خلاف الإجماع من الفريقين، فإن كان متعبدا بشيء فإما بالنظر في الدليل المثبت للحكم، أو بالتقليد: والأول ممتنع، لأن ذلك مما يفضي في حقه وفي حق الخلق أجمع إلى النظر في أدلة الحوادث، وهو تكليف ما لا يطاق؛ فإن الطباع البشرية متفاوتة: فمنها ما هو قابل للعلوم الاجتهادية، ومنها ما هو قاصر عن ذلك - وهو غالب الطباع - ، وعلى فرض إنها قابلة له جميعها فوجوب تحصيله على كل فرد يؤدي إلى تعطيل المعايش التي لا يتم بقاء النوع بدونها؛ فإنه لا يظفر برتبة الاجتهاد إلا من جرد نفسه للعلم في جميع أوقاته على وجه لا يشتغل بغيره، فحينئذ يشتغل الحراث والزراع والنساج ونحوهم بالعلم وتبقى هذه الأعمال شاغرة معطلة، فتبطل المعايش بأسرها ويفضي ذلك إلى انخرام نظام الحياة وذهاب نوع الإنسان، وفي هذا من الضرر والمشقة ومخالفة مقصود الشارع ما لا يخفى على أحد([61] ) .
ناقش المانعون للتقليد هذا الدليل بقولهم: نحن لا نطلب من كل فرد من أفراد العباد أن يبلغ رتبة الاجتهاد، بل المطلوب أن يكون القائمون بهذه المعايش والقاصرون إدراكا وفهما عن رتبة الاجتهاد كما كان عليه أمثالهم في أيام الصحابة والتابعين وتابعيهم - وهم خير القرون - وقد علم أنهم لم يكونوا مقلدين ولا منتسبين إلى فرد من أفراد العلماء، بل كان الجاهل يسأل العالم عن الحكم الشرعي الثابت بكتاب الله أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيفتيه به ويرويه له لفظا أو معنى، فيعمل بذلك من باب العمل بالرواية لا بالرأي، فأين هذا مما يفعله المقلدون من تقليد العالم في جميع أمور الشريعة من غير التفات إلى دليل ولا تعريج على تصحيح أو تعليل ([62] ).
ومن خلال التأمل في مناقشة المانعين لأدلة المجوزين، نلحظ تمحور تلكم المناقشة في أمرين:
الأول: أنهم لم يطالبوا كل مكلف بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه و سلم) بنفسه، وإنما قالوا لا بأس أن يسأل أهل العلم عن النازلة ليخبروه عن حكمها ويرشدوه إلى دليلها، وعلى هذا فهم يطلبون من العامي أن يعمل بما قام عليه الدليل الذي رواه له العالم المسئول وعدم الاكتفاء بمجرد الفتوى.
الأمر الثاني: لم يرضوا من العامي أن يلتزم بمذهب إمام معين لا يصدر إلا عنه.
والرؤية المتوازنة – من وجهة نظري- تقتضي التسليم بالأمر الثاني، أما الأمر الأول فلا نسلم به على إطلاقه، بل نسلم به لدى العامي المحصّل لبعض العلوم، أما العامي الصرف فلو كلفناه بأن يسأل عن الدليل ويعمل على مقتضاه لكلفناه شططا، والله أعلم.
المبحث الثاني: أصناف المقلدة وحكم كل صنف:
المطلب الأول: المقلد العامّي الصرف الجاهل بقواعد الأصول ومعاني النصوص
جاء "في البحر الرائق" لو احتجم أو اغتاب فظن أنه يفطره ثم أكل: إن لم يستفت فقيها ولا بلغه الخبر فعليه الكفارة؛ لأنه مجرد جهل وأنه ليس بعذر في دار الإسلام. وإن استفتى فقيها فأفتاه لا كفارة عليه؛ لأن العامي يجب عليه تقليد العالم إذا كان يُعتمد على فتواه، فكان معذورا فيما صنع، وإن كان المفتي مخطئا فيما أفتى. وإن لم يستفت ولكنه بلغه الخبر وهو قوله صلى الله عليه و سلم:(أفطر الحاجم والمحجوم) ([63]) وقوله عليه الصّلاة و السّلام: (الغيبة تفطر الصائم) ([64] ) ولم يعرف النسخ، عليه الكفارة عند أبي يوسف لأنه ليس للعامي العمل بالحديث لعدم علمه بالناسخ والمنسوخ، ولو لمس امرأة أو قبلها بشهوة أو اكتحل فظن أن ذلك يفطر، ثم أفطر عليه الكفارة إلا إذا استفتى فقيها فأفتاه بالفطر([65] ) .
يُعلم من هذا أن مذهب العامي فتوى مفتيه من غير تقييد بمذهب ومن غير تقييد بحياة المقلَد أو موته، وهو مذهب الجمهور، ([66] ) خلافا لابن حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فإنه منع تقليد الحي والميّت، حيث ساق بسنده عن ابن مسعود قوله: ألا لا يقلدن رجل رجلا دينه إن آمن، آمن وإن كفر، كفر فإن كان مقلدا لا محالة فليقلد الميت ويترك الحي فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة، قال أبو محمد - بعد أن طعن في صحة نسبة القول لابن مسعود- مع أنه كلام فاسد لأن الميت أيضا لا تؤمن عليه الفتنة إذا أفتى بما أفتى ولا فرق بينه وبين الحي في هذا) ([67] ) .
قال السبكي للمكلف حالات الأولى أن يكون عاميا صرفا لم يحصل شيئا من العلوم التي يترقى بها إلى منازل المجتهدين فالجماهير على أنه يجوز له الاستفتاء ويجب عليه التقليد في فروع الشريعة جميعها ولا ينفعه ما عنده من علوم لا تؤدي إلى الاجتهاد وإن كانت عدد الحصى، ومنع منه معتزلة بغداد مطلقا وقالوا يجب عليه الوقوف على طريق الحكم ولا يرجع إلى العالم إلا لينبهه على أصولها وطريقة النظر فيها، وفصل الجبائي فقال يجوز في المسائل الاجتهادية دون ما عداها كالعبادات الخمس([68] ).
المطلب الثاني: المقلد المحصّل لعلوم لا تؤهله لأن يكون مجتهدا مطلقا:
اختار البيضاوي وتبعه السبكي في العالم الذي تعالى عن رتبة العامة بتحصيل بعض العلوم المعتبرة ولم يُحِط بمنصب الاجتهاد أن حكمه حكم العامي الصرف؛ لعجزه عن الاجتهاد، وقال قوم لا يجوز له التقليد ويجب عليه معرفة الحكم بطريقه لأن له صلاحية معرفة طرق الأحكام بخلاف العامي. واستدل البيضاوي لمذهبه بوجهين الوجه الأول: إجماع السلف: إذ لم يكلفوا العوامّ في عصر من الأعصاربالاجتهاد بل قنعوا منهم بمجرد أخذ الأحكام من أقوالهم من غير بيان مأخذها([69] )
سلم المعارضون بدعوى قيام الإجماع على إفتاء المستفتين ولكن قالوا لخصومهم: من أين لكم أن المستفتين لم يسألوا عن بيان المأخذ؟ أجاب الخصوم بأنه لم ينقل ذلك، ولا لام أحد العوام على تركهم السؤال عن وجه دلالة الدليل([70] ) .
الوجه الثاني: أن وجوب ذلك عليهم يؤدي إلى تفويت معايشهم واستضرارهم بالاشتغال بأسبابه وذلك مؤذن باختلال نظام العالم وفساد الأحوال. ناقشهم خصومهم بأن هذا يقتضي أن لا يجب النظر في أصول الدين وأن يجوز فيه التقليد لأنا نعلم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يلومون من لم يتعلم علم الكلام بل ربما لاموا المشتغل به مع أنه يلزم منه تعطيل أمور المعايش لأن غرض أدلة الكلام أكثر. أجابوا: بالفرق إذ مطالب أصول الدين معدودة محصورة لا تتكرر وأكثر أدلتها قواطع تحمل الطبع السليم على الإذعان لها بخلاف الأحكام الفرعية فإنها غير متناهية وأكثر أدلتها ظنون تضطرب بحسب الأذهان فكان تحصيل رتبة الاستدلال فيها محتاجا إلى الانقطاع عن الاشتغال بغيرها([71] ).
والموازنة تقتضي القول بأن الاجتهاد يقبلِ التجزؤ والانقسام -على الصحيح - فيكون الرجل مجتهداً في نوع من العلم مقلداَ في غيره: كمن استفرغ وسعه في علم الفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيره من العلوم فيجوز له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه؛ لأنه قد عرف الحق بدليله، وقد بذل جهده في معرفة الصواب، فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع، ولا يجوز له الإِفتاء فيما لم يجتهد فيه فإن القاصر في فن كالعامي فيه([72] ).
كذلك إذا نص المجتهد على حكم في مسألة لعلة بينهما، فكل وصف توجد فيه تلك العلة فلأصحابه العارفين بمذهبه أن يحكموا عليها أنها كمذهبه نظراً للعلة الجامعة كما يفعله المجتهد المطلق بالنسبة إلى نصوص الشرع العامة([73] ).
ولأجل هذا القاعدة أوجب بعض المالكية الزكاة في التين مع أن مالكاً لم يذكر في التين زكاة، قال مالك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا والذي سمعت من أهل العلم أنه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة الرمان والفرسك والتين وما أشبه ذلك وما لم يشبهه إذا كان من الفواكه ) ([74] ) . ومعلوم أن علة الزكاة في الثمار عند مالك إنما هي " الاقتيات والادخار " فلما كان الاقتيات والادخار موجوداً في التين جعل بعض أصحابه الزكاة فيه كالزبيب بمقتضى علته المذكورة، ولذا قال أبو عمر ( وأدخل التين في هذا الباب أي (باب ما لا زكاة فيه) وأظنه والله أعلم بأنه ييبس ويدخر ويقتات ولو علم ذلك ما أدخله في هذا الباب لأنه أشبه بالتمر والزبيب منه بالرمان والفرسك ( وهو الخوخ ) ([75] ).
المطلب الثالث : التقليد من المجتهد المطلق:
إذا بلغ المكلف رتبة الاجتهاد فله في تقليد غيره حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون قد اجتهد في المسألة ووضح في ظنه وجه الصواب، فهذا لا يجوز أن يقلدغيره بلا ريب ([76] ).
الحالة الثانية: أن لا يكون قد اجتهد فيها، فهذا اختلفوا فيه على مذاهب، أشهرها:
* المذهب الأول المنع مطلقا: وإليه ذهب جمع من الأصوليين، قال الرازي: (ذهب أكثر أصحابنا إلى أنه لا يجوز للعالم تقليد العالم البتة...إلى أن قال:لنا وجهان:
الأول: أن هذا المجتهد أمر بالاعتبار في قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} ([77]) فإذا لم يأت به يكون تاركا للمأمور به فيكون عاصيا.ولا يرد العامي؛ لأنه خرج من عموم الأمر بدليل عجزه عن الاجتهاد.
والثاني أنه متمكن من الوصول إلى حكم المسألة بفكرته فوجب أن يحرم عليه التقليد كما في الأصول، والجامع وجوب الاحتراز عن الضرر المحتمل عند القدرة على الاحتراز عنه([78] ). وما ذهب إليه الرازي هو المختار عند الآمدي حيث قال: (إنما لم يجز تقليد العالم للعالم، لاستوائهما في درجة الاجتهاد، وليس تقليد أحدهما للآخر أولى من العكس) ([79] ) ،وقال: ( ذهب القاضي أبو بكر وأكثر الفقهاء إلى منع تقليد العالم للعالم، سواء كان أعلم منه، أو لم يكن، وهو المختار) ([80] ) . وقال: (إذا ثبت أن مذهب الصحابي ليس بحجة واجبة الاتباع، فهل يجوز لغيره تقليده؟ أما العامي فيجوز له ذلك من غير خلاف، وأما المجتهد من التابعين ومن بعدهم، فيجوز له تقليده إن جوزنا تقليد العالم للعالم، وإن لم نجوز ذلك فقد اختلف قول الشافعي في جواز تقليد العالم من التابعين للعالم من الصحابة فمنع من ذلك في الجديد، وجوزه في القديم. غير أنه اشترط انتشار مذهبه تارة، ولم يشترطه تارة. والمختار امتناع ذلك مطلقا([81])
* المذهب الثاني التجويز مطلقا: وعليه أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وسفيان الثوري([82]). وقد عارضوا استدلالالمانعين بأوجه:
الأول: قوله تعالى { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }([83]) قالوا: والعالم قبل أن يجتهد لا يعلم فوجب تجويز الاجتهاد له.
والثاني: قوله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ }([84]) ، والعلماء هم أولوا الأمر لأن أمورهم تنفذ على الأمراء والولاة([85]) .
والثالث: إجماع الصحابة حيث روى أحمد بسنده عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ:( قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَيْفَ بَايَعْتُمْ عُثْمَانَ وَتَرَكْتُمْ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا ذَنْبِي قَدْ بَدَأْتُ بِعَلِيٍّ فَقُلْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَسِيرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فَقَالَ فِيمَا اسْتَطَعْتُ قَالَ ثُمَّ عَرَضْتُهَا عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَبِلَهَا) ([86]) فقد التزم عثمان ذلك بمحضر من عظام الصحابة من غير نكير عليه، فكان إجماعا على جواز أخذ المجتهد بقول المجتهد الميت وإذا ثبت في الميت ثبت في الحي بطريق الأولى([87]).
وأجاب المانعون عن الاستدلال بقوله تعالى: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} بأن المراد بقوله {إن كنتم لا تعلمون} بأن السؤال مشروط بعدم العلم ولا ينطبق على المجتهد لأنه عالم، وكونه قبل الاجتهاد لا يعلم لا يخرجه عن كونه عالما لأنه وإن غابت المسألة عن ذهنه قبل الاجتهاد فهو متمكن من معرفتها من غير احتياج إلى غيره([88]).
وأجابوا عن الاستدلال بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } بأن الآية دلت على وجوب طاعتهم في الأقضية والأحكام جمعا بين الأدلة ([89]) وقالوا: أيضا المتبادر إلى الفهم من إطلاق أولي الأمر الأمراء والحكام. ([90])
وأجابوا عن إجماع الصحابة وما كان من قصة عبد الرحمن بن عوف مع عثمان ، بأن المراد من سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لزوم العدل والإنصاف والسنن المرضية في جميع الحالات. ([91]) أي الاقتداء به في المنهج العام لا في جزئيات الأحكام.
* المذهب الثالث التفصيل: فمنهم من جوز تقليد الصحابة فقط، ومنهم من جوز تقليد العالم لمن هو أعلم منه ومنع أن يقلد من يساويه أو من هو دونه: وإليه ذهب محمد بن الحسن، ومنهم من جوز التقليد فيما يخصه دون ما يفتى به، ومنهم من جوز فيما يخصه إذا خشي فوات الوقت باشتغاله بالحادثة: وهو رأي أبي العباس ابن سريج، ومنهم من جوز للقاضي دون غيره...وهكذا. ([92])
والموازنة أن يقال، لا يخلو الحال في هذه المسألة من أن يكون المجتهد يريد أن يقلد نظيره قبل أن يجتهد هو بنفسه أو بعد ما اجتهد: فإن كان الأول فإما أن يكون قد أدّاه اجتهاده إلى ما يوافقه أو إلى ما يخالفه: فإن أداه اجتهاده إلى ما يخالفه، فلا يجوز له تقليده لأنه يؤدّي إلى ترك الراجح لديه والعمل بما يراه مرجوحا، أما إذا لم يخالفه فهو موافقه لا تقليدا. أما إذا لم يجتهد فإن كان في الأمر سعة فلا ينبغي له أن يتكل على اجتهاد غيره ، فإن لم يكن في الأمر سعة أو تكافأت عنده الأدلة، أو لم يظهر له دليل فلا بأس أن يتبع غيره في المنهج العام لا في جزئيات الأحكام. المبحث الثالث: حالات التقليد:
المطلب الأول: التزام العامي بإمام معين أو مذهب معين.
وقال النووي الذي يقتضيه الدليل أنه لا يلزمه التمذهب بمذهب بل يستفتي من شاء لكن من غير تلقط للرخص ولعل من منعه لم يثق بعدم تلقطه وإذا التزم مذهبا معينا فيجوز له الخروج عنه على الأصح. (روضة الطالبين وعمدة المفتين المؤلف النووي : 4/ 121 مصدر الكتاب : موقع الوراق http://www.alwarraq.com)و قال ابن القيم: هل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا؟ فيه مذهبان: أحدهما لا يلزمه وهو الصواب المقطوع به إذ لا واجب إلا ما أوجبه اللهورسوله ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دينه دون غيره وقد انطوت القرون الفاضلة مبرأة مبرا اهلها من هذه النسبة بل لا يصح للعامي مذهب ولو تمذهب به فالعامي لا مذهب له لأن المذهب إنما يكون لمن له نوع نظر واستدلال ويكون بصيرا بالمذاهب على حسبه أولمن قرأ كتابا في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه وأقواله، وأما من لم يتأهل لذلك البتة بل قال أنا شافعي أو حنبلي أو غير ذلك لم يصر كذلك بمجرد القول كما لو قال أنا فقيه أو نحوي أو كاتب لم يصر كذلك بمجرد قوله([93])
واختار في جمع الجوامع أنه يجب على العامي أن يلزم مذهبا معينا وأنه لا يفعل ذلك لمجرد التشهي، بل يختار مذهبا يقلّده في كل شيء يعتقده أرجح أو مساويا لغيره لا مرجوحا. وفي كتاب الزبد لابن رسلان ... والشافعي ومالك والنعمان ... وأحمد بن حنبل وسفيان ... وغيرهم من سائر الأئمة ... على هدى والاختلاف رحمه ...
وفي شرحه غاية البيان لو اختلف جواب مجتهدين متساويين فالأصح أن للمقلد أن يتخير بقول من شاء منهما وقد مر ما في التحفة في هذه المسألة باب وهذا الذي ذكرناه من الأمرين هو الذي مشى عليه جماهير العلماء من الآخذين بالمذاهب الأربعة ووصى به أئمة المذاهب أصحابهم قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في اليواقيت والجواهر روى عن أبي حنيفة أنه كان يقول لا ينبغي لمن لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي وكان إذا أفتى يقول هذا رأي النعمان بن ثابت يعني نفسه وهو أحسن ما قدرنا عليه فمن جاء بأحسن منه فهو أولى بالصواب وكان الإمام مالك يقول ما من أحد إلا ومأخوذ من كلامه ومردود عليه إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم وروى الحاكم والبيهقي عن الشافعي أنه كان يقول إذا صح الحديث فهو مذهبي وفي رواية إذا رأيتم كلامي يخالف الحديث فأعملوا بالحديث واضربوا بكلامي الحائط وقال يوما للمزني يا إبراهيم لا تقلدني في كل ما أقول وانظر في ذلك لنفسك فإنه دين وكان رحمة الله عليه يقول لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن كثروا ولا في قياس ولا في شيء وما ثم إلا طاعة الله ورسوله بالتسليم وكان الإمام أحمد يقول ليس لأحد مع الله ورسوله كلام وقال أيضا لرجل لا تقلدني ولا تقلدن مالكا ولا الأوزاعي ولا النخعي ولا غيرهم وخذ الأحكام من حيث أخذوا من الكتاب والسنة انتهى ثم نقل عن جماعة عظيمة من علماء المذاهب أنهم كانوا يعملون ويفتون بالمذاهب من غير التزام مذهب معين من زمن أصحاب المذاهب إلى زمانه على وجه يقتضي كلامه أن ذلك أمر لم يزل العلماء عليه قديما وحديثا حتى صار بمنزلة المتفق عليه فصار سبيل المسلمين الذي لا يصح خلافه ولا حاجة بنا بعد ما ذكره وبسطه إلى نقل الأقاويل ولكن لا بأس أن نذكر بعض ما نحفظه في هذه الساعة قال البغوي في مفتتح شرح السنة وإني في أكثر ما أوردته بل في عامته متبع إلا القليل الذي لاح لي بنوع من الدليل في تأويل كلام محتمل أو إيضاح مشكل أو ترجيح قول على آخر وقال في باب الدعاء الذي يستفتح به الصلاة بعد ما ذكر التوجيه وسبحانك اللهم وقد روى غير هذا من الذكر في افتتاح الصلاة فهو من الإختلاف المباح فبأيها استفتح جاز وقال في باب المرأة لا تخرج إلا مع محرم وهذا الحديث يدل على أن المرأة لا يلزمها الحج إذا لم تجد رجلا ذا محرم يخرج معها وهو قول النخعي والحسن البصري وبه قال الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وذهب قوم إلى أنه يلزمها الخروج مع جماعة النساء وهو قول مالك والشافعي والأول أولى لظاهر الحديث قال البغوي في حديث بروع بنت واشق قال الشافعي
فتبين بذلك أن التزام مذهب معين لا يجوز، هذا هو الأصل. إلا أن هذا ليس على إطلاقه، بل قد يجوز التزام مذهب معين في أحوال معينة، منها:
1- إذا لم يستطع العبد أن يتعلم دينه إلا بالتزام مذهب معين([94]).
2- أن يترتب على التزام مذهب معين دفُع فسادٍ عظيمٍ لا يتحقق دفعه إلا بذلك([95]).
وعلى كل فالضابط لجواز التزام مذهب معين النظر في المصالح والمفاسد، فإن كان في الالتزام بمذهبٍ معينٍ تحقيق لمصالح عظمى جاز ذلك.
وهذا الجواز أيضاً لا بد فيه من ضوابط، بيانها على النحو الآتي:
¦ الأمر الثالث: ضوابط جواز الالتزام بمذهب معين.
إذا جاز الالتزام بمذهب معين فلا بد أن يراعى في ذلك ما مضى من شروط جواز التقليد([96])، إضافة إلى الآتي:
Ÿ الضابط الأول: ألا يكون هذا الالتزام سبيلاً لاتخاذ هذا المذهب دعوة يُدعى إليها، ويوالي ويعادي عليها، مما يؤدي إلى الخروج عن جماعة المسلمين وتفريق وحدة صفهم. فإن أهل البدع هم الذين ينصبون لهم شخصًا أو كلامًا يدعون إليه ويوالون به ويعادون عليه.
أما أهل السنة فإنهم لا يدعون إلا إلى اتباع كتاب الله وسنة رسوله r وما اتفقت عليه الأمة، فهذه أصول معصومة، دون ما سواها.
والمقصود أن أهل الإيمان لا يخرجهم تنازعهم في بعض مسائل الأحكام عن حقيقة الإيمان، كما علم ذلك من تنازع الصحابة رضي الله عنهم في كثير من مسائل الأحكام([97]).
Ÿ الضابط الثاني: ألا يعتقد أنه يجب على جميع الناس اتباعُ واحدٍ بعينه من الأئمة دون الإمام الآخر، وأن قوله هو الصواب الذي ينبغي اتباعه دون قول من خالفه، فمن اعتقد هذا كان جاهلاً ضالاً.
بل غاية ما يقال: إنه يسوغ أو ينبغي أو يجب على العام أن يقلد واحدًا لا بعينه، من غير تعيين زيد ولا عمرو([98]).
Ÿ الضابط الثالث: أن يعتقد أن هذا الإمام الذي التزم مذهبه ليس له من الطاعة إلا لأنه مبلغ عن الله دينه وشرعه، وإنما تجب الطاعة المطلقة العامة لله ولرسوله r فلا يجوز أن يأخذ بقولٍ أو يعتقده؛ لكونه قول إمامه، بل لأجل أن ذلك مما أمر الله به ورسوله r([99]).
Ÿ الضابط الرابع: أن يحترز من الوقوع في شيء من المحاذير التي وقع فيها بعض المتمذهبين، ومن ذلك:
الأمر الرابع: التنبيه على محاذير وقع فيها بعض المنتسبين للمذاهب.
▪ المحذور الأول: التعصب والتفرق، ووقوع الفتن بين أهل المذاهب.
ومعلوم أن الاعتصام بالجماعة والائتلاف أصل من أصول الدين، والمسائل المتنازع عليها بين هذه المذاهب من الفروع، فكيف يقدح الأصلُ بحفظ الفرع!
وقد حصل بسبب ذلك تسلطُ الأعداء على المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله([100]).
▪ المحذور الثاني: الإعراض عن الوحي، وعدم الانتفاع بنصوص الكتاب والسنة، والاستغناء عنه بأقوال الرجال، ووزن ما جاء به الكتاب والسنة على رأي المتبوعين([101]).
▪ المحذور الثالث: الانتصار للمذاهب بالأحاديث الضعيفة والآراء الفاسدة، وترك ما صح وثبت من الأحاديث النبوية([102]).
▪ المحذور الرابع: تنزيل الإمام المتبوع في أتباعه منزلة النبي r في أمته، وذلك إذا التزم هؤلاء الأتباعُ قول إمامهم في كل ما قال.
قال ابن تيمية: «أما وجوب اتباع القائل في كل ما يقوله، من غير ذكر دليل يدل على صحة ما يقول فليس بصحيح، بل هذه المرتبة هي مرتبة الرسول التي لا تصلح إلا له»([103]).
وقال أيضاً: «وهذا تبديل للدين، يشبه ما عاب الله به النصارى في قوله ]اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ[ [التوبة: 31]. والله سبحانه وتعالى أعلم، والحمد لله وحده»([104]).
المطلب الثاني: التلفيق وتتبع الرخص.
المطلب الثالث: تقليد غير الأئمة الأربعة. ¦ الأمر الأول: الموقف من الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، رحمهم الله تعالى.
قال الشيخ الشنقيطي: «اعلم أن موقفنا من الأئمة رحمهم الله، من الأربعة وغيرهم هو موقف سائر المسلمين المنصفين منهم، وهو موالاتهم ومحبتهم، وتعظيمهم وإجلالهم، والثناء عليهم بما هم عليه من العلم والتقوى، واتباعهم في العمل بالكتاب والسنة وتقديمهما على رأيهم، وتعلم أقوالهم للاستعانة بها على الحق، وترك ما خالف الكتاب والسنة منها.
أما المسائل التي لا نص فيها، فالصواب النظر في اجتهادهم فيها، وقد يكون اتباع اجتهادهم أصوب من اجتهادنا لأنفسنا؛ لأنهم أكثر علمًا وتقوى منا، ولكن علينا أن ننظر ونحتاط لأنفسنا في أقرب الأقوال إلى رضي الله وأحوطها وأبعدها من الاشتباه، كما قال r: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»([105])، وقال: «فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه»([106]).
وحقيقة القول الفصل في الأئمة رحمهم الله أنهم من خيار علماء المسلمين، وأنهم ليسوا معصومين من الخطأ، فكل ما أصابوا فيه فلهم فيه أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وما أخطئوا فيه فهم مأجورون فيه باجتهادهم، معذورون في خطئهم، فهم مأجورون على كل حال، لا يلحقهم ذم ولا عيب ولا نقص في ذلك.
ولكن كتاب الله وسنة نبيه r حاكمان عليهم وعلى أقوالهم كما لا يخفي:
فلا تغل في شيء من الأمر واقتصد
كلا طرفي قصد الأمور ذميم
فلا تك ممن يذمهم وينتقصهم، ولا ممن يعتقد أقوالهم مغنية عن كتاب الله وسنة رسوله أو مقدمة عليهما»([107]).
والمقصود أنه لا بد من الجمع بين أمرين عظيمين، أحدهما أعظم من الآخر([108]):
Ÿ الأمر الأول: هو النصيحة لله ولرسوله r ولكتابه ولدينه، وتنزيه هذا الدين عن الأقوال الباطلة.
Ÿوالأمر الثاني: هو معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم، وحقوقهم، ومراتبهم.
فالنصيحة لدين الله توجب رد بعض أقوالهم، وترك جملة من اجتهاداهم، وليس في ذلك تنقص لهم ولا إهدار لمكانتهم.
وكذلك فإن معرفة فضل الأئمة لا يوجب قبول كل ما قالوه.
فهذان طرفان جائران عن القصد، وقصد السبيل بينهما:
الطرف الأول: القول بعصمة الأئمة وأنهم لا يخطئون، وقبول جميع أقوالهم، ولو خالفت الحق.
الطرف الثاني: تأثيم الأئمة والوقيعة بهم، وإهدار جميع أقوالهم ولو وافقت الحق.
قال ابن القيم بعد أن قرر ما مضى:
«ولا منافاة بين هذين الأمرين لمن شرح الله صدره للإسلام، وإنما يتنافيان عند أحد رجلين: جاهل بمقدار الأئمة وفضلهم، أو جاهل بحقيقة الشريعة التي بعث الله بها رسوله.
ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزلة، هو فيها معذور، بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يُتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين»([109]).
(روضة الطالبين) المنسوب إلى مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك ثلاثة أصناف.
أحدها العوام وتقليدهم الشافعي مثلا مفرع على تقليد الميت وقد سبق.
والثاني البالغون لرتبة الاجتهاد وقد ذكرنا أن المجتهد لا يقلد مجتهداً وإنما ينسب هؤلاء إلى الشافعي لأنهم جروا على طريقته في الاجتهاد واستعمال الأدلة وترتيب بعضها على بعض ووافق اجتهادهم اجتهاده وإذا خالف أحياناً لم يبالوا بالمخالفة.
والصنف الثالث المتوسطون وهم الذين لم يبلغوا رتبة الاجتهاد في أصول الشرع لكنهم وقفوا على أصول الإمام في الأبواب وتمكنوا من قياس ما لم يجدوه منصوصاً له على ما نص عليه وهؤلاء مقلدون له تفريعاً على تقليد الميت وهكذا من يأخذ بقولهم من العوام تقليداً له والمعروف للأصحاب أنه لا يقلدهم في أنفسهم لأنهم مقلدون وقد نجد ما يخالف هذا فإن أبا الفتح الهروي وهو من أصحاب الإمام يقول في الأصول مذهب عامة أصحابنا أن العامي لا مذهب له فإن وجد مجتهداً قلده وإن لم يجده ووجد متبحراً في مذهب فإنه يفتيه على مذهب نفسه وإن كان العامي لا يعتقد مذهبه وهذا تصريح بأنه يقلد المتبحر في نفسه وإذا اختلف متبحران في مذهب لاختلافهما في قياس أصل مذهب إمامهما ومن هذا يتولد وجوه الأصحاب فنقول أيهما يأخذ العامي فيه ما سنذكره في اختلاف المجتهدين إن شاء الله تعالى وإذا نص صاحب المذهب على الحكم والعلة ألحق بتلك العلة غير المنصوص بالمنصوص وإن اقتصر على الحكم فهل يستنبط المتبحر العلة ويعدي الحكم بها قال محمد بن يحيى لا والأشبه بفعل الأصحاب جوازه لأنهم ينقلون الحكم ثم يختلفون في علته وكل منهم يطرد الحكم في فروع علته.
الثابتة بأدلة ظنيّة.(حديث العسيف وحديث صاحب الشجة، قضاء أبي بكر في الكلالة (يرجع إلى القول المفيد في حكم التقليد للشوكاني)
وأما (المستفتي) فلا يخلو إما أن يكون عالما قد بلغ رتبة الاجتهاد، أو لم يكن كذلك: فإن كان الأول قد اجتهد في المسألة وأداه اجتهاده إلى حكم من الأحكام، فلا خلاف في امتناع اتباعه لغيره في خلاف ما أداه إليه اجتهاده، وإن لم يكن قد اجتهد فيها فقد اختلفوا في جواز اتباعه لغيره من المجتهدين
فيما أدى إليه اجتهاده وقد سبق الكلام فيه بجهة التفصيل، وما هو المختار.
وإن لم يكن من أهل الاجتهاد فلا يخلو إما أن يكون عاميا صرفا، لم يحصل له شئ من العلوم التي يترقى بها إلى رتبة الاجتهاد، أو أنه قد ترقى عن رتبة العامة بتحصيل بعض العلوم المعتبرة في رتبة الاجتهاد: فإن كان الاول، فقد اختلف في جواز اتباعه لقول المفتي، والصحيح أن وظيفته اتباع قول المفتي على ما يأتي. وإن كان الثاني، فقد تردد أيضا فيه، والصحيح أن حكمه حكم العامي.
باب في جواز استفتاء العامي للعلماء في فروع الشريعة وتقليده إياهم فيها (المعتمد)
منع قوم من شيوخنا البغداديين من تقليد العامي للعالم في فروع الشريعة وقالوا لا يجوز أن يأخذ بقوله إلا بعد أن يبين له حجته وأجاز تقليده إياه في ذلك أكثر المتكلمين والفقهاء وحكى قاضي القضاة في الشرح عن أبي علي أنه أباح للعامي تقليد العالم في مسائل الاجتهاد من الفروع دون ما ليس من مسائل الاجتهاد والصحيح جواز تقليده فيهما والدليل على ذلك إجماع الأمة قبل حدوث المخالف فان الصحابة ومن بعدهم كانوا يفتون العامة في غامض الفقه ولا يعرفونهم أدلتهم ولا ينبهونهم على ذلك ويلزمونهم سؤالهم إياهم ولا ينكرون عليهم اقتصارهم على مجرد أقاويلهم وأيضا فليس يخلو العامي إذا حدثت به حادثة من الفروع إما أن يكون متعبدا فيها بشيء أو لا يكون متعبدا فيها بشيء والإجماع يمنع من أن لا يكون متعبدا فيها بشيء لأن الأمة مجمعة على أنه يلزمه الرجوع إلى العلماء فبعضهم يقول يقلدهم والمخالف يقول يسألهم عن الأدلة الشرعية ليعمل عليها ولأنه إذا طلق طلاقا مختلفا فيه فإما أن يكون مباحا له المقام على الزوجة أو محظورا عليه وليس بينهما واسطة وأيهما كان فهو تعبد وإن كان متعبدا فاما أن يكون حكم العقل أو حكم الشرع والإجماع يمنع من الأول لأن المخالف يلزمه سؤال العالم عن الأدلة الشرعية ليعلمه إياها ولأن كثيرا من العامة لا يعرف حكم العقل في كثير من المسائل وإنما يعلم ذلك أهل الاجتهاد وإن لزمه حكم شرعي فإما أن يلزمه الوصول إليه بالتقليد أو بالاستدلال فان لزمه بالاستدلال فإما أن يلزمه ذلك بأن يتعلمه عند كمال العقل ليصير من أهل الاجتهاد وإما أن يسأل العالم عن أدلة المسألة فيجتهد فيها فان لزمه التعليم عند كمال العقل فالإجماع يمنع من وجوب التعلم على كل أحد عند كمال عقله ولأن انصراف الناس إلى التعلم المفضي إلى أن يكون الإنسان من أهل الاجتهاد إهمال لأمر الدنيا وإفساد حالها وما أحد أوجب على الناس إهمال الدنيا وأيضا فما الجواب الذي يثبت به الحادثة في حال تعلمه قبل أن ينتهي إلى حال الاجتهاد وما الجواب إن فرط فلم يتعلم ثم نزلت به حادثة في صلاته وصيامه أو طلاقه وإن ابتدأ في الحال بالتفقه فاتته الحادثة وايضا فليس كل من تفقه صار من أهل الاجتهاد حسبما نجد عليه كثيرا ممن تفقه وإن لزمه أن يسأل العالم عن الأدلة استدل بها فمعلوم أنه لايمكنه أن يستدل بالدليل الذي يذكره له إلا بعد أن يعرف طرفا من اللغة وكيفية الاستدلال بالخطاب وأنه ليس في الأدلة ما يعدل به عن ظاهرة من نسخ أو تخصيص أو غير ذلك فان رجع إلى قول العالم في ذلك فقد قلده وإن فحص عن الأخبار ووجه المقاييس لم يتمكن من ذلك إلا في الزمان الطويل وزمان الحادثة يضيق عن ذلك وقد لا يمكنه إذا عرف وفحص عن ذلك أن يجتهد فكثير من أصحاب الحديث يعرفون ما روي من الحديث وليسوا من أهل الاجتهاد فاذا أبطلنا هذه الأقسام لم يبق للعامي طريق إلا التقليد وقد استدل على تقليد العامي العالم بأن قيس على رجوع العالم إلى رواية المخبر الواحد
واحتج من منع من تقليد العامي في الفروع بأن العامي لا يأمن أن يكون من قلده لم ينصح في الاجتهاد فيكون فاعلا لمفسدة وهذا منتقض برجوع العالم إلى المخبر الواحد لأنه لا يأمن أن يكون قد كذبه في خبره فيكون بامتثاله للخبر فاعلا للمفسدة
فان قالوا مصلحة العالم أن يعمل بخبر من ظن صدقه من العامة وإن كان كاذبا قلنا وكذلك مصلحة العامي أن يعمل بحسب فتوى المفتي وإن كان غاشا وقاسوا التقليد في الفروع على التقليد في التوحيد والعدل بغير علة وكل قياس لا علة فيه فباطل ويعارضون بالرجوع إلى خبر الواحد والفرق بينهما أن الحق في التوحيد والعدل وغيرهما يحصل لا بحسب حال الإنسان وظنه بل الحق فيه واحد فاذا قلد فيه المقلد لم يأمن أن يكون من قلده لم يصب ذلك الحق وأما الشرعيات فالحق فيها كونها مصلحة وفعل الإنسان قد يكون مصلحة له إذا كان على حال مخصوصة فلا يمتنع أن يكون مصلحته مع أنه ليس من أهل الاجتهاد أن يعمل بحسب فتوى المفتي فيأمن أن يكون مقدما على جهل وخطأ كما أن مصلحة العالم أن يعمل بحسب ما أخبر به الواحد عن النبي صلى الله عليه و سلم وايضا فالعامي إنما يلزمه النظر في مسائل مخصوصة في العدل والتوحيد وأدلتها عقلية يحتاج الإنسان إلى تنبيه يسير لا يقطع عمره والحوادث الطارئة في الفروع كثيرة بغير إحصاء والاجتهاد فيها لا يتم إلا بأمور شرعية لا يمكن ضبطها والاستدلال بها في الزمان الطويل على ما قدمناه
فان قيل قد يجوز أن يطرأ على صاحب الجملة شبهة لا يمكنه حلها إلا بأن يكون من المبرزين في العلم فأوجبوا عليه إذن أن يكون من المتناهين في العلم قيل إن النظر على سبيل الجملة لا يحدث معه مثل هذه الشبهة إلا نادرا ومثل ذلك إذا رجع فيه إلى تنبيه العالم على ما في العقل من الجواب لم يستغرق الزمان أما حدوث الفروع بالإنسان فليس بموقوف على أن يكون من أهل الاجتهاد ولا الاستدلال عليها مركز في العقول
والدليل على أن للعامي أن يقلد في مسائل الاجتهاد من الفروع وفيما ليس من مسائل الاجتهاد من الفروع هو أنا لو ألزمناه تمييز مسائل الاجتهاد مما ليس من مسائل الاجتهاد لكنا قد ألزمناه أن يكون من أهل الاجتهاد لأنه لا يميز ذلك إلا أهل الاجتهاد وفي ذلك من الفساد ما تقدم
واحتجوا بأن ما ليس من مسائل الاجتهاد الحق في واحد منه فلا يأمن العامي إذا قلده فيه أن يقلد في خلاف الحق وليس كذلك مسائل الاجتهاد لأن الحق فيها في جميع الأقاويل فأيها قدمته فهو الحق والجواب إن تقليده في مسائل الاجتهاد أيضا لا يأمن معه أن يقلد من لم ينصحه في الاجتهاد وأفتاه بخلاف ما أداه إليه اجتهاده فان قالوا مصلحة العامي أن يعمل بما يفتي به المفتي وإن غشه قيل ومصلحته أن يعمل بما يفتيه به العالم وإن كان العالم غير مصيب فيه
( رسالة في أصول الفقه، لأبي علي الحسن بن شهاب الحسن العكبري الحنبلي، المكتبة المكية، مكة المكرمة،1/ 130)وأما الضرب الذي يجوز فيه التقليد فهي الأحكام التي تثبت بالأحاد: والناس فيها على ضربين عالم وعامي فالعامي يجوز له تقلييد العلماء والأخذ بقولهم لقوله تعالى ( فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ولأن طلب العلم من فروض الكفايات فلو قلنا يجب على كل واحد أن يتعلم لجعلناه من فرائض الأعيان ولأدى ذلك إلى قطع المكاسب والمعاش
المبحث الثاني: أصناف المقلدين وحكم كل صنف:
المقلد العامي الصرف الجاهل بقواعد الأصول ومعاني النصوص.
المقلد العامي المحصّل لبعض العلوم، ولكن لا تؤهله للاجتهاد.
المقلد العالم بقواعد الأصول ومعاني النصوص. لم يجز تقليد العالم للعالم، لاستوائهما في درجة الاجتهاد، وليس تقليد أحدهما للآخر أولى من العكس (الأمدي:2/70) المسألة الثانية إذا ثبت أن مذهب الصحابي ليس بحجة واجبة الاتباع، فهل يجوز لغيره تقليده ؟ أما العامي فيجوز له ذلك من غير خلاف، وأما المجتهد من التابعين ومن بعدهم، فيجوز له تقليده إن جوزنا تقليد العالم للعالم، وإن لم نجوز ذلك فقد اختلف قول الشافعي في جواز تقليد العالم من التابعين للعالم من الصحابة فمنع من ذلك في الجديد، وجوزه في القديم غير أنه اشترط انتشار مذهبه تارة، ولم يشترطه تارة.
والمختار امتناع ذلك مطلقا، لما يأتي في قاعدة الاجتهاد إن شاء الله تعالى. .(الآمدي: 4/156)
العامي ومن ليس له أهلية الاجتهاد، وان كان محصلا لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد، يلزمه اتباع قول المجتهدين والأخذ بفتواه، عند المحققين من الأصوليين.
ومنع من ذلك بعض معتزل البغداديين وقالوا: لا يجوز ذلك الا بعد أن يتبين له صحة اجتهاده بدليله.
ونقل عن الجبائي أنه أباح ذلك في مسائل الاجتهاد دون غيرها، كالعبادات الخمس.
والمختار إنما هو المذهب الأول.
ويدل عليه النص، والإجماع، والمعقول.
أما النص فقوله تعالى * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * (النحل: 43) وهو عام لكل المخاطبين، ويجب أن يكون عاما في السؤال عن كل ما لا يعلم، بحيث يدخل فيه محل النزاع، وإلا كان متناولا لبعض ما لا يعلم بعينه، أو لا بعينه: والأول غير مأخوذ من دلالة اللفظ، والثاني يلزم منه تخصيص ما فهم من معنى الأمر بالسؤال، وهو طلب الفائدة ببعض الصور، دون البعض، وهو خلاف الأصل.
وإذا كان عاما في الأشخاص وفي كل ما ليس بمعلوم، فأدنى درجات قوله (فاسألوا) الجواز، وهو خلاف مذهب الخصوم. وأما الإجماع فهو أنه لم تزل العامة في زمن الصحابة والتابعين قبل حدوث المخالفين يستفتون المجتهدين، ويتبعونهم في الإحكام الشرعية، والعلماء منهم يبادرون إلى إجابة سؤالهم من غير إشارة إلى ذكر الدليل، ولا ينهونهم عن ذلك من غير نكير، فكان إجماعا على جواز اتباع العامي للمجتهد مطلقا.
وأما المعقول فهو أن من ليس له أهلية الاجتهاد، إذا حدثت به حادثة فرعية، إما أن لا يكون متعبدا بشئ، وهو خلاف الإجماع من الفريقين، وإن كان متعبدا
بشئ فإما بالنظر في الدليل المثبت للحكم، أو بالتقليد: الأول ممتنع، لان ذلك مما يفضي في حقه وفي حق الخلق أجمع إلى النظر في أدلة الحوادث، والاشتغال عن المعايش، وتعطيل الصنائع والحرف، وخراب الدنيا، وتعطيل الحرث والنسل، ورفع الاجتهاد والتقليد رأسا، وهو من الحرج والإضرار المنفي بقوله تعالى * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * وبقوله عليه السلام لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وهو عام في كل حرج وضرار، ضرورة كونه نكرة في سياق النفي.
غير أنا خالفناه في امتناع التقليد، في أصول الدين لما بيناه من الفرق في مسألة امتناع التقليد في أصول الدين، ولان الوقائع الحادثة الفقهية أكثر بأضعاف كثيرة من المسائل الأصولية التي قيل فيها بامتناع
التقليد فكان الحرج في إيجاب الاجتهاد فيها أكثر، فبقينا فيما عدا ذلك عاملين بقضية الدليل، وهو عام في المسائل الاجتهادية وغيرها.
فإن قيل: ما ذكرتموه معارض بالكتاب، والسنة، والمعقول: أما الكتاب، فقوله تعالى * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * (البقرة: 169) والقول بالتقليد قول بما ليس بمعلوم، فكان منهيا عنه.
وأيضا.
قوله تعالى حكاية عن قوم * (إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون) * (الزخرف: 23) ذكر ذلك في معرض الذم للتقليد، والمذموم لا يكون جائزا.
وأما السنة فقوله عليه السلام طلب العلم فريضة على كل مسلم وقوله عليه السلام اجتهدوا، فكل ميسر لما خلق له والنصان عامان في الأشخاص وفي كل علم، وهما يدلان على وجوب النظر.
وأما المعقول فمن وجهين: الأول: أن العامي لو كان مأمورا بالتقليد، فلا يأمن أن يكون من قلده مخطئا في اجتهاده، وأنه كاذب فيما أخبره به، فيكون العامي مأمورا باتباع الخطإ
والكذب، وذلك على الشارع ممتنع.
الثاني: أن الفروع والأصول مشتركة في التكليف بها، فلو جاز التقليد في الفروع لمن ظهر صدقه فيما أخبر به، لجاز ذلك في الأصول.
والجواب عن الآية الأولى أنها مشتركة الدلالة، فإن النظر أيضا والاجتهاد في المسائل الاجتهادية قول بما ليس بمعلوم ولا بد من سلوك أحد الأمرين.
وليس في الآية دليل على تعيين امتناع أحدهما كيف ويجب حملها على ما لا يعلم فيما يشترط فيه العلم تقليلا لتخصيص العموم، ولما فيه من موافقة ما ذكرناه من الأدلة
وعن الآية الثانية بوجوب حملها على ذم التقليد فيما يطلب فيه العلم، جمعا بينها وبين ما ذكرناه من الادلة.
وعن الخبر الاول أنه متروك بالاجماع، في محل النزاع، فإن القائل فيه قائلان: قائل بأن الواجب التقليد، وقائل إن الواجب إنما هو النظر، والعلم غير مطلوب فيهما إجماعا.
وعن الثاني لا نسلم دلالته على الوجوب، على ما سبق تعريفه، وإن دل على وجوب الاجتهاد، لكنه لا عموم له بالنسبة إلى كل مطلوب، حتى يدخل فيه محل النزاع، وإن كان عاما بلفظه، لكن يجب حمله على من له أهلية الاجتهاد، جمعا بينه وبين ما ذكرناه من الادلة.
وعن الوجه الاول من المعقول أنه، وإن اجتهد العامي، فلا نأمن من وقوع الخطإ منه، بل هو أقرب إلى الخطإ، لعدم أهليته، والمحذور يكون مشتركا. وعن الوجه الثاني ما سبق من الفرق.(الآمدي4/225 وما بعدها)
من المعتمد: باب في المجتهد هل له أن يقلد غيره من المجتهدين كالصحابي وغيره
قال أبو علي له أن يأخذ بقول الواحد من الصحابة وإن كان في الصحابة من يخالفه فان حصل لقول بعضهم مزية أخذ به وإن تساووا كان المجتهد مخيرا وحكى قاضي القضاة أن الأولى أن يجتهد المجتهد ويعمل على اجتهاده فان خالف الصحابي جاز وحكي عن محمد بن الحسن أنه جعل الأصول أربعة ذكر منها إجماع الصحابة واختلافها فجعل الاختلاف من الأصول تقتضي جواز الأخذ بالقول المختلف فيه وذكر الشافعي في رسالته القديمة جواز تقليد الصحابة ورجح قول الأئمة منهم ومنع أكثر الفقهاء المجتهدين من ذلك واختلفوا في جواز تقليد العالم من هو أعلم منه من الصحابة وغيرهم فجوز ذلك محمد بن الحسن وعن أبي حنيفة روايتان إحداهما جوازه والأخرى المنع منه وأجاز ابن سريج تقليد العالم من هو أعلم منه إذا تعذر عليه وجه الاجتهاد وأكثر الفقهاء يمنعون من تقليد العالم من هو أعلم منه
وقد احتج للمنع من ذلك بأشياء
منها أنه لو جاز لغير الصحابة من المجتهدين تقليد الصحابة جاز لبعضهم تقليد بعض ولو جاز ذلك لم يكن لمناظرتهم في المسائل فائدة والجواب إن من الناس من يجوز لغير الصحابة من المجتهدين أن يقلد بعضهم بعضا ويقول الفائدة في اجتهادهم في المسألة أن الاجتهاد والعمل بحسبه أولى من التقليد ولا يمتنع أيضا أن يجوز لغيرهم تقليدهم ويجب عليهم الفحص والنظر مع ذلك
ومنها أن الصحابة كانت تترك آراءها لخبر تسمعه عن النبي صلى الله عليه و سلم فبأن يجب على غيرهم العمل بالخبر وبترك رأي الصحابي أولى ولقائل أن يقول إن الصحابة كانت تترك آراءها للخبر إذا كان صريحه بخلاف رأيها وإذا تغير اجتهادها بسماعها والنظر فيه وهكذا يلزم غيرها لأنه لا يجوز مع أن رأي المجتهدين بخلاف قول الواحد من الصحابة أن يترك اجتهاده ويصير إلى قول الواحد وإنما يجوز له الأخذ بقول الواحد من الصحابة مع الخبر إذا احتمل الخبر الاجتهاد ولم يجتهد فيه فلا يمتنع أن يصير إلى قول الواحد من الصحابة ويجب على ذلك الواحد أن يجتهد كما نقوله في التابعين مع إجماع الصحابة
ومنها أن المجتهد متمكن من الاجتهاد لتكامل الآية فلم يجز مع تمكنه من العمل باجتهاده أن يصير إلى قول غيره كما لم يجز أن يصير إلى قول غيره في العقليات لما تمكن من النظر والاستدلال عليها ولقائل أن يقول إنما لم يجز التقليد في العقليات لأن المطلوب منها العلم والعلم لا يحصل بالتقليد لتجويزنا خطأ من يقلده والغرض بمسائل الاجتهاد العمل التابع للظن وقد يحصل الظن بتقليد العالم فلا يمتنع أن يرد التعبد به وعلى أن إحالتهم ذلك إما أن يكون بالسمع وليس في السمع ما يحيل ذلك وإن كان فيه ما يحيل ذلك فهو الدليل لا ما ذكروه الآن أو بالعقل ومعلوم أن العقل لا يجوز التعبد بذلك لأن العمل بحسب الاجتهاد مصلحة لغيره من المجتهدين كما هو مصلحة للعامي وكما أن تقليد المجتهدين مصلحة لغيرهم
ومنها أن المجتهد لو أداه اجتهاده إلى خلاف قول من هو أعلم منه صحابي أو غيره لما جاز ترك رأيه والأخذ برأي الأعلم فيجب أن لا يجوز له ذلك وإن لم يجتهد لأنه لا يأمن لو اجتهد أن يؤديه اجتهاده إلى خلاف ذلك القول ولقائل أن يقول لا يمتنه أن تكون مصلحته إذا اجتهد العمل على ما يؤديه إليه اجتهاده وإن لم يجتهد كان الأخذ بما يختاره من أقاويل السلف مصلحة ألا ترى أنه يجوز ورود التعبد بذلك وعلى أن هذا يمنع من تقليد العامي لأنه لا يأمن لو فعل ما يتمكن به من التفقه ثم اجتهد أن يؤديه اجتهاده إلى خلاف قول من قلده
ومنها أن المجتهد يتمكن من الوقوف على الحكم باجتهاده فلم يجز له العدول عن ذلك إلى ما هو أنقص منه كما لا يجوز للمتمكن من العلم العدول عنه إلى الظن ولقائل أن يقول إن العقل لا يمنع من أن تكون مصلحة المتمكن من العلم العمل على ظنه فالأصل غير مسلم ويبطل ما ذكروه بالعامي إذا تمكن من التفقه حتى يصير من أهل الاجتهاد وكل هذه الوجوه يحيل ورود التعبد بتقليد المجتهدين وقد بينا أن العقل لا يحيل ذلك
والوجه الصحيح في المسألة هو أن يقال إن اجتهاد المجتهد وعمله بحسب اجتهاده متعبد به لأنه بذلك يكون مطيعا لله تعالى لأن الله تعالى ما نصب الأمارة إلا وقد أراد من المجتهد أن يجتهد فيها وليس بعض المجتهدين بذلك أولى من بعض وليس يجوز إثبات بدل لهذا المراد المتعبد به إلا لدلالة عقليه أو سمعية ولا دليل يدل عليه فوجب نفيه وهذا إنما يصح إذا أجيب عن شبه المخالفين
وقد احتجوا بوجوه
منها قول النبي صلى الله عليه و سلم أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وقوله عليك بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي وقوله اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر وقوله ضرب الله بالحق على لسان عمر وقلبه وقوله الحق بعدي مع عمر وقوله اللهم أدر الحق مع علي حيث ما دار فالجواب إن هذه أخبار آحاد لا يستدل بها على العلم على أن قوله بأيهم اقتديتم اهتديتم وقوله عليكم بسنتي وقوله اقتدوا باللذين من بعدي خطاب مواجهة لمن في ذلك العصر ممن ليس بصحابي أن يتبع الصحابة ومن لم يكن صحابيا في ذلك العصر فليس من أهل الاجتهاد فجاز له أن يقلد وقد نبه بذلك على أن غيرهم من أهل الأعصار من العامة يجوز أن يقلد علماءه على أن قوله بأيهم اقتديتم وقوله اقتدوا باللذين ليس بعموم في وجوه الاقتداء فيحتمل أن يكون المراد به الاقتداء بهم في روايتهم لأنه يقال لمن اتبع رواية غيره إنه قد اقتدى به إي اقتدى بروايته وصدق حديثه على أن قوله صلى الله عليه و سلم عليك بسنتي وسنة الخلفاء يفيد وجوب الأخذ بسنة الخلفاء وليس أحد يوجب ذلك إلا على العامي إذا لم يجد غيرهم ممن يفتيه فعلمنا أن ليس المراد به الفتوى وقوله الحق بعدي مع عمر وقوله اللهم أدر الحق مع علي يدل على أن قولهما حق وصواب والقائلون بأن كل مجتهد مصيب لا يأبون ذلك وكثير منهم يمنع العالم من تقليدهما
ومنها أن بعض الصحابة كان يرجع إلى قول بعض عند سماعه من غير أن يسأله عن دليله نحو ما روي أن عمر رجع إلى قول علي ومعاذ ولم ينكر عليه أحد من السلف وبايع عبد الرحمن عثمان على اتباع سنة ابي بكر وعمر والجواب أنه يجوز أن يكون تنبه عمر على وجه قول علي ومعاذ عند سماعه أو خطر به وجه قولهما من غير أن ينبهه قولهما على ذلك وقد يفهم الحاضرون ذلك فلحسن ظن الصحابة بعمر صرفوا أمره إلى ذلك فلم ينكروا عليه يبين ذلك أن الإنسان إذا تردد بين رأيين في الحرب ثم صمم على أحدهما فقال له قائل ليس هذا بصواب بل الصواب كذا وكذا فقال له صدقت فهم الحاضرون أنه إنما صدقه لأنه إنما تنبه على وجه الرأي إما من ذلك الكلام أو من غيره وليس كذلك إذا عملت الصحابة بخبر مروي عن النبي صلى الله عليه و سلم لأن العادة تقتضي أنهم إنما عملوا لأجل الخبر لا أنهم تنبهوا على وجه الاجتهاد لأنهم إنما يسألون عن الأخبار ليعملوا بها والعادة في العلماء أن يسأل بعضهم بعضا لا ليعمل على قوله لكن ليتنبه على وجه القول يبين ذلك أن وكيلا في ضيعة إذا اشتبهت عليه أمورها فقال أيكم سمع من موكلي في هذا شيئا فقال قائل سمعه يقول كذا وكذا فعمل الوكيل على ذلك علم الحاضرون أنه إنما عمل على ما حكي له لا على الاجتهاد وليس كذلك لو ترك برأيه وصوب رأي غيره مع أنه من أهل الرأي والحزم
ومنها أن قول المجتهد صواب وكل صواب جائز اتباعه والجواب إن القائلين بأن الحق في واحد لا يسلمون أن كل مجتهد محق والقائلون بأن
كل مجتهد مصيب يقولون كل قول كان حقا وصوابا من قائل فليس يجب أن يكون حقا وصوابا من غيره ألا ترى أنه ليس بصواب ممن أداه اجتهاده إلى خلافه
فإذا ثبت ذلك فمن قال أنه لا يجوز للمجتهد أن يقلد الصحابي فانه لا يجوز تخصيص عموم القرآن والسنة بذلك إذ ليس هو حجة ومن أجاز للمجتهد تقليده فذكر قاضي القضاة أنه يلزمه جواز تخصيص العموم به لأنه قد جعله حجة وليس يظهر ذلك لأن لهم أن يقولوا إنما نجوز للمجتهد تقليد الواحد من السلف إذا لم يظهر عموم بخلافه فان ظهر ذلك لم يجز تخصيصه بقول واحد من السلف
المبحث الثالث: حالات التقليد:
المطلب الأول: التزام العامي بإمام معين أو مذهب معين.
المسألة الثامنة إذا اتبع العامي بعض المجتهدين في حكم حادثة من الحوادث، وعمل بقوله فيها، اتفقوا على أنه ليس له الرجوع عنه في ذلك الحكم بعد ذلك إلى غيره.
وهل له اتباع غير ذلك المجتهد في حكم آخر ؟ اختلفوا فيه: فمنهم من منع منه، ومنهم من أجازه، وهو الحق نظرا إلى ما وقع عليه إجماع الصحابة من تسويغ استفتاء العامي لكل عالم في مسألة، وأنه لم ينقل عن أحد من السلف الحجر على العامة في ذلك، ولو كان ذلك ممتنعا، لما جاز من الصحابة إهماله، والسكوت عن الانكار عليه، ولان كل مسألة لها حكم نفسها، فكما لم يتعين الاول للاتباع في المسألة الاولى إلا بعد سؤاله فكذلك في المسألة الاخرى.
وأما إذا عين العامي مذهبا معينا، كمذهب الشافعي أو أبي حنيفة أو غيره، وقال: أنا على مذهبه، وملتزم له، فهل له الرجوع إلى الاخذ بقول غيره في مسألة من المسائل ؟ اختلفوا فيه: فجوزه قوم نظرا إلى أن التزامه لمذهب معين غير ملزم له، ومنع من ذلك آخرون، لانه بالتزامه المذهب صار لازما له، كما لو التزم مذهبه في حكم حادثة معينة.
والمختار إنما هو التفصيل، وهو أن كل مسألة من مذهب الاول اتصل عمله بها، فليس له تقليد الغير فيها، وما لم يتصل عمله بها، فلا مانع من اتباع غيره فيها(الآمدي: 4/ 238)
المطلب الثاني: التلفيق وتتبع الرخص.
المطلب الثالث: تقليد غير الأئمة الأربعة.
المطلب الثالث: التقليد في الفروع.
المبحث الأول: في أنواع التقليد وحكم كل نوع، وتحته المطالب التالية:
المطلب الأول: التقليد في الأصول.
المطلب الثاني التقليد في ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
المطلب الثالث: التقليد في الفروع.
المبحث الثاني: في مراتب التقليد وحكم كل مرتبة وتحته المطالب التالية:
المطلب الأول: في حكم المقلد العالم بقواعد الأصول ومعاني النصوص.
المطلب الثاني: في حكم العامي الصرف الجاهل بقواعد الأصول ومعاني النصوص.
المبحث الثالث: في حكم التزام العامي بمذهب معين: وفيه ستة مطالب
المطلب الأول: إذا قلد العامي بعض المجتهدين في حكم حادثة، فهل له الرجوع في ذلك الحكم إلى غيره؟
المطلب الثاني: إذا اتبع العامي بعض المجتهدين في حكم حادثة، فهل له اتباع غيره في حكم آخر؟
المطلب الثالث: إذا عيَّن العامي مذهبًا معينًا، فهل له الرجوع إلى الأخذ بقول غيره في مسألة من المسائل؟
المطلب الرابع: هل يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب؟
المطلب الخامس: هل يجوز للعامي تتبع الرخص ؟
المطلب السادس: هل يجوز للعامي تقليد غير الأئمة الأربعة ؟
يلزمه اتباع قول المجتهدين والاخذ بفتواه، عند المحققين من الاصوليين.
ومنع من ذلك بعض معتزل البغداديين وقالوا: لا يجوز ذلك الا بعد أن يتبين له صحة اجتهاده بدليله.
ونقل عن الجبائي أنه أباح ذلك في مسائل الاجتهاد دون غيرها، كالعبادات الخمس.
والمختار إنما هو المذهب الاول.
ويدل عليه النص، والاجماع، والمعقول.
أما النص فقوله تعالى * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * (النحل: 43) وهو عام لكل المخاطبين، ويجب أن يكون عاما في السؤال عن كل ما لا يعلم، بحيث يدخل فيه محل النزاع، وإلا كان متناولا لبعض ما لا يعلم بعينه، أو لا بعينه: والاول غير مأخوذ من دلالة اللفظ، والثاني يلزم منه تخصيص ما فهم من معنى الامر بالسؤال، وهو طلب الفائدة ببعض الصور، دون البعض، وهو خلاف الاصل.
وإذا كان عاما في الاشخاص وفي كل ما ليس بمعلوم، فأدنى درجات قوله (فاسألوا) الجواز، وهو خلاف مذهب الخصوم.
من كتاب: عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد تأليف شاه ولي الله أحمد ولي الله بن عبد الرحيم الفاروقي الدهلوي
حكم المقلد غير المجتهد العالم بقواعد الأصول ومعاني النصوص والأخبار
قيل لا يجوز لغير المجتهد أن يعمل إلا على روايات مذهبه وفتاوى إمامه ولا يشتغل بمعاني النصوص والأخبار ويعمل عليها كالعامي، وقيل هذا في العامي الصرف الجاهل الذي لا يعرف معاني النصوص والأحاديث وتأويلاتها أما العالم الذي يعرف النصوص والأخبار وهو من أهل الدراية وثبت عنده صحتها من المحدثين أو من كتبهم الموثوقة المشهورة المتداولة فيجوز له أن يعمل عليها وإن كان مخالفا لمذهبهم يؤيده قول أبي حنيفة أنه سئل رحمه الله تعالى إذا قلت قولا وكتاب الله يخالفه قال اتركوا قولي بكتاب الله، فقيل إذا كان خبر الرسول صلى الله عليه وسلم يخالفه قال اتركوا قولي بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل إذا كان قول الصحابة يخالفه قال اتركوا قولي بقول الصحابة. وروى البيهقي في السنن عند الكلام على القراءة بسنده قال قال الشافعي رحمه الله تعالى إذا قلت قولا وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال خلاف قولي فما يصح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى فلا تقلدوني، ونقل إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال إذا بلغكم خبر صحيح يخالف مذهبي فاتبعوه واعلموا أنه مذهبي، وقد صح منصوصا أنه قال إذا بلغكم عني مذهب وصح عندكم خبر على مخالفته فاعلموا أن مذهبي موجب الخبر، وروى الخطيب بإسناده أن الداركي من الشافعية كان يستفتي وربما يفتي بغير مذهب الشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى فيقال له هذا يخالف قولهما فيقول ويلكم حدث فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا والأخذ بالحديث أولى من الأخذ بقولهما إذا خالفاه وكذا يؤيده ما ذكر في الهداية في مسألة صوم المحتجم لو احتجم وظن أن ذلك يفطره ثم أكل متعمدا عليه القضاء والكفارة لأن الظن ما استند إلى دليل شرعي إلا إذا أفتاه فقيه بالفساد لأن الفتوى دليل شرعي في حقه، ولو بلغه الحديث واعتمده فكذلك لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينزل عن قول المفتي أي لا يكون أدنى درجة من قول المفتي وقول المفتي يصلح دليلا شرعيا فقول الرسول صلى الله عليه وسلم أولى، وعن أبي يوسف خلاف ذلك لأن على العامي الاقتداء بالفقهاء لعدم الاهتداء في حقه إلى معرفة الأحاديث. والجواب أن قول أبي يوسف محمول على العامي الصرف الجاهل الذي لا يعرف معنى الأحاديث وتأويلاتها؛ لأنه أشار إليه بقوله لعدم الاهتداء: أي في حقه إلى معرفة الأحاديث وفي المسألة قول آخر وهو أنه إذا لم يجمع آلات الاجتهاد لا يجوز له العمل على الحديث بخلاف مذهبه لأنه لا يدري أنه منسوخ أو مؤول أو محكم محمول على ظاهره ومال إلى هذا القول ابن الحاجب في مختصره، ورد بأنه إن أراد عدم التيقن بنفي هذه الاحتمالات فالمجتهد أيضا لا يحصل له اليقين بذلك وإنما يبني أكثر أمره على غالب الظن وإن أراد أنه لا يدري ذلك بغالب الرأي منعناه في صورة النزاع لأن المتبحر في المذهب المتتبع لكتب القوم الحافظ من الحديث والفقه بجملة صالحة كثيرا ما يحصل له غالب الظن بأن الحديث غير منسوخ ولا مؤول بتأويل يجب القول به وإنما البحث فيما حصل له ذلك. والمختار ههنا هو قول ثالث وهو ما اختاره ابن الصلاح وتبعه النووي وصححه قال ابن الصلاح من وجد من الشافعية حديثا يخالف مذهبه نظر إن كملت له آلة الاجتهاد مطلقا أو في ذلك الباب والمسألة كان له الاستقلال بالعمل به، وإن لم تكمل وشق مخالفة الحديث بعد أن يبحث فلم يجد لمخالفته جوابا شافيا عنه فله العمل به إن كان عمل به إمام مستقل غير الشافعي رحمه الله ويكون هذا عذرا في ترك مذهب إمامه ههنا وحسنه النووي وقرره مسألة إذا أراد هذا المتبحر في المذهب أن يعمل في مسألة بخلاف مذهب إمامه مقلدا فيها لإمام آخر هل يجوز له ذلك اختلفوا فيه فمنعه الغزالي وشرذمة وهوقول ضعيف عند الجمهور لأن مبناه على أن الإنسان يجب عليه أن يأخذ بالدليل فإذا فات ذلك لجهله بالدلائل أقمنا اعتقاد أفضلية إمامه مقام الدليل فلا يجوز له أن يخرج من مذهبه كما لا يجوز له أن يخالف الدليل الشرعي، ورد بأن اعتقاد أفضلية الإمام على سائر الأئمة مطلقا غير لازم في صحة التقليد إجماعا لأن الصحابة والتابعين كانوا يعتقدون أن خير هذه الأمة أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما وكانوا يقلدون في كثير من المسائل غيرهما بخلاف قولهما ولم ينكر على ذلك أحد فكان إجماعا على ما قلناه وأما أفضلية قوله في هذه المسألة فلا سبيل إلى معرفتها للمقلد الصرف فلا يجوز أن يكون شرطا للتقليد إذ يلزم أن لا يصح تقليد جمهور المقلدين، ولو سلم ففي مسألتنا هذه هذا عليكم لا لكم لأنه كثيرا ما يطلع على حديث يخالف مذهب إمامه أو يجد قياسا قويا يخالف مذهبه فيعتقد الأفضلية في تلك المسألة لغيره، وذهب الأكثرون إلى جوازه منهم الآمدي وابن الحاجب وابن الهمام والنووي وأتباعه كابن حجر والرملي وجماعات من الحنابلة والمالكية ممن يفضي ذكر أسمائهم إلى التطويل وهو الذي انعقد عليه الاتفاق من مفتي المذاهب الأربعة من المتأخرين واستخرجوه من كلام أوائلهم ولهم رسائل مستقلة في هذه المسألة إلا أنهم اختلفوا في شرط جوازه فمنهم من قال لا يرجع فيما قلد اتفاقا فسره ابن الهمام بأن يقضي تلك الصلوات الواقعة على المذهب الأول مثلا وهو الصحيح الذي لا يتجه غيره عند التحقيق، فأكثر ما روى عن السلف هو العمل بخلاف المذهب فيما كانوا يعملون به ومنهم من قال لا يلتقط الرخص فقيل يعني ما سهل عليه ورد بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خير اختار أهون الأمرين ما لم يكن إثما وقيل ما لا يقويه الدليل بل الدليل الصحيح الصريح قام بخلافه مثل المتعة والصرف وهذا وجه وجيه.
من كتاب التقليد والإفتاء والاستفتاء للشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي:
في حكم التزام العامي لمذهب معين في ستة مطالب
هل يجب على العاميّ التزام مذهب معين في كل واقعة ؟
المطلب الأول: إذا قلد العامي بعض المجتهدين في حكم حادثة، فهل له الرجوع في ذلك الحكم إلى غيره؟
المطلب الثاني: إذا اتبع العامي بعض المجتهدين في حكم حادثة، فهل له اتباع غيره في حكم آخر؟
المطلب الثالث: إذا عيَّن العامي مذهبًا معينًا، فهل له الرجوع إلى الأخذ بقول غيره في مسألة من المسائل؟
المطلب الرابع: هل يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب؟
المطلب الخامس: هل يجوز للعامي تتبع الرخص ؟
المطلب السادس: هل يجوز للعامي تقليد غير الأئمة الأربعة ؟
المطلب الأول: إذا قلد العامي بعض المجتهدين في حكم حادثة، فهل له الرجوع عنه في ذلك الحكم إلى غيره؟
فقال الآمدي: إذا تبع العامي بعض المجتهدين في حكم حادثة من الحوادث، وعمل بقوله فيها، اتفقوا على أنه ليس له الرجوع عنه في ذلك الحكم بعد ذلك إلى غيره ا. ه (258).
وحكى الشيخ زكريا الأنصاري -في "غاية الوصول شرح لب الأصول"- الخلاف في ذلك، فقال: والأصح أنه لو أفتى مجتهدٌ عاميًا في حادثة فله الرجوع عنه فيها، إن لم يعمل بقوله فيها وثمَّ مفتٍ آخر.
وقيل يلزمه العمل به بمجرد الإفتاء فليس له الرجوع إلى غيره.
وقيل يلزمه العمل به بالشروع في العمل، بخلاف ما إذا لم يشرع.
وقيل يلزمه العمل به إن التزمه.
وقيل يلزمه العمل به إن وقع في نفسه صحته (259).
المطلب الرابع: هل يجوز للمقلد الانتقال من مذهب إلى مذهب أم يجب عليه التزام مذهب معين؟
هذه المسألة على مذاهب: المذهب الأول: أنه يجب عليه الاستمرار على مذهبه، ويحرم عليه الانتقال إلى مذهب آخر، حتى شدَّد بعض المتأخرين، فقال: إذا صار الحنفي شافعيًا عُزِّر.
وجهة هذا المذهب: أن التزامه لهذا المذهب لا يخلو عن اعتقاد غلبة الأحقيَّة فيه، فلا يجوز تركه إلى غيره.
ونوقش هذا التوجيه بما يأتي:
1- أن دعوى: أن التزامه لمذهبه لاعتقاده أحقيته ممنوعةٌ، فإن الشخص قد يلتزم من المتساوين أحدهما لنفعه في الحال، ودفع الحرج عن نفسه.
2- إن سلَّمنا اعتقاده غلبة الأحقية فهو اعتقاد لم ينشأ عن دليل شرعي، بل هو حدس وتخمين وظنّ، ولا يجب الاستمرار على الحدس والتخمين.
المذهب الثاني: أنه لا يجب عليه الاستمرار على مذهبه، بل يجوز له الانتقال إلى مذهب آخر.
وجهة هذا المذهب: أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله -تعالى-، والله -تعالى- لم يوجب على أحد أن يلتزم مذهب رجل معيَّن، فإيجاب ذلك تشريع في الدين لم يأذن به الله.
ونوقش ذلك بأنه لا بد من تقييد جواز الانتقال بأن يعتقد أن ما انتقل إليه أقوى في غلبة الظن في إصابة الحق مما انتقل منه.
المذهب الثالث: أن ما قلد فيه لا يجوز له الرجوع فيه إلى مذهب غيره، التزم مذهبًا معينًا أم لا، وما لم يقلد فيه فله أن يقلد فيه من شاء، واختاره السبكي من علماء الشافعية.
وجهة هذا المذهب: أن ما قلد فيه فقد اعتقد غلبة أحقيته، فلا يجوز له الانتقال إلى غيره، وما لم يقلد فيه لم يعتقد غلبة أحقيته، فجاز له تقلي غيره فيه.
ويجاب عن هذا التوجيه بما يأتي:
1- أن دعوى: اعتقاد غلبة الأحقية فيما قلد فيه - دعوى ممنوعة، لجواز أن يكون تقليده والتزامه له لمصلحة رآها، أو دفع حرج عنه.
2- سلَّمنا اعتقاده غلبة الأحقية فيما قلد فيه، لكنه اعتقاد لم يكن ناشئًا عن الشرع، ولا يجب عليه الاستمرار إلا على ما أوجب الشرع الاستمرار عليه.
الترجيح: والذي يترجح لي في هذه المسألة أنه يجوز له الانتقال إلى مذهب غيره، بشرط أن يعتقد أن ما انتقل إليه أقوى في غلبة ظنه في إصابة الحق مما انتقل عنه، أما إذا كان انتقاله لحصول غرض دنيوي من مال أو جاه أو نحوه، أو كان للتشهّي والهوى، فلا يجوز له الانتقال (263).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى المصرية: إذا كان الرجل متبعًا لأبي حنيفة أو لمالك أو الشافعي أو أحمد، ورأى في بعض المسائل أن مذهب غيره أقوى فاتبعه، كان قد أحسن في ذلك، ولم يقدح ذلك في دينه ولا عدالته بلا نزاع، بل هذا أولى بالحق، وأحب إلى الله ورسوله ممن يتعصب لواحد معيَّن غير النبي ( كمن يتعصب لأبي حنيفة أو لمالك أو الشافعي أو أحمد، ويرى أن قول هذا المعيَّن هو الصواب الذي ينبغي اتباعه دون الإمام الذي خالفه، فمَن فعل هذا كان جاهلا بل قد يكون كافرًا ا. ه (264).
وقال أيضًا: ولا ريب أن التزام المذاهب والخروج عنها، إن كان لغير أمر ديني، مثل أن يلتزم مذهبا لحصول غرض دنيوي من مال أو جاه ونحو ذلك، فهذا مما لا يُحمد عليه، بل يذمّ عليه في نفس الأمر، ولو كان ما انتقل إليه خيرًا مما انتقل عنه، وهو بمنزلة من لا يُسْلم إلا لغرض دنيوي، أو يهاجر من مكة إلى المدينة لامرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها ا. ه (265).
وقال في الإنصاف في كتاب القضاء: وقال الشيخ تقي الدين: مَن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب، فإن تاب وإلا قتل ا. ه (266).
أقول: لكن يجب أن يُحْمل القول بالقتل على اعتقاد الإشراك مع الله في التشريع، أو أن هذا الإمام مساويًا للرسول في وجوب الاتباع، أمَّا إذا بُني القول بالوجوب في بعض المسائل على أن هذا الإمام المعيَّن أفضل من غيره من الأئمة، فلا مجال للقول بالقتل؛ لأنه لا يعتبر مرتدًّا بذلك.
المطلب الخامس: هل يجوز للعامي تتبع الرخص في المذاهب ؟
ذهب بعض المتأخرين إلى أنه يجوز تتبع رخص المذاهب، واحتجوا بما يأتي: 1- قوله -عليه الصلاة والسلام-: ( بعثتُ بالحنفية السمحة ( (267). ووجه الاستدلال: أنه -عليه الصلاة والسلام- أخبر أنه بُعِثَ بالحنفية السمحة، وهي السهلة الميسرة، والأخذ بالرخص فيه يسر وسهولة، فدلَّ على جواز اتباع العامي لرخص المذاهب.
2- أن الأخذ بالرخص نوع من اللطف بالعبد، والشريعة لم ترد بقصد مشاقّ العباد، بل جاءت بتحصيل المصالح، فللإنسان أن يسلك الأخف عليه إذا كان إليه سبيل.
3- وكان -عليه الصلاة والسلام- يحب ما خفف على أمته: ( فما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما (، (268) قالوا: وما نقله ابن عبد البر: "لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعًا": دعوى الإجماع ممنوعة، فقد روي عن الإمام أحمد في تفسيق متبِّع الرخص روايتان، فأين الإجماع ؟ فالمسألة تحتاج إلى دليل يمنع ذلك، ولم يوجد، غير أن الأحوط للإنسان أن يجعل هواه تبعًا لدينه، ولا يجعل دينه تبعًا لهواه.
والصحيح أن تتبّع الرخص لا يجوز؛ لما يأتي:
1- أن تتبع الرخص ميل مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى.
2- أن تتبع الرخص مضادٌّ للأصل الذي استدلَّ به المجيزون لتتبع الرخص هو: ( بُعِثْتُ بالحنفية السمحة ( (269)؛ لأنه إنما أتى السماح مقيدًا بما هو جار على أصولها، وليس تتبع الرخص، ولا اختيار الأقوال بالتشهّي بثابت من أصولها.
3- أن تتبع الرخص ينافي قول الله -تعالى-: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59 ) إذ أن موضوع الخلاف موضوع تنازع، فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس، وإنما يرد إلى الشريعة.
مفاسد اتباع رخص المذاهب:
إن في إباحة تتبع رخص المذاهب مفاسد متعددة، منها:
(ا) الانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف.
(ب)الاستهانة بالدين؛ إذ يصير بهذا الاعتبار سيَّالا لا ينضبط.
(ج) ترك ما هو معلوم بالدليل إلى ما ليس بمعلوم به.
(د) انخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف.
(ه) إفضاؤه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يَخْرِقُ إجماع العلماء.
أمثلة لتتبع رخص المذاهب وتلفيقها:
المثال الأول: أن يقلد أبا حنيفة في أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، ويقلد الشافعي في أن خروج الدم لا ينقض الوضوء، ثم يصلي، فهذه الصلاة لا يقول بصحتها واحد من الإمامين.
المثال الثاني: أن يتزوج بلا ولي ولا صداق ولا شهود، فإن النكاح الخالي من هذه الثلاثة ليس بصحيح عند أحد من العلماء.
المثال الثالث: أن يأخذ بقول أهل مكة في المتعة والصرف (271) وبقول أهل المدينة في السماع (272) وإتيان النساء في أدبارهن (273) وبقول أهل الشام في الحرب والطاعة، وبقول أهل الكوفة في النبيذ (274).
حكم العلماء على من تتبع الرخص:
1- قال الأوزاعي: من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام.
2- قال الإمام أحمد: لو أن رجلا عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع، وأهل مكة في المتعة كان فاسقًا.
3- حكى البيهقي عن إسماعيل القاضي، قال: دخلت على المعتضد فرفع إليَّ كتابًا لأنظر فيه، وقد جمع فيه الرخص من زلل العلماء، وما احتجَّ به كل واحد منهم، فقلت مُصنّف هذا زنديق، فقال: ألم تصح هذه الأحاديث على ما رويت، فقلت: ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر، وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب (275).
المطلب السادس:
هل يجوز للعامي تقليد غير الأئمة الأربعة أو يلزمه تقليد واحد منهم؟
في هذه المسألة مذهبان للعلماء:
المذهب الأول: أن يلزمه تقليد أحد الأئمة الأربعة، ولا يجوز له تقليد غيرهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإليه ذهب ابن الصلاح وطائفة، حتى حكَى بعض المتأخرين الإجماع على ذلك. حجتهم: أن الأئمة الأربعة قد نُقِلت أقوالهم نقلا متواترًا خلفًا عن سلف، فانضبطت مذاهبهم، وقيدت مسائلهم وخصَّ عمومها، بخلاف غيرهم فإن اتباعهم قد انقرضوا.
قالوا: ولا يجوز للعامي تقليد الصحابة، فإن أخذ الحكم من أقوالهم يحتاج إلى بحث وتنقير لا يستطيعه العامي، وإنما يجب عليه تقليد الذين سيّروا، وبوبوا، وهذَّبوا، ونقَّحوا، وجمعوا، وفرَّقوا، وعلَّلوا وفصَّلوا.
وخلاصة ذلك: أنه يجب على العوام تقليد من تصدَّى لعلم الفقه، لا تقليد أعيان الصحابة، وهذا خاص بالأئمة الأربعة.
المذهب الثاني: أنه لا يلزمه تقليد واحد من الأئمة الأربعة، بل يجوز له تقليد من شاء من العلماء.
حجتهم: أن الله لم يوجب على أحد طاعة غير الله ورسوله، وأما غيرهم فإنما تجب طاعته تبعًا لطاعة الله ورسوله لا استقلالا.
الترجيح: والراجح هو المذهب الثاني، وهو أنه يجوز للعامي تقليد من شاء من العلماء، وهذا هو الصحيح الذي لا ينبغي العدول عنه.
وجه ترجيحه:
1- أن الله تَعَبَّد العامي بتقليد واحد من العلماء يغلب على ظنه أن الصواب معه، كما قال الله -تعالى-: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }(النحل43 ) فأوجب على من لا يعلم سؤال أهل الذكر، ولم يخصص أحد الأئمة الأربعة.
2- أن الإجماع انعقد على أن من أسلم، ولم يكن من أهل الاجتهاد، فله أن يقلد من شاء من العلماء.
3- أن الصحابة أجمعوا على أن من استفتى أحد الخلفاء الراشدين فله أن يستفتي غيرهم ويعمل بقولهم . قال العراقي: انعقد الإجماع على أن مَن أسلم ولم يكن أهلا للاجتهاد، فله أن يقلد من شاء من العلماء من غير حِجر، وأجمع الصحابة على أن مَن استفتى أبا بكر وعمر فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما، ويعمل بقولهم من غير نكير، ومن ادَّعى رفع هذين الإجماعين فعليه البيان ا. ه (278).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وإذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان، ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقوله، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معيَّن غير الرسول ( في كل ما يوجبه ويخبر به. ا. ه (279).
وقال ابن القيم -رحمه الله-: لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة، فيقلده دينه دون غيره، وقد انطوت القرون المفضلة فبرأه مبرأ أهلها من هذه النسبة، ثم قال: فيا لله العجب! ماتت مذاهب أصحاب رسول الله ( ومذاهب التابعين وتابعيهم، وسائر أئمة الإسلام، وبطلت جملةً إلا مذاهب أربعة أنفس فقط من بين سائر الأئمة والفقهاء.
وهل قال ذلك أحد من الأئمة أو دعا إليه، أو دلت عليه لفظة واحدة من كلامه عليه، والذي أوجبه الله -تعالى- ورسوله على الصحابة والتابعين وتابعيهم هو الذي أو جبه على من بعدهم إلى يوم القيامة. ا. ه (280).
المبحث السادس
في حكم العامي الذي لا يجد من يفتيه
إذا نزلت بالعامي نازلة، ولم يجد من يسأله عن حكمها، فما الحكم ؟ ويتصور فقده في حالتين:
الأولى: فقد العلم به أصلا، فهو كمن لم يرد عليه تكليف البتة.
الثانية: فقد العلم بوصفه دون أصله، كالعالم بالطهارة أو الصلاة أو الزكاة على الجملة، لكنه لا يعلم كثيرًا من تفاصيلها وتقييداتها وأحكام العوارض فيها.
في هذه المسألة مذهبان للعلماء:
المذهب الأول: أن حكمه حكم ما قبل الشرع على الخلاف في ذلك، هل حكمه الحظر، أو الإباحة، أو الوقف.
حجة هذا المذهب: أن عدم المرشد في حق العامي بمنزلة عدم المرشد بالنسبة إلى الأمة.
قال في الإنصاف: ومن عدم مفتيًا في بلده وغيره فحكمه حكم ما قبل الشرع على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع. ا. ه (281).
المذهب الثاني: أن حكمه حكم المجتهد عند تعارض الأدلة، على الخلاف في ذلك: هل يعمل بالأخف، أو بالأشد، أو يتخير؟
وجهة هذا المذهب: أن عدم وجود المفتي في حق العامي بمنزلة تعارض الأدلة بالنسبة للمجتهد.
الترجيح: والذي يترجح لي في هذه المسألة أنه يتحرى الحق بجهده، ويتقى الله ما استطاع، ويعمل بما يدل على الحق من بعض الأمارات المرجحة ولو بمنام أو إلهام، فإن لم يوجد شيء من ذلك سقط عنه التكليف.
وجه سقوط التكليف عنه عند فقد المفتي إذا لم يكن به علم ما يأتي:
1- أنه إذا كان المجتهد يسقط عنه التكليف عند تعارض الأدلة عليه - على الصحيح - فالمقلد عند فقد العلم بالعمل رأسًا أحق وأولى.
2- أن حقيقة هذه المسألة راجعة إلى العمل قبل تعلق الخطاب، والأصل في الأعمال قبل ورود الشرع سقوط التكليف؛ إذ شرط التكليف العلم بالمكلف به.
3- أنه لو كان مكلفًا بالعمل لكان تكليفًا بما لا يطاق؛ لأنه تكليف بما لا سبيل إلى الوصول إليه ولا يقدر على الامتثال، وهذا محال (282).
قال ابن القيم -رحمه الله-: والصواب أنه يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع، ويتحرى الحق بجهده ومعرفة مثله، وقد نصب الله -تعالى- على الحق أمارات كثيرة، ولم يسوِّ الله -سبحانه وتعالى- بين ما يحبه وبين ما يسخطه من كل وجه، بحيث لا يتميز هذا من هذا، ولا بد أن تكون الفِطَر السليمة مائلة إلى الحق مؤثرة له، ولا بد أن يقوم لها عليه بعض الأمارات المرجّحة ولو بمنام أو إلهام، فإنْ قُدِّرَ إرتفاع ذلك كله، وعدمت في حقه جميع الأمارات، فهنا يسقط التكليف عنه في حكم هذه النازلة، ويصير بالنسبة إليها كمن لم تبلغه الدعوة، وإن كان مكلفًا بالنسبة إلى غيرها. ا. ه (283).
من القول المفيد: للشوكاني: تحقيق عبد الرحمن عبد الخالق ، ط1 1396 ، دار القلم الكويت.
أدلة القائلين بجواز التقليد:
لما كان القائل بعدم جواز التقليد قائما من مقام المنع وكان القائل بالجواز مدعيا كان الدليل على مدعي الجواز وقد جاء المجوزون بأدلة:
أولا: منها قوله تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون قالوا فأمر سبحانه وتعالى من لا علم له أن يسأل من هو أعلم منه والجواب أن هذه الآية الشريفة واردة في سؤال خاص خارج عن محل النزاع كما يفيده ذلك السياق المذكور قبل هذا اللفظ الذي استدلوا به وبعده قال ابن جرير البغوي وأكثر المفسرين أنها نزلت على رد المشركين لما أنكروا الرسول بشرا وقد استوفى ذلك السيوطي في الدر المنثور وهذا هو المعنى الذي يفيده السياق قال الله تعالى وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وقال تعالى أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم وقال تعالى وما أرسلنا من قبلك إلا رجال نوحي إليهم من أهل القرى وعلى فرض أن المراد السؤال العام فالمأمور بسؤالهم هم أهل الذكر والذكر هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا غيرهما ولا أظن مخالفا يخالف في هذا لأن هذه الشريعة المطهرة إما من الله عز وجل وذلك هو القرآن الكريم أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك هو السنة المطهرة ولا ثالث لذلك وإذا كان المأمور بسؤالهم هم أهل القرآن والسنة فالآية المذكورة حجة على المقلدة وليست بحجة لهم لأن المراد أنهم يسألون أهل الذكر ليخبروهم به فالجواب من المسؤولين أن يقولوا قال الله كذا فيعمل السائلون بذلك وهذا هو غير ما يريده المقلد المستدل بالآية الكريمة فإنه إنما استدل بها على جواز ما هو فيه من الأخذ بأقوال الرجال من دون سؤال عن الدليل فإن هذا هو التقليد ولهذا رسموه بأنه قبول قول الغير من دون مطالبة بحجة فحاصل التقليد أن المقلد لا يسأل عن كتاب الله ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يسأل عن مذهب إمامه فقط فإذا جاوز ذلك إلى السؤال عن الكتاب والسنة فليس بمقلد وهذا يسلمه كل مقلد ولا ينكره وإذا تقرر بهذا أن المقلد إذا سأل أهل الذكر عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لم يكن مقلدا علمت أن
هذه الآية الشريفة على تسليم أن السؤال ليس عن الشيء الخاص الذي يدل عليه السياق بل عن كل شيء من الشريعة كما يزعمه المقلد تدفع في وجهه وترغم أنفه وتكسر ظهره كما قررناه.
ثانيا: ومن جملة ما استدلوا به ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث صاحب الشجة ألا سألوا إذ لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال وكذلك حديث العسيف الذي زنى بامرأة مستأجره فقال أبوه سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وإن على امرأة هذا الرجم وهو ثابت في الصحيح قالوا فلم ينكر عليه تقليد من هو أعلم منه والجواب أنه لم يرشدهم صلى الله عليه وسلم في حديث صاحب الشجة إلى السؤال عن آراء الرجال بل أرشدهم إلى السؤال عن الحكم الشرعي الثابت عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا دعا عليهم لما أفتوا بغير علم فقال صلى الله عليه وسلم قتلوه قتلهم الله مع أنهم قد أفتوا بآرائهم فكان الحديث حجة عليهم لا لهم فإنه اشتمل على أمرين أحدهما الإرشاد لهم إلى السؤال عن الحكم الثابت بالدليل والآخر الذم لهم على اعتماد الرأي والإفتاء به وهذا معلوم لكل عالم فإن المرشد إلى السؤال هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو باق بين أظهرهم فالإرشاد منه إلى السؤال وإن كان مطلقا ليس المراد به إلا سؤاله صلى الله عليه وسلم أو سؤال من قد علم هذا الحكم منه والمقلد كما عرفت سابقا لا يكون مقلدا إلا إذا لم يسأل عن الدليل أما إذا سأل عنه فليس بمقلد فكيف يتم الاحتجاج بذلك على جواز التقليد وهل يحتج عاقل على ثبوت شيء بما ينفيه وعلى صحة أمر بما يفيد فساده فانا لا نطلب منكم معشر المقلدة إلا ما دل عليه ما جئتم به فنقول لكم اسألوا أهل الذكر عن الذكر وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأعملوا به واتركوا آراء الرجال والقيل والقال ونقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تسألون فإنما شفاء العي السؤال عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا عن رأي فلان ومذهب فلان فإنكم إذا سألتم عن محض الرأي فقد قتلكم من أفتاكم به كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صاحب الشجة قتلوه قتلهم الله وأما السؤال الواقع من والد العسيف فهو إنما سأل علماء الصحابة عن حكم مسئلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يسألهم عن آرائهم ومذاهبهم وهذا يعلمه كل عالم ونحن لا نطلب من المقلد إلا أن يسأل كما سأل والد العسيف ويعمل على ما قام عليه الدليل الذي رواه له العالم المسئول ولكنه أقر على نفسه بأن لا يسأل إلا عن رأي إمامه لا عن روايته فكان استدلاله بما استدل به ههنا حجة عليه لا له والله المستعان.
ثالثا: ومن جملة ما استدلوا به ما ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه قال في الكلالة أقضي فيها فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله بريء منه وهو ما دون الولد والوالد فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إني لأستحي من الله أن أخالف أبا بكر وصح أنه قال لأبي بكر رأينا تبع لرأيك وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يأخذ بقول عمر رضي الله عنه وصح أن الشعبي قال كان ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتون الناس ابن مسعود وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وأبو موسى رضي الله عنهم وكان ثلاثة منهم يدعون قولهم لقول ثلاثة كان عبد الله يدع قوله لقول عمر وكان أبو موسى يدع قوله لقول علي وكان زيد يدع قوله لقول أبي بن كعب والجواب عن قول عمر أنه قد قيل أنه يستحي من مخالفة أبي بكر في اعترافه بجواز الخطأ عليه وإن كلامه ليس كله صوابا مأمونا عليه الخطأ وهذا وإن لم يكن ظاهر لكنه يدل عليه وما وقع من مخالفة عمر لأبي بكر في غير مسألة كمخالفته له في سبي أهل الردة وفي الأرض المغنومة فقسمها أبو بكر ووقفها عمر رضي الله عنهما وفي العطاء فقد كان أبو بكر يرى التسوية وعمر يرى المفاضلة وفي الاستخلاف فقد استخلف أبو بكر ولم يستخلف عمر بل جعل الأمر شورى وقال أن استخلف فقد استخلف أبو بكر وإن لم استخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف قال ابن عمر فوالله ما هو إلا أن ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه لا يعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وإنه غير مستخلف وخالفه أيضا في الجد والأخوة فلو كان المراد بقوله أنه يستحي من مخالفة أبي بكر في الكلالة هو ما قالوه لكان منقوضا عليهم بهذه المخالفات فإنه صح خلافه له ولم يستحي منه فما أجابوا به في هذه المخالفات فهو جوابنا عليهم في تلك الموافقة وبيانه إنهم إذا قالوا خالفه في هذه المسائل لأن اجتهاده كان على خلاف اجتهاد أبي بكر قلنا ووافقه في تلك المسألة لأن اجتهاده كان موافقا لاجتهاده وليس من التقليد في شيء وأيضا قد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقر عند موته بأنه لم يقض في الكلالة بشيء واعترف أنه لم يفهمها فلو كان قد قال بما قال به أبو بكر رضي الله عنه تقليدا له لما أقر بأنه لم يقض فيها بشيء ولا قال أنه لم يفهمها ولو سلمنا أن عمر قلد أبا بكر في هذه المسألة لم تقم بذلك حجة لما تقرر من عدم حجة أقوال الصحابة وأيضا غاية ما في ذلك تقليد علماء الصحابة من مسألة من المسائل التي يخفى فيها الصواب على المجتهد مع تسوية المخالفة فيما عدا تلك المسألة وأين هذا مما يفعله المقلدون من تقليد العالم في جميع أمور الشريعة من غير التفات إلى دليل ولا تعريج على تصحيح أو تعليل وبالجملة فلو سلمنا أن ذلك تقليد من عمر كان دليلا للمجتهد إذا لم يمكنه الاجتهاد في مسألة وأمكن غيره من المجتهدين الاجتهاد فيها أنه يجوز لذلك المجتهد أن يقلد المجتهد الآخر ما دام غير متمكن من الاجتهاد فيها إذا تضيقت عليه الحادثة وهذه مسألة أخرى غير المسالة التي يريدها المقلد وهي تقليد عالم من العلماء في جميع مسائل الدين وقبول رأيه دون روايته وعدم مطالبته بالدليل وترك النظر في الكتاب والسنة والتعويل على ما يراه من هو أحقر الآخذين بهما فإن هذا هو عين اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا كما سيأتيك بيانه وأيضا لو فرض ما زعموه من الدلالة لكان ذلك خاصا بتقليد علماء الصحابة في مسألة من المسائل فلا يصح إلحاق غيرهم بهم لما تقرر من المزايا التي للصحابة البالغة إلى حد يقصر عنه الوصف حتى صار مثل جبل أحد من متأخري الصحابة لا يعدل المد من متقدميهم ولا نصيفه وصح أنهم خير القرون فكيف نلحق بهم غيرهم وبعد الليتا والتي فبما أوجدتمونا نصا في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وليست الحجة إلا فيهما ومن ليس بمعصوم ولا حجة لنا ولا لكم في قوله ولا في فعله...
________________________________________
([1]) البقرة: 170.
([2]) لقمان: 21.
([3]) البقرة: 111.
([4]) يونس: 94.
([5]) النحل: 43 والأنبياء: 7.
([6]) لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار صادر، بيروت الطبعة الأولى، مادة: (رأى)14/291
([7]) مقاييس اللّغة لأبي الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا تحقيق عبد السَّلام محمد هَارُون، اتحاد الكتاب العرب الطبعة : 1423 ه 2002م. مادة(وزن) 6/81
([8]) تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي مصدر الكتاب :موقع الوراق http://www.alwarraq.com.مادة (أصل)
([9]) المعجم الوسيط تأليف إبراهيم مصطفى أحمد الزيات حامد عبد القادر محمد النجار تحقيق /مجمع اللغة العربية:1/42
([10]) أخرجه الترمذي في جامعه، كتاب الطهارة، باب مَا جَاءَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ فِى الْمَذْهَبِ،حديث رقم: (20) عن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بلفظ: (كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِى سَفَرٍ فَأَتَى النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- حَاجَتَهُ فَأَبْعَدَ فِى الْمَذْهَبِ)، قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.)
([11]) لسان العرب، :1/393، مادة: (ذهب). مصدر سابق
([12]) المعجم الوسيط،1/ 657، مصدر سابق
([13]) الزمر: 63 والشورى: 12
([14]) أخرجه سعيد بن منصور في سننه، باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامةبرقم:2433 مصدر الكتاب: موقع جامع الحديثhttp://www.alsunnah.com قال الباجي: قال مالك:لا أَعْرِفُهُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ، انظر المنتقى للباجي:4/351مصدر المنتقى : موقع الإسلام http://www.al-islam.com
([15]) لسان العرب:3/365.
([16])البحر المحيط للزركشي8/191. مصدر الكتاب: موقع الإسلام: http://www.al-islam.com
([17])الشَّافِعِيِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ نقلا عن الزركشي في البحر المحيط: 8/189.
([18]) هو عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن أبي الحر، وأبو الحر مالك بن الخشخاش بن جناب بن الحارث بن مجفر بن كعب بن العنبر ولعبيد الله بن الحسن قدروشرف، وله فقه كبير مأثور، وما أقل ما روى من الآثار، وأسند من الحديث.أخبار القضاة، لوكيع، مصدر الكتاب: موقع الوراق،http://www.alwarraq.com
([19])الحشوية طائفة تمسّكت في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير بصيرة في العقل، حيث قالوا بالتشبيه والتجسيم والجهة عملا بظواهر النصوص، انظر الكليات"معجم في المصطلحات والفروق اللغوية" لأبى البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفومى، مؤسسة الرسالة - بيروت - 1419ه - 1998م.تحقيق: عدنان درويش - محمد المصري، ص: 1223)
([20]) . التعليمية، طائفة زعمت أن معرفة معنى الأمور من جهة الإمام المعصوم القائم بالحق، انظر المنقذ من الضلال، ص:8 الكتاب : المنقذ من الضلال لأبي حامد الغزالي، موقع الوراق، ttp://www.alwarraq.com)
([21]) آل عمران: 190.
([22]) أخرجه ابن حبان في صحيحه، باب التوبة، ذكر البيان بأن المرء عليه إذا تخلى لزوم البكاء على ما ارتكب من الحوبات،وإن كان بائنا عنها مجدا في إتيان ضدها، حديث رقم: 622 انظر صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تأليف محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة – بيروت، الطبعة الثانية، 1414 – 1993.
([23]) الزخرف: 23.
([24]) الأمدي، الشاملة، قسم الأصول,مصدر الكتاب : موقع يعسوب باختصار وتصرف.ص:4/223- 224
([25]) غافر: 4
([26]) أخرجه الترمذي في جامعه، كتاب القدر، بابما جَاءَ فِى التَّشْدِيدِ فِى الْخَوْضِ فِى الْقَدَرِ ، حديث رقم:(2280) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ الْمُرِّىِّ. وَصَالِحٌ الْمُرِّىُّ لَهُ غَرَائِبُ يَنْفَرِدُ بِهَا لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهَا.
([27]) الأمدي، الشاملة، قسم الأصول,مصدر الكتاب : موقع يعسوب باختصار وتصرف.ص:4/223- 224
([28]) غافر:5
([29])الحج:3.
([30])الحج: 8 ولقمان: 20.
([31])النحل: 125.
([32])العنكبوت: 46.
([33])آل عمران: 191.
([34])الأنعام: 116.
([35]) أخرجه الترمذي في جامعه، كتاب الإيمان، بابباب مَا جَاءَ فِى افْتِرَاقِ هَذِهِ الأُمَّةِ، حديث رقم: 2853)،قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ مُفَسَّرٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
([36]) الآمدي:4/ 225- 228.باختصار وتصرف.
([37]) الآمدي2/339.
([38]) المصدر نفسه: 4/226.
([39]) الاستذكار لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، دار الكتب العلمية، بيروت الطبعة الأولى، 1421 – 2000 تحقيق : سالم محمد عطا ، محمد علي معوض: 5/ 329،330
([40])الآمدي4/221.
([41]) المحصول في علم الأصول، تأليف محمد بن عمر بن الحسين الرازي، الناشر : جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الرياض، الطبعة الأولى ، 1400، تحقيق : طه جابر فياض العلواني: 6/39.
([42]) هو الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب أبو علي العكبري، له الفقه والأدب والإقراء والحديث والشعر والفتيا الواسعة. لازم أبا عبد الله بن بطة إلى حين وفاته.ولد بعكبرا في المحرم سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وقيل سنة إحدى وثلاثين وسمع الحديث على كبر السن من أبي على بن الصواف وأحمد بن يوسف بن خلاد وأبي علي الطوماري في آخرين. قال الخطيب: سمعت البرقاني وذكر بحضرته ابن شهاب فقال: ثقة أمين. توفي في رجب سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ودفن بعكبرا. راجع طبقات الحنابلة، لابن أبي يعلى، مصدر الكتاب: موقع الوراق: http://www.alwarraq.com
([43]) رسالة في أصول الفقه، لأبي علي الحسن بن شهاب الحسن العكبري الحنبلي، المكتبة المكية، مكة المكرمة، الطبعة الأولى ، 1413ه-1992م، تحقيق : د.موفق بن عبد الله بن عبد القادر 1/ 128،129
([44]) الآمدي:4/ 193
([45]) المعتمد في أصول الفقه، تأليف: محمد بن علي بن الطيب البصري أبو الحسين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى ، 1403، تحقيق : خليل الميس: 2/365.
([46]) ابن حزم: الإحكام في أصول الأحكام: 6/ 227
([47]) توثيق
([48]) الآمدي: 4/ 228
([49]) النحل: 43.
([50]) الآمدي: 4/228.
([51])جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري أبو جعفر:7/586
([52]) الفرقان:21.
([53]) الدر المنثور، تأليف عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت، 1993، 6/ 141
([54]) القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد، تأليف: محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار القلم – الكويت، الطبعة الأولى، 1396، تحقيق : عبد الرحمن عبد الخالق) ص:20
([55]) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الطهارة، باب في المجروح يتيمم ، حديث رقم:337عن بن عباس قال: أصاب رجلا جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم احتلم فأمر بالاغتسال فاغتسل فمات فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال " قتلوه قتلهم الله ألم يكن شفاء العي السؤال ؟ " .قال الشيخ الألباني : حسن
([56]) متفق عليه: أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب:الصلح ، باب: إِذَا اصْطَلَحُوا عَلَى صُلْحِ جَوْرٍ فَالصُّلْحُ مَرْدُودٌ، حديث رقم:2695 و 2696. وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الحدود، باب:مَنِ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنا، حديث رقم: 4531
([57]) القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد، للشوكاني، ص:20
([58]) المصدر السابق: ص:21
([59]) الآمدي: 4/229.
([60]) القول المفيد: 20
([61]) الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي:4/229 والقول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد، للشوكاني ص:21
([62]) القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد، للشوكاني ص:21
([63]) أخرجه الترمذي في جامعه عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ كتاب:الصوم ، باب:كراهية الحجامة للصائم، برقم:779 قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِى الْبَابِ عَنْ عَلِىٍّ وَسَعْدٍ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْس وَثَوْبَانَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعَائِشَةَ وَمَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَيُقَالُ ابْنُ يَسَارٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِى مُوسَى وَبِلاَلٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى وَحَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ أَصَحُّ شيء في هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. وَذُكِرَ عَنْ عَلِىِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ أَصَحُّ شَيء في هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ لأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِى كَثِيرٍ رَوَى عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا حَدِيثَ ثَوْبَانَ وَحَدِيثَ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ. انظر جامع الترمذي:3/144
([64]) قال صاحب نصب الراية :َ ( وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كُلُّهَا مَدْخُولَةٌ ، فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي " مُصَنَّفِهِ " ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالَ : { مَا صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ } " ، زَادَ إِسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ : { إذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ فَقَدْ أَفْطَرَ }. وما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ " عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ رَجُلَيْنِ صَلَّيَا صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَكَانَا صَائِمَيْنِ ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الصَّلَاةَ ، قَالَ : أَعِيدَا وُضُوءَكُمَا وَصَلَاتَكُمَا ، وَامْضِيَا فِي صَوْمِكُمَا ، وَاقْضِيَا يَوْمًا آخَرَ ، قَالَا : لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : اغْتَبْتُمَا فُلَانًا }. وما رَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي " ضُعَفَائِهِ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : { مَرَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رَجُلَيْنِ يَحْجِمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ، فَاغْتَابَ أَحَدُهُمَا ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْآخَرُ ، فَقَالَ : أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ } " ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : لَا لِلْحِجَامَةِ ، وَلَكِنْ لِلْغِيبَةِ. وما رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمَوْضُوعَاتِ " مِنْ حَدِيثِ عَنْبَسَةَ ثَنَا بَقِيَّةُ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ جَابَانَ عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ وَيَنْقُضْنَ الْوُضُوءَ: الْكَذِبُ، وَالنَّمِيمَةُ، وَالْغِيبَةُ، وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ ، وَالْيَمِينُ الْكَاذِبُ } " .وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ : سَعِيدٌ كَذَّابٌ ، وَمِنْ سَعِيدٍ إلَى أَنَسٍ كُلُّهُمْ مَطْعُونٌ فِيهِمْ . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " كِتَابِ الْعِلَلِ " : سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ بَقِيَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ جَابَانَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالَ : " خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ " ، فَذَكَرَهُ ، فَقَالَ أَبِي : إنَّ هَذَا كَذِبٌ ، وَمَيْسَرَةُ كَانَ يَفْتَعِلُ الْحَدِيثَ. انظر نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، 2/341، تأليف عبد الله بن يوسف أبو محمد الحنفي الزيلعي، دار الحديث - مصر ، 1357ه، تحقيق: محمد يوسف البنوري.
([65]) البحر الرائق شرح كنز الدقائقللنسفي في فروع الفقه الحنفي، 6/272، تأليف: زين الدين بن إبراهيم بن محمد بن محمد المصري، الحنفي، الشهير بابن نجيم. مصدرالكتاب: موقع الإسلام: http://www.al-islam.com
([66])انظرأنوار البروق في أنواء الفروق: 8/238 مصدر الكتاب : موقع الإسلام http://www.al-islam.com والإنصاف في بيان أسباب الاختلاف:107 لأحمد بن عبد الرحيم ولي الله الدهلوي، دار النفائس – بيروت، الطبعة الثانية ، 1404، تحقيق : عبد الفتاح أبو غدة، والبحر المحيط، للزركشي، مصدر الكتاب : موقع الإسلام: http://www.al-islam.com
([67]) الإحكام في أصول الأحكام، 6/255، علي بن أحمد بن حزم الأندلسي أبو محمد، دار الحديث - القاهرة
الطبعة الأولى، 1404 ه
([68]) شرح المنهاج: 3/34
([69]) المصدر السبق: نفس الإحالة.
([70]) المصدر السابق: 3/ 35
([71]) شرح المنهاج: 3/35.
([72]) مذكرة الشنقيطي:1/276.
([73]) المصدر السابق، نفس الإحالة.
([74]) الموطأ، كتاب الزكاة، باب ما لا زكاة فيه من الفواكه والقضب والبقول، انظر موطأ مالك، رواية يحيى الليثي، دار إحياء التراث العربي – مصر، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي:1/ 276
([75])، انظر الاستذكار، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى ، 1421 – 2000 تحقيق : سالم محمد عطا ، محمد علي معوض،3/234.
([76]) السبكي، الإبهاج بشرح المنهاج، 3/36
([77]) الحشر:2.
([78])محمد بن عمر بن الحسين الرازي: المحصول في علم الأصول، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الرياض، الطبعة الأولى، ، 1400 تحقيق : طه جابر فياض العلواني1/116-117 [
([79]) الآمدي: الإحكام في أصول الأحكام، 2/70
([80]) المصدر السابق: 4/204.
([81]) المصدر السابق: 4/156
([82]) المصدر السابق: 4/204
([83])النحل:43
([84]) النساء:59
([85]) أخرج ابن جرير بسنده عن مجاهد في قوله: { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } قال: أولي الفقه والعلم. انظر، محمد بن جرير الطبري أبو جعفر جامع البيان عن تأويل آي القرآن:4/149.
([86]) أخرجه أحمد في مسنده برقم:557.
([87]) الإبهاج: 3/37
([88]) المصدر السابق، نفس الإحالة
([89]) المصدر السابق: 3/38
([90]) المصدر السابق، نفس الإحالة
([91]) المصدر السابق، نفس الإحالة
([92]) المصدر السابق، نفس الإحالة
([93]) "إعلام الموقعين" (4/261، 262).
([94]) انظر: "مجموع الفتاوى" (11/514، 20/209).
([95]) انظر المصدر السابق.
([96]) انظر (ص491) من هذا الكتاب.
([97]) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/163، 164، 11/514، 22/251 -253)، و"إعلام الموقعين" (1/49).
([98]) انظر: "مجموع الفتاوى" (222/248، 249)، و"إعلام الموقعين" (4/262).
([99]) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/8، 9، 17، 223، 224).
([100]) انظر: "مجموع الفتاوى" (22/254)، و"إعلام الموقعين" (2/275).
([101]) انظر: "مجموع الفتاوى" (10/367، 21/150).
([102]) انظر المصدر السابق (22/255، 24/154).
([103]) المصدر السابق (35/121). وانظر: "إعلام الموقعين" (2/192).
([104]) "مجموع الفتاوى" (20/216).
([105]) رواه الترمذي (4/668) برقم (2518)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني. انظر: "صحيح الجامع" (2/637) برقم (3378).
([106]) رواه البخاري (1/126) برقم (52)، ومسلم واللفظ له (11/26)، وهو قطعة من حديث مضى تخريجه في (ص349) من هذا الكتاب.
([107]) "أضواء البيان" (7/555، 556).
([108]) انظر: "الفتاوى الكبرى" (6/92 – 94)، و"إعلام الموقعين" (3/282، 283).
([109]) "إعلام الموقعين" (3/283).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.