بالأمس، قرأت مقالة الأديب التونسي الصحافي الطاهر العبيدي " مهاجرون متى يستيقظون" فوجدت فيها القليل مما يُفرح، والكثير مما يُؤسف ويُحزن. القليل مما يُفرح، هو أن أديبنا الطاهر العبيدي عاد إلى لعب دوره الإعلامي المميّز بين أهل الفكر والقلم الناطقين بلغة الضاد في المهجر الفرنسي والأوروبي بمقالته المذكورة أعلاه، والتي أضاء من خلالها على الأوضاع الحياتية المؤلمة لِ " أغلبية المهاجرين العرب" في باريس. أمّا الكثير المؤسف والمُحزن، هو نقله لصورة، قد تكون فريدة، لمهاجر يصطاد" ما تقيأته الشوارع"، وتجاهله، وأعتقد من غير قصد، ذكر المهاجر العربي المتحرر من الذّل والخمول، والذي يأبى القيام بكل ما لا يليق بشرفه وعزّة نفسه وكرامة وطنه؟. لقد كان في منتهى القساوة بحق المهاجرين العرب عندما كتب عبارته : " فلا أحد من هؤلاء يدفعه الفضول لمجرد زيارة متحف اللوفر ... وغيرها الكثير من المعالم والمواقع التاريخية الرائعة ". وهو العليم، كونه أضاء في السابق على الكثير، من المهاحرين العرب العلماء في مراكز الأبحاث حيث ينكبّون على دراسة طبائع الأشياء ليستخرجوا منها الفوائد لخير الإنسانية، ومنهم من أبدع في العديد من مجالات الفنون الجميلة، ويمكن الإشارة إلى أن الشركات والمؤسسات الإقتصادية، العلمية والثقافية لا تختارهم على أساس عاطفي أو إنساني، بل تأخذ بعين الاعتبار قدراتهم الفعلية لأن التعاون مع هذه القدرات مربحة بحد ذاتها، وكل مراقب للحركة العلميّة، والثقافية في فرنسا، يلاحظ مدى مساهمة المهاجرون العرب في انعاش هذه الحركة. وكم كان مؤذياً في اشارته إلى الذين استفادوا من "الإعانات الإجتماعية التي تخلف نوعاً من الذّل المستتر" . ألا يعلم أن المهاجر العربي في فرنسا ليس كباقي المهاجرين الأفارقة، أو الأسيايون، أو حتى الأوروبيون من دول الاتحاد السوفياتي السابق، الذين يتكلون على المؤسسات الخيرية في تأمين حاجاته المعيشية، فنفسه تأبى أن تقبل صدقة أو هبة من أية جهة كانت، والمعروف في فرنسا عن شخصية المهاجر العربي أنها مليئة بالحيوية والنشاط والقدرة على التدبير، فيكفي أن يحصل على التصاريح القانونية من اقامة وعمل، حتى ينخرط في معارك التسابق الإقتصادي، العلمي، الفني والاجتماعي، وقد يكون هذا هو سر نجاحه وتفوقه. فلماذا تجاهل الألوف من المهاجرين العرب الذين جاهدوا بشرف وحيوية لينالوا حقوق حياتهم الجيدة التي لم يمنَ بها عليهم أحد ؟. المهاجرون العرب في فرنسا هم من أصحاب المهن الحرّة، ومن أصحاب الكفاءات والرتب العالية في الشركات التجارية، المصانع، المزارع، المستشفيات، دور الصحافة والنشر، المصارف والمتاجر، وبعض مؤسسات الدولة الرسمية، وهناك مهاجرون عرب حوّلوا هجرتهم القصريّة الى فرصة حياة لهم، ولأهلهم في الوطن الذي هجروه، إذ نجد بينهم رجال ونساء أعمال ناجحة حققت اساطير في النجاح. أمّا قوله: " يعودون جنائز للبلد" أذكره بالآية الكريمة:" وما تدري نفسُ ماذا تكسب غداً، وما تدري نفسُ بأيّ أرضٍ تموت". عندما كنت أقرأ مقالاً، أو كتاباً، لأديبنا الطاهر العبيدي، كنت أحس بأن هذا الإنسان في منتهى الشجاعة، وأنه من أنقياء القلوب والنفوس، وقد أبرز في كتاباته، ومقابلاته الصحفية، الكثير من الوجوه المنيرة من أبناء المهاجرين العرب، فلماذا لم يرَ في مقالته هذه ألا النصف الفارغ من كأس مرارة المهاجرين العرب في باريس ؟. رأيت في هذه المقالة أن هناك أموراً هامة لا بدّ من التعليق عليها لإعطائها المكان اللائق بها في ذهن القارئ المتتبع لأحوال المهاجرين العرب في باريس، والكل يعلم أن حال هؤلاء المهاجرين ، فقر وثروة، جوع وشبع، مهاجر يلعب ب " اليورو" ,آخر يشتهي ال " سنتيم "، مهاجر سعيد يلبس الحرير، ويغتسل بالعطور، ومهاجر تعيس يفترش الرصيف، ويبكي عضُ الجوع، وهذه هي حال المهاجرين في العالم أجمع. ورحم الله من قال:" أيها المهاجرون لا تقولوا قد أصبحنا بين أمم حرّة فلننس عبودية الأمة التي خرجنا منها، فإذا لم تكونوا أنتم أحراراً من أمةٍ حرّة فحريات الأمم عارُ عليكم ".