مأساة المهجرين التونسيين: أما آن الأوان لتمكين جميع المهجرين من العودة إلى بلادهم في جو من الكرامة والطمأنينة؟ *الأستاذ محمد النوري / تونس تونس تتسع لجميع أبنائها، فلماذا يقع حرمان شريحة هامة من الشعب التونسي؟ تم تهجير المنتمين إليها وأرغموهم على الخروج من بلادهم وتركوها كرها تحت وطأة الخوف من الملاحقة أو تفاديا للتعذيب الذي قد يقع تسليطه عليهم في إطار محاكمات غير عادلة تمت في ظروف غير عادية . فقد وقع حرمان المهجرين التونسيين من ابسط الحقوق التي يخولها لهم حق المواطنة ومن بينها حق العودة إلى وطنهم معززين مكرمين مرفوعي الرأس . إن الذريعة التي يقع اللجوء إليها عادة لتبرير هذا الحرمان تتمثل في وجوب تسوية الوضعية القانونية للمهجرين فرادى في حين أن التهجير بالنسبة لمجموعات منهم تم في ظروف سياسية خانقة ليس هنا المجال للحديث عنها وتبعا لذلك فان التسوية ينبغي أن تكون سياسية في إطار قرار جريء لا يترك مكانا للضغينة أو اللجوء إلى الانتقام . فقد طالب المجتمع المدني وما فتئ يطالب منذ فترة طويلة وفي كل مناسبة بسن عفو تشريعي عام يرجع للمهجرين والمحاكمين منهم حقوقهم كاملة، وفي انتظار ذلك ينبغي فتح الباب واسعا لتسهيل رجوع المهجرين إلى بلادهم ومن بينهم من وقعت محاكمتهم غيابيا منذ أمد بعيد وصدرت ضدهم أحكام غيابية وذلك بتمكينهم من استرداد حقوقهم كاملة طبقا لمقتضيات القانون التونسي الذي ينص في الفصل الخامس من مجلة الإجراءات الجزائية على أن الدعوى العمومية تسقط بمرور عشرة أعوام كاملة إذا كانت ناتجة عن جناية وبمرور ثلاثة أعوام كاملة إذا كانت ناتجة عن جنحة ومدة السقوط يعلقها كل مانع قانوني واعتبرت محكمة التعقيب بتاريخ 16 مارس 1977 في قرارها عدد 960 أن الحكم الغيابي لا يقطع اجل السقوط بالنسبة للدعوى العمومية بمعنى أن الحكم الغيابي يعتبر كأن لم يصدر في حق من لم يبلغه الاستدعاء، إذ ورد بالقرار المذكور''إن الحكم الغيابي الذي لم يقع الإعلام به لشخص المحكوم ضده لا يعتبر من الأحكام الباتة وتبعا لذلك لا يجري أجل سقوطه وإنما يجري بشأنه أجل سقوط الدعوى العمومية''، ونص الفصل 349 من مجلة الإجراءات الجنائية على أن العقوبات المحكوم بها تسقط في الجنايات بمضي عشرين سنة وتسقط في الجنح بمرور خمسة أعوام كاملة، ونحن نلاحظ هنا بأن الأغلبية الساحقة من المهجرين تنطبق بشأنهم مقتضيات الفصل الخامس أو مقتضيات الفصل 349 ويتمتعون تبعا لذلك إمّا بسقوط حق التتبع الجاري ضدهم أو بسقوط الأحكام بالسجن الصادرة ضدهم. ونحن نطالب بتطبيق القانون بشأنهم تطبيقا سليما تراعى فيه مصلحة المحاكمين وعدم التذرع بتأويل خاطئ يعطل تطبيقه بالنسبة للمستفيدين منه، فقد كان القانون الجزائي يطبق في الماضي القريب بصورة آلية، حيث كان المهجرون يتمتعون بدون مواربة وبدون تلكِؤ بفسخ الأحكام الغيابية التي مضى على صدورها أكثر من عشر سنوات وعدم التذكير بصدورها في أجهزة الإعلامية واعتبار كأنها لم تكن آنذاك يمكن لمجموعات هامة من المهجرين الرجوع إلى بلادهم آمنين من أي تتبع كما ينبغي التمديد في صلاحيات جوازات السفر بالنسبة للمغتربين بدون استثناء وتمكين جميع المواطنين من جوازات سفر تمكنهم من السفر بكل حرية ذهابا وإيابا حيث شاؤوا، وكان رجال القانون يطمئنون المهاجرين ممن وقعت محاكمتهم وصدرت بشأنهم أحكام وينصحونهم بالعودة إلى بلادهم بصدق وعن رويّة ويعدونهم بعدم التعرض لهم من طرف أعوان الأمن وعدم القبض عليهم أو ملاحقتهم بمجرد أن تطأ أقدامهم أرض الوطن وكان المحامون يتحققون قبل ذلك من فسخ السوابق العدلية بمضي أجل السقوط على أنه في صورة وقوع سهو أدى للإبقاء على السوابق العدلية لحرفائهم فإن طلبا بسيطا يقع تقديمه من طرف المحامي للسيد الوكيل العام للجمهورية في حق حريفه المتمتع بسقوط التتبع أو سقوط العقاب يؤدي للتشطيب على السوابق التي بقيت مرسمة ضده، أما الآن فإن دعوة اللاجئ السياسي إلى وطنه تستوجب إجراء مباحثات في القنصليات التونسية بالبلاد التي يقطنونها. إذا ما ابتعدنا عن السياسة واعتبرنا الموضوع يتعلق بأمور قانونية فقط فإنه يمكن الجزم بأن الحل لمعضلة المهجرين التونسيين بسيط إذ يكفي تفعيل المبادئ القانونية بخصوص التتبعات الجزائية وآجال سقوطها وتطبيقها في حقهم تطبيقا سليما، وينتج عن ذلك وبكل بساطة تمكينهم من العودة الهادئة إلى بلادهم معززين مكرمين. أما إذا اعتبرنا أن الموضوع سياسي وقد أريد له أن يكون كذلك فإنه ينبغي التفكير في اتخاذ قرار سياسي جريء يقضي بتمكين المهجرين من عودة كريمة لبلدهم تونس الذي يتسع لكل أبنائه وأنه لا أحد يستفيد من تعطيل فض هذه المعضلة بل بالعكس فإن فضها بسرعة يبعث الأمل في انفراج الوضع السياسي.