حديث الجمعة أحلام مواطن ما يزال يؤمن بالجمهورية ------------------------------------------------------------------------ بقلم بسام بونني أحلم بأن تدخل بلادنا التاريخ من بابه الكبير. أحلم أن تختفي عناوين الاعتقالات والحجز والحجب والاعتداءات والتضييقات والمضايقات والمحاصرات. أحلم بأن تختفي لغة المناشدات ومعها منهج التعديلات. أحلم بالفصل بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحزب الحاكم. أحلم بالوضوح في النيات وكبح جماح الطموحات وعدم اقتياد البلاد والعباد إلى المتاهات. أحلم بالتداول على السلطة وحق كل تونسي في الترشح للانتخابات. أحلم بدستور جديد لا يجامل ولا يعادي، التونسي فيه مواطن عزيز. أحلم ببرلمان وطني ... ذلك الذي حلُم به أجدادي وخلدته تلك الصورة التاريخية التي التقطت في أفريل 1938. أحلم بالتعددية السياسية والمواطنة الحقيقية والمحاسبة الفعلية. أحلم بحرية التظاهر والاجتماع وتكوين الأحزاب وعقد الندوات والمؤتمرات. أحلم بالسلم والأمن والاعتدال والوسطية والعدالة الاجتماعية والقضاء المستقلّ. أحلم بالشفافية ونظافة الأيدي. أحلم بالحق في الاختلاف في بلد القادة الأبطال والقديسين الشهداء والأولياء الصالحين والمناضلين الأبرار. أحلم بالحرية والديمقراطية داخل الحزب الحاكم وفي صفوف المعارضة. أحلم بإطلاق سراح جميع المساجين السياسيين وعلى رأسهم سجين العشرينية، الشيخ الصادق شورو، وسجين الصحافة، الفاهم بوكدوس، ومعتقَلو الجامعة من طلبة. فمكان هؤلاء الطبيعي في النور لا في الظلمة. أحلم بعودة مئات التونسيين من مهجرهم وطي صفحات يعود بعضها لستينيات القرن الماضي. أحلم بلقاء "عمّ" علي بن سالم في باريس وعبد الوهاب الهاني في تونس. أحلم بعودة الهادي يحمد إلى الديار. أحلم بإلغاء المراقبة الإدارية والإجراءات التعسفية والتنصت على المكالمات الهاتفية. أحلم بحلّ مشكلة الرابطة وجمعية القضاة ونقابة الصحفيين واتحاد الطلبة. أحلم برفع الحصار عن جمعية نساء ديمقراطيات. أحلم بترخيص منظمة الدفاع عن اللائكية وحرية وإنصاف ورابطة الكتاب الأحرار والمجلس الوطني للحريات. أحلم بالإبقاء على الفصل العاشر لقانون الاتحاد. أحلم بإغلاق ملفّ الرديف والتفريج عن كلّ كربة هزت أركان الوطن. أحلم بأن يجد كلّ معوز نصيرا وكلّ عاطل عن العمل كفيلا فلا يشعر بنفسه لا عالة ولا عليلا. أحلم بإلغاء المنشور 108 ووقف تتبع المحجبات. أحلم بأن يصبح هشام جعيط نجما وضيفا قارّا على فضائياتنا وأن يُعاد الاعتبار لشيوخنا العلماء من التميمي وبن عاشور إلى النجار مرورا بخليف، قبل أن تلتهمنا فتاوي الشذوذ من رأس "الفكرون". أحلم بأن أعيش اليوم الذي حين أصادف فيه أحد أعضاء فرقة الجعايبي-بكار أسارع بتهنئته على آخر عرض لا بسؤاله عن الكلمات والمقاطع التي طلبت الرقابة مسحها من النص. أحلم بالسلطة الرابعة. أحلم بحرية إطلاق الفضائيات والإذاعات وتأسيس الصحف والمجلات. أحلم بفتح المجال لوسائل الإعلام الأجنبية لتغطية الشأن التونسي. لكن، قبل ذلك، أحلم بأن يمارس الصحفي التونسي عمله بحُرية. أحلم بأن لا تعتبرني السلطة عدوا إن انتقدتها ولا تنعتني المعارضة بالعميل إن عاتبتها بل مواطنا يضمر لهما الخير الذي على نفسيهما يستكثران. أحلم بالتجول في العاصمة دون أن ألتفت يمينا أو شمالا. أتناول فطور الصباح مع مساعد الوزير والغداء مع بن بريك والشاي مع الشماري والعشاء مع الطريفي. أحلم بأن يعاتبني المسؤول على مقالي لا أن يصدر قرارا بسجني أنا وأفكاري. أحلم بأن يكتب المدون "زد" بهويته الحقيقية دون خوف ولا رعب. أحلم بأن يُحال "عمار" على التقاعد ومعه وكلّ الأوصياء على حرية الإبحار. أحلم بفتح اليوتيوب والديلي موشيون وتونس نيوز ونواةِ. أحلم بمحاكمة القائمين على صحف المجاري محاكمة شعبية وإنزال أشدّ عقاب بهم دوّنه التاريخ، عقاب سيدّنا موسى عليه السلام للسامري بالوحدة في الدنيا. أحلم بإلغاء الوكالة التونسية للاتصال الخارجي ومعها "المصدر المأذون" وقبلهما "تجميل صورة تونس". فالتجميل كلمة تحيل إلى الاصطناع، والاصطناع زائل بزوال الحاجة إليه. فلماذا اللجوء للمساحيق للتجميل إذا كان بالإمكان الحفاظ على الجمال أصلا من خلال التوفيق بين الخطاب والممارسة ؟ أحلم ... فهل في ذلك عيب ؟ أليس العيب في من لا يحلم ويمنعنا من أن نحلم ؟