رغم أن مؤتمر المانحين الذي عقد بالعاصمة الأفغانية كابول في 20 يوليو / تموز كان يهدف بالأساس لإحداث الوقيعة في صفوف طالبان عبر ما يسمى برنامج السلام والمصالحة ، إلا أن الوقائع على الأرض تؤكد أن هناك تهديدا جديدا ظهر فجأة ولم يكن بحسبان أوباما وكرزاي ومن شأنه أن يجهض مبكرا كافة مخططاتهما ضد الحركة والمقصود هنا حوادث إطلاق النار التي يقوم بها جنود أفغان ضد قوات الناتو. فما أن أنهى مؤتمر المانحين أعماله ، إلا وأعلنت قوات حلف شمال الأطلسي " الناتو " عن قيام جندي أفغاني بقتل جنديين أمريكيين في مدينة مزار الشريف شمال كابول . وجاء في بيان للناتو أن هذا الجندي كان يساعد في تدريب الجنود الأفغان وأنه قتل الجنديين الأمريكيين في معسكر "شاهين" التدريبي الواقع على مشارف مدينة مزار الشريف بمساعدة جندي أفغاني آخر. واختتم البيان قائلا إن الحادث الذي وقع في 20 يوليو أسفر أيضا عن إصابة جندي أفغاني وآخر تابع لحلف الناتو . واللافت للانتباه أن الحادث السابق لم يكن الأول من نوعه في الفترة الأخيرة ، ففي 13 يوليو ، قام جندي أفغاني آخر بقتل ثلاثة جنود بريطانيين في قاعدة نهر السراج بإقليم هلمند ولاذ بالفرار . ورغم أن حالة من الذهول أصابت قوات الناتو بالنظر إلى أن الجندي الهارب ينتمي لفئة عرقية مناهضة لحركة طالبان ، إلا أن تلك القوات يبدو أنها تجاهلت حقيقة أنه لا فرق بين الأفغان فيما يتعلق بالانتقام لانتهاك المقدسات والعادات . ولعل هذا ما ظهر واضحا في تصريحات أدلى بها الجندي الأفغاني الهارب لبعض وسائل الإعلام الأمريكية حيث برر انقلابه على القوات الأجنبية في أفغانستان بأنه جاء في إطار الانتقام من تلك القوات بسبب قيامها بقتل أناس أبرياء واستخدام الكلاب لتفتيش النساء وتدنيس المصحف وحرمة المساجد. بل والأرجح أن حادث قتل الجنديين الأمريكيين في مزار الشريف لن يكون الأخير من نوعه ، خاصة في ظل تصاعد غضب الأفغان تجاه القصف العشوائي للمدنيين الذي تنفذه قوات الناتو والذي تسبب في مقتل وإصابة المئات منهم . هذا بجانب أن الأمر لم يقتصر على المدنيين بل إن القصف العشوائي طال أيضا جنودا بالجيش الأفغاني ، ففي 7 يوليو ، أعلن الناتو أن الغارة الجوية التي نفذتها مروحية تابعة له شرقي أفغانستان وأسفرت عن مقتل ستة جنود من الجيش الأفغاني جاءت بسبب "خطأ في الاتصال". وجاء في بيان للحلف أن الجنود الأفغان كانوا في دورية تم التنسيق لها مع قوات الناتو بمنطقة غازني ، إلا أنه حدث خطأ في تحديد مكان الدورية ، مشيرا إلى أن مروحية تابعة له رصدت مجموعة من الأفراد يقومون بالحفر إلى جانب الطريق في منطقة شهدت العديد من التفجيرات ولذا اعتقد طاقم الطائرة أن هؤلاء الأفراد من عناصر طالبان . ما سبق يؤكد أن تخبط وفشل الناتو والذي يدفع ثمنه الأبرياء أدى إلى انتشار المقاومة بين فئات أفغانية أخرى غير طالبان وهذا هو الخطر بعينه بالنسبة لأوباما وكرزاي .
تدنيس المصحف
مسلحون من طالبان بل إن التظاهرة التي نظمها مئات الأفغان في كابول في 29 يونيو الماضي احتجاجاً على قيام جنود أمريكيين باعتقال إمام مسجد وعدد من المدرسين الدينيين وتدنيس المصحف الشريف داخل أحد المساجد أكدت أن الأسوأ لم يقع بعد وأن الحديث عن شراء مقاتلي طالبان ما هو إلا محاولة يائسة جديدة لن تجدي نفعا . فشعبية طالبان في تصاعد بسبب انتهاكات قوات الناتو ، كما أنها على الأرجح باتت تتغلغل بقوة داخل الجيش الأفغاني نفسه وهذا ما ظهر واضحا في الهجمات التي استهدفت مؤخرا قواعد عسكرية أمريكية وأكثر من موقع محصن في كابول والتي ما كانت لتتم بدون تعاون عناصر من الجيش الأفغاني مع مقاتلي الحركة . وأمام ما سبق ، فإن التوصيات التي أصدرها مؤتمر المانحين الدولي سيكون مصيرها الفشل وخاصة فيما يتعلق بدعم مطلب الرئيس الافغاني حامد كرزاي بتولي مسئولية أمن بلاده بحلول 2014 ، بالإضافة إلى دعم خطته للمصالحة مع طالبان . وكان كرزاي طالب المؤتمر بزيادة المساعدات المقدمة لأفغانستان من 20% حاليا إلى 50% من أجل زيادة عدد أفراد الجيش إلى أكثر من 170 ألفا بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2011 وأفراد الشرطة الوطنية إلى 134 ألفا علاوة على تشكيل قوة شرطة محلية جديدة في المناطق غير الآمنة وتطبيق برنامج يهدف إلى إعادة دمج ما يصل إلى 36 ألف مسلح في المجتمع على مدى الأعوام الخمسة المقبلة . وبالنظر إلى أن كرزاي كان بدأ بعرض العفو عن طالبان مقابل استسلام عناصرها في عام 2005 ولم تسفر دعوته عن نتيجة تذكر ، فإن الأرجح أن خطته الجديدة لن ترى النجاح أيضا ، خاصة في ظل انتشار الفساد داخل حكومته وفشله في تحقيق التنمية . وتبقى حقيقة هامة وهي أن زيادة قوات الناتو أضعاف ما كانت عليه في بداية الغزو لم تحقق أي من أهدافها ولم تستطع القضاء على طالبان وهذا ما يجب أن يعيه أوباما وكرزاي قبل فوات الأوان .