تدني هيبة الدولة وانفصال السلطة عن المجتمع و حاجتنا إلى ثورة سياسية.. زهير سراي / رئيس نادي الترقي الجزائري بأوروبا 21/07.2010
نقترب من الذكرى الخمسين لاستقلالنا، العيد الوطني الكبير بعد عيد نوفمبر العظيم. نحتفل بعيد الاستقلال هذه السنة كما هو احتفالنا بأعيادنا الوطنية الكبرى. فقد أصبحت هذه الاحتفالات في سنوات البؤس والشقاء، سنوات الإرهاب الدموي الجهنمي، سنوات الفساد المادي والمعنوي، سنوات النهب والطمع والميوعة والتدني السياسي الذي أصبح مرتبطا بالتدني الأخلاقي والضمير المهني. تدني هيبة الدولة وانفصال السلطة عن المجتمع. في سنوات الضياع هذه فقدت احتفالاتنا بأعيادنا الوطنية نكهتها وتحولت إلى مجرد طقوس شكلية روتينية في وقت تهيمن فيه الشعوذة بكل أشكالها ويعم فيه الدجل السياسي، وتنعدم فيه الثقة ليس بين الحكام والمواطنين فقط. وإنما بين أفراد المجتمع نفسه. لأنه لا أحد أصبح يعرف موقعه ولا مكانته. ولا الخط ولا القانون الذي يضبطه. فالكل تائه. فقوانين الرشوة والغش والفساد هي المتحكمة في دوالب الحياة العامة. فلم نعد نرى القيم الوطنية ولا السلوك السياسي السوي فضلا عن القيم والمبادئ الثورية التي تحولت إلى مبادئ وسلوكات مضادة ومعادية. فهل نستطيع، في هذا الوضع المضاد والمعادي، أن نحتفل بأعيادنا الوطنية بما تستحق من الفرح والنشوة والاطمئنان والأمل؟. كان المفروض أن الاحتفال بعيد الاستقلال هو احتفال شعبي تشارك فيه جماهير الشعب بمختلف فئاتها ومشاربها الفكرية والسياسية. فهو عيد الأمة بأكملها. ولأن الثورة التي أوصلتنا للاستقلال هي ثورة شعبية عميقة ومتجذرة. وأن الاحتفالات لا تقتصر على المهرجانات والوقوف على مقابر الشهداء لقراءة الفاتحة ترحما ووفاء لهم. وحتى هذه الزيارات المناسباتية والروتينية أصبحت تقتصر على الرسميين دون مشاركة شعبية وكان عيد الاستقلال هو عيد السلطات الرسمية وليس عيد الشعب. الاحتفال بعيد الاستقلال يفرض علينا التقييم الصارم لما أنجزناه وما ينبغي أن ننجزه مستقبلا. وأن يتم التقييم بكامل الوضوح والشفافية وبالمشاركة الشعبية. نكشف أخطاءنا، نتجنب منها ما نتجنب نحاسب من نحاسب على القصور والإهمال. غياب التقييم الصارم وعدم المحاسبة والعقاب جعل مشاكلنا تتراكم وتستعصي على الحل. ثقافة الإهمال والتسيب تترسخ وتتغلغل داخل دوالب الدولة وخارجها جعلتنا نستنزف المبادئ والقيم التي رسختها ثورة نوفمبر العظيمة ونهدر السمعة الكبيرة التي حققتها لنا على المستوى العالمي وفي الاستقلال كلفتنا استنزاف طاقات البلاد المادية والبشرية الهائلة. كان المنطق وطبائع الأشياء أن نحتفل بعيد الاستقلال كل سنة أن نكون حققنا إنجازات تسير بنا نحو التقدم تجعل استقلالنا أكثر أمانا ومناعة وقوة، ومجتمعنا أكثر تطورا أكثر استقرارا وطمأنينة على مستقبله ومستقبل أبنائه. من خلال وسائل الإعلام الرسمية والخاصة نعرف أن الملايير من الدنانير والدولارات تضخ في جميع القطاعات طبعا لا يقال لنا عن المليارات التي تهرب والتي تختلس أو تذهب هدرا دون محاسبة ولا عقاب. دوريا تقدم لنا الأرقام الهائلة عن الإنجازات في كل الميادين، ميادين السكن والمدارس والجامعات والمستشفيات والهياكل القاعدية وغيرها. نادرا ما نسمع عن نوعية ما تقدمه تلك الإنجازات بالنسبة للمجتمع وانعكاساتها نوعيا على حياته. نوعية المدرسة، نوعية الجامعة، مستواها ومردودها العلمي، مستوى الخدمات الصحية، المواصلات، نوعية الخدمة العمومية. فمنذ ثلاثين سنة أي منذ انعقاد المؤتمر الاستثنائي 1980 ونحن نتحدث عن الإصلاحات الاقتصادية وإعداد البلاد ما بعد البترول. ثلاثة عقود من الزمن لم تغير شيئا جوهريا في الاتجاه الصحيح، لأن هذه الإصلاحات كانت دون أهداف محددة ومعزولة عن السياق السياسي. أحداث أكتوبر 1988، المأساوية والدامية كان يمكن لها أن تكون فرصة لإحداث التغيرات الجذرية التي كانت تحتاجها البلاد لإحداث نقلة نوعية في اتجاه التحديث والتقدم. القرارات العشوائية والتخبط جعلت مسيرتنا تتجه نحو الخلف بدل السير إلى الأمام، في غياب إصلاحات سياسية عميقة وشاملة. لقد وصلنا إلى الطريق المسدود، لم يعد وضع البلاد يحتمل الجميع تقريبا، أصبح يعتقد أن هذا الوضع سيسوقنا إلى انفجار عام وعنيف، ربما يعيدنا إلى مربع الأزمة الأول. لم تعد المعالجات الجزئية ولا القرارات العشوائية مجدية. البلاد في حاجة إلى ثورة سياسية تخرجنا من مستنقع التعفن. نحن في حاجة إلى الانتقال من أرضية ملوثة إلى أرض جديدة لم يلحقها التلوث. بناء الدولة، المؤسسات الشرعية بسلطاتها النافذة، تأسيس شرعية غير مغشوشة وغير مطعونة، قضية الحرية واحترام حقوق المواطن، العدالة الشفافة التي تحمي المواطن ولا يخافها. دون ثورة سياسية تطهر البلاد من الفساد بكل أشكاله تقضي على الميوعة والترهل سنبقى نتخبط ونغرق في التعفن في انتظار الكارثة... زهير سراي