الرياض- قبل أيام قليلة من استقبال هلال شهر رمضان المبارك.. اكتظت المجمعات التجارية الكبرى "المولات" في العاصمة السعودية الرياض بملصقات دعائية لعشرات المسلسلات الدرامية والكوميدية والبرامج التي تعتزم الفضائيات العربية تقديمها خلال أيام الشهر الكريم، في ظاهرة تحدث لأول مرة بالرياض؛ حيث كانت المسلسلات تكتفي بالإعلان عن نفسها في الصحف والمجلات. واعتبر خبراء اجتماعيون وإعلاميون في تصريحات خاصة ل"إسلام أون لاين" الأحد 8/8/2010 هذه الظاهرة "أمرا طبيعيا في سياق التنافس المحتدم بين الفضائيات على سرقة أوقات الناس" وفي ظل "حالة الانفتاح الإعلامي الذي شهدته المملكة في السنوات الأخيرة"، فيما انتقدها داعية سعودي مشددا على أنّ الشهر الكريم "هو شهر عبادة وطاعة وليس شهرا للتسمر أمام شاشات الفضائيات". "السعودية" تنافس وتشتمل الملصقات الإعلانية المنتشر بالمجمعات التجارية على صورة كبيرة للبطل أو النجم الأبرز واسم العمل وقناة عرضه، مع إضافة بعض المؤثّرات الضوئية والألوان الساطعة، في حين كان لافتا طمس أعين الفنانات أو معالجتها بالتظليل الخفيف، لكي يتلاءم الملصق مع طبيعة المجتمع السعودي المحافظة. ودخل التلفزيون السعودي على خط المنافسة بقوة هذا العام ممثلا بالقناة السعودية الأولي؛ حيث أعلنت القناة مبكرا عن خطة برامجية للشهر الكريم تشمل خمسة مسلسلات سعودية حصرية مدججة بنجوم الكوميديا والتراجيديا السعوديين، إضافة إلى مجموعة من البرامج الفكاهية وبرامج المسابقات. كما دخلت القناة الأولى السعودية في سباق الملصقات الإعلانية بالمجمعات التجارية الكبرى أيضا، لكنها اكتفت في ملصقاتها بالإشارة بشكل عام إلى أنها ستكون متميزة في رمضان هذا العام، حيث جاء الملصق الإعلاني لها بسيطا وحمل عبارة: "القناة السعودية الأولي.. تألقا في رمضان". وعد بعض المراقبين هذا الزخم في البرامج والمسلسلات من قبل القناة الأولي السعودية تهديدا للفضائيات ورغبة حثيثة في لفت المشاهد السعودي ومنافسة الفضائيات الخاصة التي تستهدف السوق الإعلانية السعودية. ولم تنأ القنوات الدينية بنفسها عن السباق المحموم للفوز بنصيب من كعكة المشاهدين في السعودية؛ حيث قابلت دعايات القنوات العامة لمسلسلاتها وبرامجها بدعايات مماثلة لبرامجها الرمضانية لكنها أقل زخما بطبيعة الحال، وهو وضع وصفه بعض المراقبين بأنه "حرب ضروس" بين الفضائيات على الفوز بأكبر حصة من المشاهدين في هذا الشهر الكريم. استياء في الشارع السعودي "إسلام أون لاين.نت" استطلعت رأى الشارع السعودي في ظاهرة الإعلان عن المسلسلات بهذا الزخم في المجمعات التجارية وبهذا الشكل الجديد على المجتمع السعودي. أحمد الشمري اعتبر أنّ الدعاية لمسلسلات رمضان بهذا الشكل "أمر غير مقبول" وفيه "تجني على خصوصية هذا الشهر وعلى سماته الإسلامية خاصة في دولة مثل السعودية راعية الحرمين الشريفين". وقال: "لو كان الأمر دعاية عن برامج دينية لكان مقبولا"، مضيفا أنّ "أصحاب هذه القنوات يروجون بهذه الطريقة للرأي الذي يقول: إنّ شهر رمضان هو شهر للمسلسلات والأفلام". وطالب الشمري الجهات المختصة ب"ضمان احترام خصوصية هذا الشهر الكريم واتخاذ خطوات فورية باتجاه إزالة مثل هذه الملصقات الإعلانية". واتفق معه صالح الراشد قائلا: "مع هذا الكم من المسلسلات والبرامج على عشرات القنوات.. متى يصلى الفرد الفرائض والتراويح والتهجد؟ ومتى يقيم الليل؟ ومتى يذكر الله ويقرأ القرءان ويؤدى الصدقات ويبر الأقارب؟ وكل الأمور التي تقربنا من الله عزّ وجلّ في هذا الشهر المبارك". وأضاف: "تجهز القنوات الفضائية كل عام عشرات المسلسلات والبرامج الترفيهية والغرض واضح هو: تشتيتنا عن أداء العبادات والفرائض في رمضان". وتساءل أحدهم مستغربا عن دور الهيئة في التصدي لمثل هذه الظاهرة التي ستلهي الناس – كما يقول - عن العبادة والطاعة في شهر رمضان. بدورة أوضح مسؤول في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض أنّ الهيئة تقوم في مثل هذه الحالات بمخاطبة الجهات المعنية (إدارة السوق) وتذكرها بالأنظمة واللوائح التي تمنع الإعلان بصور النساء أو الدعاية للمسلسلات، مشددا في تصريحات خاصة ل" إسلام أون لاين.نت" على أنها لا تقوم بإزالة الإعلانات بشكل مباشر. وأضاف المسؤول - الذي طلب عدم ذكر اسمه -: "في العادة - والحمد لله - نجد استجابة من إدارة السوق التي تقوم بإزالة مثل هذه الملصقات". وحول سر وجود مثل هذه الملصقات في المجمعات التجارية منذ فترة دون تدخل من الهيئة، قال المسؤول: "ربما لم يصل للهيئة إخبارية بذلك، وبمجرد وصول الهيئة خبرا بمثل هذه المخالفة سيتم إزالتها بالتنسيق مع إدارة السوق". "لصوص الأوقات" ومن جهته قال الأستاذ بقسم الإعلام في كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، الدكتور صالح الربيعان، "إنّ الإعلانات أمر طبيعي خاصة في المناسبات مثل شهر رمضان، والمولات (المجمعات التجارية) هي المكان المناسب لها والتنافس بين المعلنين أمر طبيعي أيضا فهم لصوص يتنافسون على سرقة أوقات الناس كما قرأت في أحد المقالات". وأوضح في تصريحات خاصة ل "إسلام أون لاين.نت" "إنّ الغرض من هذه الملصقات دعائي وتسويقي، فأفضل مكان لمروجي مثل هذه المسلسلات هو الأسواق والمولات التي يرتادها الجمهور المستهدف من النساء والشباب والشابات خاصة في مثل هذه الأوقات التي تخرج الأسر لشراء احتياجات الشهر الكريم". وتابع: "الأسواق في الأساس بها مساحة مهيئة للإعلانات مثل اللوحات الإعلانية وحتى صناديق المحاسبة مهيئة بأماكن للإعلان عليها، ولم يبق إلا أن تلصق الإعلانات على جباه الناس وظهورهم". إفراز للانفتاح الإعلامي أستاذ علم الاجتماع المساعد بكلية الآداب جامعة الملك سعود بالرياض الدكتور ناصر بن سلمان العسيري رأى من جانبه أنّ الإعلان بهذا الشكل عن المسلسلات هو إفراز طبيعي لحالة "الانفتاح الإعلامي الذي شهدته المملكة في السنوات الأخيرة"، مشيرا في تصريحات خاصة ل "إسلام أون لاين.نت" إلى أنّ المجتمع السعودي كان منغلقا على ذاته منذ نحو 20 عاما وأصبح الآن يعج بمئات القنوات السعودية وغير السعودية". وقال "إنّ الإعلان عن المسلسلات بهذا الشكل موجود في مجتمعات عربية كثيرة مثل سوريا ومصر، والسعودية ليست في غزله عما يدور حولها". وأضاف: "هذه طريقة من طرق التسويق وهدفها تجاري بالأساس، لكن قد لا يُراعي فيها قيم وثقافة المجتمع". وطالب بأن يكون هناك رقابة من الجهات المختصة على مثل هذه الإعلانات سواء على الهدف منها والرسالة التي تقدمها. دعوة للمقاطعة الأستاذ الدكتور محمد المسند عضو الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم أعرب عن استيائه من مثل هذه الملصقات والدعايات لما يعرف ب"مسلسلات رمضان" قائلا: "هذا الشهر ليس شهر مسلسلات وإنما هو شهر عبادة وطاعة". وأضاف في تصريحات خاصة ل "إسلام أون لاين.نت": "لا يخفي على أحد أنّ مثل هذه المسلسلات والترويج لها هي أمور تجارية حيث يستغل البعض هذا الشهر لتحقيق أرباح طائلة من وراء الإعلانات التي تأتي بسبب هذه المسلسلات فهي وسيلة للتكسب المادي إضافة إلى بث ما يريدونه من أفكار". ودعا إلى "مقاطعة مثل هذه المسلسلات في كل وقت وليس في شهر رمضان فقط فهي مسلسلات هابطة وفيها الكثير من المنكرات"، معتبرا أنّ "الواجب على المسلمين هو الانشغال بالعبادة عامة وفي هذا الشهر بصفة خاصة". وأشار إلى أنّ "القنوات الدينية تعرض مسلسلات نظيفة ليس فيها منكرات ويمكن أن تكون بديلا لعامة الناس، أما الأخيار خاصة فيجب ألا ينشغلوا بمثل هذه الأمور وينشغلوا بالعبادة والطاعة والدعوة في هذا الشهر بصفة خاصة". حرب إلكترونية مستعرة وفي سياق متصل، وفي ظل هذه الحرب الدائرة بين القنوات سواء العامة العربية والخليجية والسعودية أو القنوات الدينية للترويج لبرامجها ومسلسلاتها خلال الشهر الكريم، تدور حرب إلكترونية على المنتديات الإلكترونية السعودية بين فريق يدعو إلى مقاطعة هذه المسلسلات، وفريق آخر يروج لها ولقنوات وأوقات عرضها. وتشهد هذه الحملات تفاعلا كبيرا من الزوار، واعتبر المشاركون فيها أنّ الخاسر الوحيد من هذه المسلسلات هو المشاهد حيث يخسر الفرص المتاحة للمغفرة والرحمة والتقرب من الله في الشهر الكريم، أما الفائزون فهم: منتجي القنوات، والفضائيات التي تستغل المسلسلات في تحقيق الملايين من وراء الإعلان، وشركات الأغذية والمنتجات التي تروج لمنتجاتها في الشهر الكريم